كنا نغتدي قبل الطير ونعود بعدها، متلبسين بالصمت، لا ينتزعنا منه إلا الشعر والغناء. وإذا تكلمنا نعني ما نقول ونلتزم به ولو على قطع الرقاب.
لم نكن نتكلم إلا نادرا، وكان كلامنا، أما حكمة، أو مَثَلْ يناسب الحدث ويعبّر عنه بأبلغ ما يكون!
إذا رأينا من تجاوز الحدود في الكلام قلنا:" ما أحسنني ساكت" أو: " فمٌ ساكت خير من ملئه ذهبا"، أو كما قال ألجواهري:
" الصمت أحسن ما يطوى عليه فمٌ ".
تعلمنا الغناء من أصوات العصافير وحفيف الرياح وخرير المياة، وعشقنا الجمال من الزهر واللوز والبرك والكادي. وتعلّمنا الصمت من الأنعام التي نراها صابرة صامتة، أسماءها فيها دلالة على التسامح والتفاؤل؛ " سمحان " رقبته عوجاء، لكنها لا تعيبه، بقدر ما تُعلّم صاحبه التأني وحبس الكلام، لينضج قبل الخروج، و "سعيدان " الذي لا يصدر منه الصوت إلا إذا لزم الأمر، يُعلّم صاحبه أيضا لغة الصمت والصبر.
حتى في صلواتنا ودعواتنا، لا صياح ولا نياح في المايكروفونات، بل تضرعا وخفية، فالله تعالى سميع عليم.
كنا بسطاء وسعداء صامتين ، لا يذوب صمتنا إلا في مواجهة الإله بالتضرع والدعاء، أو في مواجهة الحبيب بالبكاء أو الغناء.
يا ترى ما الذي أذاب صمتنا ذاك ؟ حتى أصبحت فواتير كلامنا بمئات الريالات..!
تعليق