حفظ الأبواب الأربعة قال ابن القيم: "من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات،والخطرات، واللفظات، والخطوات. فينبغي أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة، يلازم الرباط على ثغورها؛ فمنها يدخل العدو، فيجوس خلال الديار، ويتبر ما علا تتبيراً... وأكثر ما تدخل المعاصي على العبد من هذه الأبواب الأربعة"().
وكذا انشغاله بما لا يعنيه؛ فإنه يلج من هذه الأبواب، ولذا فلا بدَّ من الوقوف معها:
أولاً: النظر لا غنى للإنسان عن بصر ينظر به طريقه، ويعرف به مكانه، ويدرك به حاجته، ويتأمل به في
خـلـــق ربه.. لكن المتأمل في واقعنا يرى مدى التجاوز بهذه النعمة العظيمة إلى ما لا يعني، من التـوسـع في النظر المركز إلى المباحات من بيوت ومراكب ومتاجر ولوحات..
مما يعيق الناظر عن التقدم ((لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر))[{المدثر: 37]} ويتطلب من الجادين مجاهدة للنفس في تركه واجتنابه. هذا فضلاً عن المكروهات من النظر للقراءة فـي غثِّ الكتب والمجلات، كالقصص الخيالية والبوليسية التي ليس فيها إلا مجرد الاستمتاع النفـسـي بـتـصـور الأحداث، وكالزوايا المفرغة من المحتوى المفيد كأخبار الرياضة والفنّ،
وأخبار الكلاب ونحو ذلك. والأشد: النظر في المحرمات والعورات.
ثانياً: الخواطر والأفكار باب الخواطر والأفكار من الأمور التي تستحق العناية؛ لما لها من أثر ظاهر في أقوال المرء وتصرفاته وأفعاله.
وأنفع الخواطر ما كان لله والدار الآخرة، كالتفكير في معاني آيات القرآن الكريم وفهم مراد الله منه، والتفكير في آيات الكون المشهودة والاستدلال بها على أسماء الله وصفاته وحكمته، والتفكير في آلائه وإحسانه وإنعامه، والتفكير في عيوب النفس وآفاتها وعيوب العمل ونقصه، والتفكير في واجب الوقت ووظيفته().
وما عدا ذلك فــإن الواجب ضبط الذهن، وعدم ترك المجال له يسترسل في الخواطر والشطحات والخيالات الواسعة التي تقلب صاحبها في أودية الدنيا وشعابها، وتنقله من شيء إلى آخر غير أنها لا توقفه على ما يهمه، وهذا شأن التفكير الفوضوي غير المنظم. أما التفكير المنظم
المدروس فهو حاجة ماسة للعبد، ومطلب ملح للأمة تنتقل به نقلات في طريق الريادة.
ثالثاً: اللسان وكما أن الأمور التي لا تعني الإنسان تكون في أفعاله، فإنها تكون في أقواله أيضاً، فإنها من عمل الإنسان، وهذا ما يغفل عنه أكثر الناس، فلا يعتبرون أقوالهم جزءاً من عملهم. قال عمر بن عبد العزيز: "من عدّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه"(). بل إن "أكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام" ()، يشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"().
يكفي دافعاً لحفظ ألفاظ المرء قول الله ـ تعالى ـ: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب
عتيد)) [{ق: 18]}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائد ألسنتهم"().
و"حفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة؛ بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوت بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه. وإذا أردت أن تستدل على ما في الـقلب فاسـتدل عليه بحركة اللسان؛ فإنه يُطْلِعُ على ما في القلب،
شاء صاحبه أم أبى..."().
وحدّ الكلام فيما لا يعني: أن يتكلم بكلام لو سكت عنه لم يأثم، ولم يتضرر به في حال ولا مـــآل، كـذكــــر أخبار الأسفار والوقائع اليومية والأطعمة والألبسة، وسؤال الغير عن عبادته، وعن مكانه الـذي كــــان فيه، وعن كلامه الذي قاله لفلان. مما يوقع المسؤول في
الحرج أو الكذب().
والـواقــع أن الإنـسان يحتاج قدراً من الكلام بشكل غير مباشر، وذلك ما كان من باب المباسطة على سبيل الـتـودد لبلوغ مصلحة، أو دفع مفسدة.. لكن لا شك أنه باب يشق ضبطه إلا على الجادّين الموفقين، وقليل ما هم.
ومن الكلام الذي لا يعني: الزيادة فيما يعني على قدر الحاجة()، وهو أمر نسبي.
وكلام الأئمة في التحذير مما لا يعني من فضول الكلام كثير جداً.
وسئل لقمان عما بلغ به مكانته، فقال: "صدق الحديث، وطول السكوت عما لا
يعنيني"().
رابعاً: الحركات والخطوات
إذا نظرت في اهتمامات الناس وأعمالهم تعرف مدى انشغالهم بما لا يعنيهم من أنواع اللهو والألـعـــاب المسلية، وهوايات جمع الطوابع، والتحف، والنوادر، والعملات، والمسابقات التافهة، وكتب الطبخ والأزياء، وأسفار السياحة، وتتبع الأخبار العالمية الدقيقة ـ التي لا تعني إلا أصحابها ـ وقراءة الصحف والمجلات الهابطة، وجلسات السمر، والدراسات المفرغة من النفع عديـمـة الجدوى.. وغيرها كثير مما قد ينهى عنه لكونه يلهي أو يطغي، ناهيك عن المحرمات الواضحة كمسابقات عارضات الأزياء، وملكات الجمال، وسماع المحرمات والنظر إليها من خلال الشاشات المتنوعة.
حقيقة مرّة.. وتزداد مرارة؛ حيث تنظر في كثير من اهتمامات بعض من أنعم الله عليه بالهداية، فتراه ما بين اهتمام بدنيا، أو انـشـغال بما لا يعني! ولهؤلاء يتوجه الخطاب أولاً بأن يراجعوا أنفسهم قبل نفاد العمر.
قال ابن القيم: "وأما الخطوات: فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه، فإن لم يـكـن في خطاه مزيد ثواب فالقعود عنها خير له، ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربة ينويها لله، فتقع خطاه قربة"()،وهكذا سائر حركات الجوارح وأعمال البدن.
قال قتادة: "كان يقال: لا يُرى المسلم إلا في ثـلاث: فـي مسجد يعمره، أو بيت يُكنُّه، أو ابتغاء رزق الله من فضل ربه 0
مع تحيات أخوكم الفقيه
وكذا انشغاله بما لا يعنيه؛ فإنه يلج من هذه الأبواب، ولذا فلا بدَّ من الوقوف معها:
أولاً: النظر لا غنى للإنسان عن بصر ينظر به طريقه، ويعرف به مكانه، ويدرك به حاجته، ويتأمل به في
خـلـــق ربه.. لكن المتأمل في واقعنا يرى مدى التجاوز بهذه النعمة العظيمة إلى ما لا يعني، من التـوسـع في النظر المركز إلى المباحات من بيوت ومراكب ومتاجر ولوحات..
مما يعيق الناظر عن التقدم ((لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر))[{المدثر: 37]} ويتطلب من الجادين مجاهدة للنفس في تركه واجتنابه. هذا فضلاً عن المكروهات من النظر للقراءة فـي غثِّ الكتب والمجلات، كالقصص الخيالية والبوليسية التي ليس فيها إلا مجرد الاستمتاع النفـسـي بـتـصـور الأحداث، وكالزوايا المفرغة من المحتوى المفيد كأخبار الرياضة والفنّ،
وأخبار الكلاب ونحو ذلك. والأشد: النظر في المحرمات والعورات.
ثانياً: الخواطر والأفكار باب الخواطر والأفكار من الأمور التي تستحق العناية؛ لما لها من أثر ظاهر في أقوال المرء وتصرفاته وأفعاله.
وأنفع الخواطر ما كان لله والدار الآخرة، كالتفكير في معاني آيات القرآن الكريم وفهم مراد الله منه، والتفكير في آيات الكون المشهودة والاستدلال بها على أسماء الله وصفاته وحكمته، والتفكير في آلائه وإحسانه وإنعامه، والتفكير في عيوب النفس وآفاتها وعيوب العمل ونقصه، والتفكير في واجب الوقت ووظيفته().
وما عدا ذلك فــإن الواجب ضبط الذهن، وعدم ترك المجال له يسترسل في الخواطر والشطحات والخيالات الواسعة التي تقلب صاحبها في أودية الدنيا وشعابها، وتنقله من شيء إلى آخر غير أنها لا توقفه على ما يهمه، وهذا شأن التفكير الفوضوي غير المنظم. أما التفكير المنظم
المدروس فهو حاجة ماسة للعبد، ومطلب ملح للأمة تنتقل به نقلات في طريق الريادة.
ثالثاً: اللسان وكما أن الأمور التي لا تعني الإنسان تكون في أفعاله، فإنها تكون في أقواله أيضاً، فإنها من عمل الإنسان، وهذا ما يغفل عنه أكثر الناس، فلا يعتبرون أقوالهم جزءاً من عملهم. قال عمر بن عبد العزيز: "من عدّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه"(). بل إن "أكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام" ()، يشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"().
يكفي دافعاً لحفظ ألفاظ المرء قول الله ـ تعالى ـ: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب
عتيد)) [{ق: 18]}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائد ألسنتهم"().
و"حفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة؛ بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوت بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه. وإذا أردت أن تستدل على ما في الـقلب فاسـتدل عليه بحركة اللسان؛ فإنه يُطْلِعُ على ما في القلب،
شاء صاحبه أم أبى..."().
وحدّ الكلام فيما لا يعني: أن يتكلم بكلام لو سكت عنه لم يأثم، ولم يتضرر به في حال ولا مـــآل، كـذكــــر أخبار الأسفار والوقائع اليومية والأطعمة والألبسة، وسؤال الغير عن عبادته، وعن مكانه الـذي كــــان فيه، وعن كلامه الذي قاله لفلان. مما يوقع المسؤول في
الحرج أو الكذب().
والـواقــع أن الإنـسان يحتاج قدراً من الكلام بشكل غير مباشر، وذلك ما كان من باب المباسطة على سبيل الـتـودد لبلوغ مصلحة، أو دفع مفسدة.. لكن لا شك أنه باب يشق ضبطه إلا على الجادّين الموفقين، وقليل ما هم.
ومن الكلام الذي لا يعني: الزيادة فيما يعني على قدر الحاجة()، وهو أمر نسبي.
وكلام الأئمة في التحذير مما لا يعني من فضول الكلام كثير جداً.
وسئل لقمان عما بلغ به مكانته، فقال: "صدق الحديث، وطول السكوت عما لا
يعنيني"().
رابعاً: الحركات والخطوات
إذا نظرت في اهتمامات الناس وأعمالهم تعرف مدى انشغالهم بما لا يعنيهم من أنواع اللهو والألـعـــاب المسلية، وهوايات جمع الطوابع، والتحف، والنوادر، والعملات، والمسابقات التافهة، وكتب الطبخ والأزياء، وأسفار السياحة، وتتبع الأخبار العالمية الدقيقة ـ التي لا تعني إلا أصحابها ـ وقراءة الصحف والمجلات الهابطة، وجلسات السمر، والدراسات المفرغة من النفع عديـمـة الجدوى.. وغيرها كثير مما قد ينهى عنه لكونه يلهي أو يطغي، ناهيك عن المحرمات الواضحة كمسابقات عارضات الأزياء، وملكات الجمال، وسماع المحرمات والنظر إليها من خلال الشاشات المتنوعة.
حقيقة مرّة.. وتزداد مرارة؛ حيث تنظر في كثير من اهتمامات بعض من أنعم الله عليه بالهداية، فتراه ما بين اهتمام بدنيا، أو انـشـغال بما لا يعني! ولهؤلاء يتوجه الخطاب أولاً بأن يراجعوا أنفسهم قبل نفاد العمر.
قال ابن القيم: "وأما الخطوات: فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه، فإن لم يـكـن في خطاه مزيد ثواب فالقعود عنها خير له، ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربة ينويها لله، فتقع خطاه قربة"()،وهكذا سائر حركات الجوارح وأعمال البدن.
قال قتادة: "كان يقال: لا يُرى المسلم إلا في ثـلاث: فـي مسجد يعمره، أو بيت يُكنُّه، أو ابتغاء رزق الله من فضل ربه 0
مع تحيات أخوكم الفقيه
تعليق