إن من البدع المحدثة في الإسلام، ما يعتقده بعض الناس في شهر رجب
من أن له خاصية على غيره من الشهور، فيفعلون فيه أموراً محدثة
ويعتقدون فيه اعتقاداتٍ جاهلية، ويخصونه بأنواعٍ من العبادات
كالعمرة والصوم والأذكار والصلوات، ويسمونها باسم هذه
الشهر، كالصلاة الرجبية، والعمرة الرجبية، والأذكار
الرجبية ونحوها، وتخصيص شهر رجب، أو بعض
أيامه ولياليه بصيامٍ أو قيامٍ أو نحوهما، أمرٌ
محدث ليس له أصلٌ في شريعة
الإسلام فيما نعلم.
قال الإمام الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
"لم يرد في فضل شهر رجب ولا صيامه
ولا في صيام شيءٌ منه معين، ولا في قيام
ليلةٍ مخصوصة، حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة".
وله رحمه الله رسالةٌ قيمةٌ في ذلك، ونحو قوله
هذا قال علماء الإسلام، كشيخ الإسلام ابن تيمية
والعلامة ابن القيم، والحافظ ابن رجب، والإمام النووي
وغيرهم - رحمهم الله جميعا -ً.
وهذا موضوع حول بدع شهر رجب
من محاضرة: كيف نعظم شعائر الله
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي يقول :
إذا نظرنا إلى هذا الشهر وما بعده من الشهور، فإننا نجد الأصناف الثلاثة
في هذا الشهر، في تعظيمه أو عدم تعظيمه إما غلواً وإما تركاً أو اقتصاداً
وعملاً بالسنة، فالأقسام الثلاثة نجدها متوافرةًُ فيما يتعلق بهذا الشهر
-شهر رجب- ثم كذلك ما بعده. فما يفعله بعض الناس في هذا الشهر
من الذبح أو ما يسمونه الرجبية والاحتفال والتعظيم بهذا الشهر
والصيام الذي لم يأت فيه نص ولا دليل أو الصلوات المبتدعة
فكل ذلك يدخل في القسم الأول وهو قسم البدع.
ذبيحة العتيرة
وقد كان الذبح واتخاذ يوم من شهر رجب
عيداً يذبح فيه من شأن الجاهلية، والذبيحة
التي كان الجاهليون يذبحونها تسمى العتيرة
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لا فرع ولا عتيرة }.
واختلف العلماء في ذلك فمنهم من رأى أن هذا ناسخٌ ومبطلٌ
لما كان عليه أهل الجاهلية، فبعد أن قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
{لا فرع ولا عتيرة }
لا يجوز لأحد أن يحتفل أو أن يذبح في شهر رجب.
وقال بعض العلماء: إن النهي إنما هو للوجوب، فيظل ذلك استحباباً
لأن أهل الجاهلية -في نظره- كانوا يفعلون ذلك وجوباً ويعظمونه تعظيماً
بالغاً. ومنهم من حمله على الكراهة مستدلاً ببعض
الآثار أو الأحاديث ولا مجال لتفصيل القول فيها.
ولكن القول الصحيح والراجح والذي عمل به الإمام أحمد -رحمه الله-
وغيرهمن السلف المتبعين للأثر والسنة في هذا، هو ترجيح أن ذلك كان
من أمر الجاهلية، وقد أبطله الإسلام، فلا يذبح في شهر رجب
ولا يعظم، ولا يتخذ يوماً من أيامه عيداً يعظم.
ولعل الليلة التي يكثر السؤال عنها والتي يعظمها بعض الناس
في هذا الشهر هي ليلة السابع والعشرين منه معتقدين أنها ليلة
الإسراء والمعراج، وقد بينا أن هذا من البدع، وأنه لم يثبت، ولم يصح
في هذه الليلة شيءٌ يعتمد عليه في تحديد تاريخها، وأنه لو ثبت وصح
أنها في ليلة معينة أو في وقتٍ معينٍ بذاته لما جاز أن يحتفل بها؛ لأن
ذلك لم يأتِ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من
الصحابة. وإنما أحدث ذلك المحدثون في القرون التالية للقرون المفضلة
الثلاث ثم اختلفوا في ذلك اختلافاً شديداً جداً في تعيينها، وأكثر من يعظم
هذه الليلة وغيرها من ليالي الشهر بالبدع هم الرافضة والصوفية
وكفى بذلك زاجراً للمؤمن عن مشاركة أهل البدع في بدعهم
وأهوائهم وضلالهم، الذي لم يأت ولم يصح فيه شيء
عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
صلاة الرغائب
من الناس من يصلي في أول جمعة من رجب
صلاةً مخصوصةً ويسمونها صلاة الرغائب.
وهذه الصلاة باطلة موضوعة لم تصح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَبهذه الكيفية ولا في هذا الشهر؛ ولذلك يعلل الحافظ ابن رجب رحمه
الله تعالىفيقول: لماذا لم ينكر هذه الليلة إلا العلماء المتأخرون
كـابن الجوزي وأبي إسماعيل الهروي وأمثالهم؟ قال:
لأنها لم تحدث إلا بعد الأربعمائة.
فهذه الليلة التي يصلى فيها صلاة الرغائب -كما تسمى-
لم تحدث ولم تبتدع إلا بعد الأربعمائة، فلم يتكلم فيها السلف الأولون
لأنها لم تحدث في أيامهموكفى بذلك دليلاً على أنها بدعة
وعلى أنه لا يجوز لأحد أن يعمل بها.
وأما ما تزخر وتمتلئ به كتب الأذكار البدعية من رافضة وصوفية
بالحديث عن هذه الصلاة وفضلها ووقتها وكيفيتها، وأنها في هذا الشهر
في أول جمعةٍ منه إلى غير ذلك فكله من البدع التي لا أصل لها.
صيام أيام من رجب
ومما هو منتشر -أيضاً- في شهر رجب، وقد رأيناه ولمسناه بين العامة
أنهم يخصونهبأنواع من الصيام، فبعضهم يصوم الشهر كله وهذا منهيٌ
عنه، ولم يصم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً بأكمله إلا رمضان
وثبت ذلك من وجوه كثيرة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن الصحابة
والتابعين من السلف أنهم نهوا أن يصام شهر كله إلا رمضان، وكان أكثر
الشهور بعد رمضان صياماً من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
والصحابة والتابعين هو شهر شعبان.
وأما رجب فلم يثبت ولم يصح في صيامه كله أو تحديد أيامٍ منه شيء
وبعضهم يحدد فيجعلها ثمانية أيام، وبعضهم يجعلها اثني عشر أو غير
ذلك، وهذا التحديد كله -أيضاً- باطلٌ لا أصل له.
ولو أن الإنسان صام الإثنين أو الخميس أو الأيام البيض، أي: صام
ما جاء وثبت وصح في رجب وغير رجب فلا بأس بذلك، لكن لا ينبغي له
أن يخص رجب -فقط- بأن يصوم هذه الأيام فيه، لأن ذلك -أيضاً- يدخل
في شيء من البدع، والإنسان إنما يتبع ويطمع في الأجر والفضيلة
إذا كان في ذلك متبعاً وليس مبتدعاً.
فهذا -كما قلت- لمسنا انتشاره بين العامة نتيجة لما تأوله بعضهم
أو نسبه إلى بعض كتب الفقه أو بعض العلماء ولا مستند لهم في ذلك
والله تبارك وتعالى إنما قال في تعظيم الأشهر الحرم
: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]
وهذه الآية نستطيع أن نستنبط منها أن المطلوب من الإنسان
في الأشهر الحرم أن يعظمها بأن لا يظلم فيها نفسه.
بمعنى أن أي عملٍ كنت تعمله في غير الأشهر الحرم من المعاصي
أو الذنوب أو الفجور يجب عليك أن تكف عنه في هذا الشهر
وإن كان المطلوب منك أن تكف عنه في أي شهر، لكن في هذا الشهر
مطلوب منك أن تكف عنه أكثر، فالطلب منك أقوى والحض أشد.
وكذلك لا زيادة في المأمورات، ولكن كل فعلٍ أنت مأمورٌ به في سائر
الشهور والأيام، فاعلم أنك في الأشهر الحرم، وكذلك في الأماكن الحرم
أو الأماكن المقدسة، مطلوب منك أن تعمله أكثر، بمعنى: أن مخالفتك
بترك هذا الأمر في أي شهرٍ، -كشهر ربيع- لا يجوز؛ لأن الله تعالى
أمرك به، ولا يجوز أن تخالف أمر الله، لكنك لو خالفت أمر الله في
الشهر الحرام لكان ذلك أشد، أو لو خالفت وعصيت أمر الله في
البلد الحرام، لكان ذلك أشد.
إذاً، لا زيادة في العبادة على ما شرع الله تبارك وتعالى، وإنما المطلوب
هو زيادة الامتثال بفعل المأمورات وترك المنهيات، فالمقصود:
أي لا تظلموا فيهن أنفسكم بترك المأمور وفعل المحظور، وإن كان
من الفقهاء والمفسرين من حمل ذلك على البدء بالقتال
أي: فلا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال؛ لأن الشهر الحرام
كما قال الله: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
[البقرة:217].
وهذا مما اتفق عليه أهل الإسلام وأهل الجاهلية بأن القتال في الشهر
الحرام كبيرةٌ وعظيمة من العظائم، ولا يقدم عليها إلا من تجرأ على
حدود الله، ولكن المشركين غفلوا عما هو أعظم من ذلك وهو الكفر
بالله والصد عن المسجد الحرام.
والقول الصحيح في هذه المسألة: أنه يجوز للمسلمين الجهاد وبدء القتال
في الشهر الحرام، وقد ثبت ذلك عن الصحابة بما لا يدع مجالاً للشك
وهو متواتر تواترا ًعملياً، أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين
ومن بعدهم لم يتحروا أن لا يبدءوا قتال الفرس أو الروم أو غيرهم
في شهرٍ حرام وإنما كانوا ينطلقون للجهاد، فأي شهر وافق أو أي يوم
وافق فإنهم لا يبالون بأن يتحروا ذلك، وأما القتل أو الظلم أو الاعتداء
أو البغي أو العدوان فهذا لا ريب أنه حرام في سائر العام، إلا أنه
يتغلظ تحريمه ويتأكد ويشتد إذا كان في الشهر الحرام أو في البلد الحرام.
هذه هي القاعدة التي يخرج بها المرء المسلم المتبع لسنة
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا، وهذا الذي يجبأن يدعى إليه
الناس وأن يحث عليه العامة والخاصة بالنسبة لهذه الأشهر.
=============
تعليق