قرأت بجريدة الوطن هذا اليوم هذا المقال للكاتب : عبدالله المطيري وأحببت أن تشاركوني قراءته .
الرجولة العربية تتدلى من حبل المشنقة
عبدالله المطيري*
تمثل الرجولة الأفق الأعلى للعربي والمثال الذي لا يجد نفسه إلا بالاقتراب منه باستمرار. الرجولة تملأ الخيال العربي وتستحوذ عليه بشكل منقطع النظير. الرجولة هي القيمة التي لا تقاربها قيمة أخرى وهي الصفة التي تتبخر في حدودها الصفات الأخرى.
يقبل العربي أن يكون أغبى وأضعف وأفقر وأجهل من الآخرين ولكنه، أبدا، لا يمكن أن يقبل أن يكون أقل رجولة منهم. الرجولة هي محور حياته ومعناها وليس للحياة عنده من معنى حين لا يكون رجلا. كن رجلا وكفى. لا يهم أي شيء آخر.
الرجولة العربية تحددها الثقافة العربية، تحددها الأشعار العربية، تحددها المعلقات العربية، يحددها عنترة والزير سالم وأشباههما ونسخهما على مر التاريخ. الرجولة العربية تحددها الأساطير العربية عن الغضبات المضرية التي يروح ضحيتها المئات من الأبرياء. الرجولة العربية تحددها تلك القصص والحكايات التي يبرز فيها الفارس على حصانه، يحمل سيفه المسلط على رقاب الآخرين، الضحايا، الذين لا يردون في القصة إلا لإثبات " رجولة " هذا الفارس الذي لا يشق لرجولته غبار. الرجولة العربية تحددها القصص التي سمعناها ونحن صغار عن أجدادنا الرجال. أجدادنا الذين كانوا مضرب المثل في الغارات وفي إلقاء القصيد. كانوا رجالا تتوقد عيونهم شررا لدرجة أن لا أحد يستطيع النظر إليها مباشرة. أجدادنا الذين تتحدد رجولتهم بمدى بطشهم وخوف الآخرين منهم.
الرجولة العربية تعني الشجاعة والشجاعة العربية تعني الإقدام مهما كانت الأخطار والأهوال. الشجاعة العربية لا تعرف معنى للحسابات وتقدير الأخطاء كما أنها غير معنية بالنتائج والمترتبات. كل هذا لا يعني شيئا، فلحظة الشجاعة والإقدام تمثل كل شيء. الرجولة العربية لا تعرف معنى التهور ولا تعترف به بل إن التفكير بهذا المنطق يمس " الرجولة ". ليس رجلا من يحسب الأخطار، ليس رجلا من يطيل حساباته فهو سيخسر لحظة تجلي الشجاعة، لحظة الإقدام التي لا توازيها لحظة أخرى.
لماذا حزن العرب كثيرا على صدام ؟ لماذا شعروا بالذل والهوان لحظة إعدامه ؟. هذا التساؤل في غير محله. ينبغي أن يكون السؤال في حال لم يفعلوا ذلك. موقف العرب هو الموقف الطبيعي، هو الموقف المتسق مع ثقافتهم وتركيبتهم العقلية. هو الموقف المتسق مع تاريخهم ومع خيالاتهم وأحلامهم. حزن كثير من العرب على صدام هو حزنهم على الرجولة العربية التي كان " أبو عدّاي " في قناعاتهم أبرز ممثل لها.
لا يزال العرب يتناقلون قصة " الزير سالم " أبو ليلى المهلهل الذي أباد قومه وأبناء عمه من أجل أخيه كليب. لا يزال العربي مأسورا بصورة الزير وبعربدته وبشعره المتطاير وسيفه المرفوع. ليس العربي معنيا بالدماء التي سالت في كل هذه القصة ولا بنتائج تصرفات الزير. كل ما يعني العربي هو رجولة الزير، رجولته التي منعته من أي تفكير سوى التفكير في الانتقام بدون حدود. رجولته التي جعلته لا يتعامل مع الأعداء إلا بمنطق السيف. الرجولة التي منعته من التفريق بين العدو الحقيقي والبريء الذي سيسحق تحت الأقدام.
تتكرر صورة الزير سالم مع مرّ العصور، تنحرف أحيانا، بحسب الظروف ولكنها تبقى تحتوي على ما لا يمكن التخلي عنه، الرجولة. الصورة هي الصورة لا تكاد تتغير. لم يكن صدام سوى النسخة الأبرز من هذه الصورة. ولذا كان المساس بهذه النسخة مساسا بالذات العربية وجرحا لها في عمقها. صورتها المثال، صورتها الرمز، صورتها التي تملأ عليها الأفق.
ما الذي يعني العربي من صدام ؟ هل تعنيه حال الإنسان العراقي في ظل حكم صدام ؟ هل تعنيه نتائج سياسة صدام ؟ هل تعنيه الحال الاقتصادية والعلمية والصحية للعراق بسببه ؟ هل تعني العربي أعداد ضحايا صدام، قتلاه، آلاف الأبرياء ؟ لا،كل هذا لا يعني العربي ولا يشغله. صورته المثال لا تهتم بهذا كله. كل ما يعنيه هو رجولة صدام. رجولته التي تتحدد في أشياء كثيرة لا يمكن أن ينساها العربي أو يغفل عنها.
صدام هو الذي " قال " إنه سيسحق إسرائيل. هل فعل صدام ذلك حقا ؟ هذا غير مهم عند العربي، المهم أنه قال وكفى. وهل يوازي القول عند العربي شيءٌ آخر ؟ بالطبع لا. كيف له وحياته وتاريخه يقوم على أساس ضخم وهائل من الأقوال. من الخطب والقصائد العصماء. أ ليس من صفات الرجل العربي أن يجيد الكلام والخطابة، أن يحكي بصوت جهوري، أن يزبد ويرعد؟ كان صدام رمزا لهذا كله. فقد كان يقول ويقول الكثير محققا باستمرار الرجولة العربية.
ألم يتقدم صدام إلى حبل المشنقة دون أن يرف له جفن. دون أن يشعر بالندم. دون أن يبوح بكلمة اعتذار. دون أن ينحني رأسه للأعداء ؟ بلى. إذن هو الرمز العربي. الرمز الذي يتجلى في هذه المواقف المؤثرة. المواقف التي هي كفيلة، بلا شك عربي، بالتغطية على أي شيء آخر. هل جلب صدام الذل لشعبه ؟ هذا لا يهم العربي. هل دمعت الكثير من العيون العراقية والعربية بسبب صدام ؟ هذا لا يهم العربي. المهم ألا يبكي صدام. أ ليس من المفترض أن يندم المجرم على جرائمه وما اقترفت عقليته المريضة ؟ في العرف العربي ليس من المفترض ذلك لكيلا يشمت به الأعداء. هذا المهم وكفى.
تخيل بعض العرب صورة صدام في القمر، سرت شائعة قوية بينهم عن هذا الأمر وتناقلت جوالاتهم ومواقعهم على الإنترنت "الصورة الحلم". صورة الرجل العربي في القمر. هناك عاليا، في الأفق. الصورة التي هي في الواقع مدفونة في التراب. ولكن من يقول إن العربي مشغول بالواقع؟ الواقع لا يعنيه أو ما يعجز عن مواجهته. الخيال هو علمه الأثير حيث يرتقي صدام من أن يكون متدليا من حبل المشنقة إلى كونه صورة متعالية في القمر.
العربي اليوم يعاني من عقله ومن عواطفه ومن تاريخه. يعاني من الأصنام التي كانت تسحقه باستمرار فيما يستمر هو في عبادتها. الأصنام التي تحولت إلى داخله، إلى عمقه. العربي يعاني اليوم، وعلى مر التاريخ، من الطاغية الذي يقبع في داخله، من الدكتاتور الذي يملأ عليه خياله، العربي يعاني اليوم وكما كان طول تاريخه من رجولته.
* كاتب سعودي
الرجولة العربية تتدلى من حبل المشنقة
عبدالله المطيري*
تمثل الرجولة الأفق الأعلى للعربي والمثال الذي لا يجد نفسه إلا بالاقتراب منه باستمرار. الرجولة تملأ الخيال العربي وتستحوذ عليه بشكل منقطع النظير. الرجولة هي القيمة التي لا تقاربها قيمة أخرى وهي الصفة التي تتبخر في حدودها الصفات الأخرى.
يقبل العربي أن يكون أغبى وأضعف وأفقر وأجهل من الآخرين ولكنه، أبدا، لا يمكن أن يقبل أن يكون أقل رجولة منهم. الرجولة هي محور حياته ومعناها وليس للحياة عنده من معنى حين لا يكون رجلا. كن رجلا وكفى. لا يهم أي شيء آخر.
الرجولة العربية تحددها الثقافة العربية، تحددها الأشعار العربية، تحددها المعلقات العربية، يحددها عنترة والزير سالم وأشباههما ونسخهما على مر التاريخ. الرجولة العربية تحددها الأساطير العربية عن الغضبات المضرية التي يروح ضحيتها المئات من الأبرياء. الرجولة العربية تحددها تلك القصص والحكايات التي يبرز فيها الفارس على حصانه، يحمل سيفه المسلط على رقاب الآخرين، الضحايا، الذين لا يردون في القصة إلا لإثبات " رجولة " هذا الفارس الذي لا يشق لرجولته غبار. الرجولة العربية تحددها القصص التي سمعناها ونحن صغار عن أجدادنا الرجال. أجدادنا الذين كانوا مضرب المثل في الغارات وفي إلقاء القصيد. كانوا رجالا تتوقد عيونهم شررا لدرجة أن لا أحد يستطيع النظر إليها مباشرة. أجدادنا الذين تتحدد رجولتهم بمدى بطشهم وخوف الآخرين منهم.
الرجولة العربية تعني الشجاعة والشجاعة العربية تعني الإقدام مهما كانت الأخطار والأهوال. الشجاعة العربية لا تعرف معنى للحسابات وتقدير الأخطاء كما أنها غير معنية بالنتائج والمترتبات. كل هذا لا يعني شيئا، فلحظة الشجاعة والإقدام تمثل كل شيء. الرجولة العربية لا تعرف معنى التهور ولا تعترف به بل إن التفكير بهذا المنطق يمس " الرجولة ". ليس رجلا من يحسب الأخطار، ليس رجلا من يطيل حساباته فهو سيخسر لحظة تجلي الشجاعة، لحظة الإقدام التي لا توازيها لحظة أخرى.
لماذا حزن العرب كثيرا على صدام ؟ لماذا شعروا بالذل والهوان لحظة إعدامه ؟. هذا التساؤل في غير محله. ينبغي أن يكون السؤال في حال لم يفعلوا ذلك. موقف العرب هو الموقف الطبيعي، هو الموقف المتسق مع ثقافتهم وتركيبتهم العقلية. هو الموقف المتسق مع تاريخهم ومع خيالاتهم وأحلامهم. حزن كثير من العرب على صدام هو حزنهم على الرجولة العربية التي كان " أبو عدّاي " في قناعاتهم أبرز ممثل لها.
لا يزال العرب يتناقلون قصة " الزير سالم " أبو ليلى المهلهل الذي أباد قومه وأبناء عمه من أجل أخيه كليب. لا يزال العربي مأسورا بصورة الزير وبعربدته وبشعره المتطاير وسيفه المرفوع. ليس العربي معنيا بالدماء التي سالت في كل هذه القصة ولا بنتائج تصرفات الزير. كل ما يعني العربي هو رجولة الزير، رجولته التي منعته من أي تفكير سوى التفكير في الانتقام بدون حدود. رجولته التي جعلته لا يتعامل مع الأعداء إلا بمنطق السيف. الرجولة التي منعته من التفريق بين العدو الحقيقي والبريء الذي سيسحق تحت الأقدام.
تتكرر صورة الزير سالم مع مرّ العصور، تنحرف أحيانا، بحسب الظروف ولكنها تبقى تحتوي على ما لا يمكن التخلي عنه، الرجولة. الصورة هي الصورة لا تكاد تتغير. لم يكن صدام سوى النسخة الأبرز من هذه الصورة. ولذا كان المساس بهذه النسخة مساسا بالذات العربية وجرحا لها في عمقها. صورتها المثال، صورتها الرمز، صورتها التي تملأ عليها الأفق.
ما الذي يعني العربي من صدام ؟ هل تعنيه حال الإنسان العراقي في ظل حكم صدام ؟ هل تعنيه نتائج سياسة صدام ؟ هل تعنيه الحال الاقتصادية والعلمية والصحية للعراق بسببه ؟ هل تعني العربي أعداد ضحايا صدام، قتلاه، آلاف الأبرياء ؟ لا،كل هذا لا يعني العربي ولا يشغله. صورته المثال لا تهتم بهذا كله. كل ما يعنيه هو رجولة صدام. رجولته التي تتحدد في أشياء كثيرة لا يمكن أن ينساها العربي أو يغفل عنها.
صدام هو الذي " قال " إنه سيسحق إسرائيل. هل فعل صدام ذلك حقا ؟ هذا غير مهم عند العربي، المهم أنه قال وكفى. وهل يوازي القول عند العربي شيءٌ آخر ؟ بالطبع لا. كيف له وحياته وتاريخه يقوم على أساس ضخم وهائل من الأقوال. من الخطب والقصائد العصماء. أ ليس من صفات الرجل العربي أن يجيد الكلام والخطابة، أن يحكي بصوت جهوري، أن يزبد ويرعد؟ كان صدام رمزا لهذا كله. فقد كان يقول ويقول الكثير محققا باستمرار الرجولة العربية.
ألم يتقدم صدام إلى حبل المشنقة دون أن يرف له جفن. دون أن يشعر بالندم. دون أن يبوح بكلمة اعتذار. دون أن ينحني رأسه للأعداء ؟ بلى. إذن هو الرمز العربي. الرمز الذي يتجلى في هذه المواقف المؤثرة. المواقف التي هي كفيلة، بلا شك عربي، بالتغطية على أي شيء آخر. هل جلب صدام الذل لشعبه ؟ هذا لا يهم العربي. هل دمعت الكثير من العيون العراقية والعربية بسبب صدام ؟ هذا لا يهم العربي. المهم ألا يبكي صدام. أ ليس من المفترض أن يندم المجرم على جرائمه وما اقترفت عقليته المريضة ؟ في العرف العربي ليس من المفترض ذلك لكيلا يشمت به الأعداء. هذا المهم وكفى.
تخيل بعض العرب صورة صدام في القمر، سرت شائعة قوية بينهم عن هذا الأمر وتناقلت جوالاتهم ومواقعهم على الإنترنت "الصورة الحلم". صورة الرجل العربي في القمر. هناك عاليا، في الأفق. الصورة التي هي في الواقع مدفونة في التراب. ولكن من يقول إن العربي مشغول بالواقع؟ الواقع لا يعنيه أو ما يعجز عن مواجهته. الخيال هو علمه الأثير حيث يرتقي صدام من أن يكون متدليا من حبل المشنقة إلى كونه صورة متعالية في القمر.
العربي اليوم يعاني من عقله ومن عواطفه ومن تاريخه. يعاني من الأصنام التي كانت تسحقه باستمرار فيما يستمر هو في عبادتها. الأصنام التي تحولت إلى داخله، إلى عمقه. العربي يعاني اليوم، وعلى مر التاريخ، من الطاغية الذي يقبع في داخله، من الدكتاتور الذي يملأ عليه خياله، العربي يعاني اليوم وكما كان طول تاريخه من رجولته.
* كاتب سعودي
تعليق