المعالم القديمة لم يبق منها سوى أطلال تكاد أن تندثر وسط زحام الحضارة الجديدة !!

محمد آل ناجم - الباحة

كم هو جميلٌ أن يلم المرء بجزء من بلاده ليرى ما صنعه الأجداد من عجيب المآثر بقوة ومهارة بقيت آثاره شامخة على طوال قرون مضت حيث أطلال الأجداد ومنطقة الباحة تهامة وسراة تزخر بمجموعة كبيرة من الأماكن الأثرية القديمة من حصون وقرى وقلاع يعود بعضها إلى ما قبل بعثة الرسول والتي تعدّ بحق أحد أهم الأماكن الأثرية على مستوى المنطقة الجنوبية ومن تلك المواقع « الخلف والخليف بمحافظة قلوة « ضيفنا اليوم قينان الزهراني الذي جعل همه البحث والتنقيب عن تاريخ منطقة الباحة يقول في حديثه عن « الخلف والخليف « لقد شددت الرحال يوم الخميس الموافق 11 شوال 1427هـ لزيارة قرى الخُلف والخليف ولا أخفيكم سرا أنني أصبت بالدهشة فكلما قرأته في كتاب أ.د.الزيلعي قد اختفى تماما واختفت معها تلك المعالم التي كانت تعبر عن مآثر قيّمة وبرغم ذلك فقد شعرت وأنا أتحسس تلك الأطلال أن لها أنينا وزفيرا.سمعتها تنتحب وتنادي بأعلى صوت تقول: بُنيت بعرق جبين قوم سهروا الليالي وقضوا الأيام في التشييد حتى أصبحت معلما من المعالم الإسلامية، ثم نسيتمونا أيها المتعالون بالحضارة.أصخيت بسمعي أكثر فشعرت بأن أنينها توجع وزفرات تتوالى وتسترجع الحسرات على ماضيها المجيد. ولكنها صبرت تنتظر الفرج على يد عاليي الهمة والمحافظين على التراث.أصغيت أكثر لعلى أفهم

حديث تلك الاطلال فكأني بها تقول كنا نبني أحلاما وآمالا على ما بقى لنا من مستقبل وخاصة كلما أتوا لمسجدنا الذي يحكي مآثر تكاد أن تندثر من حوله. استبشرنا خيرا لعل ما تبقى منها يستمر شامخا. بعد أن تتعهده يد الإصلاح بالترميم فهي لا تكلف شيئا فالحجارة متوفرة ولكننا استيقظنا على معاول الهدم تبعثر ما كان قويا ..ثم انتحبت فسمعتها تردد برع هذا الجيل في التدمير لا التشييد حتى المسجد الذي كنا نحس بوقع أقدام الساكنين من حولنا قادمين إليه لصلاة العيد أو الاستسقاء ونحس بهمهمة وخطب في تلك الأوقات نستأنس بها. وحتى هذا القليل ضنت به قلة. فلم تتركه بل بعثرته يد من تنكرت لتلك الحضارة ولم يبق منا سوى أطلال كبقية الاطلال ثم أنظر إلى الخليف كيف بقي متماسكا وأنا أقدم منه بسنوات قاسمني الاسم وانفرد بالتماسك .وعندما سألناه عن قرى الخٌلف .. والخليف قال الزهراني : هما تؤمان ملتصقان لاينفك أحدهما عن الأخر ولا يذكر أحدهما حتى يذكر الثاني. تأمل هذه المدينة الحالمة في تلك الشعاب وبعد مئات السنين تجدها شامخة البنيان تقول إذا نسيتمونا فنحن هنا قرب قلوة في الجهة الشمالية لا نبعد أكثر من أربعة إلى خمسة كم ويسطر قائلاً : في قرى الخٌلف .. والخليف هناك تجد أنه كان لنا مجد وهنا كان لنا تاريخ وهنا كان لنا حضارة اتقنا فن التصميم ومقدرة في التنفيذ وتجويد في الخط ومهارة في الزخرفة ورقي في مستوى التعليم والمعرفة. الخٌلف.. تقع بيوتها ومسجدها والمقبرة على ظهر جبل يطل على وادي محلا وتنقسم إلى موقعين صغير وكبير..الكبير كما أشار المؤلف يظهر من طريقة بنائه والفضي التي بينها انها تنم عن اعتبارات أسرية أو عشائرية. وتحمل كثيرا من الدلالات على المستوى المتحضر واليسر الذي عاشه سكانها.. ولم اعثر عن شرح مفصلا عن الحي الصغير..وعن الآثار المتبقية يقول الزهراني : لم يتبق من الآثار ما يمكن أن يستدل به على تاريخ سكنى الخلف إلا من نقش وجد على أحد القبور مؤرخ في رجب سنة 234هـ ونستشف من ذلك أنها سكنت في القرون الأولى من الهجرة .أما الخليف فهو يبعد عن الخلف حوالى كيلاً أو اثنين شمالا على طريق قلوة « خميس الشعراء «. وهو لازال متماسك البنيان والحي ولم أتمكن من الولوج إلى الداخل ومعرفة ما مدى اتساعه ولكنه مثلما حدده المؤلف يتسنم مكانا مرتفعا يقع في سفح جبل الدرة والجبل يطل على وادي ريم من الغرب ووادي ذي غلف من الشرق وجبل عروان الذي يحجبها عن الخلف وقال المؤلف أن لها بوابة من الجنوب إذا أوصدت فتيسر لهم الأمان.أيها القارئ الكريم ألم أقل لك إننا نسيناها بينما هي تستصرخ بنا تقول أنا هنا ألا من زائر ألا من مستكشف ونحن نقول أتيناك على استحياء متخفين عن الأنظار خشية أن نتهم بالتخلف ننظر إليك أحيانا من بعيد بمنظار مقرب من اختراع عصرنا الحاضر نسينا حضارتك ونقوشك الإسلامية .وتشهد النقوش على أن لقرى الخلف والخليف تاريخاً، العلمي تحدث عنه قينان فقال :

النقوش تزيد قليلا عن ثمانية وعشرين نقشا مزخرفا على كافة أنواع الخطوط التي كانت متبعة في ذلك الوقت وحتى الآن ويظهر تلازم آخر بينهما.ويضيف الزهراني قائلاً : لقد برز من الخلف أسرة زهرا نية عريقة تبوأت مكانة علمية مرموقة من أفرادها عالم فذ هو الشيخ موسى بن عيسى بن يوسف بن مفلح بن مسعود بن عبد الحميد بن محمد الزهراني وقد أجاز بعض علماء مكة في وقته حسب الأصول المتبعة والتي لازالت لم تتغير.أما من الخليف فقد برزت أيضا أسرة علمية أخرى هي أسرة ابن جميع التي اشتهرت بالصلاح, والعبادة, والتقوى وطلب العلم وكان أول من قدم إلى هذا الموضع هو الشيخ إبراهيم بن جميع في حوالى الربع الأخير من القرن الثامن الهجري.

جريدة المدينـــــــــــــــــــــــــــه
الخميس 8/ ذي الحجة 1427هـ

أرجو أن يناسبكم الموضوع