هل تنفض السوق عن نفسها بقايا الانهيار؟
فضل بن سعد البوعينين
عندما بدأت طفرة الأسهم، وتقافزت الأسعار، انشغل كثير من المحللين، الاقتصاديين، وبعض المسؤولين في التذكير بمتانة الاقتصاد السعودي، وانعكاساته الإيجابية على سوق الأسهم، وأن ما يحدث في السوق ليس إلا جزءاً من النمو الكبير الذي تشهده قطاعات الاقتصاد الكلي، ومن ضمنها القطاع المالي.
عندها، أصبحنا نتحدث بكل ثقة، خصوصاً وأننا نعتمد في حديثنا على التصريحات الرسمية المؤكدة، والرؤى المتخصصة المعتمدة على التقارير الاقتصادية الرسمية.
بعد أن بدأ المؤشر بالانفلات، وإصدار إشارات الخطر، وإصرار بعض كبار المضاربين على استغلال الوضع الاقتصادي الزاهر لتحقيق أهدافهم الخاصة، لم يكن لدينا خيار في العودة إلى القاعدة الاقتصادية الصحيحة التي لا يمكن لها أن تستوعب ما يحدث في سوق الأسهم السعودية.
بدأت الأصوات تتعالى مناشدة الهيئة الرقابية بالتدخل لوقف ما يحدث من تجاوزات في سوق الأسهم، وعلى رأسها رفع أسعار أسهم المضاربة، وتضخيم الأسهم القيادية، وبذلك تضخيم حجم السوق مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
أذكر أنني كتبت في العام 2005، بأن (الزيادة في حجم السوق يفترض أن تتناسب مع نمو الاقتصاد العام، وما يحدث من ارتفاعات غير مبررة لا يمكن أن نجد لها تفسيرا منطقيا غير المضاربة الخطرة ولا شيء غير ذلك).
في ذلك الحين لم نجد من يتحدث عن علاقة رسملة السوق بالناتج المحلي الإجمالي!، وضرورة أن لا يسمح للمؤشر وأسعار الشركات القيادية -على وجه الخصوص- بتجاوز قيمها العادلة، تحوطاً من وقوع الكوارث المستقبلية، وكنا نصنف حينها ضمن المتشائمين الذين لا يحبون الخير للآخرين.
حطم المؤشر جميع النقاط القياسية صعوداً، ولم يلبث أن حطمها نزولاً مخلفاً كوارث مالية، اجتماعية، أخلاقية لا حصر لها. ترى لو أننا اقتطعنا فترة (الانفلات) المشؤومة، والارتفاعات غير المبررة، من عمر السوق، هل كنا نصل إلى هذه الكوارث المالية الخطيرة؟. قطعا لا.
ونعوذ بالله أن نتعلق بكلمة (لو) ولكني أردت أن أبين شيئاً طالما تجاهله بعض المعددين لأسباب الانهيار.
السبب الرئيس في انهيار السوق كان يتمثل في غض النظر عن المضاربين الذين رفعوا أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية مهلكة ما أدى إلى انهيارها بعد أن سحب المدلسون أموالهم، ودعمهم للأسعار، فوقعت السوق على رؤوس الصغار. أذكر أنني كنت أتحدث إلى أحد الأكاديميين المتخصصين في حفل (الاقتصادية) السنوي، ما قبل الماضي، وكان محور حديثنا الفقاعة الكبيرة التي تشكلت في سوق الأسهم بسبب تجاوز رسملة السوق حد المعقول بالنسبة لمجمل الناتج المحلي، ومسؤولية الجهات المختصة في منع تعاظمها وضرورة العمل على إيجاد العلاج الناجع لها. وكان من ضمن الحديث استغرابنا لتجاهل هذه النقطة بالذات في الطرح الإعلامي المتخصص، وفي تقارير المحللين الصادرة عن الجهات الاستشارية.
اليوم يكثر الحديث عن حجم السوق مقارنة بالناتج المحلي، ومكررات الربحية، ومستويات النمو، والقيمة العادلة، وكأن كل هذه الأمور لم تكتشف إلا في هذه الأيام بعد وقوع الانهيارات المتتالية.
كل ما يقال حول هذا الموضوع هو من أساسيات التحليل، ولا نملك إلا أن نؤكد ونحترم كل ما جاء فيها، إلا أننا نتحفظ على توقيت الطرح، وكأنما خرجت من العدم، كما أننا نتحفظ على إثارتها في وقت تتضافر فيه الجهود من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من موات سوق الأسهم.
على العموم، ها هي السوق تعود إلى مستوياتها التي صعدت منها في فبراير 2005، كما أن رسملة السوق أصبحت أقل من الناتج المتوقع للعام 2006 الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 17في المائة ليصل إلى 1.362 تريليون ريال، إضافة إلى أن متوسط مكررات الربحية انحدر إلى مستوى 16مرة، وبلغت في بعض الأسهم القيادية 13مرة، وفي بعض أسهم العوائد في القطاع البنكي مستوى 9 مرات، مع الأخذ في الاعتبار أننا نتحدث عن سوق ناشئة يفترض أن تختلف فيها معايير القياس عن تلك المطبقة في الأسواق العالمية، ومع ذلك فإننا لا زلنا نرى مكررات ربحية في السوق الأمريكية تزيد على 20 في بعض الشركات العالمية الضخمة (جنرال إلكترك، ديل، مايكروسوفت، جوجل على سبيل المثال)، بل إن هناك شركات تتداول بمكررات ربحية تزيد على 400 وأكثر من ذلك بكثير، دون أن يؤدي مثل هذا إلى انهيارات السوق ككتلة.
اليوم يشهد الاقتصاد السعودي أفضل حالاته، بشهادة المنظمات والهيئات الدولية، وتنعم قطاعاته المختلفة بدعم استثنائي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو نائبه الكريم الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وتشهد الشركات السعودية نمواً مالياً وإنتاجياً غير مسبوق، يفترض أن يؤثر إيجاباً في مجريات السوق وأن يعيد لها استقرارها المفقود، وأن يدعمها بالنمو المتوازن.
أدعو جميع المتشائمين إلى تحليل تصريحات معالي رئيس هيئة السوق المالية المكلف التي قال فيها (إن حالة الانخفاض التي تشهدها سوق الأسهم السعودية حالياً، أوصلت الأسعار إلى مستويات غير مبررة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الوضع القوي للاقتصاد السعودي والتوقعات المتفائلة له) وتصريحات معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي التي جاء فيها (إن معدل أسعار الأسهم مقابل الأرباح في كثير من الشركات المساهمة منخفض ويوفر فرصاً جيدة للاستثمار، مبيناً أن المتوسط الكلي لنسبة الأسعار إلى الأرباح أقل من بعض الدول مكتملة النمو).
هل هناك أوضح من هذا التفاؤل المبارك؟، وهل يكف الآخرون عن وضع العقبات أمام استقرار السوق ونموها النمو المتوازن؟.
يفترض أن تنفض السوق عن نفسها بقايا الانهيار، وأن تدخل في مرحلة التعافي، وأول خطوات التعافي تبدأ من كبار المضاربين، وصناع السوق الذين يفترض أن يستشعروا دورهم القيادي المؤثر في تأهيل السوق والمحافظة على مكتسباتها، ودعمها الدعم الأمثل للوصول بها إلى بر الأمان.
يجب أن تتضافر الجهود من أجل إخراج السوق والمجتمع من النفق المظلم الذي أقحما فيه قسراً، دون التبصر بعواقب الأمور. فمسوغات الانهيار الكبير قد ولت إلى غير رجعة، بشهادة المختصين، رؤساء الهيئات الحكومية، والبنك الدولي الذي أعلن رسمياً انتهاء فترة تصحيح الأسواق الخليجية، ولم يتبق إلا أن تكف أيدي العابثين عن تدمير ما تبقى من سوق الأسهم السعودية
فضل بن سعد البوعينين
عندما بدأت طفرة الأسهم، وتقافزت الأسعار، انشغل كثير من المحللين، الاقتصاديين، وبعض المسؤولين في التذكير بمتانة الاقتصاد السعودي، وانعكاساته الإيجابية على سوق الأسهم، وأن ما يحدث في السوق ليس إلا جزءاً من النمو الكبير الذي تشهده قطاعات الاقتصاد الكلي، ومن ضمنها القطاع المالي.
عندها، أصبحنا نتحدث بكل ثقة، خصوصاً وأننا نعتمد في حديثنا على التصريحات الرسمية المؤكدة، والرؤى المتخصصة المعتمدة على التقارير الاقتصادية الرسمية.
بعد أن بدأ المؤشر بالانفلات، وإصدار إشارات الخطر، وإصرار بعض كبار المضاربين على استغلال الوضع الاقتصادي الزاهر لتحقيق أهدافهم الخاصة، لم يكن لدينا خيار في العودة إلى القاعدة الاقتصادية الصحيحة التي لا يمكن لها أن تستوعب ما يحدث في سوق الأسهم السعودية.
بدأت الأصوات تتعالى مناشدة الهيئة الرقابية بالتدخل لوقف ما يحدث من تجاوزات في سوق الأسهم، وعلى رأسها رفع أسعار أسهم المضاربة، وتضخيم الأسهم القيادية، وبذلك تضخيم حجم السوق مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
أذكر أنني كتبت في العام 2005، بأن (الزيادة في حجم السوق يفترض أن تتناسب مع نمو الاقتصاد العام، وما يحدث من ارتفاعات غير مبررة لا يمكن أن نجد لها تفسيرا منطقيا غير المضاربة الخطرة ولا شيء غير ذلك).
في ذلك الحين لم نجد من يتحدث عن علاقة رسملة السوق بالناتج المحلي الإجمالي!، وضرورة أن لا يسمح للمؤشر وأسعار الشركات القيادية -على وجه الخصوص- بتجاوز قيمها العادلة، تحوطاً من وقوع الكوارث المستقبلية، وكنا نصنف حينها ضمن المتشائمين الذين لا يحبون الخير للآخرين.
حطم المؤشر جميع النقاط القياسية صعوداً، ولم يلبث أن حطمها نزولاً مخلفاً كوارث مالية، اجتماعية، أخلاقية لا حصر لها. ترى لو أننا اقتطعنا فترة (الانفلات) المشؤومة، والارتفاعات غير المبررة، من عمر السوق، هل كنا نصل إلى هذه الكوارث المالية الخطيرة؟. قطعا لا.
ونعوذ بالله أن نتعلق بكلمة (لو) ولكني أردت أن أبين شيئاً طالما تجاهله بعض المعددين لأسباب الانهيار.
السبب الرئيس في انهيار السوق كان يتمثل في غض النظر عن المضاربين الذين رفعوا أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية مهلكة ما أدى إلى انهيارها بعد أن سحب المدلسون أموالهم، ودعمهم للأسعار، فوقعت السوق على رؤوس الصغار. أذكر أنني كنت أتحدث إلى أحد الأكاديميين المتخصصين في حفل (الاقتصادية) السنوي، ما قبل الماضي، وكان محور حديثنا الفقاعة الكبيرة التي تشكلت في سوق الأسهم بسبب تجاوز رسملة السوق حد المعقول بالنسبة لمجمل الناتج المحلي، ومسؤولية الجهات المختصة في منع تعاظمها وضرورة العمل على إيجاد العلاج الناجع لها. وكان من ضمن الحديث استغرابنا لتجاهل هذه النقطة بالذات في الطرح الإعلامي المتخصص، وفي تقارير المحللين الصادرة عن الجهات الاستشارية.
اليوم يكثر الحديث عن حجم السوق مقارنة بالناتج المحلي، ومكررات الربحية، ومستويات النمو، والقيمة العادلة، وكأن كل هذه الأمور لم تكتشف إلا في هذه الأيام بعد وقوع الانهيارات المتتالية.
كل ما يقال حول هذا الموضوع هو من أساسيات التحليل، ولا نملك إلا أن نؤكد ونحترم كل ما جاء فيها، إلا أننا نتحفظ على توقيت الطرح، وكأنما خرجت من العدم، كما أننا نتحفظ على إثارتها في وقت تتضافر فيه الجهود من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من موات سوق الأسهم.
على العموم، ها هي السوق تعود إلى مستوياتها التي صعدت منها في فبراير 2005، كما أن رسملة السوق أصبحت أقل من الناتج المتوقع للعام 2006 الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 17في المائة ليصل إلى 1.362 تريليون ريال، إضافة إلى أن متوسط مكررات الربحية انحدر إلى مستوى 16مرة، وبلغت في بعض الأسهم القيادية 13مرة، وفي بعض أسهم العوائد في القطاع البنكي مستوى 9 مرات، مع الأخذ في الاعتبار أننا نتحدث عن سوق ناشئة يفترض أن تختلف فيها معايير القياس عن تلك المطبقة في الأسواق العالمية، ومع ذلك فإننا لا زلنا نرى مكررات ربحية في السوق الأمريكية تزيد على 20 في بعض الشركات العالمية الضخمة (جنرال إلكترك، ديل، مايكروسوفت، جوجل على سبيل المثال)، بل إن هناك شركات تتداول بمكررات ربحية تزيد على 400 وأكثر من ذلك بكثير، دون أن يؤدي مثل هذا إلى انهيارات السوق ككتلة.
اليوم يشهد الاقتصاد السعودي أفضل حالاته، بشهادة المنظمات والهيئات الدولية، وتنعم قطاعاته المختلفة بدعم استثنائي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو نائبه الكريم الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وتشهد الشركات السعودية نمواً مالياً وإنتاجياً غير مسبوق، يفترض أن يؤثر إيجاباً في مجريات السوق وأن يعيد لها استقرارها المفقود، وأن يدعمها بالنمو المتوازن.
أدعو جميع المتشائمين إلى تحليل تصريحات معالي رئيس هيئة السوق المالية المكلف التي قال فيها (إن حالة الانخفاض التي تشهدها سوق الأسهم السعودية حالياً، أوصلت الأسعار إلى مستويات غير مبررة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الوضع القوي للاقتصاد السعودي والتوقعات المتفائلة له) وتصريحات معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي التي جاء فيها (إن معدل أسعار الأسهم مقابل الأرباح في كثير من الشركات المساهمة منخفض ويوفر فرصاً جيدة للاستثمار، مبيناً أن المتوسط الكلي لنسبة الأسعار إلى الأرباح أقل من بعض الدول مكتملة النمو).
هل هناك أوضح من هذا التفاؤل المبارك؟، وهل يكف الآخرون عن وضع العقبات أمام استقرار السوق ونموها النمو المتوازن؟.
يفترض أن تنفض السوق عن نفسها بقايا الانهيار، وأن تدخل في مرحلة التعافي، وأول خطوات التعافي تبدأ من كبار المضاربين، وصناع السوق الذين يفترض أن يستشعروا دورهم القيادي المؤثر في تأهيل السوق والمحافظة على مكتسباتها، ودعمها الدعم الأمثل للوصول بها إلى بر الأمان.
يجب أن تتضافر الجهود من أجل إخراج السوق والمجتمع من النفق المظلم الذي أقحما فيه قسراً، دون التبصر بعواقب الأمور. فمسوغات الانهيار الكبير قد ولت إلى غير رجعة، بشهادة المختصين، رؤساء الهيئات الحكومية، والبنك الدولي الذي أعلن رسمياً انتهاء فترة تصحيح الأسواق الخليجية، ولم يتبق إلا أن تكف أيدي العابثين عن تدمير ما تبقى من سوق الأسهم السعودية
تعليق