أشاد الأمير طلال بن عبدالعزيز رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة (أجفند) بنظام البيعة الذي أصدره الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل أسابيع، مشيرا إلى أن النظام وجد مباركة مختلف قطاعات الشعب السعودي.
وأعرب عن اعتقاده بأن الإصلاحات في السعودية قادمة في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والقضائية أو الاقتصادية. وكشف عن أن عدد أفراد أسرة آل سعود بلغ منذ إنشاء الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود وحتى العام 2003 عندما أجري آخر إحصاء رسمي حوالي 5114 شخصا.ودحض الكثير من الشائعات التي تتحدث عن مستحقات أفراد الأسرة، وقال إن الكثير من أبناء الأسرة من المديونين لأن مرتباتهم منخفضة وليس لهم مداخيل أخرى.
وشدد الأمير طلال في حوار مع «البيان» على أن الحكم في المملكة العربية السعودية مدني «لأن العائلة الحاكمة هي حكومة مدنية». وحذر رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة (أجفند) من سباق تسلح نووي في المنطقة في حال امتلاك إيران لهذا النوع من السلاح، وقال انه لا يستبعد أن تسعى بعض الدول العربية لامتلاك السلاح النووي بشكل أو آخر اذا استطاعت إيران امتلاكه، كما دعا إلى إشراك الدول الأوروبية في المعادلة الأمنية في منطقة الخليج.
وقال الأمير طلال في مقابلته مع «البيان» ان سنة العراق همشوا أنفسهم بأنفسهم وأن الأميركيين لعبوا في البدء دوراً أساسياً في هذا التهميش، أما الشيعة في معظمهم فإنهم يهادنون الأميركان ويطالبون ببقائهم حتى ينتهوا من الحصول على مبتغاهم ثم يطلبوا بعد ذلك من الأميركيين المغادرة.
وحمل اليمين الأميركي المتصهين الحاكم في البيت الأبيض اليوم مسؤولية ما يحدث في العراق من عمليات إرهابية وقتل طائفي وفوضى أمنية محذرا في الوقت نفسه من تقسيم العراق تحت مسميات الفيدرالية والكونفيدرالية، وأشار إلى أن كثيراً من العراقيين الآن يتمنون وجود صدام حسين على الوجود الأميركي.
وأشار إلى صعوبة إصلاح الأوضاع في لبنان بمنأى عن سوريا، مشيرا إلى ان الاتفاق بين الدولتين على الحد الأدنى من الأمور هو الضمان الأقوى لاستقرار لبنان وبالتالي ينعكس هذا الاستقرار على سوريا.
وفي ما يلي الحوار بين «البيان» والأمير طلال:
* معروف أنكم كنتم ولاتزالون من دعاة الإصلاحات الدستورية في السعودية منذ سنوات طويلة فإلى أي مدى يرضي نظام البيعة طموحاتكم؟
ـ باركنا هذا النظام، وأرجو أن يكون بداية لأنظمة مؤسساتية في بقية أمور الدولة لأن الدولة عندما تقوم على المؤسسات فإن في ذلك ضمانة لاستمراريتها وطمأنينة لمواطنيها وضمانة لتفعيل أدائها وأعتقد أن ذلك من الأمور الأساسية التي جعلتنا نستبشر بهذا النظام المؤسسي، ولأول مرة يحدد هذا النظام الآليات التي بموجبها يختار ولي العهد ليكون ملكا للبلاد في المستقبل من أبناء الملك عبد العزيز الأحياء أو انتقال ذلك إلى جيل الأحفاد من بعد وفاة أبناء الملك المؤسس.
وأعتقد أن هذه المرة الأولى التي توضع فيها مثل هذه الآلية التي كنا نطالب بها منذ زمن طويل، لأن النظام الأساسي الذي وضع في عهد الملك فهد رحمه الله تضمن بعض البنود الأساسية في ما يختص بالحكم ولكننا كنا نطالب بالآليات وهذه الآليات تم وضعها في نظام البيعة الحالي، فالمؤسساتية هي المطلب الأساسي اليوم لجميع الشعوب.
وفي هذه البلاد بدأنا المؤسساتية بمرحلتين الأولى في عهد الملك عبدالعزيز في العام 1926 بإصداره نظاما أساسيا كان يتناسب مع ظروف المملكة في ذلك الوقت ثم وضع نظاما أساسيا للحكم في 1992 ولا يزال معمولاً به حتى الآن والذي عدل فيه فقط هو بعض المواد الخاصة بولاية العهد، وقد بورك نظام البيعة الذي أعلنه الملك عبد الله من مختلف قطاعات الشعب السعودي.
* يلاحظ أن نظام البيعة اشترط القدرة الصحية للملك وولي العهد، فهل تعتقدون أن ذلك جاء استيعابا للظروف الصحية التي أحاطت بمرض الملك الراحل فهد؟
لا، في الحقيقة هذه الأمور كانت في ذهن أصحاب القرار وأعني هنا المسؤولين عن الدولة ممثلة في أبناء الملك عبدالعزيز بقيادة ملك البلاد وهذا هو التقليد الذي سرنا عليه منذ وفاة الملك عبدالعزيز رحمه الله، فهذا كان في ذهن الجميع وليس فقط بسبب ما حدث للملك فهد، ولكن ربما كان ما حدث للملك فهد وما حدث في بعض الدول الخليجية كان حافزا للإسراع في إصدار هذا النظام.
يلاحظ أيضا يا سمو الأمير أن نظام البيعة لم يتطرق لمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء فهل تم إلغاء هذا المنصب؟
لا اعتقد أن لذلك ضرورة، وذكرت ذلك في أحاديث إعلامية سابقة فقد أنشيء هذا المنصب في الستينات لأسباب إجرائية وليس ليصبح من يتقلد هذا المنصب وليا للعهد بشكل أوتوماتيكي ولكن عندما تولى الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز رحمه الله ولاية العهد تولى الأمير فهد منصب النائب الثاني، ومنذ ذلك الحين أصبح النائب الثاني يتحول أوتوماتيكيا إلى ولي للعهد ولكن هذا الأمر لم يعد ضرورياً بوجود نظام البيعة.
هل كان لسموكم دور في وضع نظام البيعة أو على الأقل في التعجيل بإصداره؟
هذا النظام هو من بنات أفكار الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو الذي سعى إليه ودعانا إلى الموافقة عليه وتم ذلك بمشيئة من الله عز وجل.
خلال اجتماعكم مع أحفاد الملك عبد العزيز قبل أشهر هل تطرقتم لهذا النظام؟ وما هي الموضوعات التي نوقشت في ذلك الاجتماع؟
لقد دعوتهم لاجتماعين بوصفي عمهم وكانت المناقشات في كليهما تتعلق بموضوعات عامة، فالدعوة كانت صريحة لاجتماعات عائلية ولكن من أراد أن يبحث أمرا من الأمور فإن ذلك شأنه وبالفعل أثيرت العديد من القضايا وكانت المناقشات تتسم بالشفافية والصراحة وقلت لهم إنكم انتم رجال المستقبل وقياداته وأن عليكم إعداد أنفسكم منذ الآن لهذه المسؤوليات العظيمة، وكانت المناقشات عامة ولم تكن مخصصة لموضوع بعينه.
* على ذكر أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود رحمه الله، يتحدث المراقبون في الخارج عن أرقام متضاربة حول عدد أفراد الأسرة، فما هي حقيقة الأمر؟
ـ انظر في احتفال المئوية قبل نحو أربع سنوات تم تكليف عدد من الباحثين السعوديين المقتدرين لبحث هذا الأمر تحديدا وتم إصدار كتاب باللغتين العربية والانكليزية عنه، وفوجئنا جميعا بأن البحث والإحصاء الدقيق ذكر أن عددهم (منذ إنشاء الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود) بلغ حوالي 5114 شخصاً بمن فيهم من رجال ونساء وأطفال، بزيادة أو نقصان 10 في المئة.
ولكن للأسف هناك معلومات مغلوطة يتداولها الإعلاميون في الداخل والخارج تقدر عدد الذكور فقط من الأسرة المالكة بأرقام تتراوح بين ستة و10 ألاف شخص وهذا كله غير صحيح، مع العلم بأن الكثير منهم ذهبوا في الحروب وفي عهد بناء المملكة سواء في العهد الأول أو الثاني أو الثالث إضافة إلى حالات الوفاة وغيرها.
وأود هنا أن أعطيك مثالا: ذكرت في إحدى المقابلات التلفزيونية أن بعض الأسر من عائلة آل سعود تتقاضى 600 إلى 700 ريال في الشهر فقامت عليّ الدنيا وقالوا إن طلال يقول هذا الرقم ولماذا لا يتحدث عن الآلاف.
وفي مقابلة تلفزيونية أخرى سئلت عن هذا الموضوع فرفضت الإجابة وقلت إنني لا أريد أن أخوض في هذا الأمر مرة أخرى لأن الناس أحيانا لا تريد الحقيقة.
ولكن أنا قلت لهم الحقيقة ففي عائلتنا اليوم الكثير من المديونين لأن مرتباتهم منخفضة وليس لهم مداخيل أخرى كما أن الملك عبدالعزيز له توصية لأبنائه بعدم الجمع بين الملك والتجارة فإما ان تختاروا الملك أو التجارة، طبعا لم نتمسك بهذه الوصية للأسف لأن الكثير منهم مارسوا التجارة ولما نسألهم يقولون كيف نعيش إذا كنتم انتم أبناء عبدالعزيز قد قصرتم علينا فلذلك طرقنا أبواب التجارة حتى نعيش وهذا أصبح من حقهم على أية حال.
وأنا أتمنى وأرجو مخلصا أن ننتهي من هذه المرتبات الحكومية بشكل نهائي وأن نجد البديل الذي بموجبه يكفي الفقراء من هذه العائلة عن الحصول على مرتبات من خزينة الدولة وهذه البدائل متوفرة وانا اعتقد انه سوف يتم العثور على أحد هذه البدائل حتى ننتهي من هذه المرتبات والمخصصات وننتهي من القيل والقال.
وكانوا يقولون في الخارج أن العائلة تتقاضى ما بين 26 و27 مليار ريال سنويا من خزينة الدولة وقال البعض أن العائلة تأخذ ثلث الواردات النفطية، ولكننا عملنا دراسة وسألنا المختصين والمسؤولين عن هذا الأمر فوجدنا أن الرقم يقل حتى عن 5 في المئة، وهذه المبالغات التي يتم الترويج لها في الخارج تجعل المواطن السعودي يتساءل وله الحق في ذلك عن هذه الأموال الضخمة التي يزعم البعض أن العائلة تحصل عليها وهي كلها مجرد ادعاءات مغلوطة ولا تمت للحقيقة بصلة.
* لا شك أن مسيرة الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مستمرة إن شاء الله، فما هي توقعاتكم للمرحلة المقبلة من الإصلاحات؟ أعني ما هي الخطوة الإصلاحية المرتقبة بعد صدور نظام البيعة؟
ـ أنا لا أريد الخوض في أمر يقع ضمن اختصاصات الملك، ولكن في اعتقادي الإصلاحات آتية في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والقضائية أو الاقتصادية خاصة أن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز ذكر في خطابه أمام مجلس الشورى بحضور ولي العهد آنذاك الملك عبدالله داعياً إلى مشاركة الشعب في الحكم.
وهذه الكلمة تعني أن هناك إصلاحات تشريعية وسياسية فيما يختص بنظام الدولة، أما متى يكون ذلك فعلمه عند الله ثم عند الملك عبدالله. وأنا لا أريد الخوض في هذه التفاصيل حتى لا أتعدى الصلاحيات.
* ننتقل إلى تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، فالعراق كما تعلمون يشهد منذ الاحتلال الأميركي له حالات استقطاب طائفي حاد تقابله نزعات استقطاب طائفي ثأري، فإلي أي مدى يمثل ذلك تهديدا لمستقبل ذلك البلد ووحدة أراضيه؟ وما مدى تأثر بقية الدول الخليجية والعربية المجاورة للعراق بهذه الأزمة؟
ما يحدث في العراق اليوم سببه الأخطاء الفادحة التي ارتكبها اليمين الأميركي المتصهين الحاكم في البيت الأبيض اليوم، صحيح إن الكثير من العراقيين سواء كانوا من السنة أو الشيعة أو الأكراد استبشروا في بداية الأمر بإزاحة صدام حسين، ولكن ذلك كان في وقت لاحق بمثابة طامة كبرى للعراق حتى أن الكثير من العراقيين الآن يتمنون وجود صدام حسين على الوجود الأميركي.
وللأسف فان ما نحصل عليه من معلومات دقيقة وتحليلات واضحة عن العراق وغيره من الدول العربية تأتينا من الإعلام الخارجي لأنه ليس هناك سوى القلة من الإعلاميين والمثقفين والمفكرين العرب الذين في استطاعتهم تقديم مثل هذه المعلومات أو التحليلات الدقيقة.
ومن هذه الحصيلة فإنه لا يمكن أن يتم أي شيء في العراق بمنأى عن إيران وسوريا وعلى الولايات المتحدة أن تتصل مع هذين البلدين والدول المعنية الاخرى لكونها الأكثر تأثيرا في الساحة العراقية.
الشيعة يقولون إنهم كانوا مهمشين لسنوات طويلة وان من حقهم الآن أن يحكموا وبالفعل حصلوا على الأغلبية فبالتالي من حقهم أن يحكموا، أما السنة فقد رفضوا حتى دخول الانتخابات وبالتالي همشوا أنفسهم بأنفسهم علما أن لأميركا دوراً أساسياً في تهميشهم منذ البداية لأنهم كانوا ولا يزالون يقاتلون الأميركيين، أما الشيعة في معظمهم فإنهم يهادنون الأميركان ويطالبون ببقائهم حتى ينتهوا من الحصول على مبتغاهم ثم يطلبوا بعد ذلك من الأميركيين المغادرة.
الأمر الثاني، أن هناك طوقاً سنياً يحيط بالعراق من تركيا والأردن والسعودية والكويت وكان من واجب هذه الدول أن تساعد سنة العراق ليس بالسلاح ولكن بالرأي وغيره ومن خلال اجتماعات علنية، نحن نرى القيادات العراقية تذهب يوميا إلى إيران وسوريا فلماذا لم تتحرك هذه الدول سابقا لدعم السنة ومساعدتهم في البقاء لأن هناك مشروعاً للفيدرالية ولكنه في حقيقة الأمر كونفيدرالية أكثر خطورة لأنها تقسيميه استقلالية، علماً أن الأردن وهذه حقيقة لوجه الله قام بدور فعّال بهذا الخصوص.
الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب يستحوذون على النفط أما السنة في الوسط ليس لديهم أي شئ وهذا لا يجوز إلا أن يكون للدول المجاورة دور وكلمة مسموعة حتى ينصف الجميع في هذه الدولة الشقيقة.
الأمر الثالث الأهم هو خطورة ما يحدث في العراق على جيرانه ومنها السعودية، فكان لابد لنا من حماية بلادنا من المتسللين والإرهابيين من الجانبين سواء بجدار الكتروني أو غيره لأن حدودنا مع العراق تصل إلى نحو 900 كيلومتر، لقد كنا نعيش منذ القدم في امن وأمان إلى أن اطل الإرهاب برأسه ولكن قواتنا الأمنية تمكنت من دحره والحمد لله.
* هناك حديث عن إشراك البعثيين مرة أخرى في حكم العراق من خلال استدعاء عدد من كوادره للجيش والأمن من أجل تخفيف ضغط المقاومة العراقية، فهل هذا دليل على الفشل الأميركي في العراق؟
أميركا هي التي حلت الجيش العراقي وكان ذلك حسب رأي بعض القيادات العراقية نفسها خطأ فادحا فإذا كان ما تتحدث عنه صحيحا فإن ذلك هو عين الصواب لأنه ليس كل البعثيين مشاركين في جرائم صدام حسين وهؤلاء مواطنون لهم الحق في المشاركة في أجهزة الدولة سواء العسكرية أو الأمنية أو المدنية.
* ننتقل إلى الوضع في إيران، فما هي رؤيتكم لكيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني الذي يسبب قلقا كبيرا لدول الخليج حسب ما سمعناه من تحليلات المختصين في هذا المجال فإن إيران مصممة على امتلاك القنبلة الذرية وحجتهم في ذلك امتلاك دول عديدة لهذا السلاح منها إسرائيل والباكستان والهند وأخيرا كوريا الشمالية.. فماذا فعلت أميركا لهذه الأخيرة مجرد مشروع قرار لحصار اقتصادي على كوريا وتعترض روسيا والصين على بعض بنود هذا المشروع.
لا شك أن الطموحات الإيرانية في المجال النووي تشكل خطرا كبيرا على دول الخليج فهي لا تريد امتلاك سلاح نووي لتردع أميركا أو الغرب أو روسيا وهذا كما هو معلوم مستحيل إذن فالهدف الحقيقي أصبح معروفاً لدى الجميع، وهو أن يكون لها الكلمة المسموعة والأولى في منطقة الخليج.
* أليس من الأفضل إذن أن تدخل دول مجلس التعاون الخليجي في حوار مباشر مع إيران بدلا من أن تترك معالجة هذا الملف للولايات المتحدة الأميركية والغرب، كون دول الخليج أول المتأثرين بهذا الأمر؟
ـ كأني وجدت ليونة من البيت الأبيض إزاء هذا الأمر فأصبح هناك طرح بأن إيران إذا أوقفت تخصيب اليورانيوم فان واشنطن مستعدة للنظر في التباحث المباشر معها، وأنا أتمنى أن يكون هناك لقاء مباشر بين واشنطن وطهران، وهناك كتاب مهم للأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز يتطرق للسياسة الإيرانية في المنطقة بعنوان: «إيران والسعودية والخليج سياسة القوة في مرحلة انتقالية 1986ـ 1971»®.
وهي دراسة شاملة عن السياسة الدولية في سياق التحولات التاريخية في منطقة الخليج إبان الستينات والسبعينات وقد استند الكتاب إلى وثائق رسمية وغير رسمية لم تدرس من قبل وإلى مقابلات مع بعض الفاعلين في الأحداث.
* ما السر في رأيكم وراء التحدي الإيراني القوي لمجلس الأمن وأميركا وأوروبا، وتحديها للعقوبات الاقتصادية وحتى التهديدات العسكرية على خلفية هذا الملف؟
هذا بالفعل علامة استفهام كبيرة في الداخل والخارج والكل يطرح رؤاه ويقول رأيه للجواب عن سؤالك الوجيه والمهم، فإيران وصلت بنفوذها إلى البحر الأبيض المتوسط فنجد نفوذها في سوريا ولبنان وفي فلسطين واذكر لك مثالا .
وهو أن أحد الإسلاميين الفلسطينيين عندما جاء إلى الحج قبل عامين سئل عن سبب ذهابهم إلى إيران لأخذ مساعدات منها فرد قائلا إن الدول السنية لم تساعدهم، انظر إلى أين وصل النفوذ الإيراني، ولا تنسى أن مقر معظم الفصائل الفلسطينية حاليا سواء كانت إسلامية أم ليبرالية في دمشق.
وسوريا حليف لإيران إذن يجب عدم استبعاد سوريا، والدليل على ذلك أن الغرب والدول الفاعلة في منطقتنا تجمع على أهمية بقاء النظام السوري ولكنها في الوقت نفسه تمارس على الأرض سياسة متناقضة.
وسوريا لها أهمية كبيرة في النظام الإقليمي، ومن الدول الفاعلة في منطقتنا، فيجب عدم استبعادها مادام الغرب والدول الفاعلة في منطقتنا يعملون على بقاء نظامها ولكن يجب أن يكون ذلك بالفعل وليس بالأقوال فقط، وهذا ما يهم سوريا فإذا عرفت وتأكدت من ذلك فإنها ستنتبه وتعيد النظر في حساباتها ومواقفها، وأعتقد أن ذلك من أهم الأمور بالنسبة لدمشق، لأن سوريا اليوم لها من الأرقام الفاعلة والمهمة فيما يختص بأمور كثيرة في منطقتنا.
* هل تعتقدون أن دخول العامل النووي العسكري لمنطقة الخليج سيقودها إلى سباق تسلح يستنزف المزيد من مواردها؟ وما إمكانية إيجاد تعاون عربي مشترك لإقامة مشروع نووي؟
لقد أهمل العرب منذ البداية المضي في هذا الجانب المهم، رغم أن إيران كانت تفكر في هذا الأمر منذ العام 1977 نحن العرب لم نفكر فيه إلا مؤخرا حيث سمعنا أن مصر ستبدأ مشروعا من هذا القبيل إلا أن ذلك يأخذ وقتا طويلا يصل إلى 15 و20 عاما وأموالا طائلة.
وأصبحت لدي شكوك في حجم تلك التكاليف لأن الباكستان تقول إن القنبلة النووية الأولى كلفتها 15 مليون دولار ولكن ما يدور في مصر حاليا أنها تحتاج إلى حوالي خمسة إلى ستة مليارات دولار فهناك إذن فرق شاسع بين الرقم الباكستاني والرقم العربي. وأنا لا استبعد أن تسعى بعض الدول العربية لامتلاك السلاح النووي بشكل أو آخر اذا استطاعت إيران امتلاكه.
* هناك من يرى حاجة دول مجلس التعاون الخليجي لدور أوروبي في صياغة نظام أمني دائم ومستقر في منطقة الخليج، بعد الفشل الأميركي في العراق لأكثر من أربع سنوات، فما رأيكم في هذا الطرح؟ خاصة وأن دعاته يرون أن أمن المنطقة أصبح بحاجة إلى ضمانات لا يمكن أن يوفرها طرف واحد حتى لو كان ذلك الطرف هو القوى العظمى الوحيدة في العالم؟
لا يمكن القول بأن أميركا لا تستطيع أن توفر الأمن للمنطقة، ولكن لماذا نترك أوروبا أو نستبعدها؟ مسؤولون أوروبيون قالوا في مناسبات عديدة انتم أيها العرب أهملتمونا، وهذا في اعتقادي خطأ كبير فاليوم هناك 25 دولة أوروبية موجودة في اتحاد واحد فلماذا نتجاهلها؟ بل يجب إشراكها في المعادلة الأمنية في المنطقة. * ننتقل إلى السياسة الأميركية في المنطقة.. بعد الاحتلال الأميركي للعراق وتهديدها لسوريا وللسودان، واستمرار الخلافات العربية العربية إلى أي مدى أصبح النظام العربي الإقليمي معرضا للانهيار أو الانكماش لصالح إسرائيل؟
اعتقد أن النظام الإقليمي العربي انهار. أين هو هذا النظام؟ فالنظام يجب أن ينطلق من قياداته السياسية ومن فعالياته المدنية، هذه القيادات أنت تعرف أوضاعها في كل اجتماعات القمة التي تعقدها أما الفعاليات المدنية فهي مشتتة بل بعض الدول تحظر نشاطاتها رغم أن منظمات المجتمع المدني ليست عدوا للأنظمة السياسية لأن استراتيجياتها تقوم على عدم معاداة الحكومات بل مهادنتها ونصحها والتقرب إليها للمصلحة العامة.
نتحول إلى محور الإسلام السياسي.. هل أنتم من المعارضين لطرح الأحزاب والحركات الإسلامية الإصلاحية التي تؤمن بالتعددية السياسية والخيارات الديمقراطية؟ وما هو موقفكم منها؟
أنا أؤيد هذا التوجه إذا وجد عند الفئات الإسلامية وهذا ما سبق أن أكدته في محاضرتي في الجامعة الأميركية في القاهرة في شهر مايو الماضي بشرط ان لا تشذ عن أنظمة وقوانين ودستور الدول التي شاركت في وضعه بل ووضعت في تلك المحاضرة فقرة وللأسف نصحني بعض الأصدقاء بحذفها فحذفتها وليتني لم احذفها وهي تقول: إن الجيش هو الذي يحفظ الدستور في حال اختراقه، فكتب أحد المفكرين العرب مقالا حيال هذا الموضوع فذكرني به لأنه كان من الذين اطلعوا على خطابي، فالذي يحافظ على الدستور هو الجيش وهو الضامن للدستور، لأن الحكومات كثيرا ما تضع الدساتير وتقوم بعد ذلك بخرقها.
وأقول أهلا وسهلا بالإسلاميين المتنورين شرط ان يوافقوا ويلتزموا بالدستور والقوانين المنبثقة منه.
اذا كانت إسرائيل تنطلق من نظرة أصولية توراتية تلمودية، وأميركا تنطلق كذلك من أصولية إنجيلية صهيونية ترسم خياراتها وتوجه سياساتها، فلماذا نتشنج نحن المسلمين من «أصوليتنا» الإسلامية ونستنكف منها ونتنكر لها؟
يختلف الوضع، فإسرائيل محكومة بحكم مدني، ولكنها تأخذ التوراة كوسيلة لها ولتغطية أهدافها، فهي مثلا تتعاطى مع مسألة الهلوكوست بنظرة توراتية أما إنجيل المسيحيين فهو امتداد للتوراة كما يقولون ويسمونه بـ «العهد القديم» والعهد الجديد ويرون أن المسيح جاء لإصلاح بعض الأخطاء التي ارتكبها اليهود، فالمسيح نفسه كان يهوديا .
ولكن له رسالته التي عرفناها في الإسلام بـ «الإنجيل» وسميت بـ «العهد الجديد» الذي يعتبرونه استمراراً للعهد القديم، هذا بالنسبة لإسرائيل، وكذلك الوضع بالنسبة لأميركا التي هي الآن على أبواب الانتخابات، فعندما يأتي الديمقراطيون فإن الكثير من سياسات اليمين ستنتهي، وذات مرة سألت الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عن سياسيات اليمين الأميركي فقال إن أميركا بلد ديمقراطي والجمهوريون لهم الأكثرية في الكونغرس وبالتالي يأخذون دورهم في الحكم.
أما بالنسبة لنا كمسلمين فالوضع يختلف تماماً ولكن نظراً للتطرق لهذه المسألة المهمة فإنني أحبذ تركها لمجال آخر سواء في الإعلام أو غيره لإبداء رأينا فيها!
* وماذا عن ما يحدث في لبنان الآن؟
لبنان يمر حاليا بمخاضات عديدة وليس مخاضا واحدا وأنا لأول مرة أسمع ان يطلق على الشعب اللبناني «الشعوب اللبنانية» من كثرة طوائفهم فهناك حوالي 18 طائفة أنا اسميها 18 عشيرة، والآن الرئيس نبيه بري يحاول الجمع بين اللبنانيين مرة ثانية لأنه كان جمعهم في وقت سابق ولكن تلك الخطوة فشلت لأسباب مختلفة ذكرتها وسائل الإعلام، كما أن مبادرته الأخير ة أيضا تتلكأ وهذا شيء طبيعي لأن القيادات لم تتفق على رأي واحد.
وبهذه المناسبة يصعب إصلاح الأوضاع في لبنان بمنأى عن سوريا وإن الاتفاق بين الدولتين على الحد الأدنى من الأمور هو الضمان الأقوى لاستقرار لبنان وبالتالي ينعكس هذا الاستقرار على سوريا، وأرى أن يتم هذا التصالح بين الدولتين تحت مظلة عربية وحبذا أن تكون هذه المظلة بقيادة المملكة العربية السعودية لأنها مقبولة من الجميع، وتجربة الطائف التي أوقفت الحرب في لبنان دليل على ذلك.
وأرجو أن تقبل جميع الأطراف هذا الدور الذي أرى أنه مهم جداً في ظروفنا العربية الحاضرة ولا ننسى ما عاناه الشعب اللبناني الشقيق من ويلات الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً وكذلك الهجوم الوحشي الذي قامت به مؤخراً إسرائيل على لبنان بغض النظر عن الأسباب، فإذا قبلت الأطراف المعنية بهذا الدور الذي تقوده المملكة العربية السعودية فإن من شأنه إيجاد مخرج لما يعانيه الشعب اللبناني من مشاكل.
* وماذا عن نفوذ سوريا في لبنان حتى ولو كان ليس بوضعها السابق؟
ـ طبعا عودة الوجود السوري السابق إلى لبنان أمر مستحيل ولا يقبل به المجتمع الدولي أجنبياً كان أو عربياً، ونحن نتحدث دائماً عن علاقات طبيعية بين البلدين مع حفظ مصالحهما المشتركة.
هذا البلد الصغير الجميل الفاعل يمثل رئة العرب وإن ننسى فلن ننسى العرب اللاجئين والمطرودين من بلادهم يذهبون إلى لبنان كملجأ لهم يتنسمون هواء الحرية في ربوعه الجميلة منتشرين على مقاهي الحمراء هنا وهناك متروك لهم السبيل ليتداولوا في أمور بلادهم دون حرج من أحد، فهل ننسى هذا الدور المثالي للبنان اليوم؟؟
لا.. لا يجب أن ننسى هذا الدور الذي كان يقوم به لبنان بل يجب أن يعود لبنان حراً مستقلاً ديمقراطياً يخيم عليه التنمية والتجارة الحرة والسياحة والبنوك الفاعلة إلى غير ذلك من الأمور التي كان يُعرف بها لبنان قبل العام 1975.
هل تتوقعون أن تصمد جماعة 14 آذار وحكومة السنيورة في هذا الصراع الذي تشهده الساحة اللبنانية حاليا في ظل تهديد حزب الله بإسقاط الحكومة؟
أولا نحمد الله على صمود الرئيس السنيورة، لو كان هناك شخص آخر غير السنيورة فلربما كان قد تنحى منذ زمن طويل فقد أثبت الرجل انه يمثل قيادة ذات أعصاب فولاذية بأن يقابل كل هذه التحديات الجسام.
ثانيا، المطالب المطروحة حاليا مجرد مزايدات يقال إنها تأتي من خارج الحدود لإحراج الحكومة اللبنانية ولخلق نوع من الفوضى والبلبلة في لبنان لمصلحة نفوذ بعض الأطراف المعروفة، اعتقد أن كل ذلك لن يحل إلا من خلال الرعاية العربية التي أشرت لها قبل قليل وإلا فإن هناك خطراً محدقاً بلبنان واللبنانيين.