صديقى الغالى طبيب وآه من صداقة الأطباء خاصة المثقفين منهم
نظر بوجهى فرأى اصفرارا فقال : دون مقدمات وبلا سماعة يسمع بها نبضات القلب أو جهاز لقياس الضغط
أنت تعانى من قصور فى وظائف الكبد
والكبد فى ثقافة المصريين مرادف للعذاب والموت
وكثيرا من أصدقائى ماتوا بتليف الكبد أو سرطانه نتيجة لهذا الفيروس اللعين
حتى أننى صرت لا آكل أى كبد لأى ذبيح مهما كان الإغراء


سألته وماذا ترى يا صديقى ؟ ولأنه يؤمن بسحر الطبيعة فقال : علاجك فى لبن النوق
قلت : إذا كان فى لبن الأسود فستجدنى كالزير سالم أمضى فلا ألوى ولا أتنكب
وبمناسبة الزير سالم لا أنصح أحد بمشاهدة هذا المسلسل التاريخى ، فللآن كلما تذكرت الموسيقى التصويرية للمسلسل ينتابنى حالة من الهستيريا الشديدة والمدمرة أستيقظ بعدها لأجدنى ألف حول ميدان
الدراجة رابطا رأسى بخمار زوجتى وأقذف السائقين بالحجارة
كانت موسيقى سادية إلى أقسى درجة !!
سألت صديقى و أنى لى بلبن الناقة ؟
قال : لا تقلق تعالى معى
وانطلقنا سويا وتوقف غفر الله له أمام مطعم يقدم وجبات الهمبرجر الكافرة واشترى لى وله وجبتين لذيذتين ثم استمر فى طريقه حتى تركنا العمران تماما وبدت الصحراء تحيط بنا من كل جانب
وخطر لى أن أسأله كيف نأكل همبرجر ونحن بطريقنا لشراء لبن الناقة
فقال : هذه هى الأصالة وتلك هى المعاصرة
ابتسمت لذكائه الحاد ثم أوقف السيارة فى منطقة جرداء وكانت الساعة الثانية عشر مساءا
قال لى : إذا أردت أن تشفى فعليك أن تشرب من ضرع الناقة مباشرة
قلت له وهل هذا هو المعتاد أى الطبيعى أن يشرب المرء من الضرع مباشرة ؟
وهل هذا هو العلاج حقا ؟

قال أجل هذا هو الطبيعى أما رأيت أهل البادية وكيف هم أصحاء الجسم
.. المهم أن تتمكن من الضرع ووقتها تشرب حتى ترتوى
ثم سبقنى إلى الراعى وهمس فى أذنه بكلمات ثم عاد إلى وقال هذه هى الناقة وأشار بيده إلى ناقة بدت فى هذا الظلام كأنها سلطانة الجن
نغزها الراعى فقامت على أرجلها وقال لى : تقدم واشرب كما تشاء .
ولأنى حسن النية ولم أكن أعلم أن فى هذا الأمر هلاكى إن أنا فعلت
فالنوق لا تسمح إلا لصغارها بأن ترضع بهذه الطريقة الحيوانية التى
ينقلب فيها سائر الجسد فى وضع أكروباتى عجيب
وكنت كلما نزلت تحت أرجل الناقة هاجت وماجت وسقط قلبى خشية أن تدهسنى حوافرها
وبعد محاولات مضنية لم أستطيع وضع شفتى على ضرعها بأى حال
ونظرت إلى ملابسى فلم أعرف أى ملابس ارتديت لشدة الغبار الذى ملأها حينما كنت أزحف تارة وأقفز أخرى
وانتبهت إلى صديقى والراعى فإذا هما يضحكان بجنون وهيستريا شديدة
ثم جاء الراعى وقال : انتظر حتى أملأ لك إناءا وعلمت أن صديقى ليس بصديق فقد خاننى وجعلنى أضحوكة
غير أن إغراء اللبن الذى قدمه لى الراعى جعلنى أعفو عنه مؤقتا
وأخذت أشرب وأشرب والراعى يتعجب من نهمى هذا حتى قال : معدتك غير معتادة على هذا

فقلت له بالعكس أنا من قرية وحياتى كلها كان الحليب غذائى الأول
وبعد أن ثقلت بطنى عدت إلى البيت
فى البيت
الساعة الثانية والنصف .. كانت المرة العشرين الذى أقوم فيها مهرولا إلى الحمام

الساعة الثالثة .. اتصلت بصديقى ومما قلته له بين أنفاس متلاحقة : إلحقنى فيه جمل بيجرى فى بطنى

الساعة الثالثة والنصف .. يا مفترى ربنا يخدك معدتى طايره فى السما وكلى هربان منى

الساعة الرابعة .. كنت ضربت رأسى فى الحائط خمس مرات حيث هدأت معدتى وشعرت بطاقة جبارة تملأ كيانى
ماذا أفعل إذن ليس لدى رغبة للنوم وأشعر بعرقى يتساقط سمنا نباتيا وبنار تخرج من جبهتى
أخذت أعدو فى غرفة نومى حتى فؤجئت باتصال جارى يسألنى عن سر هذه الضوضاء ؟
فقلت له : معذرة فقد شربت حليب النوق
قال : وهل يعطيك كل هذه الطاقة
قلت له : أكثر مما تتخيل
فقال : هل لديك بعضا منه ؟
قلت : أجل

قال : أنت تعلم أننى منذ زواجى وأنا بحالة يرثى لها حتى صرت منكس الرأس
قلت : لا عليك اشرب من هذا الحليب وسوف يحسدك شهريار نفسه
فى صلاة الفجر بحثت عن جارى فلم أجده وهو الذى ما فاتته صلاة الفجر يوما شعرت بقلق كبير عليه
اتصلت به فأجابت زوجته أنه منذ ليلة أمس فى الحمام لم يخرج بل إنها وضعت له فراشه للنوم بالبانيو
فى الصباح ذهبت لعملى بالمركز الطبى كالمعتاد

كل من قابلنى تستغرقه نوبة من الضحك الشديد حتى يكاد يقع أرضا
شعرت باستغراب ممزوج باستهجان شديد لما أراه
ذهبت لأحد أصدقائى وسألته لما يضحك هؤلاء ؟!!
قال : من الفيلم
قلت : أى فيلم ؟!
قال فيلمك وأنت تحاول الشرب من ضرع الناقة وهى تلغمطك بالتراب
وأنت مع كل هذا الايذاء مستبسل

أعجبنى وصفه إياى بالاستبسال خاصة لقربها من الاسهال
فابتسمت ببلاهة وسألته أين أجد هذا الفيلم ؟
قال مع صديقك الدكتور
فعدوت تجاهه فرأيت الطبيب الوسيم يضحك هو وزمرة من الأطباء واذا بى نجم الحفلة الساطع
دلفت إلى أقرب غرفة وانتابتنى نوبة من البكاء الحار
فلقد أعطى دور البطولة للناقة دونى



منقول

للكاتب أيمن إبراهيم