علاقاتنا
من سوء حظ الإنسان أنه خلق اجتماعي بطبعه .. أضعف من أن يستطيع التوازن في الحياة دون علاقات ، وليس هذا تحديدا ما يجعله سيئ الحظ .. ولكن ما تجره هذه العلاقات من أزمات ، فالإنسان بكل ما يحويه من مشاعر وانفعالات وأفكار تخلق في داخله تكوينات مليئة بالتناقض تجعل من علاقته مع نفسه قضية تشغل عالم بأكمله ، فكيف به محاولا الدخول في علاقات أخرى مع تكوينات تتراوح فيها درجات التعقيد !!
وعلى ذلك فنحن ندخل مع بعضنا في علاقات محددة الجوانب ولنطلق عليها مجازا ( العلاقات الجزئية ) بحيث يكون النوع المقابل هو ( العلاقات التكاملية ) وهنا أقصد التكاملية تحديدا دون الكاملة .. فهذة العلاقات التكاملية تحتاج أشخاص متعددي الأبعاد بوعي يمنع تعدد الشخصية وانفصامها تبعا لتعدد أبعادها ... وأن يعيشوا في ذات المرحلة الزمنية والمحيط المعرفي وداخل أطر معيشية واحدة حاملين ذات الدرجة التجريبية ونحن بلا شك _ إذا سلمتم معي بالتصور السابق لشروط العلاقة التكاملية _ نحتاج لصبر طويل لتحقيقها وإن كنت لا أخضعها للمستحيل .
إن ما يحدث على واقعنا في العادة هو علاقة جزئية ، حيث ندخل العلاقة بجزء من ثقلنا النفسي حسب مدى العلاقة ومرونتها وتتراوح بالتالي درجة تفاعلنا مع العلاقة حسب موقعنا والطرف الآخر والعكس صحيح ، ومن هنا يبدأ تولد الصراع السلبي والإيجابي على مستوى العلاقة والمستوى النفسي ، لأن الجزء المعطل في داخلنا يؤثر على تعاملاتنا إجبارا ، وهذا لا يعيب العلاقة الجزئية كقانون ولكن سوء الفهم لقانونها هذا هو المشكلة ، فهي تبقى سليمة وفعالة إذا ما نجت من طاعون العلاقات ( السذاجة ) وسرطانها ( الادعاء ) وتبقى ناجحة ما بقي إدراك الإنسان لمعاييرها موجود ، وتبدأ المشاكل متى ما أصاب هذا الإدراك خلل ما ، فهذا الخلل يسبب اندفاعا نفسيا لمحاولة إشباع جميع الجوانب النفسية نتيجة العلاقة في إشباع الجزء المتكونة عليه ، مغفلين في ظل هذا الاندفاع قانون العلاقة القائم على إشباع جزئها العامل فيها دون اعتبارها بطبيعة الحال لباقي الجوانب .. ومحاولة إشباع جميع الجوانب ستصاب حتما بالفشل نتيجة اصطدامها بعوامل عديدة أهمها مدى الطرف المقابل وحجم المرونة في العلاقة وعليه يصاب الإنسان بما يسمى" خيبة الأمل ".. دون أن يدرك أن المسبب الأول لذلك هو محاولته المندفعة لتحميل العلاقة فوق طاقتها ، لكن متى ما استبقينا جهاز الإدراك في داخلنا سليما ، سنظل مقدرين للعلاقة الجزئية دورها في توازن حياتنا .
وإن كنت لا أنكر كمية الألم المتصاعد في هذة العلاقات ، وربما يعود هذا الألم إلى إحساسنا بالحسرة أمام انعدام التكامل في علاقة أثبت نجاحها في جانب من نفوسنا ، ورغبتنا المكبلة في تعميم النجاح في كل جوانبنا .
ويبقى الرضا بالواقع أفضل من السعادة بالحلم ، وعلاقة جزئية مشبعة في الحقيقة خير من عشر علاقات تكاملية على أرض الأحلام !!
تعليق