جمال العربية
"ألفاظ وأساليب"
في طليعة إنجازات مجمع اللغة العربية في القاهرة، ومطبوعاته العلمية كتاب
"الألفاظ والأساليب "
الذي يحوي بعض ما نظرت فيه لجنتا الأصول والألفاظ والأساليب، وتم عرضه على مجلس المجمع ومؤتمره، في محاولة دائبة من المجمع لملاحقة تطور اللغة العربية على أقلام الكتاب والأدباء والمبدعين في العصر الحديث، نتيجة لتطور الحياة المعاصرة وتقدمها في مختلف جوانبها الاجتماعية والحضارية والثقافية والعلمية والفنية، مما أدى إلى نشوء ألفاظ وتراكيب تختلف في أوضاعها ودلالاتها عن أصولها في العربية المعجمية المأثورة.
من بين هذه الأساليب التي بحثها المجمع وخصها بالدراسة والمناقشة قول بعض الكتاب " فلان عالما أكثر منه كاتبا"، وضبطهم لهذا التعبير في صور إعرابية ثلاثة:
الأولى: نصب كلمة " عالم " ورفع كلمة " أكثر"، فيقال: فلان عالما أكثر منه كاتبا.
الثانية: رفع كلمة " عالم " ورفع كلمة " أكثر"، فيقال: فلان عالم أكثر منه كاتبا.
الثالثة: رفع كلمة "عالم " ونصب كلمة "أكثر"، فيقال: فلان عالم أكثر منه كاتبا.
وقد اهتدى بعض علماء المجمع إلى أن لهذا التعبير صورة فيما ورد عن النحاة القدامى، فهم يقولون:
هذا بسرا أفضل منه رطبا.
وجمهور النحاة على أن الوصفين في العبارة منصوبان: عالما وكاتبا، ومنهم من يرى النصب على الحالية بتقدير أن في الجملة محذوفا، والأصل أن يقال: هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا، ومنهم من يرى النصب على الخبرية.
وفي توجيه إعراب الصور الثلاثة يقول عضو المجمع الراحل الأستاذ شوقي أمين:
1 - ينصب "عالم " على أنه حال تقدم، رعاية لمعنى الجملة ونسقها، ويرفع "أكثر" على أنه خبر، أي أن فلانا في حال كونه عالما أكثر منه في حال كونه كاتبا.
2 - يرفع "عالم " على أنه خبر، ويرفع "أكثر" على أنه خبر بعد خبر، والإخبار بخبرين يفيد أن فلانا عالم و أنه أكثر من نفسه كاتبا.
3- يرفع "عالم " على أنه خبر، وينصب "أكثر" على أنه حال، والتقدير: فلان عالم حال كونه أكثر منه كاتبا.
وقصارى القول في هذا التعبير: نصب كلمتي "عالم " و"كاتب " في قولهم "فلان عالما أكثر منه كاتبا" على أن كلا منهما حال، مع رفع اسم التفضيل "أكثر".
وقد يبدو الأمر- لمن يطالع هذه السطور- أهون وأيسر من أن يشغل به المجمع نفسه جلسات متعاقبة تطرح فيها أبحاث ودراسات متعددة، ويستند كل فريق من العلماء في رأيه إلى حجج وأسانيد من اللغة والمنطق، قبل أن ينتهي المجمع إلى قرار أخير
.لكن الأمر يتعدى هذا الحكم السريع إلى حقيقة الجهد الذي يبذله سدنة اللغة وعلماؤها عناية منهم بالتأصيل واهتماما بإشاعة الصواب.
وفي مطبوعات المجمع من مجموعات محاضر جلساته، ومن أعداد مجلته، تسجيل لجهد موفور من البحث العلمي واللغوي، وفيض من الدراسات والمناقشات، هدفه الأسمى الحفاظ على لغتنا العربية وجعلها وافية بمتطلبات التطور والقدرة على التعبير عن العصربكل ما فيه.
" وعليّ أن أسعى "
للشاعر كشاجم
هو أبوالفتح محمود بن الحسن بن السندي من أهل الرملة بفلسطين
عاش في القرن الرابع الهجري متنقلا بين القدس ودمشق وحلب وبغداد ومصر، حتى استقر في آخر المطاف بحلب عاصمة الحمدانيين وصار في طليعة شعراء أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان والد سيف الدولة.
وقيل إن اسمه كشاجم
منحوت من عدة علوم كان يتقنها، فالكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من الجدل والميم من المنطق
.وقيل إنه لما طلب علم الطب ومهر فيه زيد في اسمه طاء فقيل " طكشاجم " لكنه لم يذع ولم ينتشر.وله من الآثار الأدبية فضلا عن ديوانه "الثغر الباسم " مؤلفات في فنون الفروسية والفتوة والمصايد وأدب النديم وخصائص الطرب والطرديات والرسائل.
والقصيدة التي يطالعها القارىء من شعر كشاجم تشهد باقتداره
في التعبير والتصوير، وتخير اللغة الشعرية السهلة الموحية، وعنايته بالإيقاع الموسيقي واهتمامه بمجزوءات البحور الشعرية، إيثارا للخفة والحيوية والانطلاق، وكأنما كتب شعره ليغنى، ولتعنى به الأسماع وتتلقفه الذاكرة بالحفظ والترديد.
وديوانه يفيض بوصف مجالس الأنس والمسامرة والمنادمة، والحديث عن مناقب الممدوحين، بالإضافة إلى تغني الشاعر بمناقبه ومواهبه في الإبداع الشعري والنثري.
يقول كشاجم:
بكرت تلوم على السماح = وتعد ذلك من صلاحي
هيهات ليس يصون لي عر = ضي سوى المال المباح
قاقني حياءك إن لو = مك غيرثان من جماحي
وأبي اللواحي إنني = لهج بعصيان اللواحي
قمن بإتلاف اللهى = في الحمد نشوانا وصاح
معطي الشبيبة ما تحب =من البطالة والمراح
متصرف في الجد أحيانا = وطورا في المزاح =
بينا أجر من الغلائل = رحت في شاكي السلاح
وأغير في بهم الكماة =صبوت بالخود الرداح
فغدو يومي للعلا = ورواحه أبدا لراح
ومريضة الأجفان تعمل =في ضنى المهج الصحاح
رود القوام خريد = أعطافها طوع الرياح
ريا الروادف طفلة = ظمأى الحشا غرثى الوشاح
في حجرها مترنم = يشدو بأوتار فصاح
تصل المثاني والمثالث = بالصياح وبال وبالسجاح
تغضي على حور وتضحك = حين تضحك عن أقاحي
في كل مازي تروق = وكل ما تشدو اقتراحي
تدع الفسيح من البلاد = بنشرها عطر التواحي
وأنا ابن فرسان اليراع = معا وفرسان الصفاح
العاقدي التيجان تضحك = عن وجوههمو الصباح
والجاعلين عداهمو =لهمو بمنزلة الأضاحي
وولاؤنا للغر من = سادات معتلج البطاح
وإذا تشاجرت الرماح =فإن أقلامي رماحي
يمزجن تضح مدادهن = بمستفاض دم الجراح
وكأن صوت صريرها =في جرحي تجاوب بالأحاح
وإذا تغلقت الأمور = حكمن فيها بانفتاح
ويل أم دهري لو = تبينني لأحجم عن كفاحي
ولجاء معذرا إلي =من اهتضامي واطراحي
ولقد عجبت من الليالي = كيف هاضت من جناحي
لكنها حرب الحيي = وسلم ذي الوجه الوقاح
وعلي أن أسعى =وليس علي إدراك النجاح
"ألفاظ وأساليب"
في طليعة إنجازات مجمع اللغة العربية في القاهرة، ومطبوعاته العلمية كتاب
"الألفاظ والأساليب "
الذي يحوي بعض ما نظرت فيه لجنتا الأصول والألفاظ والأساليب، وتم عرضه على مجلس المجمع ومؤتمره، في محاولة دائبة من المجمع لملاحقة تطور اللغة العربية على أقلام الكتاب والأدباء والمبدعين في العصر الحديث، نتيجة لتطور الحياة المعاصرة وتقدمها في مختلف جوانبها الاجتماعية والحضارية والثقافية والعلمية والفنية، مما أدى إلى نشوء ألفاظ وتراكيب تختلف في أوضاعها ودلالاتها عن أصولها في العربية المعجمية المأثورة.
من بين هذه الأساليب التي بحثها المجمع وخصها بالدراسة والمناقشة قول بعض الكتاب " فلان عالما أكثر منه كاتبا"، وضبطهم لهذا التعبير في صور إعرابية ثلاثة:
الأولى: نصب كلمة " عالم " ورفع كلمة " أكثر"، فيقال: فلان عالما أكثر منه كاتبا.
الثانية: رفع كلمة " عالم " ورفع كلمة " أكثر"، فيقال: فلان عالم أكثر منه كاتبا.
الثالثة: رفع كلمة "عالم " ونصب كلمة "أكثر"، فيقال: فلان عالم أكثر منه كاتبا.
وقد اهتدى بعض علماء المجمع إلى أن لهذا التعبير صورة فيما ورد عن النحاة القدامى، فهم يقولون:
هذا بسرا أفضل منه رطبا.
وجمهور النحاة على أن الوصفين في العبارة منصوبان: عالما وكاتبا، ومنهم من يرى النصب على الحالية بتقدير أن في الجملة محذوفا، والأصل أن يقال: هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا، ومنهم من يرى النصب على الخبرية.
وفي توجيه إعراب الصور الثلاثة يقول عضو المجمع الراحل الأستاذ شوقي أمين:
1 - ينصب "عالم " على أنه حال تقدم، رعاية لمعنى الجملة ونسقها، ويرفع "أكثر" على أنه خبر، أي أن فلانا في حال كونه عالما أكثر منه في حال كونه كاتبا.
2 - يرفع "عالم " على أنه خبر، ويرفع "أكثر" على أنه خبر بعد خبر، والإخبار بخبرين يفيد أن فلانا عالم و أنه أكثر من نفسه كاتبا.
3- يرفع "عالم " على أنه خبر، وينصب "أكثر" على أنه حال، والتقدير: فلان عالم حال كونه أكثر منه كاتبا.
وقصارى القول في هذا التعبير: نصب كلمتي "عالم " و"كاتب " في قولهم "فلان عالما أكثر منه كاتبا" على أن كلا منهما حال، مع رفع اسم التفضيل "أكثر".
وقد يبدو الأمر- لمن يطالع هذه السطور- أهون وأيسر من أن يشغل به المجمع نفسه جلسات متعاقبة تطرح فيها أبحاث ودراسات متعددة، ويستند كل فريق من العلماء في رأيه إلى حجج وأسانيد من اللغة والمنطق، قبل أن ينتهي المجمع إلى قرار أخير
.لكن الأمر يتعدى هذا الحكم السريع إلى حقيقة الجهد الذي يبذله سدنة اللغة وعلماؤها عناية منهم بالتأصيل واهتماما بإشاعة الصواب.
وفي مطبوعات المجمع من مجموعات محاضر جلساته، ومن أعداد مجلته، تسجيل لجهد موفور من البحث العلمي واللغوي، وفيض من الدراسات والمناقشات، هدفه الأسمى الحفاظ على لغتنا العربية وجعلها وافية بمتطلبات التطور والقدرة على التعبير عن العصربكل ما فيه.
" وعليّ أن أسعى "
للشاعر كشاجم
هو أبوالفتح محمود بن الحسن بن السندي من أهل الرملة بفلسطين
عاش في القرن الرابع الهجري متنقلا بين القدس ودمشق وحلب وبغداد ومصر، حتى استقر في آخر المطاف بحلب عاصمة الحمدانيين وصار في طليعة شعراء أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان والد سيف الدولة.
وقيل إن اسمه كشاجم
منحوت من عدة علوم كان يتقنها، فالكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من الجدل والميم من المنطق
.وقيل إنه لما طلب علم الطب ومهر فيه زيد في اسمه طاء فقيل " طكشاجم " لكنه لم يذع ولم ينتشر.وله من الآثار الأدبية فضلا عن ديوانه "الثغر الباسم " مؤلفات في فنون الفروسية والفتوة والمصايد وأدب النديم وخصائص الطرب والطرديات والرسائل.
والقصيدة التي يطالعها القارىء من شعر كشاجم تشهد باقتداره
في التعبير والتصوير، وتخير اللغة الشعرية السهلة الموحية، وعنايته بالإيقاع الموسيقي واهتمامه بمجزوءات البحور الشعرية، إيثارا للخفة والحيوية والانطلاق، وكأنما كتب شعره ليغنى، ولتعنى به الأسماع وتتلقفه الذاكرة بالحفظ والترديد.
وديوانه يفيض بوصف مجالس الأنس والمسامرة والمنادمة، والحديث عن مناقب الممدوحين، بالإضافة إلى تغني الشاعر بمناقبه ومواهبه في الإبداع الشعري والنثري.
يقول كشاجم:
بكرت تلوم على السماح = وتعد ذلك من صلاحي
هيهات ليس يصون لي عر = ضي سوى المال المباح
قاقني حياءك إن لو = مك غيرثان من جماحي
وأبي اللواحي إنني = لهج بعصيان اللواحي
قمن بإتلاف اللهى = في الحمد نشوانا وصاح
معطي الشبيبة ما تحب =من البطالة والمراح
متصرف في الجد أحيانا = وطورا في المزاح =
بينا أجر من الغلائل = رحت في شاكي السلاح
وأغير في بهم الكماة =صبوت بالخود الرداح
فغدو يومي للعلا = ورواحه أبدا لراح
ومريضة الأجفان تعمل =في ضنى المهج الصحاح
رود القوام خريد = أعطافها طوع الرياح
ريا الروادف طفلة = ظمأى الحشا غرثى الوشاح
في حجرها مترنم = يشدو بأوتار فصاح
تصل المثاني والمثالث = بالصياح وبال وبالسجاح
تغضي على حور وتضحك = حين تضحك عن أقاحي
في كل مازي تروق = وكل ما تشدو اقتراحي
تدع الفسيح من البلاد = بنشرها عطر التواحي
وأنا ابن فرسان اليراع = معا وفرسان الصفاح
العاقدي التيجان تضحك = عن وجوههمو الصباح
والجاعلين عداهمو =لهمو بمنزلة الأضاحي
وولاؤنا للغر من = سادات معتلج البطاح
وإذا تشاجرت الرماح =فإن أقلامي رماحي
يمزجن تضح مدادهن = بمستفاض دم الجراح
وكأن صوت صريرها =في جرحي تجاوب بالأحاح
وإذا تغلقت الأمور = حكمن فيها بانفتاح
ويل أم دهري لو = تبينني لأحجم عن كفاحي
ولجاء معذرا إلي =من اهتضامي واطراحي
ولقد عجبت من الليالي = كيف هاضت من جناحي
لكنها حرب الحيي = وسلم ذي الوجه الوقاح
وعلي أن أسعى =وليس علي إدراك النجاح
فاروق شوشة
تعليق