إلى كل من أراد أن يستشعر أحاسيس الجنة. من أغرب القصص.
القصة أوردها ابنُ الجوزي في صفة الصفوة وابنُ النحاس في مشارع الأشواق، وآخرون كثر
حدث أبو قدامة الشامي، عن أعجب ما رآه من أمر الجهاد، فقال:
خرجت مرة مع أصحاب لى إلى ا لرقة لنقاتل بعض المشركين فى الثغور فلما نزلت الرقة (وهي مدينة في العراق على نهر الفرات ) اشتريت منها جملا أحمل عليه سلاحى وأعظ الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد فى سبيل الله والإنفاق لنصرة الإسلام الذى جعلهم الله تعالى قائمين عليه قال فلما تكلمت فى بعض مساجدها ودعوت الناس للخروج إلى القتال فى سبيل الله . ثم جنا علي الليل اشريت منزلا أبيت فيه فلما ذهب بعض الليل فإذا بباب المنزل يطرق علي قال فعجبت عجبا شديدا من هذا الذى يطرق علي الباب فأنا رجل غير معروف بهذه البلاد وليس لى بأحد باتصال ولا معرفه فمن هذا الذى سوف يأتى إلي بهذه الظلمه فقال فلما فتحت الباب وأنا وجل فإذا بإمرأه متحصنة عفيفه قد تلفعت بجلبابها فلا ترى منها شيئا قال فلما رأيتها فزعت منها وقلت يا أمة الله ما تريدين رحمك الله قالت لى: أنت أبى قدامة ، قلت : نعم قالت أنت الذى جمعت المال اليوم لثغور ، قلت : نعم ، قال : فلما سمعت منى ذلك دفعت إلى رقعة وخرقة مشدودة ثم إنصرفة باكيه قال فعجبت والله من شأنها والخرقة بين يدي فنظرت فى هذه الرقعه فإذا مكتوب فيها يا أبا قدامة إنك قد دعوتنا اليوم إلى الجهاد وأنا إمراة لا أستطيع الجهاد ولا قدرة لي على ذلك ولم أجد مالا أزودك به لتذهب به إلى المجاهدين فقطعت أحسن ما فيى فهما ظفرتاي ثم صنعت منهما شكالا ( حبلا يربط بهما الفرس ) وأنفذتهما إليك لتجعلها قيد فرسك لعل الله تعالى إذا رأى شعرى قيد فرسك فى سبيله يغفر لى وأن يدخلنى إلى الجنة قال أبوقدامة فعجبت والله من حرصها وبذلها لكل ذلك فى سبيل الله وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة. قال فجعلت هذه الخرقة فى بعض متاعى ثم لما أصبحنا وصلينا الفجر خرجت أنا وأصحابى من الرقة فلما بلغنا حصن (مسلمة بن عبد الملك ) فإذا بفارس يصيح ورائنا ويبادى ويقول يا أبا قدامة ياأبا قدامة إبطئ عليّ يرحمك الله قال فقلت لأصحابي تقدموا أنتم عنى وأنا أرجع أنظر من خبر هذا الفارس.
فلما رجعت إليه بدأنى بالكلام وقال : الحمد الله الذى لم يحرمنى صحبتك ولم يردنى خائبا إلى أهلى قال فقلت له ما تريد رحمك الله قال : أريد الخروج معك إلى القتال فقلت له أسفر عن وجهك فإن كنت كبيرا يلزمك القتال قبلتك وإن كنت صغيرا لا يلزمك القتال رددتك قال فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه كمثل القمر فإذا هو غلاما عمره سبع عشرة سنة فقلت له يابني عندك والد فقال أبى قد قتله الصليبيون وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي فقلت له أعندك والده قال نعم فقلت إرجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإنك إذا أحسنت صحبتها فإن الجنة تحت قدمها قال أبوقدامة فتعجب منى فقال أمى أمرتنى أن أخرج إلى الجهاد وأقسمت علي أن لا أرجع إليها وقالت لى يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الأدبار وهب نفسك لله واطلب مجاورة الله ومساكنة أبيك وإخونك فى الجنة فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع في ثم ضمتني إلى صدرها ورفعت بصرها إلى السماءوقالت إلهى وسيدى ومولاى هذا ريحانة قلبي وثمرة فؤادي سلمته إليك فقربه من أبيه وإخوته ثم قال أبوقدامة فعجبت والله من هذا الغلام ثم عاجلني الغلام بقوله فسألتك بالله ياعمي يا أبا قدامة ألا تحرمني الغزوة في سبيل الله معك أنا إنشاء الله الشهيد إبن الشهيد فإنى حافظ لكتاب الله عارف بالفروسية والرمي فلا تحقرني لصغر سني قال أبو قدامة فلما سمعة ذلك منه لم أستطع والله أن أرده فأخذناه معنا فوالله مارأينا أنشط منه إن ركبنا فهو أسرعنا وإن نزلنا فهو أنشطنا وهو فى كل أحواله فى الطريق وفى النزول لا يفتر لسانه عن ذكر الله جلا جلاه أبدا فأنزلنا منزلا لما أقبلنا إلى الثغور مع غروب الشمس وكنا صائمين فأردنا أن نطبخ فطورنا وعشائنا قال فلما نزلنا أقسم الغلام علينا أن لا يصنع الفطور إلا هو فأردنا أن نمنعه عن ذلك إذ هو لا يزال فى تعب شديد من طول الطريق وعسره ولكنه أبا علينا ذلك فلما نزلنا قلنا له تنحى عنا قليلا حتى لا يأذينا دخان الحطب.
قال فجلسنا ننتظر الغلام فأبطء علينا شيء يسير فقال بعض أصحابى يا أبا قدامة إذهب إلى صاحبك فانظر لنا خبره فما هذا بصنع فطور ولاعشاء قد أبطأ علينا كثيرا قال فلما توجهت إليه فإذا الغلام قد أشعل النار فى الحطب وقد وضع من فوقه القدر ونام ووضع رأسه على حجرا ثم نام فلما رأيته على هذا الحال كرهت والله أن أوقظه من منامه وكرهت أن أرجع إلى أصحابي وليس معى طعام لهم فلما رأيت حاله كذلك قلت فى نفسى أنا أكمل الفطورلأصحابى فأخذت أصنع شيء يسير وأسارق الغلام النظر خلال ذلك فبينما أنا أنظر إلى الغلام إذ لحظت أن الغلام بدأ يتبسم ثم إشتد تبسمه فتعجبت والله من تبسمه وهو نائم قال ثم بدأ الغلام يضحك ثم إشتد ضحكه ثم إستيقظ من منامه قال فلما رأيت الغلام على ذلك عجبت والله فلما إستيقظ ورآنى فزع الغلام وقال يا عمى أبطأت عليكم قلت له ما أبطأة علينا قال دع عنك صنع الطعام انا أصنعه لكم انا خادمكم فى الجهاد قلت له لا والله لا تصنع فطورا ولاطعاما حتى تحدثنا بشأنك ما الذى جعلك فى منامك تضحك وما الذى جعلك تبتسم هذا أمر عجيب , فقال الغلام يا عمى هذه رؤيا رأيتها قلت له بالله عليك ما هذه الرؤيا قال دعها بيني وبين الله تعالى قلت أقسمت بالله عليك أن تحدثنى بهذه الرؤيا فقال الغلام رأيت يا عمى فى منامى أنى قد دخلت إلى الجنة فإذا هى فى حسنها وبهائها وجمالها كما أخبر الله عز وجل فى كتابه , فبينما أنا أمشى فيها وأنا فى عجب شديد من حسنها وجمالها إذ رأيت قصرا يتلألأ أنوارا لبنة من ذهب ولبنة من فضه وإذا يشر فاته من الدروالياقوت والجواهر وأبوابه من ذهب وإذا ستور مرخية على شرفها وإذا بجوار يرفعن الستور وجوههن كالأقمار قال فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب من حسنهن وجمالهن قال فإذا بجاريه كأحسن مارأيت من الجوارى تحدث صاحبتها التى عن يمينها وتشير إلي وتقول هذا زوج المرضيه هذا زوج المرضيه هذا زوج المرضيه ويقول وأنا لاأدرى من هى المرضيه فسألتها قلت لها أنت المرضيه فقالت أنا خادمة المرضيه من خادمة المرضيه تريد المرضيه أدخل إلى القصر تقدم يرحمك الله قال فتقدمة فإذا بأعلى القصر غرفه من ذهب الأحمر سريرمن الزبردج قوائمه من الفضه البيضاء عليه جاريه وجهها كأنه الشمس لولا أن الله ثبت علي بصرى لذهب عنى ولذهب عقلى من حسنها وجمالها ومن بهاء السريروجمال الغرفه قال فلما رأتنى الجاريه بدائتنى بالكلام والحديث وقالت مرحبا بولي الله وحبيبه أنا لك وأنت لي فلما رايتها وسمعة كلامها اقتربت منها فلما كدت أن أضع يدى عليها قالت لى يا خليلى يا حبيبي أبعد الله عنك الخنا قد بقي لك من الحياه شيء وموعدنا معك غدا بعد صلاة الظهر قال فتبسمت من ذلك وفرحت والله منه قال أبو قدامة فلما سمعت هذه الرؤيا من مثل هذا الغلام قلت له رأيت خيرا إنشاء الله.
قال أبو قدامة ثم إننا أكلنا فطورنا ثم ركبنا على دوابنا ومضينا إلى أصحابنا المرابطين فى الثغور قال فلما نزلنا عندهم قمنا وصلينا الفجر ثم حضر عدونا فقال قائدنا وصف الجيوش بين يديه ثم تلا علينا سورة الأنفال وذكرنا بأجر الجهاد فى سبيل الله وبثواب الشهاده فى سبيل الله فما زال يحثنا على الجهاد على القتال قال فبينما أتأمل من الناس حولى فإذا كل واحد منهم يجمع حوله إخوانه وأقربائه أما الغلام فلا أبا له يدعوا إليه ولا عما يقربه إليه ولا أخوة يجعله بين يديه فأخذت أراقبه وأنظر إلى حاله فلما نظرت فإذا الغلام فى مقدمة الجيش فأخذت أشق الصفوف مشية إليه فلما وصلت إليه قلت له يا بني ألك خبرة فى القتال والجهاد قال لا هذه والله أول معركة وأول مشهدا أراه وأقاتل الكفار فيه فقلت يا بني إن الامر على خلاف مافى بالك وذهنك إن الامر قتالا وإن الامر دما وصهيل وجمال أبطال ورمي نبال يابني فكن آخر الجيش فإذا كان نصرا انتصرت معنا وإن كانت هزيمة لم تكن أنت أول مقتول قال فنظر إلي بعجب قال أنت تقول لي ذلك قلت نعم أنا أقول لك ذلك فقال لى ياعم هل تريدنى أن أكون من أهل النار قلت له أعوذ بالله لا والله ماجئنا إلى الجهاد إلا هربا من النار وطلبا الجنان قال فقال لى إن الله تعالى يقول
بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *)) صدق الله العظيم
الأنفال 15
هل تريدني أن أولهم الأدبار فيكون مأواى جهنم قال أبوقدامة فعجبت والله من حرصه ومن تمسكه بهذه الايات فقلت له يابني إن الأية مخرجها على غير كلامك فأبى على أن يرجع فأخذت يده أجبره حتى يرجع إلى أخر الصفوف فجعل يكبذ يده منى ثم بدا القتال فحالت الخيل بيني وبينه فلما بدء القتال وجالت الابطال ورميت النبال وجردت السيوف وتكسرت الجماجم وتطايرت الايدى والارجل واشتد علينا القتال حتى اشتغل كل منا بنفسه حتى إن السيوف والله من شدة الحر فوقنا حتى كأنه تنور يشعل من فوق رؤسنا وإن السيوف والله لا تثبت فى أيدينا فما زال القتال يشتد علينا قد انشغل كل منا عن الاخرين بنفسه فما زال يشتد علينا ويزيد حتى زالت الشمس ودخل وقت صلاة الظهر ثم هزم الله تعالى الصليبين قال فلما هزمهم إجتمعت مع أصحابى ثم صلينا الظهر فبدء كل واحدا من الناس يبحث فى أقربائه وأحبابه أما الغلام فلا أحد يسأل عنه وينظر فى خبره فبينما الحال على هذا قلت والله لأنظرن فى خبره لعله مقتول أوجريح أو لعل بعض أولئك الكفار قد أخذوه أسير وذهب به معهم لما هربوا وولو الادبار فبدأت أمشى بين القتلى والجرحى وأتلفت بينهم أنظر فبينما أنا على ذلك إذ سمعت صوتا ويصيح من ورائى ويقول أيها الناس إبعثوا إلي عمى أبا قدامة إبعثوا إلي أباقدامة فلتفت إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام وإذا الرماح قد تسابقت إليه والخيل قد وطأة عليه فمزقت اللّحمان وأدمت اللسان وفرقت الاعضاء وكسرت العظام وإذا هو يتيم ملقا فى الصحراء فأقبلت والله إليه وتطرحت بين يديه ثم صرخت بأعلى صوتى قلت ها أنا أباقدامة ها أنا أباقدامة فقال الحمد الله الذى أحيانى إلى أن أوصى إليك فسمع منى وصيتى قال أبوقدامة فبكيت والله على محاسنه وجماله وبكيت والله رحمة بأمه المقيمة فى الرقة التى فجعت عام أول بأبيه وإخوانه وتفجع هذا العام به قال فأخذت طرف ثوبى أمسح الدمع عن محاسنه وجماله فلما شعر بذلك رفع بصره إلى وقال يا عم تمسح الدم بثوبك إمسح الدم بثوبى لابثوبك يا عم قال أبو قدامة فبكيت والله ولم أحر جوابا ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه وأن ولدها قد قتل في سبيل الله مقبل غير مدبر وأن الله إن كتبنى فى الشهداء فإنى سأصل سلامها إلى أبى وإخوانى فى الجنة ثم قال ياعم إنى أخاف أن لاتصدق أمى كلامك فخذ معك بعض ثيابى التى فيها الدم فإن أمى إذا رأتها صدقت أنى مقتول وقل لها إن الموعد الجنة إنشاء الله تعالى يا عم إنك إذا رجعت إلى بيتنا ستجد أختا لى صغيرة عمرها 9سنوات ما دخلت المنزل إلا إستبشرت وفرحت ولا خرجت من المنزل إلا بكت وحزنت وقد فجعت بمقتل أبى عام الاول وفجعت بمقتلى هذا العام إنها قالت لى عندما رأت علي ثياب السفر ورأت أمى تلف الثياب علي قالت يا أخى لا تبطأ علينا وعجل الرجوع إلينا فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات وقل لها يقول لك أخوك الله خليفتى عليك قال أبو قدامة ثم تحامل الغلام على نفسه وقال يا عم صدقت الرؤيا والله صدقت الرؤيا ورب الكعبة والله إنى لأرى المرضية الآن عند رأسى وأشم ريحها قال ثم إنخفض صدره وتصبب العرق من جبينه ثم شهق شهقات حتى إشتد عليه الشهقات قال ثم مات الغلام بين يدي قال أبو قدامة فأخذت بعض ثيابه التى فيها الدم وجعلتها فى كيس ثم دفناه(....) ولم يكن عندى هم أعظم من أن أرجع إلى الرقة ثم أبلغ رسالته إلى أمه.
قال فرجعت وأنا لا أعرف ما إسم أمه ولا أين مسكنهم ومأواهم فبينما أنا أمشى فى طرقات الرقة إذ وقفت إلى منزلا قد وقفت عند بابه فتاة صغيرة سنوات تنظر فى القادمين والراحين ما يمر بها أحد حتى عليه أثر السفر إلا سألته وقالت يا عمى من أين أقبلت فيقول لها أقبلت من الجهاد فتقول له أخى معكم فيقول لاأدرى من أخوك ثم يمض عنها قال فمر بها آخر فقالت له من أين أقبلت فقال أقبلت من الجهاد قالت معكم أخى قال لاأدرى من أخوك ثم مضى فمر الثالث فنظرت إليه فإذا عليه أثر السفر فقالت ياعم من أين أقبلت قال لها من القتال قالت معكم أخى قال ما أدرى والله من أخوك ثم مضى قال فما زالت تسأل الرابعه والخامسه والسادسه ثم لما لم تسمع منهم جوابا بكت وخفضت رأسها وقالت مالى أرى الناس يرجعون وأخى لايرجع فلما رأيت حالها كذلك أقبلت إليها فلما رأت علي أثر السفر وبيدى الكيس قالت لى يا عم من أين أقبلت قلت لها أقبلت من الجهاد قالت معكم أخى قلت أين أمك قالت أمى بالداخل قلت قولى لها تخرج إليّ قال فلما خرجت إليّ العجوز فإذا هى متلفعة بجلبابها فلما سمعت صوتها وسمعت صوتى قالت لى يا أبا قدامة أقبلت معزيا أم مبشرى قال فقلت لها رحمك الله بيني ما معنى العزاء وما معنى البشاره فقالت إن كنت قد أقبلت تخبرنى بأن ولدى قد قتل فى سبيل الله مقبل غير مدبر فأنت والله مبشرا إذا قد تقبل الله هديتى إليه وإن كنت أقبلت تخبرنى بأن ولدى قد رجع سالما ومعه الغنيمة فأنت والله معزى ولم يتقبل الله تعالى هديتى إليه قال أبوقدامة فقلت لها أنا والله مبشرى إن ولدك قد قتل فى سبيل الله مقبل غير مدبر وقد وطأت عليه الخيل وقد أخذ الله تعالى من دمه حتى رضى فقالت ما أظنك صادقا وهى تنظر إلى الكيس والطفلة تنظر إلينا قالت ففتحت الكيس ثم أخرجت الثياب إليها يتساقط منها دم ويتساقط منها لحم وجهه وشعره قال فقلت لها أليست هذه ثيابه أليست هذه عمامته أليس هذا قميصه الذى ألبستيه إياه بيدك قال فلما رأت ذلك العجوز قالت الله أكبر وفرحت أما الصغيرة فقد شهقت ثم وقعت على الأرض قال فلما وقعت على الأرض مازالت والله تشهق ففزعت أمها ثم دخلت إلى البيت وأحضرت ماء ترشها عليها أما أنا فجلست عند رأسها أسكب عليها الماء وأقرأ عتدها القرآن فوالله ما زالت تشهق وتنادى بسم أخيها وأبيها وأمها عند رأسها تبكى فما زالت والله تشهق وما غادرتها إلا والله ميتة قال فلما ماتت أمسكت أمها بيدها ثم جرتها إلى داخل البيت ثم أغلقت الباب فى وجهى ثم سمعتها تقول الله إنى قد قدمت زوجى وإخوانى وولدى فى سبيلك الله فلعلك أن ترضى عنى وأن تجمعنى بهم بجنتك قال أبو قدامة فإخذت أطرق الباب لعلها أن تفتح الباب أعطيها شيء من المال او أحدث الناس بخبرها حتى يرتفع شأنها بينهم فوالله مافتحت ولا ردت لى جوابا قال والله مارأيت أعجب منها .
منقول
القصة أوردها ابنُ الجوزي في صفة الصفوة وابنُ النحاس في مشارع الأشواق، وآخرون كثر
حدث أبو قدامة الشامي، عن أعجب ما رآه من أمر الجهاد، فقال:
خرجت مرة مع أصحاب لى إلى ا لرقة لنقاتل بعض المشركين فى الثغور فلما نزلت الرقة (وهي مدينة في العراق على نهر الفرات ) اشتريت منها جملا أحمل عليه سلاحى وأعظ الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد فى سبيل الله والإنفاق لنصرة الإسلام الذى جعلهم الله تعالى قائمين عليه قال فلما تكلمت فى بعض مساجدها ودعوت الناس للخروج إلى القتال فى سبيل الله . ثم جنا علي الليل اشريت منزلا أبيت فيه فلما ذهب بعض الليل فإذا بباب المنزل يطرق علي قال فعجبت عجبا شديدا من هذا الذى يطرق علي الباب فأنا رجل غير معروف بهذه البلاد وليس لى بأحد باتصال ولا معرفه فمن هذا الذى سوف يأتى إلي بهذه الظلمه فقال فلما فتحت الباب وأنا وجل فإذا بإمرأه متحصنة عفيفه قد تلفعت بجلبابها فلا ترى منها شيئا قال فلما رأيتها فزعت منها وقلت يا أمة الله ما تريدين رحمك الله قالت لى: أنت أبى قدامة ، قلت : نعم قالت أنت الذى جمعت المال اليوم لثغور ، قلت : نعم ، قال : فلما سمعت منى ذلك دفعت إلى رقعة وخرقة مشدودة ثم إنصرفة باكيه قال فعجبت والله من شأنها والخرقة بين يدي فنظرت فى هذه الرقعه فإذا مكتوب فيها يا أبا قدامة إنك قد دعوتنا اليوم إلى الجهاد وأنا إمراة لا أستطيع الجهاد ولا قدرة لي على ذلك ولم أجد مالا أزودك به لتذهب به إلى المجاهدين فقطعت أحسن ما فيى فهما ظفرتاي ثم صنعت منهما شكالا ( حبلا يربط بهما الفرس ) وأنفذتهما إليك لتجعلها قيد فرسك لعل الله تعالى إذا رأى شعرى قيد فرسك فى سبيله يغفر لى وأن يدخلنى إلى الجنة قال أبوقدامة فعجبت والله من حرصها وبذلها لكل ذلك فى سبيل الله وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة. قال فجعلت هذه الخرقة فى بعض متاعى ثم لما أصبحنا وصلينا الفجر خرجت أنا وأصحابى من الرقة فلما بلغنا حصن (مسلمة بن عبد الملك ) فإذا بفارس يصيح ورائنا ويبادى ويقول يا أبا قدامة ياأبا قدامة إبطئ عليّ يرحمك الله قال فقلت لأصحابي تقدموا أنتم عنى وأنا أرجع أنظر من خبر هذا الفارس.
فلما رجعت إليه بدأنى بالكلام وقال : الحمد الله الذى لم يحرمنى صحبتك ولم يردنى خائبا إلى أهلى قال فقلت له ما تريد رحمك الله قال : أريد الخروج معك إلى القتال فقلت له أسفر عن وجهك فإن كنت كبيرا يلزمك القتال قبلتك وإن كنت صغيرا لا يلزمك القتال رددتك قال فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه كمثل القمر فإذا هو غلاما عمره سبع عشرة سنة فقلت له يابني عندك والد فقال أبى قد قتله الصليبيون وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي فقلت له أعندك والده قال نعم فقلت إرجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإنك إذا أحسنت صحبتها فإن الجنة تحت قدمها قال أبوقدامة فتعجب منى فقال أمى أمرتنى أن أخرج إلى الجهاد وأقسمت علي أن لا أرجع إليها وقالت لى يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الأدبار وهب نفسك لله واطلب مجاورة الله ومساكنة أبيك وإخونك فى الجنة فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع في ثم ضمتني إلى صدرها ورفعت بصرها إلى السماءوقالت إلهى وسيدى ومولاى هذا ريحانة قلبي وثمرة فؤادي سلمته إليك فقربه من أبيه وإخوته ثم قال أبوقدامة فعجبت والله من هذا الغلام ثم عاجلني الغلام بقوله فسألتك بالله ياعمي يا أبا قدامة ألا تحرمني الغزوة في سبيل الله معك أنا إنشاء الله الشهيد إبن الشهيد فإنى حافظ لكتاب الله عارف بالفروسية والرمي فلا تحقرني لصغر سني قال أبو قدامة فلما سمعة ذلك منه لم أستطع والله أن أرده فأخذناه معنا فوالله مارأينا أنشط منه إن ركبنا فهو أسرعنا وإن نزلنا فهو أنشطنا وهو فى كل أحواله فى الطريق وفى النزول لا يفتر لسانه عن ذكر الله جلا جلاه أبدا فأنزلنا منزلا لما أقبلنا إلى الثغور مع غروب الشمس وكنا صائمين فأردنا أن نطبخ فطورنا وعشائنا قال فلما نزلنا أقسم الغلام علينا أن لا يصنع الفطور إلا هو فأردنا أن نمنعه عن ذلك إذ هو لا يزال فى تعب شديد من طول الطريق وعسره ولكنه أبا علينا ذلك فلما نزلنا قلنا له تنحى عنا قليلا حتى لا يأذينا دخان الحطب.
قال فجلسنا ننتظر الغلام فأبطء علينا شيء يسير فقال بعض أصحابى يا أبا قدامة إذهب إلى صاحبك فانظر لنا خبره فما هذا بصنع فطور ولاعشاء قد أبطأ علينا كثيرا قال فلما توجهت إليه فإذا الغلام قد أشعل النار فى الحطب وقد وضع من فوقه القدر ونام ووضع رأسه على حجرا ثم نام فلما رأيته على هذا الحال كرهت والله أن أوقظه من منامه وكرهت أن أرجع إلى أصحابي وليس معى طعام لهم فلما رأيت حاله كذلك قلت فى نفسى أنا أكمل الفطورلأصحابى فأخذت أصنع شيء يسير وأسارق الغلام النظر خلال ذلك فبينما أنا أنظر إلى الغلام إذ لحظت أن الغلام بدأ يتبسم ثم إشتد تبسمه فتعجبت والله من تبسمه وهو نائم قال ثم بدأ الغلام يضحك ثم إشتد ضحكه ثم إستيقظ من منامه قال فلما رأيت الغلام على ذلك عجبت والله فلما إستيقظ ورآنى فزع الغلام وقال يا عمى أبطأت عليكم قلت له ما أبطأة علينا قال دع عنك صنع الطعام انا أصنعه لكم انا خادمكم فى الجهاد قلت له لا والله لا تصنع فطورا ولاطعاما حتى تحدثنا بشأنك ما الذى جعلك فى منامك تضحك وما الذى جعلك تبتسم هذا أمر عجيب , فقال الغلام يا عمى هذه رؤيا رأيتها قلت له بالله عليك ما هذه الرؤيا قال دعها بيني وبين الله تعالى قلت أقسمت بالله عليك أن تحدثنى بهذه الرؤيا فقال الغلام رأيت يا عمى فى منامى أنى قد دخلت إلى الجنة فإذا هى فى حسنها وبهائها وجمالها كما أخبر الله عز وجل فى كتابه , فبينما أنا أمشى فيها وأنا فى عجب شديد من حسنها وجمالها إذ رأيت قصرا يتلألأ أنوارا لبنة من ذهب ولبنة من فضه وإذا يشر فاته من الدروالياقوت والجواهر وأبوابه من ذهب وإذا ستور مرخية على شرفها وإذا بجوار يرفعن الستور وجوههن كالأقمار قال فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب من حسنهن وجمالهن قال فإذا بجاريه كأحسن مارأيت من الجوارى تحدث صاحبتها التى عن يمينها وتشير إلي وتقول هذا زوج المرضيه هذا زوج المرضيه هذا زوج المرضيه ويقول وأنا لاأدرى من هى المرضيه فسألتها قلت لها أنت المرضيه فقالت أنا خادمة المرضيه من خادمة المرضيه تريد المرضيه أدخل إلى القصر تقدم يرحمك الله قال فتقدمة فإذا بأعلى القصر غرفه من ذهب الأحمر سريرمن الزبردج قوائمه من الفضه البيضاء عليه جاريه وجهها كأنه الشمس لولا أن الله ثبت علي بصرى لذهب عنى ولذهب عقلى من حسنها وجمالها ومن بهاء السريروجمال الغرفه قال فلما رأتنى الجاريه بدائتنى بالكلام والحديث وقالت مرحبا بولي الله وحبيبه أنا لك وأنت لي فلما رايتها وسمعة كلامها اقتربت منها فلما كدت أن أضع يدى عليها قالت لى يا خليلى يا حبيبي أبعد الله عنك الخنا قد بقي لك من الحياه شيء وموعدنا معك غدا بعد صلاة الظهر قال فتبسمت من ذلك وفرحت والله منه قال أبو قدامة فلما سمعت هذه الرؤيا من مثل هذا الغلام قلت له رأيت خيرا إنشاء الله.
قال أبو قدامة ثم إننا أكلنا فطورنا ثم ركبنا على دوابنا ومضينا إلى أصحابنا المرابطين فى الثغور قال فلما نزلنا عندهم قمنا وصلينا الفجر ثم حضر عدونا فقال قائدنا وصف الجيوش بين يديه ثم تلا علينا سورة الأنفال وذكرنا بأجر الجهاد فى سبيل الله وبثواب الشهاده فى سبيل الله فما زال يحثنا على الجهاد على القتال قال فبينما أتأمل من الناس حولى فإذا كل واحد منهم يجمع حوله إخوانه وأقربائه أما الغلام فلا أبا له يدعوا إليه ولا عما يقربه إليه ولا أخوة يجعله بين يديه فأخذت أراقبه وأنظر إلى حاله فلما نظرت فإذا الغلام فى مقدمة الجيش فأخذت أشق الصفوف مشية إليه فلما وصلت إليه قلت له يا بني ألك خبرة فى القتال والجهاد قال لا هذه والله أول معركة وأول مشهدا أراه وأقاتل الكفار فيه فقلت يا بني إن الامر على خلاف مافى بالك وذهنك إن الامر قتالا وإن الامر دما وصهيل وجمال أبطال ورمي نبال يابني فكن آخر الجيش فإذا كان نصرا انتصرت معنا وإن كانت هزيمة لم تكن أنت أول مقتول قال فنظر إلي بعجب قال أنت تقول لي ذلك قلت نعم أنا أقول لك ذلك فقال لى ياعم هل تريدنى أن أكون من أهل النار قلت له أعوذ بالله لا والله ماجئنا إلى الجهاد إلا هربا من النار وطلبا الجنان قال فقال لى إن الله تعالى يقول
بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *)) صدق الله العظيم
الأنفال 15
هل تريدني أن أولهم الأدبار فيكون مأواى جهنم قال أبوقدامة فعجبت والله من حرصه ومن تمسكه بهذه الايات فقلت له يابني إن الأية مخرجها على غير كلامك فأبى على أن يرجع فأخذت يده أجبره حتى يرجع إلى أخر الصفوف فجعل يكبذ يده منى ثم بدا القتال فحالت الخيل بيني وبينه فلما بدء القتال وجالت الابطال ورميت النبال وجردت السيوف وتكسرت الجماجم وتطايرت الايدى والارجل واشتد علينا القتال حتى اشتغل كل منا بنفسه حتى إن السيوف والله من شدة الحر فوقنا حتى كأنه تنور يشعل من فوق رؤسنا وإن السيوف والله لا تثبت فى أيدينا فما زال القتال يشتد علينا قد انشغل كل منا عن الاخرين بنفسه فما زال يشتد علينا ويزيد حتى زالت الشمس ودخل وقت صلاة الظهر ثم هزم الله تعالى الصليبين قال فلما هزمهم إجتمعت مع أصحابى ثم صلينا الظهر فبدء كل واحدا من الناس يبحث فى أقربائه وأحبابه أما الغلام فلا أحد يسأل عنه وينظر فى خبره فبينما الحال على هذا قلت والله لأنظرن فى خبره لعله مقتول أوجريح أو لعل بعض أولئك الكفار قد أخذوه أسير وذهب به معهم لما هربوا وولو الادبار فبدأت أمشى بين القتلى والجرحى وأتلفت بينهم أنظر فبينما أنا على ذلك إذ سمعت صوتا ويصيح من ورائى ويقول أيها الناس إبعثوا إلي عمى أبا قدامة إبعثوا إلي أباقدامة فلتفت إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام وإذا الرماح قد تسابقت إليه والخيل قد وطأة عليه فمزقت اللّحمان وأدمت اللسان وفرقت الاعضاء وكسرت العظام وإذا هو يتيم ملقا فى الصحراء فأقبلت والله إليه وتطرحت بين يديه ثم صرخت بأعلى صوتى قلت ها أنا أباقدامة ها أنا أباقدامة فقال الحمد الله الذى أحيانى إلى أن أوصى إليك فسمع منى وصيتى قال أبوقدامة فبكيت والله على محاسنه وجماله وبكيت والله رحمة بأمه المقيمة فى الرقة التى فجعت عام أول بأبيه وإخوانه وتفجع هذا العام به قال فأخذت طرف ثوبى أمسح الدمع عن محاسنه وجماله فلما شعر بذلك رفع بصره إلى وقال يا عم تمسح الدم بثوبك إمسح الدم بثوبى لابثوبك يا عم قال أبو قدامة فبكيت والله ولم أحر جوابا ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه وأن ولدها قد قتل في سبيل الله مقبل غير مدبر وأن الله إن كتبنى فى الشهداء فإنى سأصل سلامها إلى أبى وإخوانى فى الجنة ثم قال ياعم إنى أخاف أن لاتصدق أمى كلامك فخذ معك بعض ثيابى التى فيها الدم فإن أمى إذا رأتها صدقت أنى مقتول وقل لها إن الموعد الجنة إنشاء الله تعالى يا عم إنك إذا رجعت إلى بيتنا ستجد أختا لى صغيرة عمرها 9سنوات ما دخلت المنزل إلا إستبشرت وفرحت ولا خرجت من المنزل إلا بكت وحزنت وقد فجعت بمقتل أبى عام الاول وفجعت بمقتلى هذا العام إنها قالت لى عندما رأت علي ثياب السفر ورأت أمى تلف الثياب علي قالت يا أخى لا تبطأ علينا وعجل الرجوع إلينا فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات وقل لها يقول لك أخوك الله خليفتى عليك قال أبو قدامة ثم تحامل الغلام على نفسه وقال يا عم صدقت الرؤيا والله صدقت الرؤيا ورب الكعبة والله إنى لأرى المرضية الآن عند رأسى وأشم ريحها قال ثم إنخفض صدره وتصبب العرق من جبينه ثم شهق شهقات حتى إشتد عليه الشهقات قال ثم مات الغلام بين يدي قال أبو قدامة فأخذت بعض ثيابه التى فيها الدم وجعلتها فى كيس ثم دفناه(....) ولم يكن عندى هم أعظم من أن أرجع إلى الرقة ثم أبلغ رسالته إلى أمه.
قال فرجعت وأنا لا أعرف ما إسم أمه ولا أين مسكنهم ومأواهم فبينما أنا أمشى فى طرقات الرقة إذ وقفت إلى منزلا قد وقفت عند بابه فتاة صغيرة سنوات تنظر فى القادمين والراحين ما يمر بها أحد حتى عليه أثر السفر إلا سألته وقالت يا عمى من أين أقبلت فيقول لها أقبلت من الجهاد فتقول له أخى معكم فيقول لاأدرى من أخوك ثم يمض عنها قال فمر بها آخر فقالت له من أين أقبلت فقال أقبلت من الجهاد قالت معكم أخى قال لاأدرى من أخوك ثم مضى فمر الثالث فنظرت إليه فإذا عليه أثر السفر فقالت ياعم من أين أقبلت قال لها من القتال قالت معكم أخى قال ما أدرى والله من أخوك ثم مضى قال فما زالت تسأل الرابعه والخامسه والسادسه ثم لما لم تسمع منهم جوابا بكت وخفضت رأسها وقالت مالى أرى الناس يرجعون وأخى لايرجع فلما رأيت حالها كذلك أقبلت إليها فلما رأت علي أثر السفر وبيدى الكيس قالت لى يا عم من أين أقبلت قلت لها أقبلت من الجهاد قالت معكم أخى قلت أين أمك قالت أمى بالداخل قلت قولى لها تخرج إليّ قال فلما خرجت إليّ العجوز فإذا هى متلفعة بجلبابها فلما سمعت صوتها وسمعت صوتى قالت لى يا أبا قدامة أقبلت معزيا أم مبشرى قال فقلت لها رحمك الله بيني ما معنى العزاء وما معنى البشاره فقالت إن كنت قد أقبلت تخبرنى بأن ولدى قد قتل فى سبيل الله مقبل غير مدبر فأنت والله مبشرا إذا قد تقبل الله هديتى إليه وإن كنت أقبلت تخبرنى بأن ولدى قد رجع سالما ومعه الغنيمة فأنت والله معزى ولم يتقبل الله تعالى هديتى إليه قال أبوقدامة فقلت لها أنا والله مبشرى إن ولدك قد قتل فى سبيل الله مقبل غير مدبر وقد وطأت عليه الخيل وقد أخذ الله تعالى من دمه حتى رضى فقالت ما أظنك صادقا وهى تنظر إلى الكيس والطفلة تنظر إلينا قالت ففتحت الكيس ثم أخرجت الثياب إليها يتساقط منها دم ويتساقط منها لحم وجهه وشعره قال فقلت لها أليست هذه ثيابه أليست هذه عمامته أليس هذا قميصه الذى ألبستيه إياه بيدك قال فلما رأت ذلك العجوز قالت الله أكبر وفرحت أما الصغيرة فقد شهقت ثم وقعت على الأرض قال فلما وقعت على الأرض مازالت والله تشهق ففزعت أمها ثم دخلت إلى البيت وأحضرت ماء ترشها عليها أما أنا فجلست عند رأسها أسكب عليها الماء وأقرأ عتدها القرآن فوالله ما زالت تشهق وتنادى بسم أخيها وأبيها وأمها عند رأسها تبكى فما زالت والله تشهق وما غادرتها إلا والله ميتة قال فلما ماتت أمسكت أمها بيدها ثم جرتها إلى داخل البيت ثم أغلقت الباب فى وجهى ثم سمعتها تقول الله إنى قد قدمت زوجى وإخوانى وولدى فى سبيلك الله فلعلك أن ترضى عنى وأن تجمعنى بهم بجنتك قال أبو قدامة فإخذت أطرق الباب لعلها أن تفتح الباب أعطيها شيء من المال او أحدث الناس بخبرها حتى يرتفع شأنها بينهم فوالله مافتحت ولا ردت لى جوابا قال والله مارأيت أعجب منها .
منقول
تعليق