قال الجاحظ : صحبني محفوظ النقاش من مسجد الجامع ليلا .. فلما صرت قرب منزله .. وكان منزله أقرب إلى المسجد الجامع من منزلي .. سألني أن أبيت عنده .. وقال : أين تذهب في هذا المطر والبرد ومنزلي منزلك وأنت في ظلمة وليس معك نار ,, وعندي لبأ ( اللبأ : أول اللبن في النتاج وأكثر ما يكون ثلاث حلبات وأقله حلبة ) .. وعندي لبأ لم يرَّ الناس مثله ,, وتمر ناهيك به جودة لا تصلح إلا له .. فملت معه ..
فأبطأ ساعة ثم جاءني بجام لبأ وطبق تمر .. فلما مددت يدي .. قال : يا أبا عثمان إنه لبأ وغلظُه ( إنه اللبأ وغلظه : يريد بأنه ثقيل على المعدة ) .. وهو الليل وركوده ,, ثم ليلة مطر ورطوبة .. وأنت رجل قد طعنت في السن ولم تزل تشكونِ من الفالج طرفا وما زال الغليل ( الغليل : شدة العطش ) .. وما زال الغليل يسرع إليك .. وأنت في الأصل لست بصاحب عشاء .. فإن أكلت اللبأ ولم تبالغ كنت لا آكلا ولا تاركا وحرشت طباعك ( حرشت طباعك : يريد هيجت شهوتك إلى الطعام ) .. ثم قطعت الأكل أشهى ما كان إليك ,, وإن بالغت بتنا في ليلة سوء من الاهتمام بأمرك ,, ولم نعدّ لك نبيذا ولا عسلا ,, وإنما قلت هذا الكلام لئلا تقول غدا : كان وكان .. والله قد وقعت بين نابي أسد .. لأني لو لم أجئك به وقد ذكرته لك .. قلت : بَخِلَ به وبدا له فيه .. وإن جئت به ولم أحذرك منه .. ولم أذكرك كل ما عليه فيه .. قلت : لم يشفق عليَّ ولم ينصح .. فقد برئت إليك من الأمرين جميعا .. فإن شئت فأكلة وموتة .. وإن شئت بعض الاحتمال .. ونوم على سلامة .. !!
من كتاب البخلاء ..
بخيل ..
على فكرة : لو انت مكان الجاحظ .. وصار لك نفس أو شبيه لموقفه .. فيا ترى ماذا ستفعل !!!
فأبطأ ساعة ثم جاءني بجام لبأ وطبق تمر .. فلما مددت يدي .. قال : يا أبا عثمان إنه لبأ وغلظُه ( إنه اللبأ وغلظه : يريد بأنه ثقيل على المعدة ) .. وهو الليل وركوده ,, ثم ليلة مطر ورطوبة .. وأنت رجل قد طعنت في السن ولم تزل تشكونِ من الفالج طرفا وما زال الغليل ( الغليل : شدة العطش ) .. وما زال الغليل يسرع إليك .. وأنت في الأصل لست بصاحب عشاء .. فإن أكلت اللبأ ولم تبالغ كنت لا آكلا ولا تاركا وحرشت طباعك ( حرشت طباعك : يريد هيجت شهوتك إلى الطعام ) .. ثم قطعت الأكل أشهى ما كان إليك ,, وإن بالغت بتنا في ليلة سوء من الاهتمام بأمرك ,, ولم نعدّ لك نبيذا ولا عسلا ,, وإنما قلت هذا الكلام لئلا تقول غدا : كان وكان .. والله قد وقعت بين نابي أسد .. لأني لو لم أجئك به وقد ذكرته لك .. قلت : بَخِلَ به وبدا له فيه .. وإن جئت به ولم أحذرك منه .. ولم أذكرك كل ما عليه فيه .. قلت : لم يشفق عليَّ ولم ينصح .. فقد برئت إليك من الأمرين جميعا .. فإن شئت فأكلة وموتة .. وإن شئت بعض الاحتمال .. ونوم على سلامة .. !!
من كتاب البخلاء ..
بخيل ..
على فكرة : لو انت مكان الجاحظ .. وصار لك نفس أو شبيه لموقفه .. فيا ترى ماذا ستفعل !!!
تعليق