دفق قلم
الباحة وإيقاع التاريخ
الباحة وإيقاع التاريخ
هنالك في مكة المكرمة تجمعت قبائل الأزْد التي خرجت من اليمن هرباً من كارثة سد مأرب الشهيرة، ومن مكة تفرّقت تلك القبائل بعد أن تأكدت أنه لا مجال للعودة إلى بلاد اليمن.
منهم مَن بقي في مكة وأطلق عليهم (خُزاعة)؛ لأنهم تخزَّعوا في الحرم؛ أي مكثوا به ولم يرحلوا، ومنهم مَن ذهب إلى يثرب، وهم الأوس والخزرج، ومنهم مَن ذهب إلى الشام والعراق، فمنهم ملوك الغساسنة والمناذرة، ومنهم مَن ذهب إلى عُمان، وهم (أزْدُ عمان)، ومنهم مَن توزَّعوا على جبال السروات وما يليها من سهول تهامة من جهة البحر، وهم القبائل المعروفة إلى الآن من أقصى جبال السروات جنوباً إلى أقصاها شمالاً (قحطان، وشهران، وشمران، وغامد وزهران) وغيرهم مما لا يمكن الإلمام به في هذا المكان.
كنتُ في جولة مع عدد من الكتب المتعلقة بتاريخ غامد وزهران الذين يسكنون فيما يقرب من ألفي قرية في السراة وتهامة والبادية تنضوي كلّها تحت اسم (منطقة الباحة)، ويا لها من جولة جميلة في عوالم التاريخ الفسيحة، ويا لها من متعة يصعب عليَّ أن أصفها.
انطلقت إلى شعاب التاريخ وأوديته وسهوله وجباله مستظلاًّ بظل أشجاره الوارفة، أقطف من ثمارها ما لذَّ وما طاب. وقفت أمام اسم صحابي لا يدور اسمه على ألسنة الناس كثيراً، ولكنه كان ذا مكانة خاصة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، إنه (مُعيقيب بن أبي فاطمة الزهراني). أتدرون مَن هو معيقيب؟ إنه الأمين على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عمل مهم كما نعلم، وكان مسؤولاً عن خاتمه الذي يختم به حتى توفِّي الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أصبح القائم على بيت المال في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً. وما كدت أتجاوز موقع هذا الصحابي حتى التقيت بالطفيل بن عمرو الدوسي الزهراني الذي أسلم في مكة، وهو من أوائل مَن عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم الاستضافة والمناصرة؛ حيث قال: هَلُمَّ يا رسول الله إلى حصنٍ حصينٍ وعددٍ وعُدَّة. ولكنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يسير إلا بأمر ربه الذي ادَّخر فضل الهجرة والنُّصْرة للأوس والخزرج في المدينة. ووقفت بعد ذلك أمام أبي ظبيان الأعرج الغامدي الذي تلقَّى كتاباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة يدعوه ويدعو قومه إلى الإسلام، وقد وفد مع بعض رجال قبيلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وأسلموا، وهي الوفادة الأولى لرجال القبيلتين، أما الوفادة الثانية فقد كانت في السنة العاشرة من الهجرة إلى المدينة؛ حيث كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لعمير بن الحارث الأزدي الغامدي أقره فيه على إمارة غامد.
وحينما وقفتُ أمام الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سَخْبَر الزهراني وجدتُه قد ذهب بفخر أخوَّته لعائشة رضي الله عنها، فهو أخوها من أُمِّها (أم رومان) رضي الله عنهم جميعاً.
أما جندب بن عمرو بن الطفيل الدوسي الزهراني فقد فاز من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يُعَدُّ له فخراً؛ فقد أرسله الرسول عليه الصلاة والسلام أثناء غزوة خيبر إلى قومه يستمدُّهم، فقال: قد نشب القتال يا رسول الله مع اليهود، فهل تُغيِّبني عنه؟! فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أنْ تكون رسول رسول الله؟! فانطلق إلى قومه فرحاً مستبشراً.
جولة طويلة لا يمكن الإلمام بها في زاوية كهذه، أرجو أن تنتج كتاباً ترونه قريباً إن شاء الله.
إشارة
في ربى غامد وفي زهران
يعرف الشعر قيمة الألحان
منقول من كتابات العشماوي
يعرف الشعر قيمة الألحان
تعليق