Unconfigured Ad Widget

Collapse

الرحلة إلى الباحة رحلتان

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • أبو عبدالمجيد الدوسي
    عضو مميز
    • May 2005
    • 1385

    الرحلة إلى الباحة رحلتان

    الرحلة إلى الباحة رحلتان

    *د. صالح معيض الغامدي:
    شاركت في الندوة العلمية التي أقامتها كلية الآداب بجامعة الملك سعود عام 1424هـ عن الشيخ حمد الجاسر وجهوده العلمية ببحث عن كتابه (في سراة غامد وزهران)، انتهيت فيه إلى أن هذا الكتاب لم يكن مجرد رحلة واحدة حقيقية قام بها الجاسر إلى المنطقة، بل كان في الواقع رحلتين؛ إحداهما واقعية معاصرة، والأخرى تاريخية ماضية، ولم يكن يدور بخلدي آنذاك أننا في قسم اللغة العربية بهذه الكلية سوف نقوم بهاتين الرحلتين معا.
    فقد تلقى القسم دعوة كريمة من بعض المؤسسات الحكومية والأهلية في منطقة الباحة فلباها، وقد كان القسم استن سنة حميدة وهي أن يزور في كل عام منطقة من مناطق مملكتنا الغالية. ولن أتحدث هنا عن جوانب الرحلة كلها ولا عن كرم أهل المنطقة وحسن استقبالهم فشاهدتي ربما تكون مجروحة كوني من هذه المنطقة، بل سأتحدث هنا عن الجوانب الثقافية والعلمية لهذه الرحلة لكونها مناسبة لاهتمامات قراء المجلة الثقافية.
    وسأتحدث عن هذه الرحلة بصفتها رحلتين إحداهما تاريخية والأخرى واقعية أو معاصرة. سأبدأ بوصف الرحلة الثقافية المعاصرة التي بدأت معالمها تتكشف عندما وجدنا في استقبالنا في مطار الباحة عددا كبيرا من الوجوه الثقافية البارزة في المنطقة التي كانت تفتر عن ابتسامات حب وترحيب.
    وأخذت السيارات التي أقلتنا تنحر جبال السروات نحرا إلى أن أحلتنا فندق قصر الباحة الذي كان متدثرا بدثار من ضباب كثيف.
    فارتاح الزملاء قليلا ثم انتقلنا بعد ذلك إلى الأمسية الثقافية التي أقامها نادي الباحة الأدبي بعنوان (اللغة وقضايا الآخر) التي أدارها نائب رئيس النادي د. سعيد أبو عالي وقدمها كل من: د. فالح العجمي رئيس القسم، ود. محيي الدين محسب، ود. معجب الزهراني، وأثراها الحضور من مثقفي المنطقة وزوارها.
    لكن ما أضفى على الندوة جدية واضحة وجوا مفعما بحرارة الكرم ودفء الترحيب هو حضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود أمير المنطقة هذه الندوة للترحيب بنا ومشاركتنا همومنا الثقافية. ولقد كان من مظاهر الرحلة الثقافية المعاصرة تمكننا من الالتقاء بأبرز الوجوه القافية في هذه المنطقة، والمشاركة في افتتاح ما يمكن عده أول منتدى ثقافي خاص في الباحة وهو (ثلوثية) الدكتور علي الرباعي. ومن المظاهر الثقافية الأخرى التي استمتعنا بها الأمسية الفلكلورية الفنية التي نظمها فرع جمعية الثقافة والفنون بالباحة في مدينة الملك سعود الرياضية التي أخرجتنا قليلا من الضباب الذي كان يلف مدينة الباحة آنذاك. فقد قدمت خلالها مجموعة من الرقصات الشعبية شارك فيها عدد من زملائي أعضاء القسم.
    وكان للشعر الفصيح والشعبي في هذه الأمسية حضورهما، إذ ألقى الشاعر صالح الهنيدي قصيدة رائعة أطربت الحضور، ثم ألقى زميلنا الشاعر د. محمد الشخص قصيدة جميلة نظمها من وحي زيارته للمنطقة، بدأها بقوله :
    قف حي (باحة) نبع الجود والكرم
    وصغ لها حلية من جوهر الكلم
    ثم أعقب ذلك مجلس جميل لعدد من شعراء المنطقة الشعبيين الذين ترنموا فيه بألحانهم المطربة التي جاءت ممثلة لكافة فنون المنطقة السروية والتهامية والبدوية. ومن المظاهر الثقافية لهذه الرحلة أيضا الاستقبال الفلكلوري الحافل الذي استقبل به الوفد في كلية المعلمين بالباحة وما أعقبه من نقاش علمي وثقافي حول سبل التعاون بين القسم والكلية.

    وكذلك الأمسية الثقافية الرائعة التي أقامها د. سعيد أبو عالي احتفاء بالقسم في منزله العامر في أعالي جبال بني ظبيان التي كانت كعادتها تعانق السحاب.

    فقد تبارى في مجلس د. أبو عالي بعض شعراء المنطقة من أمثال الشاعر حسن الزهراني والشاعر أحمد حامد وكل منهم يروم سلب عقولنا بقصائده الجميلة، كما عج المجلس بمناقشة كثير من القضايا التي تهم الشأن الثقافي في بلادنا الحبيبة.

    ومن المظاهر الثقافية لهذه الرحلة اطلاع الزملاء على كثير من المواقع الجغرافية والعادات والتقاليد والهموم الإنسانية التي يصورها بعض أدباء المنطقة في إبداعاتهم مثل عبدالعزيز مشري ود. عبدالرحمن العشماوي.
    فقد رأى الزملاء نماذج من القرية والشخصيات القروية التي استحوذت على كثير من اهتمام نصوص المشري الإبداعية، كما وقفوا على (بائعة الريحان) التي صورها العشماوي في شعره وكانت مصدر إلهام لكثير من قصائده، ليس هذا فقط بل ابتاعوا منها في سوق الباحة الكادي والريحان هدية لزوجاتهم وأخواتهم و بناتهم.
    ومن المظاهرالثقافية العلمية لهذه الرحلة الاهتمام البالغ الذي أولاه بعض الزملاء مثل الدكتور فالح والأستاذ ناصر الحجيلان لبعض المظاهر اللغوية في لهجة المنطقة وشعرها.
    فلو رأيت حرص الأستاذ ناصر وهو يحاول التقاط ما يلفت انتباهه من أحاديث الناس في المنطقة وشعرهم ويطلب منهم متلطفا إعادة بعض العبارات والكلمات لما كنت تملك إلا أن تعجب به.
    ومن منا لم يعجب ويستمتع بالاستماع إلى الشاعر الشعبي المرموق عبدالواحد سعود وهو يحاول الإجابة عن تساؤلاتنا عن اللغز الذي يكتنف الشكل الشعري لقصيدة العرضة الجنوبية.
    أما عن وصف الرحلة التاريخية فلا أستطيع إلا أن أصف ما شعرت به وقرأته في وجوه بعض زملائي وربما كان لكل منهم وصفه الخاص لهذه الرحلة.
    فلقد تتبعنا الطرق والمسالك التي كان يرتادها الشنفرى وإخوانه الصعاليك في وادي أبيدة وفي معشوقة وفي وادي سلامان الممتد إلى دوس.
    فقد أوقفنا الأستاذ جمعان عبد الكريم على موقع يقال له الناصف الأعلى والأسفل يحتوي على نبع ماء يقال إنه هو المكان الذي شهد مصرع الشنفرى كما جاء في القصة المشهورة عن مقتله، وحددت لنا بعض الأسماء والمواقع التي وردت في الشعر الجاهلي وما زالت محتفظة بها إلى اليوم، ولقد رأينا بأم أعيننا الجبال الشاهقة التي كان الصعاليك يرتادونها ويشتارون منها العسل.
    ومن مظاهر هذه الرحلة الثقافية التاريخية أننا رحلنا إلى العصر الجاهلي فرأينا في بادية بني كبير والعقيق وجبال دوس الوديان التي كان يرتادها بعض شعراء المنطقة في العصر الجاهلي من أمثال عبدالله بن سلمة الغامدي وحاجز بن عوف الزهراني، كما طفنا أرض دوس في زهران فتمثل لنا وجه أبي هريرة رضي الله عنه في بعض الوجوه الزهرانية المشرقة التي رأيناها، كما لمحنا شعب ذي الخلصة وتخيلنا الطفيل بن عمرو الدوسي وهو يدعو قومه مشفقا عليهم إلى الإسلام. ورحلنا في أعماق بادية غامد وما جاورها فرأينا في العبلاء الرحا العملاقة التي ربما كان العباسيون يستعملونها لطحن بعض المعادن.
    ورأينا قريبا منها ما يسميه أهل تلك المنطقة (ومنهم سائقنا) دكاكين أبو زيد الهلالي، وهي آثار لقرية كبيرة منقرضة، كما لمحنا بعض المناجم القديمة في تلك المنطقة.
    ولم يقطع استغراقنا في تاريخ هذه المنطقة إلا تحذير دليلنا العم حسين من خطورة البقاء في هذا المكان مدة أطول لأنه قد يتعذر علينا قطع بعض الأودية التي مررنا بها، لأن سيول السراة كانت تتدفق بسرعة نحونا.
    ومن المظاهر الثقافية لهذه الرحلة التاريخية وقوفنا على ما يدعى طريق الفيل أو على الجزء الشرقي منه الواقع قريبا من مدينة العقيق، الذي يقال إن أبرهة الحبشي بناه أو رصفه ليسهل مرور فيله أو فيلته وهو في طريقه إلى مكة المكرمة لهدم الكعبة، كما زرنا قبور الزينات وهي مجموعة من القبور المرتفعة المسقوفة والمزينة بالمرو أو المرمر.
    ولكن بعضنا لم يقنعه فيما يبدو أن يكون التزيين بالمرمر سببا للتسمية، فآثر أن يأخذ بأسطورة يتناقلها أهالي المنطقة بصيغ مختلفة تقول إن الزينات هن مجموعة من النساء الجميلات اللاتي دفن في هذه القبور لأسباب يتفنن بعض الرواة في ابتكارها.
    وقد أمضينا وقتا نتجادل فيه حول طبيعة الخط الذي وجدناه على بعض الشواهد الحجرية، وجاء رئيسنا د. فالح لتهدئة هذا الجدل بتقرير أن هذا الخط هو الخط المسند. ومن مظاهر الرحلة التاريخية في تهامة الباحة زيارة القرية الأثرية الجملية قرية (ذي عين) التي قرأنا فيها بعض الراويات والأساطير التي تروى حول بناء هذه القرية واستنباط الماء من العين الدائمة التدفق فيها، ثم اعتلينا جبل شدا الشامخ بعد أن فقد شيئا من تأبيه، فأصبح بعد السفلته سهل المنال بعد أن كان عصيا على كثير من صاعديه، وأشرفنا من أعلاه على قرية الخلف والخليف الأثرية وعلى عشم وغيرها من المواقع الآثارية والتاريخية الأخرى.
    كما تردد على مسامعنا صوت يعلى الأحول الأزدي وهو يئن في حبسه:
    أرقت لبرق دونه شدوان

    يمان وأهوى البرق كل يمان

    وقد رمنا الإطلالة على وادي الخيطان جنوب الباحة حيث حدبة كليب ووادي البسوس وغيرها من المواقع التي يعتقد أنها كانت مسرحا لحياة الهلاليين في إحدى مراحلهم التاريخية، ولكن كثافة الضباب وتساقط الأمطار حالا دون ذلك فاستعضنا عنه بزيارة متحف الشيخ محمد بن مصبح الجميل الذي رحلنا فيه إلى تاريخ المنطقة خلال الأربعة قرون الماضية.
    فصحبنا رجال المنطقة وهو يمارسون أعمالهم الفلاحية، وشاهدنا النساء وهن ينسجن الجباب والأكسية ويدرن الرحى، ورأينا المصنوعات اليدوية الفضية والحديدية والخشبية التي تغطي جميع مناحي الحياة.
    وعلى الرغم من كل جوانب المتعة والفائدة التي تحققت لمنسوبي القسم من خلال زيارة هذه المنطقة العريقة من بلادنا العزيزة، إلا أن بعضنا ربما قد تساءل عن أسباب الإهمال الواضح لبعض المواقع التاريخية والآثارية في المنطقة التي تعد كنزا ثمينا يضاف إلى الكنوز السياحية الثمينة الأخرى التي يمتلكها وطننا الغالي وتجب المحافظة عليها.
    ولعل زيارة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزراة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية لهذه المواقع معنا بصفته أحد منسوبي القسم وزيارة الزملاء الآخرين تسهم في زيادة التوعية بأهمية هذه المواقع وتدفع المسئولين والمتخصصين إلى مزيد من الاهتمام بها، وذلك بحمايتها أولاً ودراستها ثانيا.



    Sunday 8th July,2012 - صحف السعودية - صحيفة الجزيرة - الأحد 18 شعبان 1433
  • أبو عبدالمجيد الدوسي
    عضو مميز
    • May 2005
    • 1385

    #2
    تراحيب المطر!!

    تراحيب المطر!!

    *د.صالح زيَّاد :
    هطلت الأمطار الغزيرة على منطقة الباحة، لحظة قدوم الوفد الأكاديمي من قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود إليها ولحظة مغادرته. وكانت الأمطار التي روت الأرض وبللت ملابس الزملاء مقترنة بالتراحيب والوداعيات التي لا ينفك المطر عنها في لغة المنطقة، سواء بصيغ التقرير التي يحل الضيف فيها محل المطر، فتسمع - أنت الضيف - ما يغيِّر صورة ذاتك في وعيك بالقدر الذي تحمله معاني المطر من رضا وخصب وفأل، وفي تكرار ودود: (مرحبا تراحيب المطر) (مرحبا هيل عد السيل)!!. أو بصيغ الدعاء والطلب التي يلهج بها الضيف مودعاً: (الله يعقبنا عليكم بالسيل)!!.
    ولا تقتصر علاقة الباحة بالمطر على عبارات الترحيب بالضيوف، بل تشيع في مناسبات أخرى خصوصاً ما يمتلئ به الفولكلور في المنطقة بصيغه المختلفة ومنها قصائد العرضة التي تصدح حناجر شعرائها بطروقهم الآسرة مستمطرة السماء ومشوقة إلى لمع البروق ودوي الرعود، حتى ليغدو المطر بلوازمه متكأ جَمْعياً للقصائد الشعبية إلى درجة مألوفة ومعتادة. كما يبرز المطر في تسمية قبائل المنطقة للرجال والنساء فهذا (مطر) وتلك (مطرة)، وهناك غير أسرة من ذوي العراقة في غامد وزهران، في تهامة والسراة والبادية، باسم (آل مطر).
    الباحة معتدلة المناخ وتميل إلى البرودة معظم العام. جبالها - غالباً - مكسوة بأشجار العرعر والعتم والشث الدائمة الخضرة، وأوديتها بساتين فيحاء مورقة بأشجار الموز والكادي والبُن في تهامة والرمان والتفاح والعنب واللوز في السراة. هنا يتساءل المرء - باستغراب - عن هذه اللغة اللفظية المعبرة عن علاقة ملحاحة لأهلها بالمطر؟!!. ما الذي تركه الأهلون في الباحة للصحاري القائظة؟!.
    زميلنا الدكتور فالح العجمي بدا أنه يرى بنية مرآوية لعلاقة الباحة بالمطر، إنها ليست بنية فقد وحرمان بل علاقة وجود وتفاعل. علاقة حميمة. لقد عبر العجمي في كلمة الوفد أمام سمو أمير المنطقة عن المفارقة بين الخيال في تصوره للمنطقة والواقع بعد أن رآها. فذكر أنه نشأ في حي يسكنه عديد من عمال آرامكو وفيهم عدد من أبناء منطقة الباحة، وكانت أسماء: مفرِّح الزهراني ومسفر الغامدي ومُعجِب وفَرْحَة وعطية... إلخ تثير استغرابه؛ لأنه اعتقد أن من سمَّاها كان مفرطاً في التفاؤل، ولكنه بعد أن رأى المنطقة اطمأن إلى صلة تلك الأسماء بأرض تبعث الفرح، وتشرق بالسعادة، وترف بما يعجب!!.
    العلاقة بين الأسماء والمنطقة - فيما أشار إليه فالح العجمي - هي العلاقة بين اللغة أو الثقافة عموماً والمكان، فالثقافة - دوماً - وجود الإنسان الذي يبنيه جَمْعِياً. إنها (بيت الكائن) بتعبير أوسبنسكي، وهي - من ثم - عملية خلق مستمر للمحيط لاجتماعي من بنيها في مكان مخصوص ، بحيث يستحيل هذا المكان بمدركاته من عالم مفتوح إلى إطار مقفل تحدده التسمية والأعراف والتقاليد، فتغدو الثقافة ظاهرة اجتماعية لا مجال للبصر بها في عراء المكان والزمان، ولا في صفة عالمية.
    وبوسعنا أن نقرأ في أسماء الإعلام تلك جانب التعدية الذي يجاوز، بفعلية الصفة التي تحملها، فردية المسمَّى بها إلى من حوله، حتى لو ورد الاسم بغير صيغة اسم الفاعل المتعدي إلى مفعول. ومن المؤكد أن نظام التسمية يحمل في عمقه من دلالات الثقافة في صفتها الاجتماعية خصوصيات متنوعة تصلح مادة لدرس سيميولوجي وسوسيلوجي قيِّم خصوصاً في ضوء ما استجد على نظام التسمية في بيئاتنا السعودية المختلفة في السنوات الأخيرة من محو لذاكرة التنوع والتمايز والدوران في فضاء متشابه من الأسماء الجديدة.
    ولا تختلف - في منطقة الباحة - فنون الفولكلور بإيقاعات رقصها وتنوع (شيلات) القصائد فيها، وعروض الأطعمة وأطباقها المختلفة، في الاحتشاد بها من أجل الضيف، عن التراحيب وعباراتها المكرورة، بوصف ذلك كله نظام ثقافي لتمظهر كرنفالي مبطن بدلالات الذات الاجتماعية في بحثها عن الامتياز والتماسك. كانت العرضة أو ألوان فلكلورية أخرى في استقبال زملائنا الأكاديميين أو لوداعهم في كلية المعلمين، وفي محافظة (المندق)، ثم كانت ليلةٌ لسهر العرضة والمسحباني والمجالسي في حفل جمعية الثقافة والفنون بصالة الألعاب بالاستاد الرياضي. وكان على الضيوف أن يخرجوا من تضاريس أجسادهم استجابة لاحتدام الإيقاع الجنوبي المخفور بحنين الشمس وشعاعها الطازج في صوت الشاعر الشاب أحمد الدرمحي.
    وكانت صحاف العيش الغارقة في السمن والعسل، وخبز الملة الممهور بالتعب وابتسامة الكرم الفياضة، وأرغفة الدخن، وحليب الخلفات، وباقات الريحان والكادي، في سماط ممتد ببهجة اللحظة ودهشتها لدى أحمد زربان في محافظة المخواة، وغرم الله الصقاعي في بني كبير، ويحيى مرضي في الباهر.هذا غير موائد كبرى أقامها كل من: النادي الأدبي - بتشريف الأمير محمد بن سعود أمير المنطقة - وعبد العزيز بالرقوش محافظ المندق، ومحمد السديري محافظ بلجرشي، والدكتور سعيد أبو عالي، وجمعية الثقافة والفنون، وعبد الله الأفندي. ويبدو أن من لوازم الضيافة أن يعرف الضيف مضيفه، فالضيافة تأشير على نبل الذات وألمعيتها. وهنا تجرد أهلونا في الباحة للوقوف بضيوفهم على التأريخ، من خلال أبرز الأماكن والآثار في المنطقة التي اقترنت ببطولة إعلام أو أفكار حفظت الذاكرة التراثية سيرتها وأشاعتها في العالم، وما يزال أبناء غامد وزهران يرون فيها علامات دالة على العراقة والامتداد، وعلامات على نموذجية من الفعل الإنساني العصي بأكثر من معنى!!.
    كأن التأريخ، هنا، في مداه القريب والبعيد، عُمْق لذلك الحس الكرنفالي بدلالات الذات الثقافية، يضاعف امتيازها وتماسكها ويوسع مساحته في الوعي. فمضت الركائب إلى وادي (بيدة) إذ المواضع التي ذكرها الشاعر الجاهلي الشنفرى لا تزال بأسمائها الموغلة في القدم، وهناك طال مقامنا باستفاضة الكلام في سيرة الشاعر والتساؤل والاستزادة التي حرص بعض الزملاء عليها، فلم يتسع الوقت لاستفاضة أكثر حين وصلنا إلى (دوس) وفيها مواضع أكثر تشويقاً متصلة بسيرة الصحابيين: الطفيل بن عمرو وأبي هريرة (رضي الله عنهما). وكان تصرم الوقت مثيراً لغضب بعض الزملاء ولعبد الله غريب الزهراني، الرجل الذي خلبنا بدعابته وأمتعنا برفقته، خصوصاً حين سمع أحدهم ينسب الشنفرى لغامد، فقال بجديته الضاحكة: أعطوني خمسة ريالات وخذوه. وهو يشير هنا إلى تصعلك الشاعر وقطعه للطريق، لكن الباقي من الشنفرى - على أية حال - وهو شعره الخالد، لا سيما اللامية الشهيرة، نموذج خلاق للمعنى والخبرة والقيمة التي تفصح عن امتياز إنساني جدير بالتقدير.
    حين عكف الزملاء - في خاتمة الرحلة - على كتابة برقيات وخطابات الشكر لسمو أمير المنطقة، ولرئيس النادي الأدبي، ولمحافظي محافظات المندق وبلجرشي والمخواة، ولمدير جمعية الثقافة والفنون، ولعميد كلية المعلمين، وللدكتور سعيد أبو عالي ويحيى مرضي وعبد الله الأفندي وغرم الله الصقاعي - كان بعض الزملاء يُطِل على جلستهم منبهاً: لا تنسوا المهندس المجهول لهذه الرحلة أحمد بن صالح السياري، وكان غيرهم يذهب في طريقه قليلاً ثم ينعطف فجأة عائداً إليهم وهو يرفع صوته: والشيخ محمد بن مصبح وعبد الله غريب وسعيد منسي وجمعان عبد الكريم وعبد الله الشاعر.
    ثم هطل المطر...



    Sunday 8th July,2012 - صحف السعودية - صحيفة الجزيرة - الأحد 18 شعبان 1433

    تعليق

    • رعــد الجنـــوب
      مشرف منتدى الشعر النبطي
      • Aug 2004
      • 4075

      #3
      تم الحفظ اخي العزيز

      للإطلاع اكثر بارك الله فيك على هذا النقل

      شكري وتقديري لك

      تعليق

      • عبدالله رمزي
        إداري
        • Feb 2002
        • 6605

        #4
        أخي الفاضل / أبو عبدالمجيد الدوسي


        لك الشكر الجزيل على هذا النقل الموفق ..

        ودائما وأبداً تقام أمسيات أدبية في النادي الأدبي بالباحة ولكن لانعلم عنها إلا بعد فوات الآوان ..


        عبدالله رمزي
        ما كل من يبعد به الوقت ناسيك ... بعض البشر قدام عينك وينساك

        تعليق

        • قينان
          أدعو له بالرحمه
          • Jan 2001
          • 7093

          #5
          أخي العزيز أبو عبد المجيد الدوسي

          شكرا على هذا النقل الذي هو أكثر من رائع..

          والذي زادة جمالا وبهاء تعليق الأستاذ عبد الله رمزي

          ((ودائما وأبداً تقام أمسيات أدبية في النادي الأدبي بالباحة ولكن لانعلم عنها إلا بعد فوات الآوان ..))

          وأضيف قد يستدعى الخاصه فقط حتى ولو لم يكن له أهتمام بالثقافة والأدب.
          sigpic

          تعليق

          Working...