Unconfigured Ad Widget

Collapse

الإساءة للرسول وتبني القضية

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • أبو أحمد
    عضو مميز
    • Sep 2002
    • 1770

    الإساءة للرسول وتبني القضية

    الإساءة للرسول وتبني القضية


    * سعود البلوي
    الرسومات المنشورة قبل أشهر في صحيفة "يولاند بوسطن" الدنماركية، التي صورت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم معتمراً عمامة على شكل قنبلة، أساءت كثيراً لمشاعر المسلمين بالتأكيد لتناولها شخص النبي الأكرم. ولكن لا بد من التوقف عند دوافع هذا التعبير (الكاريكاتوري) الذي يعكس رؤية البعض (الآخر) للمسلمين اليوم مهما كانت هذه الرؤية عنصرية وخاطئة. إذ لا شك أن هذا التصور الخاطئ عن الإنسان المسلم والدين الإسلامي تكرّس بفعل التداعيات الأخيرة التي عاشها العالم بسبب التطرف (الغلو) الديني الذي نتج عنه ما عرف بـ"الإرهاب" والذي اكتوت بناره كثير من الدول العربية والإسلامية ومنها المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومهد الرسالة. إذن هناك دلالة واضحة على وجود كراهية للمسلمين في الغرب أفرزتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة وما بعدها ولكن لا بد لنا كمسلمين من تحسين هذه الصورة المشوهة للإثبات فعلاً أن المسلم الحق ليس إرهابياً. على الرغم من اعتذار الصحيفة الدنماركية رسمياً للشعب السعودي المسلم عن الرسومات التي نُشرت قبل أربعة أشهر "ضمن حوار دنماركي حول حرية التعبير عن الرأي" إلا أن المسلمين غاضبون كثيراً من هذا العمل وقد عبروا عن غضبهم بالدعوة إلى "مقاطعة" البضائع الدنماركية، والمقاطعة الاقتصادية تعتبر وسيلة حضارية للتعبير السلمي عن الاعتراض على أمر ما، وهي تذكرنا بما قام به الزعيم الهندي (غاندي) حين دعا الشعب الهندي لمقاطعة البضائع البريطانية معتمداً على الإنتاج (الذاتي) المحلي في بلاده، وهذه إشارة مهمة إلى معنى الصمود والقدرة على الاعتماد على الذات. ولكن الأهم ألاّ تكون الدعوة إلى المقاطعة سبيلاً لمحاكمة ضمائر ونوايا الناس، إذ يجب احترام حرية الفرد المسلم بهذا الخصوص بحيث لا يفسر عدم المقاطعة بعدم الإيمان بالقضية (محبة الرسول صلى الله عليه وسلم) انطلاقاً من مبدأ إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا!
    من المعروف أن الدنمارك بلد حريات لا أحد ينكر هذا، ومن المعروف أيضاً أن الحريات العامة في البلدان الديمقراطية تضيق وتتسع بحسب دستور وقانون هذا البلد أو ذاك، والدستور الدنماركي يؤيد حرية الأديان واختلافها، ولذلك فإن الأجدى أن تتم حماية الحرية الدينية للمسلمين وخاصة المقيمين في الدنمارك برفع قضية - وفق القانون الدنماركي والعرف الدولي - على الجهة المتسببة في الإساءة لمشاعر المسلمين، وهذا الإجراء ربما يكون صحيحاً وناجعاً، ولكن حتى الآن لم نرَ أي جمعية أو محامٍ -في المملكة وغيرها - يقوم بتبني هذه القضية قانونياً، كما لم يتبنّها فعلياً أي من رجال الأعمال الذين قدموا الشكر والثناء - عبر صحفنا المحلية - للمؤسسات التجارية المتبنية للمقاطعة. فالقضية حتى الآن لم تأخذ أي إجراء قانوني، الذي لو تم وفق حملة إعلامية إسلامية تدعو إلى نبذ العنصرية الدينية والكره للآخر لربما كسب المسلمون أصواتاً أخرى من داخل الدنمارك وخارجها.
    المملكة العربية السعودية لعبت دورها الديني والسياسي في هذه القضية أكثر من أي دولة إسلامية أخرى وفق الطرق الدبلوماسية المعمول بها، وهذا ما أجبر الحكومة الدنماركية مؤخراً على تقديم اعتذار رسمي عن هذه القضية بواسطة سفرائها في الخارج. ولكن ما يبعث على الحد من هذا الدور بعض التصرفات الغاضبة والمتشنجة لبعض من يسمون بـ"الهكرز" الذين اقتحموا الموقع الإلكتروني للصحيفة الدنماركية - رغم اعتذارها - ووضعوا صورة العلم السعودي على الموقع الذي تم اقتحامه، على الرغم من أن هذا العمل بالتأكيد غير مرتبط بأي جهة رسمية سعودية.
    المسلمون في العالم بوجه عام بحاجة إلى دعم هذه القضية للإثبات للرأي العام الغربي أن الغالبية العظمى من المسلمين على العكس من الصورة المشوهة التي تم رسمها لهم، حيث من المفترض أن نحاول إيصال رسالة للعالم بأننا لا نؤمن بإلغاء الحريات والعنصريات الدينية والعرقية كالذين أساؤوا لشخص الرسول الكريم. لكن ما يتم الآن عكس ذلك، وهو ربما يكرّس موقعنا في خانة "الإرهاب" بالنسبة للشعوب الغربية لا سيّما أن موجة الغضب العارمة هذه ربما تُفسَر على أنها ترسبات قديمة من الكراهية للغرب - المسيحي فجّرها هذا الرسم التصرف الخاطئ الذي اعتذرت عنه الصحيفة والحكومة الدنماركية وكذلك بعض رجال الدين المسيحيين الذين شجبوا هذا العمل العنصري ورفضوه. الافتراض المنطقي إذن هو ألاَّ تنتهي هذه القضية بتكريس كراهية شعوب العالم لنا بل الأفضل أن نحاول قلب هذه المعادلة لصالحنا بأي طريقة انطلاقاً من مبدأ (الضربة التي لا تقتلنا تقوينا).
    رئيس تحرير الصحيفة الدنماركية السيد (كارستن يوستي) بعث برسالة اعتذار "إلى مواطني المملكة العربية السعودية المحترمين"، يلاحظ القارئ لها مدى ما قد تصل إليه الأمور من أفق ضيّق مستقبلاً، إذ يقول: "لم يكن بقصد الصحيفة أن تسيء لأحد في معتقداته الدينية ولكن للأسف هذا ما حدث فعلاً ولكن بدون قصد. ونحن قد تأسفنا عدة مرات في الأشهر الماضية في صحيفتنا، في الصحف الأخرى، في التلفزيون، في الراديو ووسائل الإعلام العالمية. وكذلك قمنا بالاجتماع مع مندوبين من الجالية الإسلامية في الدنمارك وجرت هذه الاجتماعات في جو إيجابي وبنّاء وكذلك نحن نحاول بطرق أخرى أن نبني حواراً مع المسلمين الدنماركيين".
    رئيس الرابطة الإسلامية في الدنمارك أعلن قبول هذا الاعتذار بغض النظر عن الأسباب والدوافع، لذلك فإن المسلمين أمام احتمالات ثلاثة للتصرف: إما قبول هذا الاعتذار من قبل الصحيفة والحكومة الدنماركية وفتح قناة الحوار، وإما رفض هذا الاعتذار والمطالبة باللجوء إلى القضاء، وإما اتخاذ سبيل التصعيد الشعبي والمقاطعة على اختلاف أوجهها. ولكن الذي لا بد منه - قبل اتخاذ أي من هذه الخيارات - أن يعي المسلمون مدى المصالح والمفاسد المترتبة على اتخاذ أي من هذه الخيارات. فالخيار الذي يتم اتخاذه ينبغي أن يراعي كرامة المسلمين والجاليات الإسلامية في الغرب ومصالحهم الدينية والدنيوية، حيث يجب أن يؤخذ في الحسبان ألاّ تنتهي هذه القضية بمجرد التنفيس - بطريقة ما - عن الاحتقانات المتراكمة.


    * كاتب سعودي
Working...