Unconfigured Ad Widget

Collapse

المقامة الجنوبية

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • أبو أحمد
    عضو مميز
    • Sep 2002
    • 1770

    المقامة الجنوبية

    المقامة الجنوبية
    (( فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ))


    كنا جبالاً في الجبال وربما =
    سرنا على موج البحار بحاراً
    بمعابد الإفرنج كان أذاننا =
    قبل الكتائب يفتح الأمصاراً

    سلم على السراة ، وعلى الجنوب مدنه وقراه ، لتكون مع التأريخ صادقا ، وبالحق ناطقا . في السراة رجال تكاد الأسود أن تقول من شجاعتهم رفقاً يا ناس ، ويكاد السحاب ينادي جبالها لا مساس .

    بها ولد أبو هريرة سيد المحدثين ، وهي ديار الخليل بن أحمد إمام النحويين ، من السراة سارت قوافل الوفود ، إلى رسول الوجود ، تعاهد على نصرة الإسلام ، ومتابعة الإمام . منها وفد جرير سيد بجيلة ، صاحب المواقف الجليلة ، ومنها أطل الطفيل سيد دوس ، موقد الحرب الضروس .

    في جبال السروات نظم الشنفري الأزدي لاميته العصماء . وفي روابيها سجل الخثعمي داليته الغراء . أما علمت أنها أرض القرني أويس ، وبلاد أسماء بنت عميس .

    في السراة كل خطيب وشاعر ، لأن الشعر من المشاعر .

    السراة حيث خصوبة التراب ، ونداوة الضباب ، وهمع السحاب .

    كأن الطل بديارهم دموع حبيب ، وكأن الظل بأرضهم برد قشيب .


    أرض إذا طاولت هام جبالها =
    قالت تواضع أيها الإنسان
    وإذا دخلت غياضها ورياضها =
    غنى الحمام وصفق الريحان

    فيها مدرسة الحفظ لأن الحفظ هريري دوسي ، وهي إيوان الزهد لأن الزهد أويسي .

    هنا الشعر الفصيح ، والنسب الصريح ، والوجه المليح ، خطباء حفاظ ، يغار منهم سوق عكاظ ، لروعة تلك الألفاظ ، مع القمم همم ، ومع الشجاعة كرم ، لا تنكر أخلاقهم البديعة ، فكما قال ابن خلدون : الأخلاق تتبع الطبيعة . ذكرهم الهمداني في الإكليل ، فكان قلمه بالثناء يسيل .

    بلادهم ديار الجود ، وعرين الأسود ، البخل عندهم ذنب لا يغفر ، وعدوهم بالثرى يعفر ، أريحية يهتز منها النسيم ، وحاتمية ينشأ عليها الفطيم ، مشاعر جياشة ، وأرواح هشاشة ، ووجوه بشاشة ، ماء البشر في صفحات الوجوه يترقرق ، ودم البطولات في شرايين الأبوة يتدفق ، إصرار على القيم ، وحفاظ على الشيم .

    قلوب حشيت بالإيمان إلى الأعماق ، فليس بها مكان للكفر والنفاق .

    ما دخلها فيلسوف ، لأن صوت القرآن بها يطوف ، وما حلها زنديق ، لأن أسد الرسالة في الطريق .


    إذا كبر الأزدي في حومة الوغى =
    رأيت شجاعاً سيداً وابن سيد
    ويطربهم وقع الرماح فما لهم =
    سماع لعودٍ أو غناء لمعبد
    أويسية دوسية عزماتهم =
    كتائبهم تسعى لنصرة أحمد

    عروبة صريحة صراحة اللبن المذاب ، وألسنة فصيحة فصاحة الفجر الجذاب ، هم أعمام حسان ، وأخوال سحبان ، وأجداد غسان .

    بديهتهم أسرع من الضوء إذا سرى ، وذاكرتهم أغزر من السيل إذا جرى ، ما قطر للإلحاد في ديارهم قطرة ، لأنهم على الفطرة .

    لو رأى جمال أرضهم كنفشيوس المسكين ، لما نظم قصيدة مرحباً يا بكين ، ولو أبصرها جوته شاعر الألمان ، لما أنشد إلياذة الحرمان :


    فالطير يرسل للعشاق أغنيةً =
    والغصن يعزف والأرواح في طرب
    في كل يومٍ لهم عيد بأرضهم =
    فالسحر والشعر بين الجد واللعب
    أرض إذا جئتها أهدتك زينتها =
    حمالة الورد لا حمالة الحطب

    طاب الهوى ورق الهواء ، وزان الظل وعذب الماء ، أرض تصنع بها القوافي ، مع الود الصافي ، والجمال الضافي . كأن وحي البيان ، أرسل لطير البستان ، فالتقى سحر الكلام ، مع نشيد الحمام ، ودمع الغمام :


    رفقاً بقلبي يا جنوب فإنني =
    بشر وهذا السحر يخلب عيني
    قتل المحب يجوز في شرع الهوى =
    لو كان دينك في الصبابة ديني

    ولو عدل صاحب البوصلة لوجهها للجنوب النفيس ، وذاك الروض الأنيس ، وترك هضبة مغناطيس . ولو رأى نابليون جبال الجنوب ووديانه ، لأراحنا من هيامه بجزيرة هيليانة .

    والجنوب لم تدخله الباطنية ، ولا مذهب الظاهرية ، بل تلك الديار سنية سلفية ، وقد رحبوا بدعوة التوحيد ، التي أطلقها المجدد الفريد ، صاحب المنهج السديد ، وتقبلوا لهذه الدعوة بقبول حسن ، وصاروا على أحسن سنن .

    وقد ردوا كل نحلة لا تصح ، لأنه نهي أن يورد الممرض على المصح ، وعاش أجيالها اليوم على كتب ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، وكتب مجدد الدعوة السلفية .

    وقد آتاهم الله أذهاناً بالبديهة سائلة ، وألسنة بالفصحى قائلة ، ينظم أحدهم الأرجوزة ، في جلسة وجيزة ، وينشأ أحدهم القصيدة ، بموهبة فريدة .

    شاركوا في القادسية وقادهم جرير ، وأنزلوا رستم من على السرير ، ما عرض الإسلام على أحدهم إلا أسلم ، وما نودي يوم الروع إلا تقدم ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأزدي أبا ضماد ، فأجابه إلى الإسلام والجهاد . وذكر ابن القيم وفد الأزد فأطنب في ذكرهم ، وأحسن في شكرهم . وذكر حديثاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في وفدهم :
    (( علماء ، حلماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .

    ومنهم محمد بن واسع الزاهد العابد ، العالم المجاهد ، صاحب الكلمات الفاصلة ، التي هي إلى القلوب واصلة . ومنهم المناذرة الملوك ، ومجدهم بالجود محبوك . وعلى بساطهم وقعت المساجلات ، وفي ديوانهم حصلت المناظرات والمحاورات .

    ومنهم الغساسنة ملوك الشام ، أهل القلم والحسام ، حتى قال حسان :


    إن تسألينا فإنا معشر نجب =
    الأزد نسبتنا والماء غسان

    ومنهم آل المهلب أسرة الشرف والريادة ، والكرم والسيادة .

    واعلم أن أصول كثير من العلماء السراة ، من جبال السراة . فعبد الغني الأزدي الحافظ الشهير ، آباؤه من السروات بلا نكير ، والطحاوي صاحب العقيدة ، من تلك البلاد المجيدة ، بل ذكر الشيخ المنسي في كتابه في تاريخ الرجال ، أن مئات المحدثين من تلك الجبال ، واحتفل النسابة الجاسر ، بذكر مواطن القوم والمآثر ، وطالع ما كتبه عن رجالهم الذهبي في السير ، وما سطره أهل التاريخ والخبر .

    وفيهم ثلاث فضائل ، لم تجتمع في غيرهم من القبائل :

    سلامة الصدور ، كماء الطهور ، فليس عندهم ضغائن ، ولا دفائن ؛ بل غضب الواحد في لسانه ، ثم يعود إلى إحسانه .

    ومنها ذكاء وقاد ، وطبع في الفهم منقاد ، مع غزارة في القريحة ، وأخلاق مليحة .

    ومنها فصاحة وبيان ، كأن على طرف كل لسان سحبان ، وعلى شفتي كل شفة حسان . والحمد لله الذي سلمهم من برص الإسماعيلية ، وسلطان النصيرية ، وداء البطائحية ، وحمق الصوفية ، وتجهم الجهمية ، فطريقتهم محمدية أحمدية .

    وليس عندهم صلف الخوارج المارقين ، ولا عتو الروافض المحترقين ، وليس للزندقة عندهم قرار ، ولا للبدعة ببلدهم دار ، بل أهل سكينة ووقار ، كما وصفهم بذلك المختار . ولم تدخلهم العجم الجفاة ، ولا طيش الأعراب الحفاة ، فهم أهل جنات وعيون ، وأهل أدب وشجون .

    وقد مدحهم الداعية الشهير القرعاوي ، وذكرهم بحسن المساعي ، وإجابة الداعي ، وسطر فيهم الشعراء أحسن قصائدهم ، ودبج فيهم الخطباء أجود قلائدهم .

    وسل أهل العلم ممن زارهم ، وحل دارهم ، فإنه ينقلب إلى أهله مسروراً ، بعد أن ملئوه حبوراً . وما دفعني لما قلته عصبية ، أو حمية مذهبية ، بل كلمة حق ، وشهادة صدق ، وقد ذكرت فضال غيرهم من أهل البلدان ، وما تنقصت بسببهم غيرهم من سكان الأوطان ، وانظر إلى الإنصاف والإتحاف في المقامة المكية ، والمقامة النجدية ، واليمنية ، وغيرها من المقامات ، وهذا من الاعتراف بالحسنات .

    واعلم أن مئات المورخين والأدباء ، سبقوني إلى ذكر مناقب جبال السروات الشماء ، وأهلها الكرماء ، وقد نظم لبيد قصيدة في تبالة ، وحط ابن بطوطة في السراة رحالة ، ولما زارها تأبط شرا ، مدحها وقد تأبط خيرا ، وقد قال أحد شعرائها ، ينوه بمجد فضائلها .


    نحن وجه الشمس إسلام وقوة =
    نسب حر ومجد وفتوة
    نحن أزد الله في يوم الردى =
    قد وضعنا الكفر في سبعين هوة
    وأويس جدنا من قرن =
    أو ما تلمح مجداً في البنوة
    والسيوف البيض في أيماننا =
    يوم ضرب الهام من دون النبوة


    للشيخ الدكتور : عائض القرني
  • عبد الله الشدوي
    عضو مشارك
    • Jul 2004
    • 245

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله

    بورك في الكاتب والناقل

    حفظك الله ورعاك

    يا أبا أحمد

    تحياتي وتقديري
    إذا صحّ منك الود فالكل هين

    ........... وكل الذي فوق التراب تراب

    تعليق

    • أبو عبدالمجيد الدوسي
      عضو مميز
      • May 2005
      • 1385

      #3
      أخي أبو احمــــــــــــــــــــــــد
      بارك الله فيك في نفل هذة المقامة الرائعة لشيخنا عايــض القرنـي

      تعليق

      • قينان
        أدعو له بالرحمه
        • Jan 2001
        • 7093

        #4
        أخي أبو أحمد

        ليس لنا بعد هذا قول ولشيخنا الفاضل فصل الخطاب.

        قال فابدع وفصل الخطاب تضمن .

        والناقل أحسن الاختيار وأصاب,

        فلكما المحبة والتقدير
        sigpic

        تعليق

        • أبو أحمد
          عضو مميز
          • Sep 2002
          • 1770

          #5
          الأخ عبدالله الشدوي
          أسعدني مرورك بارك الله فيك وتقبل الله منا ومنك صالح الأعمال وجزا الله شيخنا عايض القرني كل خير وثبته على الطاعه .
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
          الأخ عبدالمجيد الدوسي
          اشكرك على مرورك وشكر الله سعيك وجزاك الله خيراً .
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
          الأخ أبو عبدالرحمن
          اشكر لك مرورك وشكراً على حسن عبارتك ورفع الله قدرك فهكذا عودتنا على التواضع .

          تعليق

          Working...