Unconfigured Ad Widget

Collapse

الحـَميصـة

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • سعيد صالح المرضي
    عضو مميز
    • Dec 2002
    • 569

    الحـَميصـة


    الحـَميصـة
    أوقد ناره ، ثم افترش الرصيف ، وبمهفته السعفية اخذ يداعب شعلة ضئيلة تلوح خجلى في أفق الموقد، تتطاول قليلاً ثم ما تلبث أن تختفي بين الفحم الأسود، تناول كوز ذرة تدحرج بعيدا عن رفاقه ، وهو يستحثهم على الهرب من تلك المصابيح التي تتطاير منها الشعل ، أهوى عليه بيديه وجرده من كامل ملابسه الخضراء ، وألقاه في أتون جمره الأحمر ، سرح بعيدا بنظره إلى خلف أفق الذكريات حيث كان يعتلي ذات مرة منصة ( الحراسة ) الخشبية المقامة على أعمدة من خشب العرعر وسط حقل الذرة ، كانت النسائم تسلب ألبابه وهي تداعب أعواد الذرة الممشوقة فتدعها تتمايل يمنة ويسرة وتجعل منها أمواج خضراء متتالية تغدو وتجئ ، فتذيب حنايا فؤاده المتحجرة فيطلق صوته لنسائم الصَـبَا بأغنية جبلية معبأة بالأحزان وممتلئة حتى الثمالة بالهموم


    منين ياجيك الرضى ياشايل الهم
    كيف ترضى وانت مهموم
    والهم لاعلق بقلب انسان فضه
    سمسمه وابدى جروحه
    يروح من بين العرب مسموم حاله

    تسامعت سيقان الذرة بالصوت السابح في فضاءات الأشجان فانتشت طربا واشتعلت رقصا
    كان صاحبنا يغني للريح والحقول وأكواز الذرة وبعض فتيات الحي اللاتي توارين في مزارع الذرة ، وما أن دغدغ الصوت سمع إحداهن حتى رفعت رأسها ونصبت قامتها تتحسس مصدر الصوت الشجي الذي حملته الريح
    أصغت ( نهى ) بكل أحاسيسها ومشاعرها لتلك الكلمات الشجية المتسللة إليها، وقد أسرها جمال الصوت السابح فوق أمواج الذرة
    ألقت بمنجلها جانبا ووضعت خصلة من البرسيم كانت بيدها فوق طرف شرشفها الأبيض وراحت تنصت ( للطرق ) بكل أحاسيسها ، فقد تملك وجدانها واستحوذ على مشاعرها وأنساها ما حولها فغدت معه في عالم آخر
    ولحسن حظها فقد كان ( فلج ) البرسيم الذي تجلس فيه محاطا من كل الجوانب بسيقان الذرة الممشوقة مما هيأ لها الخلوة والشعور بالأمان من أن تقع عليها العيون وهي متلبسة بحالة بوح وشجن ذاتي ، انقطع الصوت فجأة فأفاقت من شرودها وتلفتت يمنة ويسرة ولما لم تلمح أحدا تنهدت تنهيدة عميقة وحمدت الله أن لم يرها أحد.
    وكان صاحبنا قد توقف عن الغناء لأن سارحة من ( الفْرْفْرْ ) قد هاجمت طرف الركيب الذي يحرسه محاولة أن تجد غرة منه لتلتقط بعضا من حبوب الذرة غير أنه تنبه لذلك فتوقف مجبرا عن الغناء وتناول المقلاع ( المرْجَمْة ) وعبأها ببعض ( الكُبَابْ ) وأومأ بها فوق رأسه عدة مرات - كما يفعل رعاة البقر عندما يحاولون الإمساك بأحد العجول – ثم أطلق أحد طرفي المرجمة لتقذف مابها نحو ( عصافير الحقول ) لتولي هاربة قبل أن تصيبها
    كان صاحبنا طوال النهار من الفجر وحتى مغيب الشمس وهو منتصب تحت العشة يحمي الركيب من الطيور وبعض محبي التعديات وخاصة هواة ( الحميصة ) الذين يتحينون الفرص للحصول على بعض ( عذوق الذرة ) الخضراء لاشتواءها تحت إحدى أشجار الطلح أو العرعر النائية بعيدا عن أعين الرقباء ، وكذلك صاحبنا الذي كان يمد نظره نحو طريق البيت عندما يحين وقت الغداء يرقبه بانتظار ماتجود به صاحبة البيت من غذاء يسد به جوعه وحين تبطئ في ذلك أو تعدمه فإن الحميصة هي الحل المثالي والفوري الذي يملأ به معدته ويسكت بها دافع الجوع القوي .
    وكما أوقفت العصافير صاحبنا عن الغناء فقد أفاقه احتراق كوز الذرة على رصيف المدينة وقطع عليه شريط الذكريات وأعاده ليمارس في حاضره شئ من ماضيه .
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6171

    #2
    لا ندري كيف نشكرك ولا بماذا نكافئك ! فقد ساعدتنا على الأنسلاخ من حاضرنا والعودة إلى ماضينا على طريقة صاحبك الذي أخذه خياله بعيدا من رصيف المدينة إلى أطراف المساقي المليئة بالحَبّ والحُب . الصبا والصبايا .

    لله درها من صبية ، كيف التحفت الحياء وهي تمارس عشقها كما يتلبس الشجر باللحاء . ولله دره من حامي ، يحمى الطير ويحمي الغير ، كم كان مهموما ، فجاء بوحه ، ولكن دون خدش للحياء ولا ايذاء للأقرباء ( الجار وصى به جبريل ) .

    ليت لدي ما يكفي من الوقت ، لأبقى مع استاذي سعيد عند فلج القضب والمقلاع وطيور الفرفر وصاحب الصوت الشجي الذي سمسمه همه حتى أبدى جروحه !


    شكرا لهذا الأديب على هذا الأدب .
    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

    تعليق

    • السوادي
      إداري
      • Feb 2003
      • 2219

      #3
      لحظات قضيتها مع هذه المقطوعة الأدبية الفريدة ، وكم كنت أتمنى أن تمتد ، لكن أبى الفرفر إلاّ أن ينهيها على طريقته ..
      الفرفر أوقف ذلك الصوت الشجي ، وقطع على (نهى ) استمتاعها ، وكان نقطة النهاية التي توقف عندها كاتبنا المبدع ( سعيد بن صالح المرضي ) ..
      منتدى الديرة يضم بين جنباته كتَّابـًا وأدباء لكن ينقصه المتلقي الواعي الذي يتذوق النصوص الأدبية ويتغلغل في أعماقها ذلك المتلقي الذي يشعر معه الكاتب والأديب أن جهده لم يذهب سدى ..
      من لم يتذوق نصوص (المرضيينِ ) - أقصد ابن مرضي و المرضي - أحسن الله عزاءه في ذائقته ..
      السوادي

      تعليق

      • ابوزهير
        عضو مميز
        • Jan 2003
        • 2254

        #4
        بسم الله الرحمن الرحمن

        اديبنا وحبيبنا سعيد المرضي هل من مزيد؟ لقد اخذتنا الى نزهة رائعة لانجد وسيلة لها افضل من كلماتك التي جعلتنا نعيش لحظات ساحرةلاأجد عبارات تصفها , ووجدناك تحقق لنا مانصبوا اليه, نرجو المزيد فنحن ننتظرك على قارعة الطريق.

        وازيد على ماقاله الاخ السوادي :المرضيان(بن مرضي,والمرضي) اصبح مذهب,كل من دخله مرضي,وبه تطيب جروح المرضى.باذن الله.
        يارفيقي مد شوفك مدى البصر
        لايغرك في الشتاء لمعة القمر
        الذي في غير مكة نوى يحتجه
        لاتغدي تنصب له الخيمة في منى

        تعليق

        • فارس الأصيل
          عضو مميز
          • Feb 2002
          • 3319

          #5
          هكذا يستحق التراث وقفه سينارويو وحوار وإخراج رائع يا عم سعيد .. آه لوكنت أملك إدارة هوليوود التراث ما ترددت في إعطائك شرف الأوسكار كجائزة على عمل يستحق الوقوف عنده مرات ومرات فهنا هيلوود الجنوب بيت القراءة على بساط الريح ففكر يسبح وأفكار ترفرف بجناحيها من حوله إنها قراءة التراث حكاية التراث إخراج التراث ..
          معكم يا أيها الشيوخ الأجلاء عرفت طعم التراث تذوق التراث بنكهات متعددة كلها أصلية لا مواد حافظه ولا صناعية فلله دركم من قراء تراث وحافظي أدب أمة بادت ..

          شكرا من قلبي الصغير لمقامك يا عم سعيد
          هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
          كالبحر عمقاً والفضاء مدى
          مدونتي
          أحمد الهدية

          تعليق

          • أبو ماجد
            المشرف العام
            • Sep 2001
            • 6289

            #6
            أديبنا الكبير بل العملاق : أباعادل

            قسمًا بالله لترددت أكثر من مرة في الرد على هذه اللوحة التي عادت بي إلى زمنٍ كنت أظنه لن يعود ، ولكنك يا أباعادل باحترافية راقية جدًا عدت بنا نحن إليه.
            وجدت نفسي فجأة في ( الحازم ) ، سمعت الصوت العذب بطرق الجبل :
            منين ياجيك الرضى ياشايل الهـم
            كيـف ترضـى وانـت مهمـوم
            والهم لاعلق بقلب انسان فضـه
            سمسمـه وابــدى جـروحـه
            يروح من بين العرب مسموم حاله

            ورأيت ( نهى ) التي لم تفلح يا أباعادل في تضليلنا بهذا الاسم الحديث !! رأيتها بحلتها المحتشمة والتي تتقزم أمامها كل الأزياء الباريسية ،

            شممت رائحة الحميصة المحترقة ، وتذوقتها ، آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه

            هل جربتم الاستيقاظ فجأة من حلم جميييييييييييييييييييييييييييييل ؟؟؟ هذا ما حدث لي عندما وصلت بنا يا أباعادل إلى رصيف المدينة ، سامحك الله يا سعيد .
            سامحك الله .

            تعليق

            • سعيد صالح المرضي
              عضو مميز
              • Dec 2002
              • 569

              #7
              في البداية اعتذر عن تأخر الرد على ما تشرفت به الحميصة وكاتب الحميصة من حضور كريم لكتاب كبار يشرفني أن أرى تواقيعهم وقد توجت موضوعي وشــَـرُفَ بها .

              وهو تــأخــر طال إلى درجة [ البرود والملل ] غير أني وأنا أعتذر أعلم علم اليقين أن العذر عند كرام الناس مقبول .

              ومن الحاضرين والمتحلقين معي في جلسة الحميصة عبد الله بن مرضي

              الكاتب الذي لا يهوى سوى العيش مع الصــقور هناك فوق الغيوم
              ورغم هوايته التي لايتنازل عنها بالعيش في العلياء فهو جم التواضع وهو كريم نبيل في أقواله ومشاركاته وتواصله
              ولقد التقط من هذه الأقصوصة الصغيرة جانب أخلاقي عالي القيمة وكذلك الصــقور لاتنقض إلا على مالذ وطاب من الصيد ((لله درها من صبية ، كيف التحفت الحياء وهي تمارس عشقها كما يتلبس الشجر باللحاء . ولله دره من حامي ، يحمى الطير ويحمي الغير ، كم كان مهموما ، فجاء بوحه ، ولكن دون خدش للحياء ولا ايذاء للأقرباء ( الجار وصى به جبريل ) . ))


              شـــكرا لك وعفوا على التأخير

              تعليق

              • عبدالله رمزي
                إداري
                • Feb 2002
                • 6605

                #8
                أخي الفاضل / سعيد بن صالح

                ماضي وذكريات لن تنسى مهما حاولت المدنية أن تنسيناها بقشورها الزائفة .. لن يبقى إلا الأصالة ..

                فلج الماء وصوت الغروب وهي تصب الماء في القف وصفير المحالة والسير بحذر خلف السانية في المجرة والحميصة والحنكيته لسنابل الصيف ...
                كل ذلك ذكرني بقصيدة دغسان أبو عالي التي يقول فيها ..
                لجل المشقة نقل للثور عل يابه
                ولكن صوت طرق الجبل الذي كان يتغنى به ( على الصائغ ) رحمه الله تعالى لا يزال يطنطن في أذني كلما تذكرت الماضي ..
                كيف لا وقد عشنا تلك الأيام لحظة بلحظة ...
                واصل في سردك لتلك الذكريات الجميلة فإنك تريحنا عندما نعود بالذاكرة إلى الوراء

                عبدالله رمزي
                ما كل من يبعد به الوقت ناسيك ... بعض البشر قدام عينك وينساك

                تعليق

                • سعيد صالح المرضي
                  عضو مميز
                  • Dec 2002
                  • 569

                  #9
                  وكأنه خارج في التو واللحظــة من أحـــد مجالس الكوفــة أو ذاهب إلى إحدى الندوات في البصرة ذلكم وبدون ادنى شـــك هــــو الســــوادي
                  كاتب من الرعيل الأول الذين كان الفرات يرويهم بعــذب ماءه ورقيق نســـــأئمـه
                  ياســــوادي هل هناك تواصـــل مع ســـواد العراق الثقافة والتاريخ والأمجــــاد ....!!!!!!!!
                  ليتني كنت معك ومعـــهم فهناك ومعك يجــــد الإنســـان المتعة الحقيقية حيث الأحرف بحسن جرسها ورائع إيقاعها

                  تعليق

                  • سعيد صالح المرضي
                    عضو مميز
                    • Dec 2002
                    • 569

                    #10
                    أخي مالك الأحزان
                    أخي فارس الأصيل
                    أخي أحمد حسن الزهراني


                    ابعــــاد ثقافية لشخص واحد واســـتدلالات متنوعة لحقول من الوعي والثقافة في فراء واحد

                    أخي العزيز حينما اجدك وأمثالك تمرون منهنا وتلوحون لي بمصابيح الفرح تتلبسني حمى الإستئناس بمن حولي وأشعر أنني لست العابر الوحيدلهذا الطريق ولكن الكرام معي ومن معه الكرام عاش كريما حتى ولو كان بخيــــــــــلا

                    أشكر لك كل ذرة إحساس محبة تتملكني نحوك
                    ودمتم بخير وعافية

                    تعليق

                    • سعيد صالح المرضي
                      عضو مميز
                      • Dec 2002
                      • 569

                      #11
                      أبا ماجد العزيز

                      وتأبى إلا أن تستشهد بشعب ( الحـــــازم ) لأنه كقصور الأندلس ينقل الصوت بشكل عجيب ويشق خرير المياه صمته ويفوق اخضراره كل أودية المنطقه حتى وادي العقيق الذي ربما ترويه بعض مياه الحـــازم .

                      لك الله يا أبا ماجد فأنت غيمة المنتدى الممطرة التي تجود بدون حساب

                      أما ( ندى ) فما زالت في طرف القضب لم تبرح مكانها بعـــد .!

                      لك فائق تحياتي

                      تعليق

                      • سعيد صالح المرضي
                        عضو مميز
                        • Dec 2002
                        • 569

                        #12
                        العزيز أبو زهيــر

                        كما يقولون ( تعــــداك أو تخطـــراك المـــــوت ...!!! )


                        دا وا الله جراحك وجراحي وعافاك وعافاني وادخلني وأنت جنات النعيـــم


                        شكرا لك على الإضاءة والزيارة

                        تعليق

                        Working...