" مسمارية " عبد الواحد
لا تستغربوا إن رأيتموني أدخل عليكم عبر هذا الموضوع وفي يديّ أنواع عديدة من { المطارق } و { الشواكيش } فقد أحكم عبد الواحد الخناق على كل فصائل وأنواع المسامير ( المدقوقة ) على الجدران ، وأوغر قلبي على كل مسمار أشاهده على أي جدار كان ، وجعلني من أصحاب السلوك النادر أو ما يعرف باسم(الأفكار التسلطية أو الوسواس القهري ) ، والغير عادي مثلي مثل قلة من الناس ، لديهم سلوك نادر، فعبد الوهاب – مثلاً - كان عنده سلوك نادر، فقد كان يسارع إلى اقرب مغسلة يدوية ليغسل يديه بالصابون والمطهر بعد كل مصافحة ، خوفا من أن تكون تلك المصافحة قد نقلت إليه مكروب معد ..!! ، ولم يركب طائرة قــط في حياته ، ولما سئل أجاب : عندما تتعطل السيارة فستركنها بكل بساطة ولكن حتعمل إيه في الطيارة ..!! والقصبجي الموسيقار المشهور كان من هواة جمع " الأجراس " وكان بيته ممتلئ بكل أجراس الدنيا المختلفة والمتنوعة ،وأحمد شوقي كان لا يحب إلقاء قصائده وكثيرا ما كان يستعين بحافظ إبراهيم ليلقيها نيابة عنه ، أما أنا فقد غسل عبدا الواحد عقلي وجعل اهتمامي باستمرار منصبٌ على الجدران بحثا عن المسامير، كما أن الناس يقتنون المسابح للتسبيح وذكر الله أو لإشغال حاسة اللمس بها .
أما أنا فلم أعد أحمل في يدي سوى الشواكيش بكافة أحجامها – ولا حول ولا قوة إلا بالله - و لاتلومونني [ وللناس فيما يعشقون مذاهب ] ولا تتهموني بالقسوة و{ الغلاظة ..!!} إن كنتم تنتمون إلى جمعية الرفق{ بالأسود } عفواً بالمسامير والتي لاتعترف إلا بلغة الشواكيش في حلها وتر حالها .
ولست أدري أي عامل مشترك بين الحمير – أعزكم الله ورفع مقاماتكم – وبين المسامير فتلك لا تسير إلا تحت وقع البواكير ومطارق " الشوحط " ...!!! .
والمسامير لاتسير ولا تقف على الجدران ولا تخرج منها إلا عندما تهطل الشواكيش على رؤوسها كالمطر، بلا هوادة ولارحمة ، ولقد بحثت حتى أضناني البحث فلم أجد ولادة متعسرة ولا وفاة متعثرة إلا عند المسامير .
صاحبنا القباني " نزار " لاحظ أوجه الشبه بين وقوف صاحبته ووقوف المسمار فصرخ في وجهها وفي سمع الـدُّنـى قائــــــلاً :
قولي
انفعلي
انفجري
لاتقفي مثل المسمار
ولست أدري أي شعر غزلي تغنى به ذلك المطرب المصري { محمد رشدي } ودندن به عندما غنى
في ايديّ المسامير
وف ألبي المسامير
ولأن الشواكيش لم تكن كافية في ضرب المسامير
فقد ضربت بها الأمثلة
فقيل :
برد يقص المسمار
و
حــرّ يذيب المسمار
و
المسمار الأخير في نعش ...
و
نشب الحديدة والتوى المسمار
يقال ذلك عند تأكيد كل أمر ليس منه مخرج
وقد وظف كثير من الشعراء الأمثال في التجربة الوجدانية الشعرية.
فهذا أوس بن حجر يقول مخاطباً أحبابه بعد رحيلهم كاشفاً لهم عن لوعته وحزنه معبراً عن يأسه بعودتهم أو الكتابة إليهم :
سأرقم بالماء القراح إليكم على نأيكم، إن كان للماء راقم
ورغم جمال هذا المعنى في باب الغزل والحب والفراق، إلا أن ابن الرومي أبى إلا تحوله وصرفه عن بابه، فهو يخاطب واعظه مبدياً له عدم استجابته له وانصرافه عنه يقول في ذلك:
وكم قارع سمعي بوعظ يجيده ولكنه في الماء يرقم ما رقم
وهل راقم في صفحة الماء عائد ليقرأ ما قد خط إلا وقد طسم
وبدأ الواعظ تجاه ابن الرومي كالكاتب على الماء لا يجد ما كتبه ولا يستطيع قراءته؛
غير أن الشاعر ابن العميد صرف المعنى إلى باب الإخوانيات، إذ رسم روابط العلاقة القائمة بين الإخوان، حينما يصيبها الفتور وتعتريها الجفوة قــائلاً :
وصروف أيام أقمن قيامتي بنوى الخليط وفرقة القرناء
وجفاء خل كنت أحسب أنه عوني على السراء والضراء
ثبت العزيمة في العقوق ووده متنقل كتنقل الأفياء
ذي ملةٍ يأتيك أثبت عهده كالخط يرقم في بسيط الماء
وقد تصارع العرب والفرس والأتراك على جحا وكل منهم يدعي أنه منهم، وهو يتصف بصفات عديدة منها الذكاء والفكاهة والغباوة والطرافة في أقواله وأفعاله وتشهد بذلك كتب التاريخ، ومن القصص الطريفة التي وردت عنه أنه أجر بيتا من بيوته لأحد الناس واشترط عليه شرطا واحدا وبسيطا، فقال للمستأجر إنني أؤجرك البيت بشرط واحد، قال الساكن، ما هو، قال أن أزور هذا المسمار في المنزل، فقال له مستغربا: المسمار؟! قال نعم، فإن هذا المسمار له معزة وذكرى عزيزة في تاريخ حياتي، وأحب أن أزوره. فقال المستأجر متساهلا في هذا الشرط لا مانع من ذلك. فأصبح جحا يأتي كل يوم عند الغداء مدعيا أنه يريد زيارة المسمار ويتناول الطعام مع المستأجر حتى هرب المستأجر من البيت، وبهذا أصبح المسمار مثلاً يتداول على ألسنة الناس على أنه حجة واهية، فيقال عند ادعائه حجة أو عذرا، مسمار جحا.
وهذا شاعرنا عبد الواحد يصوغ من القصة السابقة و المثل الدارج " مسمار جحا " قصيدة عميقة الدلائل
وقد عمد فيها إلى التجديد في الأسلوب وفي الغرض
فقد انتهج الأسلوب الفلسفي الساخر الذي أعلنه وكشف عن نواياه من أول كلمة من كلمات قصيدته ( من سمح لا هلك ) وهو بالتأكيد لا يريد أهله بل يريد توجيه الخطاب له مباشرة ولكن لمزيد من السخرية والتجاهل المتعمد وجه الخطاب إليه بهذه الطريقة الغير مباشرة.
من سمح لأهلك تعلق ياجحـا فـي بيتنـا مسمـار
بعد سارت كلهـا جـدران منزلنـا معاليقـاً لـك
ثوبك في المسمار نفسه كان في الماضـي يعلقـا
أما ذا الحين اشترينا البيـت والمنـزل ماعادلـك
يعني معقولة معك مسمار ما عنـدك جـدار يشيلـه
وإلا يعني شايفاً نفسك طويـل وجدرنـا قصيـر
مالله أحوجنا لك ، الجدران معنـا مانسمرهـا بـه
خـذ مساميـرك معـك وإلا تـرانـا قالعينـهـا
وقد جعل عبد الواحد هذه القصيدة مرتكزة بشكل كبير على حرفين مقترنين أغلب الأحيان وهما ( الميم والسين ) ليشكلا موسيقى داخلية أشبه بصفير الاستهجان فشكلت الموسيقى الداخلية وما تحمله القصيدة من معاني في ألفاظها جبهتان داخلية وخارجية ساخرة من ( رمز السخرية التاريخي ) .
وشتان بين الأسلوبين في قصيدتي البدع والرد فبدع عبد الواحد المسماري يصنف ضمن الشعر الضاحك أو الساخر بينما جاء رد حوقان رومانسي من بدايته وإرهابي في نهايته
يانجوم الليل للسمـار طـاب الوقـت والمسمـار
لامتى ياقلبي اتشيـل الغبايـن فـي معاليقـاً لـك
والخواطـر والمشاعـر ماتزيـد إلا مـع اللقـاء
ياقوي العيـن سـار اقـوا خصومـك مايعادلـك
مشكلة قلب ابن حوقان إن من يقدح بنـار يشي لـه
مشكلتـه انـه بعيـد الـدار لاجـاراً ولاقصيـر
من يقول العاشق ارهابي يقول لي وش يسما إرهابه
قيل وش يدفعك إلى قتـل الضحية قـال عينهـا
ولكن محمد حوقان تخلى عن وحدة الموضوع في القصيدة عند البيت الرابع و ياليته سار على نفس الخطى حتى النهاية لأصبحت هذه القصيدة سيدة قصائد الغزل وبلا منازع ولفترة طويلة .
غير أنه تجول وتفسح في المعاني وجعل كل بيت مستقل بذاته عن غيره تمام الاستقلال
وياليته استبدل كلمته ( والخواطـر ) التي جاءت في مطلع البيت الثالث بكلمة من نوعية ( والعواطف )
كما أنه ذهب في معناه منحى أخرفي ذات البيت يخالف ماذهب إليه جميل بثينة وهو يقول :
يموت الهوى مني إذا مالقيتها ** ويحى إذا فارقتها فيعود
أما المعري أبو العلاء فقد جمع ركيزتي قصيدتي الشاعرين المسمار والسمار في الأبيات التالية :
ما بالُ هَذا اللَيلُ طالَ وَقَد يُرى مُتَقاصِراً عَن جَلسَةِ السُمّارِ
أَتَرومُ فَجراً كَالحُسامِ وَدونَهُ نَجمٌ أَقامَ تَمَكُّنَ المِسمارِ
تَلقى الفَتى كَالريحِ إِن أَودَعتَهُ سِرّاً أُذيعَ فَصارَ كَالمِزمارِ
وفي البيت الرابع شرد ابن حوقان شرود البعير عن ما أبدع فيه فيما سبق ووقع في تناقض عجيب في بيتيه الرابع والخامس
ياقوي العيـن سـار اقـوا خصومـك مايعادلـك
مشكلة قلب ابن حوقان إن من يقدح بنـار يشي لـه
قوة في العين وضعف في القلب ، وياله من قلب يولع من أبسط [ قداحه ] وهنا تتضح السمات البشرية الحقيقية
مشكلتـه انـه بعيـد الـدار لاجـاراً ولاقصيـر
من يقول العاشق ارهابي يقول لي وش يسما إرهابه
قيل وش يدفعك إلى قتـل الضحية قـال عينهـا
قوي العين ، ضعيف القلب ، غريب ، إرهابي ومع هذا الضعف كله أو بسبب هذا الضعف كان الحكم النهائي هو :
قيل وش يدفعك إلى [ قتـل ] الضحية قـال عينهـا
وســأضل أكرر الأسى والأسف على فقدان قصيدة رومانسية كانت من وجهة نظري ستكون
آســرة ســـاحرة رائعــة .
ولكن لا ينفع الأسى بعد فوات الأوان
لا تستغربوا إن رأيتموني أدخل عليكم عبر هذا الموضوع وفي يديّ أنواع عديدة من { المطارق } و { الشواكيش } فقد أحكم عبد الواحد الخناق على كل فصائل وأنواع المسامير ( المدقوقة ) على الجدران ، وأوغر قلبي على كل مسمار أشاهده على أي جدار كان ، وجعلني من أصحاب السلوك النادر أو ما يعرف باسم(الأفكار التسلطية أو الوسواس القهري ) ، والغير عادي مثلي مثل قلة من الناس ، لديهم سلوك نادر، فعبد الوهاب – مثلاً - كان عنده سلوك نادر، فقد كان يسارع إلى اقرب مغسلة يدوية ليغسل يديه بالصابون والمطهر بعد كل مصافحة ، خوفا من أن تكون تلك المصافحة قد نقلت إليه مكروب معد ..!! ، ولم يركب طائرة قــط في حياته ، ولما سئل أجاب : عندما تتعطل السيارة فستركنها بكل بساطة ولكن حتعمل إيه في الطيارة ..!! والقصبجي الموسيقار المشهور كان من هواة جمع " الأجراس " وكان بيته ممتلئ بكل أجراس الدنيا المختلفة والمتنوعة ،وأحمد شوقي كان لا يحب إلقاء قصائده وكثيرا ما كان يستعين بحافظ إبراهيم ليلقيها نيابة عنه ، أما أنا فقد غسل عبدا الواحد عقلي وجعل اهتمامي باستمرار منصبٌ على الجدران بحثا عن المسامير، كما أن الناس يقتنون المسابح للتسبيح وذكر الله أو لإشغال حاسة اللمس بها .
أما أنا فلم أعد أحمل في يدي سوى الشواكيش بكافة أحجامها – ولا حول ولا قوة إلا بالله - و لاتلومونني [ وللناس فيما يعشقون مذاهب ] ولا تتهموني بالقسوة و{ الغلاظة ..!!} إن كنتم تنتمون إلى جمعية الرفق{ بالأسود } عفواً بالمسامير والتي لاتعترف إلا بلغة الشواكيش في حلها وتر حالها .
ولست أدري أي عامل مشترك بين الحمير – أعزكم الله ورفع مقاماتكم – وبين المسامير فتلك لا تسير إلا تحت وقع البواكير ومطارق " الشوحط " ...!!! .
والمسامير لاتسير ولا تقف على الجدران ولا تخرج منها إلا عندما تهطل الشواكيش على رؤوسها كالمطر، بلا هوادة ولارحمة ، ولقد بحثت حتى أضناني البحث فلم أجد ولادة متعسرة ولا وفاة متعثرة إلا عند المسامير .
صاحبنا القباني " نزار " لاحظ أوجه الشبه بين وقوف صاحبته ووقوف المسمار فصرخ في وجهها وفي سمع الـدُّنـى قائــــــلاً :
قولي
انفعلي
انفجري
لاتقفي مثل المسمار
ولست أدري أي شعر غزلي تغنى به ذلك المطرب المصري { محمد رشدي } ودندن به عندما غنى
في ايديّ المسامير
وف ألبي المسامير
ولأن الشواكيش لم تكن كافية في ضرب المسامير
فقد ضربت بها الأمثلة
فقيل :
برد يقص المسمار
و
حــرّ يذيب المسمار
و
المسمار الأخير في نعش ...
و
نشب الحديدة والتوى المسمار
يقال ذلك عند تأكيد كل أمر ليس منه مخرج
وقد وظف كثير من الشعراء الأمثال في التجربة الوجدانية الشعرية.
فهذا أوس بن حجر يقول مخاطباً أحبابه بعد رحيلهم كاشفاً لهم عن لوعته وحزنه معبراً عن يأسه بعودتهم أو الكتابة إليهم :
سأرقم بالماء القراح إليكم على نأيكم، إن كان للماء راقم
ورغم جمال هذا المعنى في باب الغزل والحب والفراق، إلا أن ابن الرومي أبى إلا تحوله وصرفه عن بابه، فهو يخاطب واعظه مبدياً له عدم استجابته له وانصرافه عنه يقول في ذلك:
وكم قارع سمعي بوعظ يجيده ولكنه في الماء يرقم ما رقم
وهل راقم في صفحة الماء عائد ليقرأ ما قد خط إلا وقد طسم
وبدأ الواعظ تجاه ابن الرومي كالكاتب على الماء لا يجد ما كتبه ولا يستطيع قراءته؛
غير أن الشاعر ابن العميد صرف المعنى إلى باب الإخوانيات، إذ رسم روابط العلاقة القائمة بين الإخوان، حينما يصيبها الفتور وتعتريها الجفوة قــائلاً :
وصروف أيام أقمن قيامتي بنوى الخليط وفرقة القرناء
وجفاء خل كنت أحسب أنه عوني على السراء والضراء
ثبت العزيمة في العقوق ووده متنقل كتنقل الأفياء
ذي ملةٍ يأتيك أثبت عهده كالخط يرقم في بسيط الماء
وقد تصارع العرب والفرس والأتراك على جحا وكل منهم يدعي أنه منهم، وهو يتصف بصفات عديدة منها الذكاء والفكاهة والغباوة والطرافة في أقواله وأفعاله وتشهد بذلك كتب التاريخ، ومن القصص الطريفة التي وردت عنه أنه أجر بيتا من بيوته لأحد الناس واشترط عليه شرطا واحدا وبسيطا، فقال للمستأجر إنني أؤجرك البيت بشرط واحد، قال الساكن، ما هو، قال أن أزور هذا المسمار في المنزل، فقال له مستغربا: المسمار؟! قال نعم، فإن هذا المسمار له معزة وذكرى عزيزة في تاريخ حياتي، وأحب أن أزوره. فقال المستأجر متساهلا في هذا الشرط لا مانع من ذلك. فأصبح جحا يأتي كل يوم عند الغداء مدعيا أنه يريد زيارة المسمار ويتناول الطعام مع المستأجر حتى هرب المستأجر من البيت، وبهذا أصبح المسمار مثلاً يتداول على ألسنة الناس على أنه حجة واهية، فيقال عند ادعائه حجة أو عذرا، مسمار جحا.
وهذا شاعرنا عبد الواحد يصوغ من القصة السابقة و المثل الدارج " مسمار جحا " قصيدة عميقة الدلائل
وقد عمد فيها إلى التجديد في الأسلوب وفي الغرض
فقد انتهج الأسلوب الفلسفي الساخر الذي أعلنه وكشف عن نواياه من أول كلمة من كلمات قصيدته ( من سمح لا هلك ) وهو بالتأكيد لا يريد أهله بل يريد توجيه الخطاب له مباشرة ولكن لمزيد من السخرية والتجاهل المتعمد وجه الخطاب إليه بهذه الطريقة الغير مباشرة.
من سمح لأهلك تعلق ياجحـا فـي بيتنـا مسمـار
بعد سارت كلهـا جـدران منزلنـا معاليقـاً لـك
ثوبك في المسمار نفسه كان في الماضـي يعلقـا
أما ذا الحين اشترينا البيـت والمنـزل ماعادلـك
يعني معقولة معك مسمار ما عنـدك جـدار يشيلـه
وإلا يعني شايفاً نفسك طويـل وجدرنـا قصيـر
مالله أحوجنا لك ، الجدران معنـا مانسمرهـا بـه
خـذ مساميـرك معـك وإلا تـرانـا قالعينـهـا
وقد جعل عبد الواحد هذه القصيدة مرتكزة بشكل كبير على حرفين مقترنين أغلب الأحيان وهما ( الميم والسين ) ليشكلا موسيقى داخلية أشبه بصفير الاستهجان فشكلت الموسيقى الداخلية وما تحمله القصيدة من معاني في ألفاظها جبهتان داخلية وخارجية ساخرة من ( رمز السخرية التاريخي ) .
وشتان بين الأسلوبين في قصيدتي البدع والرد فبدع عبد الواحد المسماري يصنف ضمن الشعر الضاحك أو الساخر بينما جاء رد حوقان رومانسي من بدايته وإرهابي في نهايته
يانجوم الليل للسمـار طـاب الوقـت والمسمـار
لامتى ياقلبي اتشيـل الغبايـن فـي معاليقـاً لـك
والخواطـر والمشاعـر ماتزيـد إلا مـع اللقـاء
ياقوي العيـن سـار اقـوا خصومـك مايعادلـك
مشكلة قلب ابن حوقان إن من يقدح بنـار يشي لـه
مشكلتـه انـه بعيـد الـدار لاجـاراً ولاقصيـر
من يقول العاشق ارهابي يقول لي وش يسما إرهابه
قيل وش يدفعك إلى قتـل الضحية قـال عينهـا
ولكن محمد حوقان تخلى عن وحدة الموضوع في القصيدة عند البيت الرابع و ياليته سار على نفس الخطى حتى النهاية لأصبحت هذه القصيدة سيدة قصائد الغزل وبلا منازع ولفترة طويلة .
غير أنه تجول وتفسح في المعاني وجعل كل بيت مستقل بذاته عن غيره تمام الاستقلال
وياليته استبدل كلمته ( والخواطـر ) التي جاءت في مطلع البيت الثالث بكلمة من نوعية ( والعواطف )
كما أنه ذهب في معناه منحى أخرفي ذات البيت يخالف ماذهب إليه جميل بثينة وهو يقول :
يموت الهوى مني إذا مالقيتها ** ويحى إذا فارقتها فيعود
أما المعري أبو العلاء فقد جمع ركيزتي قصيدتي الشاعرين المسمار والسمار في الأبيات التالية :
ما بالُ هَذا اللَيلُ طالَ وَقَد يُرى مُتَقاصِراً عَن جَلسَةِ السُمّارِ
أَتَرومُ فَجراً كَالحُسامِ وَدونَهُ نَجمٌ أَقامَ تَمَكُّنَ المِسمارِ
تَلقى الفَتى كَالريحِ إِن أَودَعتَهُ سِرّاً أُذيعَ فَصارَ كَالمِزمارِ
وفي البيت الرابع شرد ابن حوقان شرود البعير عن ما أبدع فيه فيما سبق ووقع في تناقض عجيب في بيتيه الرابع والخامس
ياقوي العيـن سـار اقـوا خصومـك مايعادلـك
مشكلة قلب ابن حوقان إن من يقدح بنـار يشي لـه
قوة في العين وضعف في القلب ، وياله من قلب يولع من أبسط [ قداحه ] وهنا تتضح السمات البشرية الحقيقية
مشكلتـه انـه بعيـد الـدار لاجـاراً ولاقصيـر
من يقول العاشق ارهابي يقول لي وش يسما إرهابه
قيل وش يدفعك إلى قتـل الضحية قـال عينهـا
قوي العين ، ضعيف القلب ، غريب ، إرهابي ومع هذا الضعف كله أو بسبب هذا الضعف كان الحكم النهائي هو :
قيل وش يدفعك إلى [ قتـل ] الضحية قـال عينهـا
وســأضل أكرر الأسى والأسف على فقدان قصيدة رومانسية كانت من وجهة نظري ستكون
آســرة ســـاحرة رائعــة .
ولكن لا ينفع الأسى بعد فوات الأوان