المقامة الذيلية في إصلاح الذيول الليبرالية – بقلم محمد جربوعة
في بلد ما ... كنت أستقل الحافلة مع غيري من آلات الثرثرة والتدخين، وكان يجلس في المقعد الذي أمامي (صراع أجيال ) : شيخ أتت الأعوام على أسنانه فجعلت فمه كهفاً مفجعاً وجعلت نطقه السين شيناً يعطي نكهة خاصة لأحاديثه القيمة، وبجانبه شاب وسيم مع أناقة ظاهرة، ويبدو أن الشاب قد مازح الشيخ صاحب الكهف مزاحاً ثقيل العيار نوعاً ما، فصعد البترول إلى رأسه، واحمرت عينه اليمنى ولم تحمر اليسرى، لكونها زجاجية مصطنعة. وكشف عن هويته، وبأنه ساحر أو عراف، قائلاً للشاب: سأحولك إلى أرنب.
والتفت الذين سمعوا النكتة مبتسمين... وصمت الشاب.
لكن الشيخ أصر على تحويله إلى أرنب. وأحس الشاب بعد إصرار الشيخ أن الأمر جد أو فيه شيء من الجد. وخاف أن يقال عنه: ركب ماشياً ونزل ينط. فأراد تغيير مكانه. وعلت ضحكات الركاب. فصرخ الشيخ العالم الجهبذ النحرير: سأحولكم جميعاً إلى عنزات. فصمت الجميع، فقال الشيخ : أو بطات. وصمتنا.
وأحس الشيخ صاحب الكهف والعين البلاستيكية بالنصر على الحلفاء. فقام من مكانه يرمقهم ويرمقنا جميعاً. وقلت له وأنا أقترب منه: يا عم، ونهرني قائلاً : ابق مكانك وإلا مسختك بذيل طويل. ثكلتك أختك. فجلست مفكراً في صورتي بذيل (المستقبل) : آه لو فعلها ذلك الخبيث وأفسد علي مستقبلي الواعد!!! وماذا لو كان للبشر ذيول؟ طبعاً سيتغير تصميم السروال لتكون له فتحة يخرج منها الذيل، أما في الشتاء فسيكون للذيل سترته، وحين يركب سيارة يقول أحدنا لمجاوره : اسحب ذيلك دعني أجلس، وسيسحب الآخر ذيله صامتاً تماماً، كما لوقال له اسحب يدك أو طرف ردائك، وطبعاً لن ينسى صانعو الكراسي أن الذيل موجود، وحين يتغزل أحدهم بحبيبته سيذكر عينيها الواسعتين وشعرها الظلامي وذيلها الطويل المسدول، وسترد هي عليه: وذيلك أطول يا عزيزي. وسيقول لأصدقائه: آه لو رأيتم عينيها، قوامها، ذيلها الذي يلامس الأرض ويجري خلفها كالثعبان،. وحين يهرب أحدهم من مطاردة كلب، لابد أن الكلب سينهشه من ذيله، وطبعاً فسيكون هناك طبيب أخصائي في الأذن والأنف والحنجرة والذيول. وسيكون للذيل صابون خاص به، طبعاً.. طبعاً.. فسر جمال العبد في ذيله، ومن لا ذيل له، لا جمال له.
وحين يمدح شاعر القبيلة زعيمها سيصفه بصاحب الذيل القوي. ولابأس آنذاك أن تتباهى الفتيات بتقليعات الحلاقة الذيلية: أنواع وأشكال، أشكال وأنواع.. ويقال: يا للعجب فلان ولد له صبي بدون ذيل. وسيضحكون ويدرج الصبي في قامة المعوقين في البلدة. تصوروا صبياً بدون ذيل !!! كم سيضحك منه الصبيان في الشارع، وماذا بقي له؟! الذيل هو الأهم، ومن فقد الذيل، فلا حياة له... ولئن كان الشنق من الرقبة، فالتأديب بالتعليق من الذيل. ويكون من المألوف آنذاك، أن تمر على بيت، فتجد زوجاً علق زوجته من ذيلها على الباب. أو زوجة علقت زوجها على الباب (على حسب المقدرة والمقاومة) وربما وجدتهما معلقين كليهما لعقوق الأولاد.
وللذيل فوائد في الصيف من ذبّ الذباب إلى التهوية في شكل مروحة. وستكثر إصابات الذيول من جراء إغلاق الأبواب عليها، وبين حين وآخر ستسمع صرخة تشق عنان السماء وعواء متواصلا لشيخ أغفل ذيله فأغلقت الجماعة الباب عليه، وقد تكون الإصابة خطيرة، ويستأصل الذيل ليعيش المسكين بلا ذيل. ماذا بقي له؟ ما لذة الحياة بدون ذيل يا قوم؟!! وحين يخبره الطبيب الخبر سيغمى عليه، ويتأثر كثيراً، وحينذاك ستكون هناك ذيول اصطناعية تركب بأثمان باهظة.. وسيكون من اللازم تدوين طول الذيل ومميزاته في جواز السفر.. ويكون من الأدب وحسن الخلق أن يلوح الإنسان بذيله لحضور ضيف دليلاً على الترحيب والإكرام.. وسيقول الضيف لأهله حين يعود: لقد استقبلوني جيداً ولوحوا لي بذيولهم كثيراً. على العموم، وباختصار سيأخذ العالم شكلاً آخر.
كان الشيخ ينظر إلي حين أفقت من أفكاري الذيلية نظرات صعبة، وتحسست جسمي لأتأكد من أن الأمور على أحسن ما يرام، وأن المسخ لم يلحقني.. وشكرته على حسن تفهمه للوضع، ونزلت من الحافلة، أنظر إلى بشر معوقين بلا ذيول، يسيرون في كل الأرصفة، ويعبرون الطرقات ويتناقشون وهم بلا ذيول.
(مساكين) قلتها وأنا أتذكر الذي قال ذات يوم : ينساني ذيلي يا أورشليم إن نسيتك.
و الذي قال : أن أكون ذيلا لأمريكا خير من أن أكون بلا ذيل أصلا.
في بلد ما ... كنت أستقل الحافلة مع غيري من آلات الثرثرة والتدخين، وكان يجلس في المقعد الذي أمامي (صراع أجيال ) : شيخ أتت الأعوام على أسنانه فجعلت فمه كهفاً مفجعاً وجعلت نطقه السين شيناً يعطي نكهة خاصة لأحاديثه القيمة، وبجانبه شاب وسيم مع أناقة ظاهرة، ويبدو أن الشاب قد مازح الشيخ صاحب الكهف مزاحاً ثقيل العيار نوعاً ما، فصعد البترول إلى رأسه، واحمرت عينه اليمنى ولم تحمر اليسرى، لكونها زجاجية مصطنعة. وكشف عن هويته، وبأنه ساحر أو عراف، قائلاً للشاب: سأحولك إلى أرنب.
والتفت الذين سمعوا النكتة مبتسمين... وصمت الشاب.
لكن الشيخ أصر على تحويله إلى أرنب. وأحس الشاب بعد إصرار الشيخ أن الأمر جد أو فيه شيء من الجد. وخاف أن يقال عنه: ركب ماشياً ونزل ينط. فأراد تغيير مكانه. وعلت ضحكات الركاب. فصرخ الشيخ العالم الجهبذ النحرير: سأحولكم جميعاً إلى عنزات. فصمت الجميع، فقال الشيخ : أو بطات. وصمتنا.
وأحس الشيخ صاحب الكهف والعين البلاستيكية بالنصر على الحلفاء. فقام من مكانه يرمقهم ويرمقنا جميعاً. وقلت له وأنا أقترب منه: يا عم، ونهرني قائلاً : ابق مكانك وإلا مسختك بذيل طويل. ثكلتك أختك. فجلست مفكراً في صورتي بذيل (المستقبل) : آه لو فعلها ذلك الخبيث وأفسد علي مستقبلي الواعد!!! وماذا لو كان للبشر ذيول؟ طبعاً سيتغير تصميم السروال لتكون له فتحة يخرج منها الذيل، أما في الشتاء فسيكون للذيل سترته، وحين يركب سيارة يقول أحدنا لمجاوره : اسحب ذيلك دعني أجلس، وسيسحب الآخر ذيله صامتاً تماماً، كما لوقال له اسحب يدك أو طرف ردائك، وطبعاً لن ينسى صانعو الكراسي أن الذيل موجود، وحين يتغزل أحدهم بحبيبته سيذكر عينيها الواسعتين وشعرها الظلامي وذيلها الطويل المسدول، وسترد هي عليه: وذيلك أطول يا عزيزي. وسيقول لأصدقائه: آه لو رأيتم عينيها، قوامها، ذيلها الذي يلامس الأرض ويجري خلفها كالثعبان،. وحين يهرب أحدهم من مطاردة كلب، لابد أن الكلب سينهشه من ذيله، وطبعاً فسيكون هناك طبيب أخصائي في الأذن والأنف والحنجرة والذيول. وسيكون للذيل صابون خاص به، طبعاً.. طبعاً.. فسر جمال العبد في ذيله، ومن لا ذيل له، لا جمال له.
وحين يمدح شاعر القبيلة زعيمها سيصفه بصاحب الذيل القوي. ولابأس آنذاك أن تتباهى الفتيات بتقليعات الحلاقة الذيلية: أنواع وأشكال، أشكال وأنواع.. ويقال: يا للعجب فلان ولد له صبي بدون ذيل. وسيضحكون ويدرج الصبي في قامة المعوقين في البلدة. تصوروا صبياً بدون ذيل !!! كم سيضحك منه الصبيان في الشارع، وماذا بقي له؟! الذيل هو الأهم، ومن فقد الذيل، فلا حياة له... ولئن كان الشنق من الرقبة، فالتأديب بالتعليق من الذيل. ويكون من المألوف آنذاك، أن تمر على بيت، فتجد زوجاً علق زوجته من ذيلها على الباب. أو زوجة علقت زوجها على الباب (على حسب المقدرة والمقاومة) وربما وجدتهما معلقين كليهما لعقوق الأولاد.
وللذيل فوائد في الصيف من ذبّ الذباب إلى التهوية في شكل مروحة. وستكثر إصابات الذيول من جراء إغلاق الأبواب عليها، وبين حين وآخر ستسمع صرخة تشق عنان السماء وعواء متواصلا لشيخ أغفل ذيله فأغلقت الجماعة الباب عليه، وقد تكون الإصابة خطيرة، ويستأصل الذيل ليعيش المسكين بلا ذيل. ماذا بقي له؟ ما لذة الحياة بدون ذيل يا قوم؟!! وحين يخبره الطبيب الخبر سيغمى عليه، ويتأثر كثيراً، وحينذاك ستكون هناك ذيول اصطناعية تركب بأثمان باهظة.. وسيكون من اللازم تدوين طول الذيل ومميزاته في جواز السفر.. ويكون من الأدب وحسن الخلق أن يلوح الإنسان بذيله لحضور ضيف دليلاً على الترحيب والإكرام.. وسيقول الضيف لأهله حين يعود: لقد استقبلوني جيداً ولوحوا لي بذيولهم كثيراً. على العموم، وباختصار سيأخذ العالم شكلاً آخر.
كان الشيخ ينظر إلي حين أفقت من أفكاري الذيلية نظرات صعبة، وتحسست جسمي لأتأكد من أن الأمور على أحسن ما يرام، وأن المسخ لم يلحقني.. وشكرته على حسن تفهمه للوضع، ونزلت من الحافلة، أنظر إلى بشر معوقين بلا ذيول، يسيرون في كل الأرصفة، ويعبرون الطرقات ويتناقشون وهم بلا ذيول.
(مساكين) قلتها وأنا أتذكر الذي قال ذات يوم : ينساني ذيلي يا أورشليم إن نسيتك.
و الذي قال : أن أكون ذيلا لأمريكا خير من أن أكون بلا ذيل أصلا.
تعليق