لماذا عبد الواحد شاهد على العصر ..؟؟
لأن عبد الواحد ببساطه يمتلك الفكر الخلاق الأصيل وكل تعابير الثقافة الشعبية التي تبدأ من الناس وتنتهي إليهم .
ولأن القصيدةُ عند ه لاتغلق أبوابها ، فهي أفقُُ مفتوحُُ وبحثُُ مستمرُُ عن ماهية الحياة في الإنسان والإنسان في الحياة .
ولأننا في أناشيد عبد الواحد نسمع صراخ الحجل وأنين الحمام وبكاء اليمام وتغريد عصافير الفجر .
ولأنه الشاعر الاستثنائي الذي يضع يدهُ على جرحنا النازف فيصفه ويصوره ويصوغه قصيدة نتغنى بها ونحن نرقص رقصة " الموت "
ألم يقل يوسف خال ( في هذا الزمن لم يتبق لنا سوى القصيدة )
ولأن عبد الواحد يحاول عبر القصيده تغيير المجتمع بقوة الكلمة والدعوة إلى مجتمع خال من الشرور، والأوبئة، والأمراض، والتخلف، والقمع، والاضطهاد، مجتمع مليء بالزهور، والفراشات، والحب وهو في هذا المنحى، يحاول تجسيد ما قاله الفيلسوف الألماني هايدجر: [ البديل الخلاق للعالم الحقيقي المشوش، هو مملكة الشعر والروح ]
ولأنه لا يمل من الغناء، والإصغاء إلى أصوات المهمشين، والعاطلين، والمنسيين... يواسيهم بكلمات من رذاذ المطر، وكلمات من ظلال الغيوم ، ويصنع لهم تيجانا قوامها القصيدة،
ولأن حولياته وقصائده التالية قد حوت كلما أسلفت فإنني سأحاول من خلالها أن أقدمه شاهد على العصر :
.السيرة الذاتية
استطاع عبد الواحد أن يؤسس عالمه الشعري القائم على عذوبة اللغة وشفافية الصورة الشعرية وعمقها وأن يقف في مقدمة الصفوف مع عمالقة الشعر الجنوبي عبر تاريخه الطويل .
وحين نقرأ سيرته الذاتية فإنها تقول :
( درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس بالخز مر وتخرج منها عام 1408 ،ثم أتم تعليمه الجامعي في كلية المعلمين بالطائف تخصص رياضيات عام1412 ، وحصل على الماجستير إدارة وتخطيط من جامعة أم القرى عام 1424 )
عبد الواحد بن سعود بن سعيد الخز مري الزهراني المولود عام 1390 في قرية الدركة إحدى قرى بالخز مر، عاش وتربى في أحضان الشعر فأبوه سعود شاعر مازال يقرض الشعر إلى وقتنا الحاضر وكانت قصائده تنضح سمع شاعرنا كل لحظة وتشكل وجبة رئيسية يومية في حياته نشأ وتربى وترعرع على إيقاعها ، وألحانها بل وحتى صداها الذي كان يحتل كل ذرة في المنزل ، وقد كان لاهتمام الوالد بشاعرية الابن منذ وقت مبكر أكبر الأثر في نمو موهبته الشعرية ، فقد تعهدها بالرعاية والعناية والصقل وحسن التوجيه ، وكان شاعرنا ينصت باهتمام غير عادي إلى كل شريط عرضة يحضره الوالد ، فيسمع طرف القصيدة الأول ويغلق المسجل ليرد عليها ثم يفتح المسجل ليسمع الرد ويقارنه مع رده فيما يشبه التعلم الذاتي .
ولما التحق بمدرسة بالخز مر الابتدائية عام 1396هجرية أنضم وهو طالب في الصف الثالث إلى جماعة الإذاعة المدرسية التي كان يشرف عليها مدرس اللغة العربية ومشرف المسرح المدرسي الأستاذ المصري ( عبد الحميد احمد متعب) ، والذي يعتبر المكتشف الأول لشاعرية عبدالواحد ، والذي أسهم بشكل كبير في صقل وتنمية موهبته الشعرية ، وكانت بداية ذلك أنه أعجب بقصيدة كتبها عبد الواحد بالفصحى ، وقدمها في إذاعة المدرسة ، وكانت هي المؤشر الأول لملكة عبد الواحد الشعرية التي اكتشفها فيه أستاذه ، وكلفه على إثرها بكتابة قصيدة جديدة كل أسبوع ومن ثم إلقاءها في الإذاعة المدرسية كل يوم أحد ، ومما زاد من تألقه وتعلقه بالشعر منافسة زميله الطالب صالح الدقلة الذي أوقد شعلة الحماس والمنافسة في نفس عبد الواحد في مجتمع المدرسة .
خمس قرى في زهران وثلاث في غامد تزفه إلى ساحات العرضة
مولغ ، الفصيلة ، السر فه ،عويرة، القهاد ، الزرقاء ، الظفير ، الغانم
لم يكن ينتظر ذلك الصغير من أحد أن يشفق أو يجود عليه في ساحات القوافي ، فقد اقتحمها عنوة رغم صغر سنه ، متسلحاً في ذلك بموهبة شعرية فذة ، وجسم نحيل يتفجر ثقة وجرأة تتعدى عمره الصغير ، وكانت بداياته الشعرية قد شهدتها ثمان قرى هي :
1/ مولغ تحتفل بمولد صبي شاعر
عندما كان طالبا في الصف الأول في مدرسة بالخزمر المتوسطة عام 1403حضر مع طلاب المدرسة حفل زواج في قرية [ مولغ ] وكان يحي الحفل عمالقة الشعراء حينها ، محمد بن مصلح ، وبن طريخم ، والصغير، وأستأذن " طالب الأول متوسط " بن مصلح في الرد على إحدى قصائده فرفض لأنه لا يعرفه ولكنه قال له إذا كان عندك قصيدة فلا مانع وألقى شاعرنا أول قصيدة في حفل جماهيري عام وكانت بداية قوية وموفقة نالت استحسان الناس وإعجابهم وطارت بخبره إلى القرى المجاورة.
2/ قرية الفصيلة
تسامعت القرى المحيطة بمولد شاعر من قرية [ الدركة ] بعد مشاركته بن مصلح في قرية مولغ وتناقلت الركبان خبر ذلك الصبي ،وأصبح حديث مجالسها وأماكن سمرها ،وبعد أسبوعين جاءت الشاعر الناشئ أول دعوة في حياته – كشاعر - من قرية الفصيلة ، للمشاركة في حفلة زفاف يحيها الشاعر المشهور " منشار " فشارك الشاعر الناشئ واستحوذ بمشاركته على قلوب الناس وأصبح حديث بالخزمر إلا والده الذي كان يخشى على ابنه سطوة الشعراء ورهبة المواقف في الحفلات .
والده يختبره ثم يجيزه
كانت مشاركة الشاعر الناشئ عبدالواحد في حفلة قرية الفصيلة ،أثناء غياب والده في المنطقة الشرقية لإحياء إحدى الحفلات ولما عاد وجد خبر مشاركة أحد أبناءه إلى جوار الشاعر منشار قد شاع وانتشر فأفزعه الأمر ووقع عليه وقع الصاعقة لما يعرفه الوالد الشاعر من صعوبة بدايات التجربة الشعرية وقسوتها ومراراتها وكثرة ما سببته للشعراء المبتدئين من إخفاقات أبعدت أكثرهم عن ساحة الشعر نهائياً .
وهاله الأمر ولم يقبل به لصغر سن ابنه وخوفه الكبير عليه من الفشل وظنه أنه لم يصل بعد إلى درجة النضج الكافية لمقارعة فحول الشعراء والوقوف إلى جوارهم كتفا بكتف وقصيدة بقصيدة فرفض رفض قاطعا السماح له بتجربة أخرى وأغلظ في ذلك وشدد .
وظل ذلك الأمر يشغل باله وتفكيره وهو يقلبه على كافة الوجوه وامتداح الناس لشاعرية ابنه المبكرة يطرق سمعه أنى ذهب مما جعله يعيد النظر في قراره السابق بعدم السماح له بارتياد ساحات العرضة .
وذات مساء وكل أولاده متحلقين حوله قال موجهاً كلامه شعراً لابنه عبد الواحد
فيما مضى يعمرون الناس من كل شيباح
واليوم جونا الخواجات وزودوا فالعمارا
حتى الحجر قام يتغبن يقل فات عَـمْري
والله لقفا زمان الفايده والغنى مات
ورميت الغيب لو أغيرها ما تغيري
قال القصيدة وأعقبها قائلا:
إذا كنت شاعرا فرد على هذه القصيدة ....
لم يضيع صغيرنا الفرصة ولم يدعها تفلت من يديه ، انتحى جانبا،
وبعد لحظات جاء بالرد التالي
ياصاحب العقل لا تحزن على كل شي باح
هلل وكبر وتغنم مابقي مالعمارا
ماعاد تنفعني الأموال لافات عمري
واللي بلاه الفقر يفنى وحتى الغني مات
وأهل الردى كفنوني والذي مات غيري
فرح الوالد فرحا شديدا بهذا الرد الذي فاضت به قريحة الابن ، بل كاد يطير من الفرح وكاد من فرحه أن يعانق النجوم وأن يسبح في الفضاء مع الغيوم وذلك لأنه تأكد وبما لايدع مجالاً للشك من شاعرية ابنه فأطلق له العنان وأجازه بعد أن نجح في الامتحان وسمح له بعدها بارتياد ميادين القريض .
3/ قرية السرفه
إلى إحدى قرى تهامه اصطحبه والده ليجدا أمامهما أحمد بن زربان " حوقان " ، الشاعر الأشهر ، وفي غور تهامة ، وفي قرية السرفة جاء الامتحان الأصعب ، وعبر مجالسيه في الليلة السابقه للزواج وضع شاعرنا – في موقف لا يحسد عليه – أمام والده وابن حوقان وكان عليه أن يثبت ذاته ويؤكد جدارته واستحقاقه وأعطي الدور لشاعرنا في البدع والرد ونجح بامتياز فاصطحبه ابن حوقان إلى جواره في حفل الزفاف يبدع ويرد وهو يلمح في كل ذلك علامات الإعجاب والرضا من الشاعر الكبير والذي كان يكرر باستمرار كلمة (( عشـــت )) عند نهاية كل بيت يقرضه الشاعر الوليد
4/ قرية عويرة
ومن قرية عويره تصله الدعوة الثانية وبتوصية من أحمد بن زربان الذي أشار على مستضيفيه بأنه يرغب أن يكون مصاحبه في هذه الحفلة شاعر ناشئ صغير خزمري يدعى عبد الواحد سعود من قرية الدركة وهي [ الإجازة ] الثانية في حياته بعد إجازة والده ولم يكذب شاعرنا الخبر وكان كما أراد أبن حوقان وكما تمنى والده من قبل ، فأوقد مشاعل السمر في قرية عويرة التي رددت خلفه بابتهاج كل قصائده ومغانيه وهي تتكئ على القمر ، وتنام على الغيوم .
5/ قرية القهاد
وفي قرية القهاد تقابل للمرة الثانية مع ابن مصلح ومن موقع الند وموقع المحترف وبصحبة والده تقاسم معهما المهمة وقدم الشاعر الناشئ في تلك الليلة وعلى مرأى منهما ألوان من عذب الكلام وروائع القوافي مما اجبر بن مصلح في نهاية الحفل أن يطلب من والده الموافقة على أن يصاحبه في كل حفلاته خلال ذلك الصيف .
6 / قرية الظفير
في هذه القرية خرج عبد الواحد من حدود قريته وقبيلته بالخزمر إلى أفق أرحب وعالم أوسع وبمصاحبة سيد العرض يومها بلا منازع ومعتلي قمة مجدها "محمد بن مصلح " الذي اختار هذا الصبي الصغير الناشئ ليقف إلى جواره يحدا ويغني ، يبدع ويرد ويتمايل طربا بألحان عذاب وقصائد جزلة معبرة رددت جبالها البريدة وشهبه وسالت عذبة سلسة كمياه وادي قوب تلوي الأعناق وتنتزع كلمات الإشادة والتقدير و الإعجاب وهكذا أصبح هذا الناشئ مطلب لكل صاحب حفلة يبتغي الشهرة والأمجاد .
7 / قرية الزرقاء
وفي هذه القرية الصغيرة الوادعة الرابضة على ضفاف قوب كان عبد الواحد على موعد مع ذلك الشاعر العملاق القادم من أعماق الصحراء صاحب الأسلوب المختلف والشخصية المتفردة والقصائد الطوال والكلام البدوي الغريب واللفظ الصحراوي الوحشي .
التقى الشاعر الصاعد عبد الواحد " إبن القرية " مـــع " محمد الغويد البدوي إبن العقيق " فكان عند حسن الظن ولم يتعثر ولم يعجز في مسايرة الغويد المدرسة المختلفة في كل شئ بل أبدع فتمسك به وترافقا فترة طويلة حتى فاقا الجميع وشكلا ثنائياً لا يشبهه أي ثنائي أخر وسارت بأخبارهما الركبان وبهذا اللقاء أعطى الغويد [ الإجـــازة ] الثالثة لعبد الواحد بعد إجازتي والده وحوقان
8 / قرية الغانم
لم يكن عبد الواحد في حفلة الغانم بحاجة إلى تزكية جديده بعد والده وحوقان والغويد إلا أن الأقدار قدمته ليجد نفسه وقد وقف إلى جوار قامة شعرية مهيبة هو الشاعر [عيضه بن طوير المالكي] في قرية تقع على حدود القمر بين غامد وزهران ، قرية تقع في مشرق الشمس حيث تسبق الجميع في الاستمتاع بنسائم الفجر وجمال الإشراق وإطلالة الشمس وهناك تشرق موهبة عبدالواحد كإشراقه الشمس بنورها الوهاج ويزيد من تألقه أنه في حضرة ( دكتور القصائد ) الذي لايعرف إلا الإبداع والمبدعين
وكما أبدع في غور تهامة وفي قمة عويرة أبدع هنا في مشرق الشمس وأبدع في كل مكان يتردد فيه صوت الزير الذي خاطبه ذات مساء قائلاً :
يازير يا مشغل الجمهور والعارضين
ألفين رجّـال ندرج بيد نقاع زير
الله وش ذا اللغة بينك وبين القلوب
الناس تحسبك سحر جيت من بابلي
الله يسامحك مدري وش مسوي لنا
لأن عبد الواحد ببساطه يمتلك الفكر الخلاق الأصيل وكل تعابير الثقافة الشعبية التي تبدأ من الناس وتنتهي إليهم .
ولأن القصيدةُ عند ه لاتغلق أبوابها ، فهي أفقُُ مفتوحُُ وبحثُُ مستمرُُ عن ماهية الحياة في الإنسان والإنسان في الحياة .
ولأننا في أناشيد عبد الواحد نسمع صراخ الحجل وأنين الحمام وبكاء اليمام وتغريد عصافير الفجر .
ولأنه الشاعر الاستثنائي الذي يضع يدهُ على جرحنا النازف فيصفه ويصوره ويصوغه قصيدة نتغنى بها ونحن نرقص رقصة " الموت "
ألم يقل يوسف خال ( في هذا الزمن لم يتبق لنا سوى القصيدة )
ولأن عبد الواحد يحاول عبر القصيده تغيير المجتمع بقوة الكلمة والدعوة إلى مجتمع خال من الشرور، والأوبئة، والأمراض، والتخلف، والقمع، والاضطهاد، مجتمع مليء بالزهور، والفراشات، والحب وهو في هذا المنحى، يحاول تجسيد ما قاله الفيلسوف الألماني هايدجر: [ البديل الخلاق للعالم الحقيقي المشوش، هو مملكة الشعر والروح ]
ولأنه لا يمل من الغناء، والإصغاء إلى أصوات المهمشين، والعاطلين، والمنسيين... يواسيهم بكلمات من رذاذ المطر، وكلمات من ظلال الغيوم ، ويصنع لهم تيجانا قوامها القصيدة،
ولأن حولياته وقصائده التالية قد حوت كلما أسلفت فإنني سأحاول من خلالها أن أقدمه شاهد على العصر :
.السيرة الذاتية
استطاع عبد الواحد أن يؤسس عالمه الشعري القائم على عذوبة اللغة وشفافية الصورة الشعرية وعمقها وأن يقف في مقدمة الصفوف مع عمالقة الشعر الجنوبي عبر تاريخه الطويل .
وحين نقرأ سيرته الذاتية فإنها تقول :
( درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس بالخز مر وتخرج منها عام 1408 ،ثم أتم تعليمه الجامعي في كلية المعلمين بالطائف تخصص رياضيات عام1412 ، وحصل على الماجستير إدارة وتخطيط من جامعة أم القرى عام 1424 )
عبد الواحد بن سعود بن سعيد الخز مري الزهراني المولود عام 1390 في قرية الدركة إحدى قرى بالخز مر، عاش وتربى في أحضان الشعر فأبوه سعود شاعر مازال يقرض الشعر إلى وقتنا الحاضر وكانت قصائده تنضح سمع شاعرنا كل لحظة وتشكل وجبة رئيسية يومية في حياته نشأ وتربى وترعرع على إيقاعها ، وألحانها بل وحتى صداها الذي كان يحتل كل ذرة في المنزل ، وقد كان لاهتمام الوالد بشاعرية الابن منذ وقت مبكر أكبر الأثر في نمو موهبته الشعرية ، فقد تعهدها بالرعاية والعناية والصقل وحسن التوجيه ، وكان شاعرنا ينصت باهتمام غير عادي إلى كل شريط عرضة يحضره الوالد ، فيسمع طرف القصيدة الأول ويغلق المسجل ليرد عليها ثم يفتح المسجل ليسمع الرد ويقارنه مع رده فيما يشبه التعلم الذاتي .
ولما التحق بمدرسة بالخز مر الابتدائية عام 1396هجرية أنضم وهو طالب في الصف الثالث إلى جماعة الإذاعة المدرسية التي كان يشرف عليها مدرس اللغة العربية ومشرف المسرح المدرسي الأستاذ المصري ( عبد الحميد احمد متعب) ، والذي يعتبر المكتشف الأول لشاعرية عبدالواحد ، والذي أسهم بشكل كبير في صقل وتنمية موهبته الشعرية ، وكانت بداية ذلك أنه أعجب بقصيدة كتبها عبد الواحد بالفصحى ، وقدمها في إذاعة المدرسة ، وكانت هي المؤشر الأول لملكة عبد الواحد الشعرية التي اكتشفها فيه أستاذه ، وكلفه على إثرها بكتابة قصيدة جديدة كل أسبوع ومن ثم إلقاءها في الإذاعة المدرسية كل يوم أحد ، ومما زاد من تألقه وتعلقه بالشعر منافسة زميله الطالب صالح الدقلة الذي أوقد شعلة الحماس والمنافسة في نفس عبد الواحد في مجتمع المدرسة .
خمس قرى في زهران وثلاث في غامد تزفه إلى ساحات العرضة
مولغ ، الفصيلة ، السر فه ،عويرة، القهاد ، الزرقاء ، الظفير ، الغانم
لم يكن ينتظر ذلك الصغير من أحد أن يشفق أو يجود عليه في ساحات القوافي ، فقد اقتحمها عنوة رغم صغر سنه ، متسلحاً في ذلك بموهبة شعرية فذة ، وجسم نحيل يتفجر ثقة وجرأة تتعدى عمره الصغير ، وكانت بداياته الشعرية قد شهدتها ثمان قرى هي :
1/ مولغ تحتفل بمولد صبي شاعر
عندما كان طالبا في الصف الأول في مدرسة بالخزمر المتوسطة عام 1403حضر مع طلاب المدرسة حفل زواج في قرية [ مولغ ] وكان يحي الحفل عمالقة الشعراء حينها ، محمد بن مصلح ، وبن طريخم ، والصغير، وأستأذن " طالب الأول متوسط " بن مصلح في الرد على إحدى قصائده فرفض لأنه لا يعرفه ولكنه قال له إذا كان عندك قصيدة فلا مانع وألقى شاعرنا أول قصيدة في حفل جماهيري عام وكانت بداية قوية وموفقة نالت استحسان الناس وإعجابهم وطارت بخبره إلى القرى المجاورة.
2/ قرية الفصيلة
تسامعت القرى المحيطة بمولد شاعر من قرية [ الدركة ] بعد مشاركته بن مصلح في قرية مولغ وتناقلت الركبان خبر ذلك الصبي ،وأصبح حديث مجالسها وأماكن سمرها ،وبعد أسبوعين جاءت الشاعر الناشئ أول دعوة في حياته – كشاعر - من قرية الفصيلة ، للمشاركة في حفلة زفاف يحيها الشاعر المشهور " منشار " فشارك الشاعر الناشئ واستحوذ بمشاركته على قلوب الناس وأصبح حديث بالخزمر إلا والده الذي كان يخشى على ابنه سطوة الشعراء ورهبة المواقف في الحفلات .
والده يختبره ثم يجيزه
كانت مشاركة الشاعر الناشئ عبدالواحد في حفلة قرية الفصيلة ،أثناء غياب والده في المنطقة الشرقية لإحياء إحدى الحفلات ولما عاد وجد خبر مشاركة أحد أبناءه إلى جوار الشاعر منشار قد شاع وانتشر فأفزعه الأمر ووقع عليه وقع الصاعقة لما يعرفه الوالد الشاعر من صعوبة بدايات التجربة الشعرية وقسوتها ومراراتها وكثرة ما سببته للشعراء المبتدئين من إخفاقات أبعدت أكثرهم عن ساحة الشعر نهائياً .
وهاله الأمر ولم يقبل به لصغر سن ابنه وخوفه الكبير عليه من الفشل وظنه أنه لم يصل بعد إلى درجة النضج الكافية لمقارعة فحول الشعراء والوقوف إلى جوارهم كتفا بكتف وقصيدة بقصيدة فرفض رفض قاطعا السماح له بتجربة أخرى وأغلظ في ذلك وشدد .
وظل ذلك الأمر يشغل باله وتفكيره وهو يقلبه على كافة الوجوه وامتداح الناس لشاعرية ابنه المبكرة يطرق سمعه أنى ذهب مما جعله يعيد النظر في قراره السابق بعدم السماح له بارتياد ساحات العرضة .
وذات مساء وكل أولاده متحلقين حوله قال موجهاً كلامه شعراً لابنه عبد الواحد
فيما مضى يعمرون الناس من كل شيباح
واليوم جونا الخواجات وزودوا فالعمارا
حتى الحجر قام يتغبن يقل فات عَـمْري
والله لقفا زمان الفايده والغنى مات
ورميت الغيب لو أغيرها ما تغيري
قال القصيدة وأعقبها قائلا:
إذا كنت شاعرا فرد على هذه القصيدة ....
لم يضيع صغيرنا الفرصة ولم يدعها تفلت من يديه ، انتحى جانبا،
وبعد لحظات جاء بالرد التالي
ياصاحب العقل لا تحزن على كل شي باح
هلل وكبر وتغنم مابقي مالعمارا
ماعاد تنفعني الأموال لافات عمري
واللي بلاه الفقر يفنى وحتى الغني مات
وأهل الردى كفنوني والذي مات غيري
فرح الوالد فرحا شديدا بهذا الرد الذي فاضت به قريحة الابن ، بل كاد يطير من الفرح وكاد من فرحه أن يعانق النجوم وأن يسبح في الفضاء مع الغيوم وذلك لأنه تأكد وبما لايدع مجالاً للشك من شاعرية ابنه فأطلق له العنان وأجازه بعد أن نجح في الامتحان وسمح له بعدها بارتياد ميادين القريض .
3/ قرية السرفه
إلى إحدى قرى تهامه اصطحبه والده ليجدا أمامهما أحمد بن زربان " حوقان " ، الشاعر الأشهر ، وفي غور تهامة ، وفي قرية السرفة جاء الامتحان الأصعب ، وعبر مجالسيه في الليلة السابقه للزواج وضع شاعرنا – في موقف لا يحسد عليه – أمام والده وابن حوقان وكان عليه أن يثبت ذاته ويؤكد جدارته واستحقاقه وأعطي الدور لشاعرنا في البدع والرد ونجح بامتياز فاصطحبه ابن حوقان إلى جواره في حفل الزفاف يبدع ويرد وهو يلمح في كل ذلك علامات الإعجاب والرضا من الشاعر الكبير والذي كان يكرر باستمرار كلمة (( عشـــت )) عند نهاية كل بيت يقرضه الشاعر الوليد
4/ قرية عويرة
ومن قرية عويره تصله الدعوة الثانية وبتوصية من أحمد بن زربان الذي أشار على مستضيفيه بأنه يرغب أن يكون مصاحبه في هذه الحفلة شاعر ناشئ صغير خزمري يدعى عبد الواحد سعود من قرية الدركة وهي [ الإجازة ] الثانية في حياته بعد إجازة والده ولم يكذب شاعرنا الخبر وكان كما أراد أبن حوقان وكما تمنى والده من قبل ، فأوقد مشاعل السمر في قرية عويرة التي رددت خلفه بابتهاج كل قصائده ومغانيه وهي تتكئ على القمر ، وتنام على الغيوم .
5/ قرية القهاد
وفي قرية القهاد تقابل للمرة الثانية مع ابن مصلح ومن موقع الند وموقع المحترف وبصحبة والده تقاسم معهما المهمة وقدم الشاعر الناشئ في تلك الليلة وعلى مرأى منهما ألوان من عذب الكلام وروائع القوافي مما اجبر بن مصلح في نهاية الحفل أن يطلب من والده الموافقة على أن يصاحبه في كل حفلاته خلال ذلك الصيف .
6 / قرية الظفير
في هذه القرية خرج عبد الواحد من حدود قريته وقبيلته بالخزمر إلى أفق أرحب وعالم أوسع وبمصاحبة سيد العرض يومها بلا منازع ومعتلي قمة مجدها "محمد بن مصلح " الذي اختار هذا الصبي الصغير الناشئ ليقف إلى جواره يحدا ويغني ، يبدع ويرد ويتمايل طربا بألحان عذاب وقصائد جزلة معبرة رددت جبالها البريدة وشهبه وسالت عذبة سلسة كمياه وادي قوب تلوي الأعناق وتنتزع كلمات الإشادة والتقدير و الإعجاب وهكذا أصبح هذا الناشئ مطلب لكل صاحب حفلة يبتغي الشهرة والأمجاد .
7 / قرية الزرقاء
وفي هذه القرية الصغيرة الوادعة الرابضة على ضفاف قوب كان عبد الواحد على موعد مع ذلك الشاعر العملاق القادم من أعماق الصحراء صاحب الأسلوب المختلف والشخصية المتفردة والقصائد الطوال والكلام البدوي الغريب واللفظ الصحراوي الوحشي .
التقى الشاعر الصاعد عبد الواحد " إبن القرية " مـــع " محمد الغويد البدوي إبن العقيق " فكان عند حسن الظن ولم يتعثر ولم يعجز في مسايرة الغويد المدرسة المختلفة في كل شئ بل أبدع فتمسك به وترافقا فترة طويلة حتى فاقا الجميع وشكلا ثنائياً لا يشبهه أي ثنائي أخر وسارت بأخبارهما الركبان وبهذا اللقاء أعطى الغويد [ الإجـــازة ] الثالثة لعبد الواحد بعد إجازتي والده وحوقان
8 / قرية الغانم
لم يكن عبد الواحد في حفلة الغانم بحاجة إلى تزكية جديده بعد والده وحوقان والغويد إلا أن الأقدار قدمته ليجد نفسه وقد وقف إلى جوار قامة شعرية مهيبة هو الشاعر [عيضه بن طوير المالكي] في قرية تقع على حدود القمر بين غامد وزهران ، قرية تقع في مشرق الشمس حيث تسبق الجميع في الاستمتاع بنسائم الفجر وجمال الإشراق وإطلالة الشمس وهناك تشرق موهبة عبدالواحد كإشراقه الشمس بنورها الوهاج ويزيد من تألقه أنه في حضرة ( دكتور القصائد ) الذي لايعرف إلا الإبداع والمبدعين
وكما أبدع في غور تهامة وفي قمة عويرة أبدع هنا في مشرق الشمس وأبدع في كل مكان يتردد فيه صوت الزير الذي خاطبه ذات مساء قائلاً :
يازير يا مشغل الجمهور والعارضين
ألفين رجّـال ندرج بيد نقاع زير
الله وش ذا اللغة بينك وبين القلوب
الناس تحسبك سحر جيت من بابلي
الله يسامحك مدري وش مسوي لنا
تعليق