عند مروري بهذا الموضوع اثناء بحثي عن سيرة الفراهيدي اعجبني وراءت نقله لعل فيه فائدة
اسهام الفراهيدي في الخط العربي
رحلة الخط العربي.. من الكتابة النبطية إلى المدرسة الدمشقية
دمشق ـ أحمد ابوالحسن
عرفت الحضارة العربية الوانا متعددة من الفنون منذ فجر الاسلام تنوعت في ابداع جمالي وصيغت بمفاهيم ميزتها عن باقي الامم وقد تفاعلت مع فنون اهل البلاد الاخرى التي دخلها الاسلام وانتشر فيها وذلك في فن العمارة والموسيقى وغيرهما.
وينفرد الخط العربي بشكل متميز عن سائر الفنون الاخرى فهو فن اصيل يمتلك امكانيات جمالية لا يمتلكها اي حرف في اية لغة في العالم وقد جاء هذا التطور عبر زمن طويل ساهمت فيه عبقريات فنية ساعدت على اثراء هذا التراث.
والخط العربي معلم بارز من معالم الابداع الفني عند العرب استخدمته شعوب عديدة من اهل المشرق والمغرب والترك والفرس والهنود واهل الملايو والافارقة والمسلمين في البلقان واوروبا.
وقد تبوأ الخط العربي هذه المنزلة الرفيعة المتميزة في التراث الحضاري لانه الى جانب تعبيره الفني ينقل لنا الكلمة المقدسة ذات المعنى فتتحد الثقافة بالفن فيصبح من اعظم وسائل المعرفة للانسان.
ويرى الخطاط احمد المفتي ان فن الخط العربي مر بتطورات عبر الزمن فقد قام علماء ثقات بإجراء دراسات فثبت عندهم بالتمحيص العلمي ان الخط العربي قد تطور عن الكتابة النبطية وان عرب الجزيرة اخذوا كتابتهم عن ابناء عمومتهم الانباط الذين هاجروا الى جنوب البحر الميت وشرقه في القرن الخامس قبل الميلاد وقد احتك ابناء مكة القرشيون بأبناء عمومتهم الانباط الذين ورثوا خطهم من الاراميين اذ كانت دمشق موطن الحرف يتعلمه الكبار والصغار في معبد «حدد» الارامي حيث طوروا الخط الارامي وكتبوا به وحين حمل التجار القرشيون بضاعتهم من خلال رحلة الشتاء والصيف الى الجزيرة العربية كان الخط الارامي النبطي احد اهم العناصر التي حملها التجار فكتبوا بهذا الخط بعد ان هذبوه وطوروه.. حتى جاء الاسلام الذي عني بالخط عناية فائقة وذلك من خلال القرآن الكريم فارتقى في مسالك الفن حتى بلغ حد الاعجاز على يد المسلمين وغدت له اشكال وانواع وقواعد ورسوم وهيئات يعجز عنها الوصف.
ويؤكد الخطاط المفتي ان الخط العربي في اول الامر اتخذ اسم المدينة والمكان فكان الخط النبطي نسبة للانباط والخط الحيري والانباري نسبة للحيرة والانبار والخط المكي ثم الخط المدني بعد الهجرة ولما انتقل الثقل السياسي الى العراق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه انتقل الخط المدني الى الكوفة وعرف بالخط الحجازي الى ان جوَّد الكتاب في الكوفة اقلامهم وهندسوا اشكال الحرف.. وقد تميز عن خط الحجاز واطلق عليه اسم الخط الكوفي وقد ذاع صيته في الاقطار والامصار في حين اتخذ الخط في العهد الاسلامي شكلين الاول يابس والثاني لين فاليابس هو الذي تطور عنه الخط الكوفي واللين هو الذي تطور عنه خط النسخ كذلك فاليابس هو للكتابة الجليلة العظيمة والذي كتبت به المصاحف الاولى واللين للتدوين اليومي وكتابة الرسائل وغير ذلك من شئون الحياة اليومية.
ويرى الباحث والخطاط السوري المعروف احمد المفتي انه اذا كانت الكوفة قد طورت الخط المدني واخضعته لقواعد الصنعة فان دمشق قد دفعت به مراحل نحو التقدم والتحسين ونتج عن ذلك طريقة خاصة اطلق عليها الخط الشامي الذي ذكره ابوحيان من طرائق الخط الكوفي وكان من الطبيعي ان يظهر الخط الشامي في دمشق ايام الامويين عاصمة الملك بالاضافة الى ذلك ظهرت طرق جديدة من الخط الكوفي في الاقاليم المفتوحة فمنذ افتتاح مصر سنة 022 هـ انتقل اليها الخط المدني ثم الخط الشامي مع الفاتحين وانشأ عقبة بن نافع سنة خمسين للهجرة مدينة القيروان فما لبث ان ظهر فيها الخط القيرواني الذي ذكره ابوحيان في رسالته وابن خلدون في مقدمته.
فانتقال الخط الى شمال افريقيا كان عن طريق المدينة اولا والشام ثانيا ومنذ تأسيس القيروان سنة «50 هـ» وحتى سقوط الدول الاموية سنة «132هـ» هـ كان الخط القيرواني قد انطلق وثبت وتطور ولم يدخل في ذلك الخط الاندلسي لانه ظهر بعد فترة طويلة من سقوط الدولة الاموية وبعد مبايعة عبدالرحمن الداخل في قرطبة سنة «139 هـ».
وعن تطور شكل الخط العربي وهيأته يؤكد الخطاط المفتي على ان التطور الاول للخط العربي كان على يد ابي الاسود الدؤلي بارشاد من الخليفة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فقد كان ابوالاسود اعلم عصره بكلام العرب وهو واضع علم النحو على الصحيح وقد سمع قارئا يتلوا القرآن الكريم «ان الله بريء من المشركين ورسوله» فقرأ بجر اللام من كلمة رسوله، فأفزع هذا اللحن أبا الأسود وقال: «عز وجه الله أن يبرأ من رسوله» وجلس بين يدي امير المؤمنين علي كرم الله وجهه مستمعا الى توجيهه وارشاداته ومن ثم ليقرأ المصحف على كاتب لقنه فصيح اللغة يأمره بوضع نقطة حمراء فوق الحرف دلالة على الفتحة ونقطة تحته دلالة على الكسرة ونقطة بين يدي الحرف دلالة على الضمة ونقطتين دلالة على التنوين.
وقد كان هذا هو التطور الاول للخط لوضوح اصول النحو وكان هذا النقط هو اعراب الكلمة بالفتحة والكسرة والضمة لا نقط الباء والفاء والثاء.. كما يتوهم بعض العامة.
وتأتي اهمية العمل الذي قام به ابوالأسود الدؤلي من انه شكل بدقة كلمات المصحف من اوله لآخره بالمنهج الذي وضعه وهذا حدث هام في تاريخ الخط والقرآن والنحو والكتابة.
ثم كان التطور الثاني وهو نقط الحروف المعجمة زمن الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان على يد مضر بن عاصم الليثي المتوفي سنة 89 هـ ويحيى بن يعمر المتوفي سنة «126» هـ وذلك لما كثر اللحن وعظم التصحيف.
اما التطور الثالث والمعجز للخط العربي فكان على يد العالم العبقري الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفي سنة «175» هـ وكانت الخدمة الجلية التي قدمها هي ابتداعه التشكيل المعروف في هذه الايام وبذلك تخلصت الحروف من الالوان وغدا الخط العربي في جمال والق.
ويقول الخطاط المفتي: ما ان جاءت الدولة الفاطمية حتى نافست العباسيين في العراق بجودة الخط وقد تقدم الخط العربي تقدما عظيما واصبحت له مدارس عامرة واساتذة يعلمون الخط بعناية وتدبير وقد ظل الحال كذلك حتى عصر المماليك وبقيت بلاد الشام المعين الذي يرفد العالم الاسلامي بأجمل الخطوط.
فقد كان الخط يرقى ويتطور ويأخذ القيمة الجمالية في عهد السلاجقة عهد نور الدين الزنكي وخلفه صلاح الدين الايوبي.
من جهة اخرى ارتفع شأن الخط العربي على يد الخطاطين زمن الدولة العثمانية ووصل على ايديهم الى قمة المجد والجمال وقد فتحت له المدارس فكانت مدرسة تحسين الخط في الاستانة سنة 1326 هـ ومدرسة تحسين الخطوط في كل من الاسكندرية والقاهرة.. وقد اقبل على الخط الامراء والملوك وخاصة الناس وظهر على رأس المدرسة العثمانية شيخ الخطوط واستاذها الشيخ حمد الله «1429 ـ 1520 هـ» وكان يكتب بأسلوب ياقوت المستعصمي الذي طور اسلوبه وبرع في خطي النسخ والثلث وكتب القرآن الكريم بخط نسخي خالف فيه قواعد الأوائل فجاء جميلا مختزلا.. من بعده جاء الخطاط الحافظ عثمان الذي قام بعملية تشذيب وتهذيب لاسلوب الشيخ حمد الله فكان سيد النسخ بلا منازع.
هذا وقد بلغ الخطاطون في العهد العثماني حد الاعجاز في اتقان الخط فظهر منهم عمالقة واعلام امثال اسماعيل الزهدي ـ مصطفى الراقم ـ سامي افندي ـ نظيف بك ـ عمر وصفي ـ امين يازيجي ـ اسماعيل حقي ـ عبدالله الزهدي الدمشقي ـ حامد الامدي ـ حليم اوزيازجي وغيرهم الكثير.
وقد ظهر في العهد العثماني انماط جديدة لم تكن معروفة من قبل مثل الخط الرقعي والخط الديواني والخط الديواني الجلي وخط السياقت وخط الظفراء وخط قرمة تعليق والخط السنبلي وقد اتخذت هذه الخطوط سبيلها في الحياة العملية واصبح الخط الذي نكتب به اليوم هو خط الرقعة وغدا خط النسخ الدمشقي خط الكتب والمطبوعات وغيرها.
في مطلع القرن الماضي ظهرت المدرسة الدمشقية في الخط العربي على ايدي مجموعة من الرواد الاوائل نذكر منهم: مصطفى السباعي ـ ممدوح الشريف ـ بدوي الديراني ـ سليم الحنفي ـ صبحي البيلاني ـ حسين صديق البغجاتي ـ محمد علي الحكيم ـ موسى الحلبي ـ الشيخ محمد الزرزور ـ حلمي حباب ـ رشدي الزيات ـ ابوخليل الزيناتي والذين شكلوا رابطة نهضة الخط العربي الولي وقد زارهم من لبنان محمد اديب نشابة وهادي زين الدين من حمص.. وقد وضع هؤلاء الرواد قواعدا للمدرسة الشامية في الخط فكان خط التعليق يتسم بالفتنة الدمشقية بعد ان تجمل على يد الاستاذ بدوي الديراني واختلف عن المدرسة الفارسية وقد اكتسبت الحروف على يديه الرشاقة المتميزة والتي لم يصل الى مستواها الجمالي خطاطو الفرس والترك.
كما اتخذت حروف الثلث والكوفي على يد ممدوح الشريف رصانة وكمالا لم تعرفه مدارس الخط الاخرى في الوقت الذي اتخذ الخطاط الدمشقي الذي استقر في القاهرة حسني البابا ـ والد المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة والممثلة سعاد حسني ـ تراكيب بخط الثلث اعجزت اساطين الخط في اسطنبول.
واذا كانت دمشق عاصمة الخط آنذاك فإن حلب فيها من جيل الرواد نذكر منهم: ابراهيم الرفاعي ـ المولوي ـ الصابوني ـ الدكتور بشير الادلبي وفي حماه عبدالرحمن الفاخوري وفي اللاذقية جواد الخطاط وفي حمص هادي زين الدين.
وجاء الجيل الثاني من رواد الخط العربي في سوريا نذكر منهم: الملحن الموسيقي زهير فيني ـ نجاة العلبي ـ زهير زرزور ـ عبده الصلاحي ـ عبدالرزاق قصباتي ـ وليد رجب ـ فوزي التوأم ـ امين دياب ـ حسن الحمصي ـ حسن سمسمية ـ عبده لطف.. تبعه جيل اخر نذكر منهم:
محمود الهواري ـ محمد القاضي ـ عثمان طه ـ احمد المفتي ـ احمد الباري ـ جمال بوستان ـ غياث كيلاني ـ علي حبيب ثم اعقبهم جيل اخر يتمثل في كل من الاساتذة الخطاطين: شكري خارشو ـ عدنان سنقنقي ـ ويد محي الدين ـ محمد سالم نويلاتي عبدالعزيز حبيب ـ مصطفى النجار ـ ومن حمص خطاطها الشهير محمد عدنان الشيخ عثمان ـ محمد فاروق الحداد ـ ومن دير الزور عبيدة البنكي.
وفي الصحافة ظهرت اسماء لامعة في سوريا منذ منتصف القرن الماضي امثال: سهيل ميدع ـ ناجي عبيد ـ محمد قنوع الذي عمل جاهدا لايجاد طابع فني للخط العربي يلائم الصحافة وعناوينها فكان ان ادخل الحرف في طريق جديدة والبسه لباس الرشاقة وانتقى من حروفه ما يلائم الحداثة فكان مدرسة متميزة تعلم عليها كل من جاء من بعده.
بقي ان نشير اخيرا الى ان وزارة الثقافة السورية ادخلت فن الخط العربي الى المعرض السنوي للفن التشكيلي «معرض الخريف» منذ عام 1998 للتأكيد على اصالة وحضور الخط العربي ضمن الفنون التشكيلية العالمية الاخرى.
منقول
اسهام الفراهيدي في الخط العربي
رحلة الخط العربي.. من الكتابة النبطية إلى المدرسة الدمشقية
دمشق ـ أحمد ابوالحسن
عرفت الحضارة العربية الوانا متعددة من الفنون منذ فجر الاسلام تنوعت في ابداع جمالي وصيغت بمفاهيم ميزتها عن باقي الامم وقد تفاعلت مع فنون اهل البلاد الاخرى التي دخلها الاسلام وانتشر فيها وذلك في فن العمارة والموسيقى وغيرهما.
وينفرد الخط العربي بشكل متميز عن سائر الفنون الاخرى فهو فن اصيل يمتلك امكانيات جمالية لا يمتلكها اي حرف في اية لغة في العالم وقد جاء هذا التطور عبر زمن طويل ساهمت فيه عبقريات فنية ساعدت على اثراء هذا التراث.
والخط العربي معلم بارز من معالم الابداع الفني عند العرب استخدمته شعوب عديدة من اهل المشرق والمغرب والترك والفرس والهنود واهل الملايو والافارقة والمسلمين في البلقان واوروبا.
وقد تبوأ الخط العربي هذه المنزلة الرفيعة المتميزة في التراث الحضاري لانه الى جانب تعبيره الفني ينقل لنا الكلمة المقدسة ذات المعنى فتتحد الثقافة بالفن فيصبح من اعظم وسائل المعرفة للانسان.
ويرى الخطاط احمد المفتي ان فن الخط العربي مر بتطورات عبر الزمن فقد قام علماء ثقات بإجراء دراسات فثبت عندهم بالتمحيص العلمي ان الخط العربي قد تطور عن الكتابة النبطية وان عرب الجزيرة اخذوا كتابتهم عن ابناء عمومتهم الانباط الذين هاجروا الى جنوب البحر الميت وشرقه في القرن الخامس قبل الميلاد وقد احتك ابناء مكة القرشيون بأبناء عمومتهم الانباط الذين ورثوا خطهم من الاراميين اذ كانت دمشق موطن الحرف يتعلمه الكبار والصغار في معبد «حدد» الارامي حيث طوروا الخط الارامي وكتبوا به وحين حمل التجار القرشيون بضاعتهم من خلال رحلة الشتاء والصيف الى الجزيرة العربية كان الخط الارامي النبطي احد اهم العناصر التي حملها التجار فكتبوا بهذا الخط بعد ان هذبوه وطوروه.. حتى جاء الاسلام الذي عني بالخط عناية فائقة وذلك من خلال القرآن الكريم فارتقى في مسالك الفن حتى بلغ حد الاعجاز على يد المسلمين وغدت له اشكال وانواع وقواعد ورسوم وهيئات يعجز عنها الوصف.
ويؤكد الخطاط المفتي ان الخط العربي في اول الامر اتخذ اسم المدينة والمكان فكان الخط النبطي نسبة للانباط والخط الحيري والانباري نسبة للحيرة والانبار والخط المكي ثم الخط المدني بعد الهجرة ولما انتقل الثقل السياسي الى العراق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه انتقل الخط المدني الى الكوفة وعرف بالخط الحجازي الى ان جوَّد الكتاب في الكوفة اقلامهم وهندسوا اشكال الحرف.. وقد تميز عن خط الحجاز واطلق عليه اسم الخط الكوفي وقد ذاع صيته في الاقطار والامصار في حين اتخذ الخط في العهد الاسلامي شكلين الاول يابس والثاني لين فاليابس هو الذي تطور عنه الخط الكوفي واللين هو الذي تطور عنه خط النسخ كذلك فاليابس هو للكتابة الجليلة العظيمة والذي كتبت به المصاحف الاولى واللين للتدوين اليومي وكتابة الرسائل وغير ذلك من شئون الحياة اليومية.
ويرى الباحث والخطاط السوري المعروف احمد المفتي انه اذا كانت الكوفة قد طورت الخط المدني واخضعته لقواعد الصنعة فان دمشق قد دفعت به مراحل نحو التقدم والتحسين ونتج عن ذلك طريقة خاصة اطلق عليها الخط الشامي الذي ذكره ابوحيان من طرائق الخط الكوفي وكان من الطبيعي ان يظهر الخط الشامي في دمشق ايام الامويين عاصمة الملك بالاضافة الى ذلك ظهرت طرق جديدة من الخط الكوفي في الاقاليم المفتوحة فمنذ افتتاح مصر سنة 022 هـ انتقل اليها الخط المدني ثم الخط الشامي مع الفاتحين وانشأ عقبة بن نافع سنة خمسين للهجرة مدينة القيروان فما لبث ان ظهر فيها الخط القيرواني الذي ذكره ابوحيان في رسالته وابن خلدون في مقدمته.
فانتقال الخط الى شمال افريقيا كان عن طريق المدينة اولا والشام ثانيا ومنذ تأسيس القيروان سنة «50 هـ» وحتى سقوط الدول الاموية سنة «132هـ» هـ كان الخط القيرواني قد انطلق وثبت وتطور ولم يدخل في ذلك الخط الاندلسي لانه ظهر بعد فترة طويلة من سقوط الدولة الاموية وبعد مبايعة عبدالرحمن الداخل في قرطبة سنة «139 هـ».
وعن تطور شكل الخط العربي وهيأته يؤكد الخطاط المفتي على ان التطور الاول للخط العربي كان على يد ابي الاسود الدؤلي بارشاد من الخليفة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فقد كان ابوالاسود اعلم عصره بكلام العرب وهو واضع علم النحو على الصحيح وقد سمع قارئا يتلوا القرآن الكريم «ان الله بريء من المشركين ورسوله» فقرأ بجر اللام من كلمة رسوله، فأفزع هذا اللحن أبا الأسود وقال: «عز وجه الله أن يبرأ من رسوله» وجلس بين يدي امير المؤمنين علي كرم الله وجهه مستمعا الى توجيهه وارشاداته ومن ثم ليقرأ المصحف على كاتب لقنه فصيح اللغة يأمره بوضع نقطة حمراء فوق الحرف دلالة على الفتحة ونقطة تحته دلالة على الكسرة ونقطة بين يدي الحرف دلالة على الضمة ونقطتين دلالة على التنوين.
وقد كان هذا هو التطور الاول للخط لوضوح اصول النحو وكان هذا النقط هو اعراب الكلمة بالفتحة والكسرة والضمة لا نقط الباء والفاء والثاء.. كما يتوهم بعض العامة.
وتأتي اهمية العمل الذي قام به ابوالأسود الدؤلي من انه شكل بدقة كلمات المصحف من اوله لآخره بالمنهج الذي وضعه وهذا حدث هام في تاريخ الخط والقرآن والنحو والكتابة.
ثم كان التطور الثاني وهو نقط الحروف المعجمة زمن الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان على يد مضر بن عاصم الليثي المتوفي سنة 89 هـ ويحيى بن يعمر المتوفي سنة «126» هـ وذلك لما كثر اللحن وعظم التصحيف.
اما التطور الثالث والمعجز للخط العربي فكان على يد العالم العبقري الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفي سنة «175» هـ وكانت الخدمة الجلية التي قدمها هي ابتداعه التشكيل المعروف في هذه الايام وبذلك تخلصت الحروف من الالوان وغدا الخط العربي في جمال والق.
ويقول الخطاط المفتي: ما ان جاءت الدولة الفاطمية حتى نافست العباسيين في العراق بجودة الخط وقد تقدم الخط العربي تقدما عظيما واصبحت له مدارس عامرة واساتذة يعلمون الخط بعناية وتدبير وقد ظل الحال كذلك حتى عصر المماليك وبقيت بلاد الشام المعين الذي يرفد العالم الاسلامي بأجمل الخطوط.
فقد كان الخط يرقى ويتطور ويأخذ القيمة الجمالية في عهد السلاجقة عهد نور الدين الزنكي وخلفه صلاح الدين الايوبي.
من جهة اخرى ارتفع شأن الخط العربي على يد الخطاطين زمن الدولة العثمانية ووصل على ايديهم الى قمة المجد والجمال وقد فتحت له المدارس فكانت مدرسة تحسين الخط في الاستانة سنة 1326 هـ ومدرسة تحسين الخطوط في كل من الاسكندرية والقاهرة.. وقد اقبل على الخط الامراء والملوك وخاصة الناس وظهر على رأس المدرسة العثمانية شيخ الخطوط واستاذها الشيخ حمد الله «1429 ـ 1520 هـ» وكان يكتب بأسلوب ياقوت المستعصمي الذي طور اسلوبه وبرع في خطي النسخ والثلث وكتب القرآن الكريم بخط نسخي خالف فيه قواعد الأوائل فجاء جميلا مختزلا.. من بعده جاء الخطاط الحافظ عثمان الذي قام بعملية تشذيب وتهذيب لاسلوب الشيخ حمد الله فكان سيد النسخ بلا منازع.
هذا وقد بلغ الخطاطون في العهد العثماني حد الاعجاز في اتقان الخط فظهر منهم عمالقة واعلام امثال اسماعيل الزهدي ـ مصطفى الراقم ـ سامي افندي ـ نظيف بك ـ عمر وصفي ـ امين يازيجي ـ اسماعيل حقي ـ عبدالله الزهدي الدمشقي ـ حامد الامدي ـ حليم اوزيازجي وغيرهم الكثير.
وقد ظهر في العهد العثماني انماط جديدة لم تكن معروفة من قبل مثل الخط الرقعي والخط الديواني والخط الديواني الجلي وخط السياقت وخط الظفراء وخط قرمة تعليق والخط السنبلي وقد اتخذت هذه الخطوط سبيلها في الحياة العملية واصبح الخط الذي نكتب به اليوم هو خط الرقعة وغدا خط النسخ الدمشقي خط الكتب والمطبوعات وغيرها.
في مطلع القرن الماضي ظهرت المدرسة الدمشقية في الخط العربي على ايدي مجموعة من الرواد الاوائل نذكر منهم: مصطفى السباعي ـ ممدوح الشريف ـ بدوي الديراني ـ سليم الحنفي ـ صبحي البيلاني ـ حسين صديق البغجاتي ـ محمد علي الحكيم ـ موسى الحلبي ـ الشيخ محمد الزرزور ـ حلمي حباب ـ رشدي الزيات ـ ابوخليل الزيناتي والذين شكلوا رابطة نهضة الخط العربي الولي وقد زارهم من لبنان محمد اديب نشابة وهادي زين الدين من حمص.. وقد وضع هؤلاء الرواد قواعدا للمدرسة الشامية في الخط فكان خط التعليق يتسم بالفتنة الدمشقية بعد ان تجمل على يد الاستاذ بدوي الديراني واختلف عن المدرسة الفارسية وقد اكتسبت الحروف على يديه الرشاقة المتميزة والتي لم يصل الى مستواها الجمالي خطاطو الفرس والترك.
كما اتخذت حروف الثلث والكوفي على يد ممدوح الشريف رصانة وكمالا لم تعرفه مدارس الخط الاخرى في الوقت الذي اتخذ الخطاط الدمشقي الذي استقر في القاهرة حسني البابا ـ والد المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة والممثلة سعاد حسني ـ تراكيب بخط الثلث اعجزت اساطين الخط في اسطنبول.
واذا كانت دمشق عاصمة الخط آنذاك فإن حلب فيها من جيل الرواد نذكر منهم: ابراهيم الرفاعي ـ المولوي ـ الصابوني ـ الدكتور بشير الادلبي وفي حماه عبدالرحمن الفاخوري وفي اللاذقية جواد الخطاط وفي حمص هادي زين الدين.
وجاء الجيل الثاني من رواد الخط العربي في سوريا نذكر منهم: الملحن الموسيقي زهير فيني ـ نجاة العلبي ـ زهير زرزور ـ عبده الصلاحي ـ عبدالرزاق قصباتي ـ وليد رجب ـ فوزي التوأم ـ امين دياب ـ حسن الحمصي ـ حسن سمسمية ـ عبده لطف.. تبعه جيل اخر نذكر منهم:
محمود الهواري ـ محمد القاضي ـ عثمان طه ـ احمد المفتي ـ احمد الباري ـ جمال بوستان ـ غياث كيلاني ـ علي حبيب ثم اعقبهم جيل اخر يتمثل في كل من الاساتذة الخطاطين: شكري خارشو ـ عدنان سنقنقي ـ ويد محي الدين ـ محمد سالم نويلاتي عبدالعزيز حبيب ـ مصطفى النجار ـ ومن حمص خطاطها الشهير محمد عدنان الشيخ عثمان ـ محمد فاروق الحداد ـ ومن دير الزور عبيدة البنكي.
وفي الصحافة ظهرت اسماء لامعة في سوريا منذ منتصف القرن الماضي امثال: سهيل ميدع ـ ناجي عبيد ـ محمد قنوع الذي عمل جاهدا لايجاد طابع فني للخط العربي يلائم الصحافة وعناوينها فكان ان ادخل الحرف في طريق جديدة والبسه لباس الرشاقة وانتقى من حروفه ما يلائم الحداثة فكان مدرسة متميزة تعلم عليها كل من جاء من بعده.
بقي ان نشير اخيرا الى ان وزارة الثقافة السورية ادخلت فن الخط العربي الى المعرض السنوي للفن التشكيلي «معرض الخريف» منذ عام 1998 للتأكيد على اصالة وحضور الخط العربي ضمن الفنون التشكيلية العالمية الاخرى.
منقول