مقال رائع يستحق القراءة
لم تُجز مقالته بعض المواقع , ولم ترض بنشر مقالته إلا جريدة المحايد وقد نشرت الجزء الأول الخميس الماضي والجزء الثاني الخميس القادم , وأنا أنشر هنا الجزء الأول ثم أنشر الجزء الثاني يوم الخميس القادم.
تابعت هذا الكاتب منذ مقالته الأولى في موقع الإسلام اليوم وهو بعنوان " إلى متى ملف المرأة " والثاني بعنوان " التشدد في السعودية " والثالث بعنوان " خيانة المثقفين في السعودية " , وهذا هو مقاله الرابع .
المقالة جريئة جداً , والكاتب قد اختط طريق الجرأة لمناقشة الأدواء التي يشكو منها المجتمع السعودي , وهو لا يحابي بمقالاته أحداً . قد نتفق أو نختلف معه , لكنه كاتب مثير .
إلى الأمام أخي الكاتب عبدالله.
العنصرية في السعودية ركبتْ الفتاة الحافلة المدرسيِّة في ذات الوقت الذي رنَّ فيه جرس هاتف سائق الحافلة الهندي الجنسيِّة , وكان جرساً موسيقيِّاً. نصحته الفتاة أن يجعل جرس هاتفه في المرات القادمة على الخيار " الصامت " لإنَّ الموسيقى حرام. زمَّ السائق شفتيه حانقاً ثم قال بلهجة مُكسرة: هازا بس هرام ( حرام )!! , وموش هرام ( حرام ) أنا فيه أربعة سهر ( شهر ) ما فيه راتب؟!
موقف 2: قبل مدة ليست بالطويلة , كنت أقود سيارتي في أحد شوارع مدينتي الصغيرة حين رأيت سيارة يركبها مجموعة من الشباب تمرُّ بمحاذاة رصيفٍ يمشي عليه رجلان من جنسية يبدو أنَّها بنغاليِّة. فجأة وحين أصبحت السيارة على مقربة من الرجلين , أخرج أحد الشباب عصا غليظة وضرب بها ظهر أحد الرجلين, القريب منهما للشارع , الذي اختلطت صرخته بضحكات رُكَّاب السيارة التي فرَّت بسرعة!
موقف 3: في مدينة أخرى , وحين كنتُ انتظر وميض الإشارة المروريِّة الخضراء , كانت سيارتي الثالثة في الترتيب في المسار الأوسط. ومضت الإشارة الخضراء ولم تتحرك السيارة الأولى التي يبدو أن محركها توقف عن الدوران رغم محاولات سائقها المتكررة!! علت أصوات المنبهات كنائحات. صوت قائد السيَّارة الذي أمامي , السعودي , يصب اللعنات على صاحب السيِّارة الأولى الذي يبدو من هيئته من مكاني أنَّه غير سعودي! ينزل قائد السيِّارة الثانية. يبدو شاباً مفعماً بالصحة والعافية. يفتح باب سائق السيِّارة الأولى. ينهال عليه باللكمات والضربات والبصق! يُقفل باب السيِّارة ,بعد أن تحدث بنعمة الله عليه, تاركاً صاحبها "الأجنبي" مترنحاً من هول المفاجأة. يذهب "السعودي" إلى سيِّارته مرة أخرى. يتجاوز الإشارة الحمراء , ويمضي....
فكروا معي وتساءلوا لوهلة , فقط لوهلة: لو كان المُهان والمضروب والمنتقص حقه سعودياً , هل كان ليحصل له هذا ؟!
منتنة هي العنصرية , منتنة جداً , لكن لا يبدو أن الكثيرين قادرون على شمَّ نتنها!
وهي بالمناسبة, وحتى لا يظن ظانُّ أنَّها موجهة فقط ضد الأجانب, موجهة أيضاً ضد شريحة واسعة من مواطني البلد." صيغة وطنيِّة " صناعة وترويجاً. لكن العنصريين يختارون ضحاياهم بعناية، فهم يعرفون من يضربون, ومن يهينون بالكلام, ومن يغمزون بعيونهم في حضرته ساخرين وقادحين! موضوعي هذا بصدد العنصرية بين أبناء وطني , وإثباتها بينهم كفيل بإثباتها في حق غيرهم من الأجانب .
موقف 1: يأتي إلى المجلس العام , يتثاقل " البعض " ممن كان قبل قليل نشيط جداً في القيام للسلام عليه, يصافحونه بأيديهم بلامبالاة واضحة كمن يُرى للمرة الأولى , بعد أن قبَّلوا أنوف ورؤوس من قبله ممن لا يكبرونه سِنَّاً! يجلس حيث وجد فسحة. يتجاهلون عن عمدٍ أن يدْعوه للجلوس في صدر المجلس! وحين أسأل عن السبب , تأتيني الإجابة: خضيري لا قام ولا قعد!
موقف2: تأتي المرأة , البدويِّة , إلى حفل الزفاف. تجلس بجانب العائلة الحضريِّة. تنفذها العيون الحضريِّة, تبدأ إنزيمات العنصرية بالعمل. السخرية من الملبس , من طريقة الجلوس , من نوعية الماكياج, من طريقة الأكل. تسمع عبارات العنصريِّة: متخلفة...تفشَّل...مضيِّعة البر....جاهلة....بل ووسخة! في الجانب الآخر من صالة الحفل: تأتي المرأة الحضريِّة لتجلس بجانب العائلة البدويِّة. ترمقها العيون البدويِّة الواسعة. يبدأ دولاب العنصريِّة بالدوران , تشكيك في العِرض والشرف والحشمة نتيجة لطبيعة اللبس , وطريقة الماكياج. سخرية من طريقة الأكل , والجلوس. تسمع عبارات العنصريِّة: امحق تقدم...وأمحق تحضَّر....الله لا يبلانا ويحفظ ولايانا...ما عليها شرهة طرش بحر!!
موقف 3: يصرخ الأب في وجه ولده: أنت ما تقول لي وشعندك مع هـ"العبد" ( كناية مُهينة عن السواد ) تصادقه ؟ ما لقيت إلا العبيد. خلَّصوا عباد الله! ( يبدو أنَّه لا يدري أن عباد هي جمع عبد) وش يقولون عنك وعنَّا الناس؟! وبعدين إخوانك من اليوم ورايح ما أبغى أشوف واحد منهم يلعب مع هالعبيد!
مظاهر تؤذي....تؤذي جداً , أعلم ذلك , لكنها بين ظهرانينا بكل أسف, ولا أظن أنَّ هناك من يُنكرها...وإنني لأعجب والله كيف يستطيع مجتمع حسَّاس كمجتمعنا توظيف حساسيته باتجاه العدوانيِّة والنفي والنبذ , لا باتجاه التآلف والالتئام والاحتواء.
ثنائيات بنيويِّة مقيتة على أساسها توزع صكوك الاعتراف بالكينونة والتعديل أو النبذ والتجريح: خضيري وقبيلي, أسود وأبيض, سعودي أصل وفصل وسعودي مُتجنِّس, سعودي وغير سعودي...
كيف تسربت إلى سياقاتنا الاجتماعية, وكيف تسللت لغتها إلى ثقافتنا الشعبية, ولمَ بقيت حتى اليوم ونحن في مجتمع المدينة الذي يُفترض أنَّ التقسيمات الطائفية والمناطقيِّة قد انصهرت فيه, وأعقبت القبيلة وذهنيِّتها وعصبيَّتها ؟ كيف بقيت هذه العصبيِّة كامنة في الجذور, وهذا الكره دبِقٌ تحت الجلد؟
تعليق