Unconfigured Ad Widget

Collapse

بيني وبينك ...!!

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6171

    بيني وبينك ...!!

    بيني وبينك .....



    أعزائي الأعضاء : آمل أن تقفوا عند هذه العبارة قليلا ، وإلا فسأقول لكل واحد منكم ماقاله الشاعر العربي القديم :

    بليت بلى الأطلال إن لم تقف بها **** وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.



    والموضوع هنا ليس وقوفا على الأطلال ، التي لا أنكر رغبتي في توقفكم معي عندها ، ولكن لنتأمل ماذا يقصده الشاعر بهذه الافتتاحية لقصيدته التي أدت به إلى التهلكة .




    طبعا سأكون ممتنا وشاكرا لكم لو فعلتم جزءا يسيرا مما أطلبه منكم ، وهو الوقوف على هذه الصفحة حتى تنتهي ، أما وقوفكم عند الأطلال فإني قد عذرت نفسي وعذرتكم منذ زمن استبدال الماكدونلز بما بقي من آثار مكة والمدينة .




    ولنسأل أنفسنا جميعا ، ماذا يريد أن يخبرنا به صاحبنا هذا ، هل هذه الجملة ظرفية زمانية أم مكانية أم وجدانية ، أم أن هناك سرا يريد أن يفاتح به من يخاطب ...؟؟




    ثم تعالوا لنقف هنا ونسأل أنفسنا وبكل صراحة، من منا يستطيع أن يتخيل بقية الجملة أو يكملها كما جاءت من صاحبها.



    بيني وبينكم ..أعتقد أنه فاض بكم ومليتم . ولسان حالكم يقول هاتها من الآخر ..





    ولنبدأ مع جملة شاعرنا " البينوية " التي حيرتنا ، لنجد أنه لن يترك حيرتنا تدوم طويلا ، ولن يبخل علينا بتزويدنا بالخبر من دون أن نتعب ، ولكن على طريقته التي أختزل فيها فصول قصته الطويلة ، وأختصر المسافة التي بينه وبين من يعنيه وأوقف العامل الزمني ، واستخدم الرمزية بظروفها كلها، التي اجتمعت له في اللفظ ، كما قد اجتمعت عليه في الواقع ، فجاء بها هنا وطوعها بكل إتقان ، فقط من أجل أن يخبرنا عن ما بعد هذه الجملة ...




    بين وبينك ، يامصفي بروقه

    يامن عليه أدرى ما أنسى تلهّامه .



    ________

    التكملة قريبا إن شاء الله إذا رغبتم .
    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل
  • فارس الأصيل
    عضو مميز
    • Feb 2002
    • 3319

    #2
    الاخ العزيز بن مرضي ..
    لا ادري من أين احدثك من هنا ام هناك ام من الوسط ما اكثر ما يدور في الخلد لاجل تلك العبارتين فقط ( بيني وبينك ) هما كلتمان لاتتدعدى عشرة أحرف الا انها تتخطى الزمن والمكان وتتغلب على كل المشاعر .. بل وتقهر أحيانا كل كاتب وشاعر .. تتغلغل في الاحشاء كقطعة حديية باردة تخلط العظم واللحم معا في مزيز من الدم الاحمر القاني يفوح منه رائحة غريبة وبخار يتصاعد في الشتاء والخريف لا سيما ونحن فيهما الان انهينا واحد والاخر لايزال يقبع فوقنا ..
    بيني وبينك
    اطلالة من خلال بكائية على الاطلال .. وعنفوان به جسر امتد على البعد ما بين الحاضر والماض والرائح والغاد والامس واليوم والليل والنهار وكل اضداد هما يمتزجان في قلب هذه الجمله الناقصة في شكلها وتركيبتها اللفظية الكاملة في معناها ومدلولاتها المعنوية .. حقبتان من الزمن ماض وحاضر وماض وماض وحاضر وحاضر والحاضر والحاضر جمعتهم هذه الاحرف التسعة ..
    بيني وبينك
    ليست مجرد كلمتين تقال دون اغراق في الاحساس واشباع لحالتين اما حزن والم واما فرح وسروس جامعة شاملة رموزها لا يفكها الا قادر متمكن وان كان عاميا لا يقرأ ولا يكتب لكنه يملك الفكر والقلب والحس ..
    بن مرضي
    وان كنت جاهلا تماما بالمعنى الذي يقوله الشاعر الا ان ابتداءه باللتسعة احرف الرمزية الساحرة يعني عني الكثير من الكلام والاحتمالات بالرغم من عدم احتمالي السرد بهذا الشكل الممل الذي لن تعذروني ولكن عزائي ان اخبركم بما اعترى صاحبكم من تسعة احرف ..
    بيني وبينك
    احرف لا تعرف الزمان ولا المكان وقد تتجاوز الاحساس والمشاعر وقد تدخل من باب الخيال الواسع حين يكتمل الحرف الاخير ليعرف مالذي بيني وبينك ليس سرا ولا جهرا بل في صميم القلوب اشارات لا يفهما الا القلة من اهل الحاضر والكثرة من اهل الماضي ..
    بيني وبينك
    وان جاءت فاتحة الا انها تعبر اكثر مما تنبه بما بعدها
    بيني وبينك
    يا سائرا فوق الضباب
    وتحت أنوار الفلك
    خذني معك
    خذني إلى قاع الجحور
    مع الزهور إلى الجبل
    الحزن شيعني ربيعا
    ثم في صيفي اشتعل
    لم يبق لي غير الأماني
    في خريف قد رحل
    خذني غريبا تاه
    في كل السبل
    بيني وبينك
    جملة هي
    ترتدي ابهى
    الحلل
    .......
    سأنتظر لانظر ..
    سامحك الله يابن مرضي

    مالك الحزين
    آخر تعديل تم من قبل فارس الأصيل; 25-11-2004, 06:41 PM.
    هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
    كالبحر عمقاً والفضاء مدى
    مدونتي
    أحمد الهدية

    تعليق

    • الغمر
      مشرف منتدى شعبيات
      • Feb 2002
      • 2328

      #3
      سنقف على اطلال ادب بن مرضي وما يتحفنا به ...نتنهد ونبتسم نشكوا ونفترح ...
      سنقف وقوف اهل الادب على ادب المتنبي..
      سنقف وقوفهم على شعره ..
      ولولا انه جديرٌ بذلك لما وقفوا ولما وقفنا ..
      وان كنت بدأت اطروحتك العذبة هذه بالبيت المشكله ...فلا اجد لذلك معنىًَ الا ان ما هو آت سيذهب بالالباب بين وارد وصادر وبين سارح وداله ...
      هات ما عندك
      قف بنا على اطلال البينويه
      وسنقف
      وقوف بناني في يمينـي ولـم أقـف....وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
      لعيونك

      تعليق

      • رعــد الجنـــوب
        مشرف منتدى الشعر النبطي
        • Aug 2004
        • 4075

        #4
        بيني وبينكم ..أعتقد أنه فاض بكم ومليتم . ولسان حالكم يقول هاتها من الآخر

        استاذي العزيز بن مرضي
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        وانا ياعزيزي لن اعلق وسأنتظر للأخير
        انا في انتظارك
        ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

        تعليق

        • ابن مرضي
          إداري
          • Dec 2002
          • 6171

          #5
          بيني وبينك .....



          أعزائي الأعضاء : آمل أن تقفوا عند هذه العبارة قليلا ، وإلا فسأقول لكل واحد منكم ماقاله الشاعر العربي القديم :

          بليت بلى الأطلال إن لم تقف بها **** وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.



          والموضوع هنا ليس وقوفا على الأطلال ، التي لا أنكر رغبتي في توقفكم معي عندها ، ولكن لنتأمل ماذا يقصده الشاعر بهذه الافتتاحية لقصيدته التي أدت به إلى التهلكة .



          طبعا سأكون ممتنا وشاكرا لكم لو فعلتم جزءا يسيرا مما أطلبه منكم ، وهو الوقوف على هذه الصفحة حتى تنتهي ، أما وقوفكم عند الأطلال فإني قد عذرت نفسي وعذرتكم منذ زمن استبدال الماكدونلز بما بقي من آثار مكة والمدينة .



          ولنسأل أنفسنا جميعا ، ماذا يريد أن يخبرنا به صاحبنا هذا ، هل هذه الجملة ظرفية زمانية أم مكانية أم وجدانية ، أم أن هناك سرا يريد أن يفاتح به من يخاطب ...؟؟



          ثم تعالوا لنقف هنا ونسأل أنفسنا وبكل صراحة، من منا يستطيع أن يتخيل بقية الجملة أو يكملها كما جاءت من صاحبها.



          بيني وبينكم ..أعتقد أنه فاض بكم ومليتم . ولسان حالكم يقول هاتها من الآخر ..





          ولنبدأ مع جملة شاعرنا " البينوية " التي حيرتنا ، لنجد أنه لن يترك حيرتنا تدوم طويلا ، ولن يبخل علينا بتزويدنا بالخبر من دون أن نتعب ، ولكن على طريقته التي أختزل فيها فصول قصته الطويلة ، وأختصر المسافة التي بينه وبين من يعنيه وأوقف العامل الزمني ، واستخدم الرمزية بظروفها كلها، التي اجتمعت له في اللفظ ، كما قد اجتمعت عليه في الواقع ، فجاء بها هنا وطوعها بكل إتقان ، فقط من أجل أن يخبرنا عن ما بعد هذه الجملة ...



          بين وبينك ، يامصفي بروقه

          يامن عليه أدرى ما أنسى تلهّامه .



          ***********************************************************
          التكملة :
          بيني وبينك يامصفي بروقه
          يامن علي أدرى ما أنسى تلهاّمه


          إذا كان محمود درويش قد وجد أن رائحة البن جغرافيا، فإن الذي نجده في هذا البيت،هو مزيج من روائح التاريخ والجغرافيا والمعاناة ؛ التاريخ الذي سجله لنا " عيسى " بما لا يمكن أن ننساه - حيث كتبه بدمه ، وهل هناك خطا سيبقى بعد كاتبه أكثر من الخط المكتوب بالدم - والجغرافيا الذي حدد لنا فيه الديار والجبال والأودية وساكنيها في اختصار لا يمكن أن يستوعبه غير بيت " عيسى " الذي وضح فيه نقطة البداية والنهاية بطريقة معكوسة وغير مألوفة ، إلا على طريقة " الفلاش باك " المعروفة هذه الأيام . حيث ترك لنا أن نعرف ما قبل البداية وما بعد النهاية وما بينهما من أحداث ومآسي.



          إن استخدام ضمير المخاطب هنا لشخص غائب ، قد أثار أكثر من سؤال : فلو كان في عصرنا هذا وسمعت من يقول بيني وبينك ، لاعتقدت أنه أما يقصدني أو أنه يخاطب شخصا آخر على الهاتف الجوال الذي افسد علينا التحدث مع بعضنا هذه الأيام . ولكن الذي حصل هو طرد إلى خارج الدوائر المكانية والزمانية والوجدانية ، وإرباك للضمائر التي كنا أساسا غير متأكدين إذا كان معنا منها ما يمكن الاعتماد عليه .





          إذا كان المقصود هو " مصفي بروقه " ،كما قد عرفنا من العبارة التي تلت " بيني وبينك " ومصفي بروقه هنا غائبا وبعيدا جدا كما سنعرف من بقية القصيدة فلماذا أستخدم ضمير المخاطب هنا، لماذا هذا الخلط في الضمائر ياترى ؟ هل كان المقصود هو شد الانتباه ، أم أن " عيسى " لم يعد يعترف لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا ، حيث رأى أن " مصفي بروقه " حاضرا معه ولا يمكن أن يخاطبه بضمير الغائب ، أم أنها أشياء كثيرة قد جمعها لنا " عيسى " هنا فتعمّد خلط الأشياء بهذه الطريقة ؟





          لا بد من التماس العذر لــ"عيسى" فالثغر البراق قد جعل عنترة العبسي يفضل تقبيل السيوف في وقت المعركة على خطورتها ، لأنها لمعت كبارق ثغر عبلة ، فكيف إذا كانت التي تلمع هنا هي بروق مصفاة على صيغة الجمع .



          بيني وبينك يامصفّي بروقه .



          قبل أن يتبادر إلى ذهن أحد من الناس أن البروق المصفاة هنا ، هي نوع من الحلي ، فإنني أنفي نفيا قاطعا أن يكون "عيسى" قد قصد ذلك ، فعيسى وأهل زمانه وأنا الذي أعيش معهم رغم تواجدي بينكم ، لم نلتفت يوما ولن نلتفت إلى المظهر ، فالجوهر هو مايعنينا وما يستوقفنا ، وعيسى قد ذهب إلى ابعد من الثنايا التي نرى أنه استخدمها رمزا للثغر التي هي فيه، عندما تلمع كالبروق الصافية ، ذهب إلى الصفاء الروحي الذي ينبعث من أعماق الذات الصافية الوافية ، ولا يتعدى دور الثنايا فيه غير الدلالة والإشارة .



          بيني وبينك .. يامصفي بروقه

          يامن عليه أدرى ، ما انسى تلهّامه



          والخطاب هنا لايزال عن وإلى الحاضر الغائب "مصفي بروقه" ، أما ما بعده من الإضافات ،فقد أخذت مكانها الطبيعي هنا الذي لم يتكلف فيه " عيسى" ، وذلك للتوضيح والتأكيد ، توضيح أن " عيسى " لا يغار عليه من نسمة الهواء التي تلامس ثناياه فقط ، بل يحرص على منع وصول الأشياء إليه قبل وقوعها ، وتأكيد أن النسيان ليس له مكانا في ذاكرة " عيسى " فهو لا يتذكره فقط بل يستمد منه رشده وإلهامه .


          **********



          " عيسى " و " مصفي بروقه "، كبرا وترعرعا ، مثل بقية شباب " الوادي " ، إلا أن علاقتهما التي تطورت مع مرور الأيام قد تحولت إلى حب عذري عفيف . ضاق به ذرعا بعض أهل الوادي وخاصة أهل " مصفي بروقه " ، فعمدوا إلى نفي " عيسى" خارج دائرة الوادي بل إلى خارج القبيلة .



          غريب ذلك التناقض الذي كان ولا يزال يكتنف علاقتنا ويحكم تصرفاتنا، حيث نرفض جميع الأشياء في الوقت الذي نمارس فيه جميع الأشياء، ولكن في السر، وعلى الطريقة الخطأ، أما إذا كانت علاقة طاهرة وعفيفة فإننا نحاربها بكل الأسلحة التي نستطيع..!!



          " دلائل عيسى ياعلي ماهي بالله الله ، ولا نتحمل بقاءه في هذا الوادي ، واللي مثلك ما يُعَلّّم ، وسلامتك " .



          الاختصار والإشارة سمتان من سمات التخاطب بين أهل الوادي الذي لا يحبذ أهله الكلام الكثير ، فالفعل عندهم كثيرا ما يسبق الكلام ، لذلك فإن "على" أخذ التحذير على محمل الجد ، فالحر تكفيه الإشارة كما يقال ، سيما وأنه هو نفسه قد لاحظ تعلق قلب أخيه "عيسى " بــ " مصفي بروقه " ورأى أن العواقب قد لا تكون سليمة .


          عيسى وأنا أخوك. تراني طالبك ، عندي مخطار ، ولا أستغني عن مسايرتك !

          ابشر وأسفر والله وأنا أخوك ياعلي .


          لم يكن عيسى قد بلغ الثامنة عشر من عمره ، لذلك فإن هذا الأسلوب هو الذي يمكن أن ينفع معه في نظر أخيه الأكبر علي. وإلا فإنها لاتوجد قوة في الأرض يمكن أن تبعده عن " مصفي بروقه " التي قد منحها من الحب ومنحته مايكفي لتوزيعه على جميع أقرانهم .



          يرحل "عيسى" بصحبة أخيه الأكبر "علي" الذي يراه في منزلة أبيه، فقد رباه ورعاه، لذلك فإن عيسى لن يرفض لعلي طلب، خاصة إذا كان جاءه هذا الطلب على الصيغة التي فيها الكثير من إيقاظ صفات الشهامة والشيمة والوفاء. رغم هيامه وغرامه ب "مصفي بروقه " إلا أن هناك أولويات يرتبها المنطق الذي لا يتفق مع العقل حتى في الدين .


          ***********


          ثلاثة أيام بلياليها ، قضاها علي وعيسى في طريقهما الذي اتجها فيه إلى الجنوب ،عرف عيسى من خلال الحديث أثناء المسير- الذي رافقهما فيه الجوع والعراء والحفاء والضمأ- أنهما ذاهبان إلى اليمن ، فعلي حريص على أن يتعلم عيسى مثلما تعلم " الفقيه " الذي لا يوجد في المنطقة من يفك الحرف غيره . وعيسى تراوده وتتجاذبه أقطاب متنافرة ومختلفة، رضا علي ، وطلب العلم ، والمسافة التي قطعاها ، والخبر الذي قد علم به أهل الوادي ، كلها وغيرها من الأشياء تدفع عيسى إلى السير مع أخيه ناحية الجنوب ، ولكن القطب الأقوى والذي لا يراه ولا يلمسه ولا يشعر به إلا هو ، يأخذه في رحلات " براقيه" إلى الاتجاه المعاكس ، إلى حيث تذهب إبرة المغناطيس الوجداني الذي يكاد يكون متصلا مابينه وبين" مصفي بروقه" مهما ابتعدت المسافة .، إلى الشمال ، حيث ساكنة الوادي .


          تستعد القرية التي وصلا إليها في تلك الليلة لإقامة حفل زواج أحد أبناءها ، علي لا يستطيع البقاء حتى يحين موعد الحفل الذي لا يبدأ إلا متأخرا في تلك المنطقة ، فقد أنهكه السفر وأتعبه السهر وأضناه التعب ، ويريد أن يستسلم للراحة التي يحتاج إليها مثلما يحتاج أخوه عيسى إلى رؤية" مصفي بروقه "، وحيث انه لا يستطيع إعفاء عيسى من المراقبة اللصيقة فإنه لا بد من البوح بما لم يبوح به من قبل ، حيث وصى أحد عقلاء القرية على القيام بمراقبة عيسى نيابة عنه .


          تبدأ الحفلة ، وتقام " الملعبة " ويجد عيسى نفسه منتابا بشعور غريب ، فالزير الذي يسمعه لا يدق إلا على أوتار قد أصبحت من الحساسية والضعف في وجدانه بما يجعلها تضغط على قلبه المنهك لتحول بوصلته إلى وجهتها الطبيعية ، ورغبته في المشاركة في " الملعبة" جعلته يخرج ليقف خارج الصف ليتسمّر في مكانه لافتا إليه أنظار أهل القرية الذين يعتبرونه ضيفا أجنبيا عليهم ، وتحريكه لعصاه التي كان قد ألقاها أخوه المتعب "علي" قبل ساعات قليلة ، ونظره بتركيز إلى الأرض جعلت الحاضرين يرقبون مابعد تلك اللحظات التي لا يمكن قياسها بالزمان ولا تحديدها بالمكان .



          يقف صاحب الزير ، كعادته -عند انتهاء القصيدة - ليعطي الفرصة للشاعر الثاني الذي ينتظر دوره الطبيعي المعروف ، فيأخذ الدور هذه المرة شخص لم يكن متوقعا ..!!


          صمت رهيب يسود المكان ، حتى من أولئك الذين لا يستطيعون السكوت ولا يستمتعون إلا بالوشوشة فيما بينهم والتشاغل عما يدور في المحفل مهما كانت أهميته ، مما يجعل البعض يخاطبهم وكأنهم أطفالا صغارا : أص اص ، خلونا نسمع ....خلونا نسمع ..، أما هنا فإن الجميع قد وجه أنظاره وجميع حواسه إلى ذلك الشاب الغريب الذي يصعب التمييز بين سيقانه و قطع الإزار الذي يلفه على وسطه، ولا يستدل على حركته إلا بما يتوهج من إضاءة القبس التي في سيجارته عندما يأخذ منها نفسا طويلا .



          يالالالا له يا لالالالال لالالالال

          يالا لا له يا لالالــــــــــــــــــــــــه



          على طرق اللبيني الذي كانت القارعة تمشي عليه يمد صوته " عيسى " بعد أن تقدم ناحية مركز الدائرة التي تتوسط الصفوف ، فيزداد الهدوء هدوءا للدرجة التي أصبح معها عيسى يسمع دقات قلب " مصفي بروقه " رغم مابينه وبينها من المسافات الشاسعة .



          بيني وبينك .. يامصفي بروقه
          يامن عليه أدرى .. ما أنسى تلهّامه



          أهل الدمينة .، وشدا ، وأهل دوقه
          وريم ، والشعرا ، وريع الإسنامة .


          يتوقف الزمان هنا فيصبح صفرا عند " عيسى " ويتلو هذه القصيدة بمجرد انتهاءه منها بصيحة على طريقته :" عيايا عيايا عيايا ....


          ثم يطلق رجليه للريح ، فقد أصبحت في نظره تلك الديار التي حددها مابين شمال تهامة زهران وجنوبه ، من أل الدمينة قرب المخواة ، إلى ريع الإسنامة الذي يشرف على وادي رما الدحّان ، لم تعد في نظر " عيسى " إلا حذفة حصاة .


          يتبدد الصمت الذي كان سائدا فينقلب إلى شيء من الفوضى المصحوبة بالصياح الذي يتسبب في استيقاظ علي من منامه الذي كان قد استسلم له والراحة التي كان خلد إليها.


          خير ..خير .. خير يالربع ويش علم الصوت .


          خير إنشاء الله . عيسى .. عيسى .. ماندري ويش جاه ، راح يسعى هذه الناحية ..


          طارد وشارد ، تزداد المسافة بينهما مع مرور الوقت ، " عيسى" يطير به الحنين ، وعلي يدفعه الخوف على " عيسى " الذي يعرف أن عواقب عودته لن تكون كما ينبغي .


          يصل أسفل الوادي علي ، فيمسع الصوت الذي كان يخشاه ، صوت البندق الذي يبدد سكون الليل ، فتزداد خطواته في التعثر ، وتدمى قدماه من حجارة الوادي التي كانت تزاحم خطواته المتعثرة ، فترده أحيانا إلى الوراء وتعطل مسيرته أحيانا أخرى .


          آيـــــــــــــــــــــــــــــه ..آيـــــــــــــــــــــــــــه

          يكرر على النداء على هذه الطريقة التي كان يعمد إليها في حالة البحث عن شخص في مدى الصوت .


          يأتيه الجواب بنفس الطريقة ولكن بمدٍ أقل .


          آيـــــــــــــــه... آيــــــــــــــــــه


          يالربع ويش علم البندق ؟


          من الداعي . من راعي الصوت ؟


          أنا علي .. أنا علي . علي أخو عيسى ..


          لا صدى يوصل ولا إجابة تعود ، بل صمت وسكون وهدوء متعمدة ، فقد تقرر أن يُترك لعلي أن يجد الجواب ويكتشفه بنفسه ...


          كان عيسى قد وصل إلى الوادي قبل وصول علي بما مكنه من البدء في تسلق الحصن الذي تسكنه " مصفي بروقه " وبمجرد أن لاحظه أهلها أطلقوا عليه الرصاصة التي لم تخطئه .


          لم تتأخر الإجابة كثيرا على "علي" ، فهذه هي جثة " عيسى " قد اتكأت على جذع السدرة الكبيرة التي كانت انطلاقة رحلة المأساة قد بدأت من عندها .



          ---------------

          من واقع الحياة .
          كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

          تعليق

          • عبدالله رمزي
            إداري
            • Feb 2002
            • 6605

            #6


            عزيزي الفاضل/ بن مرضي



            سعد بن عبد الرحمن يقول في مطلع قصيدة له :-

            بيني وبينك ياصحيبي بيد وجبال

            وأنحن فا ارض الشرق منحين



            نعم بيني وبينك مسافات شاسعة وألا لتسرعت الزمن وسابقت الهبوب لكي أعرف ما بيننا وبينك ....



            عجل جزاك الله خير

            عبد الله رمزي
            ما كل من يبعد به الوقت ناسيك ... بعض البشر قدام عينك وينساك

            تعليق

            • فارس الأصيل
              عضو مميز
              • Feb 2002
              • 3319

              #7
              أخي العزيز بن مرضي ..
              كما توقعت مما أوحت به البداية إنها تسعة أحرف لاختصار الزمن وطي المسافات .. لم أتمالك بعد ولم أستطع استجماع مابقي لي من الذاكرة من ( تعبة ) شعيبي حتى كنت مستعدا كما ذكرت لي هناك بغيرها .. ولذا كنت قد دعوت لك بالسماح من الله والعفو في آخر ردي السابق الا اني لم أتمالك نفسي هذه المرة أيضا أن أتأوه بتأوه عيسى كما بكيت بكاء ( شعيبي ) من قبل..
              ابن مرضي
              لن احدثك حديث المعجب ولن اغرف لك من كلمات المديح وغلال الشكر ولن اسكب لك من قرب الانبهار ولن اخاطبك مخاطبة الند للند ولكني طائر صغير جاءك من حيث صرخ في الاولى شعيبي صرخة قاتمة اللون مما الم به .. ومن حيث تأوه عيسى ولم يستطع ان يسترد أنفاسه .. ساحدثك حديث المجنون لا حديث المعتوه فسمعني وارعني سمعك جيدا .. فلا ادري هل تتعمد انت فلك بي هكذا ام انها جاءت الافكار لتخط جديدا قديما على خارطتي من جديد ..
              آه يا ابن مرضي .. لم ينسى .. ولكن ماعاد يتذكر بالتفصيل ما حدث .. أطياف محببة إلى قلبه .. وأغنية يرددها مع الراديو الأسود الصغير الذي ما يزال معلق فوق صدره وهو مخضب بالدم (( مستكثريين .. فينا المراسل .. أو كلمتين اثنين منهم .. )) لم يكن يظن أنه ضعيف إلى هذه الدرجة لقد قدر له أن يعيش حياتين مختلفتين شكلا متفقتين مضمونا .. لم يعد يشعر ساعتها أن للبوح بالاسرار لذة .. ولم يعد لكتمان الأشواق معنى .. يصرخ عيسى بالبينوية ويتصاعد الصوت حتى وصل ولما أن وصل تم استقباله دون شعور الناس فناده أن أقبل وقد أقبل .. كان يغريه القدر في كل مرة كان يفكر بالقادم قبل اللحظة الا انه انهى تلك اللحظة وفق نمط معين لم يعد يشعر الا بالتنفيذ والاقدام .. لم يكن لهذا الرحيل حساب كان ياما كان فيه ما فيه لم يغير البارود فوح المسك تحت الشجرة .. كان في وسط الجمع الغفير والهرج والمرج وصوت الزير يعلو الا انه اختار الطريق اليهم من خلال انفراده بنفسه في قلب الضجيج وما لبث ان فاز بانفراده واسكت الضجيج .. هناك شيء واحد كان يشده نحو الانفراد .. كان الوحيد من بين تلك القلوب الجذلى الذي يستطيع ان يصرخ بما يهوى دون شعورهم او حتى استقرائهم .. كان مجنونا والناس تكره المجانين ..
              آه يابن مرضي لم اعد احتمل
              رحمك الله كما ارجوه ان يرحم شعيبي وعيسى

              المعذرة فهي خارج حدود الاحتمال

              مالك الحزين
              هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
              كالبحر عمقاً والفضاء مدى
              مدونتي
              أحمد الهدية

              تعليق

              • ابن مرضي
                إداري
                • Dec 2002
                • 6171

                #8
                عزيزي الأستاذ مالك

                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                كلمة شكرا لا تكفي لكي أكتبها لك هنا ، لكن ثق تماما أنني اقدر متابعتك ومشاركتك تقديرا عاليا .

                عزيزي : لو كانت لي قدرتك على الإسترسال وحصيلتك من المفردات [ عيني عليك باردة ] لأخرجت بعض القصص التي لا تزال عندي ومنها ما يشيب له الولدان . بعضها حقيقي ومؤلم لدرجة لاتحتمل ..!!والبعض الآخر من " الشرويّات " التي كانت تحكيها لنا جدتي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته ، والتي أقف أمامها عاجزا عن تخيل ذلك الخيال الواسع الذي سرد تلك القصص في أسلوب قصصي عجيب .

                عزيزي : من حسنات هذا المنتدى أننا نتجاذب فيه مثل هذه الأحاديث التي قد تؤلمنا أحيانا ولكنها قد تسّلينا أحيانا أخرى ، ولكن الأهم أنها خرجت ، حيث قد ظلت حبيسة صدورنا لأعوام عديدة ، وكأننا مجتمع ملائكي لا يحصل فيه اي قصة تحكى من هذا النوع .

                عزيزي مالك ، بنفس المشاعر الصادقة أكتب لك وإليك ، فأقبل مني قليلي مقابر كثيرك .

                شكرا لك من الأعماق .
                كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                تعليق

                • ابن مرضي
                  إداري
                  • Dec 2002
                  • 6171

                  #9
                  عزيزي الأستاذ / الغمر


                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  شكرا لك على حسن ظنك بي ايها الحليف العزيز ، وأرجو من الله العلي القدير أن يقدرني على ما يرضي الله عني ويرضي أمثالك من القراء الذين أعرف منزلتي بينهم ، فما أنا والله إلا عاشقا لتراثي وتاريخي ،ومحاولاتي ليست إلا نقوشا على جدار ذلك التاريخ العريق وذاك التراث العزيز .فإن وفقت فمن الله وإن لا من نفسي والشيطان . ولكني أرجو من أمثالك أن تسدوا ما أخل به وأضيع ، وأن تهدوا إليّ عيوبي يرحمكم الله .

                  تقديري وتحياتي لك ايها العزيز .
                  كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                  تعليق

                  • ابن مرضي
                    إداري
                    • Dec 2002
                    • 6171

                    #10
                    عزيزي الأستاذ / رعد الجنوب


                    أشم في عباراتك رائحة الصدق وارى فيها الوفاء ، وأؤكد لك أنني ابادلك مثلها .

                    هنيئا لك على ماتنطوي عليك نفسك .
                    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                    تعليق

                    • ابن مرضي
                      إداري
                      • Dec 2002
                      • 6171

                      #11
                      عزيزي الغالي / الأستاذ عبد الله رمزي


                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                      كنت تكتب تعليقك في الوقت الذي أخرجت فيه بقية القصة ، وآمل أن تكون قد أطلعت عليها ، وأرتقب ملاحظاتك وتعليقاتك ، فما هي إلآ محاولة لإخراج ماهو موجود من واقع تاريخنا المؤلم في بعض جوانبه ، وما دعوتي للأنتظار إلا لمعرفتي بعدم رغبتنا في متابعة المواضيع الطويلة ، وليس لإنني أتوقع الإبداع أو أتي بما ليس عندكم .

                      لك شكري وتقديري ودعائي .
                      كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                      تعليق

                      • محمد اسماعيل
                        عضو مميز
                        • Apr 2004
                        • 1248

                        #12
                        اديبنا واستاذنا القدير/ بن مرضي

                        لقد وقفت طويلا على اطلال هذا الأدب الجميل الذي يشعر الإنسان بالسعاده مهم طال وقوفه

                        فشكرا لك من الأعماق وأطال الله بقائك



                        اخوك / ابوماجد
                        أما انت ياسيل فاعلم عندنا لو تمر.............ترى عظامي جبالٌ ما بتشتالها

                        تعليق

                        • ابن مرضي
                          إداري
                          • Dec 2002
                          • 6171

                          #13
                          عزيزي الأستاذ / محمد اسماعيل


                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                          اشكر لك ياعزيزي مرورك ، وأقدر لك وقوفك . ويسرني أن تستمتع بما كتبت فهذا هدفي وغايتي.

                          شكري لك وتقديري وتحياتي .
                          كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                          تعليق

                          • ابن مرضي
                            إداري
                            • Dec 2002
                            • 6171

                            #14
                            اعزائي الأعضاء الكرام الذين قرأوا وعلقوا أضافوا

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            إذا كان العتب على قد العشم كما يقال فإنني كنت أتمنى أن تتكرموا بتقييم هذا العمل ونقده بما تجدونه فيه من سلبيات وإيجابيات ، فالتراث مشترك ، والهم ايضا ، ولا يكفي أن نبقى في ردهات عالية نطل منها على ما يكتب ، وإذا أجتهدنا فبعبارات مقتضبة عمادها :" هات المزيد ،سلمت يمينك ومن هذا القبيل ". فإذا ما كنا نريد شيئا من التأديب لتراثنا الغالي، فإنه يجب علينا ألا نكون بخلاء إلى هذه الدرجة ، فلا يوجد عمل مهما كان ذلك العمل إلا ويحتاج للتقييم والتقويم . وكفانا تهميشا حتى لماضينا الذي طالما تغنينا برغبتنا الأكيده في احياءه وتوثيقه .


                            شكرا من أعماق الذات لكل الزملاء الكرام الذين قضوا جزءا من وقتهم في متابعة هذا الموضوع الذي طال أكثر مما يجب ، والشكر موصولا للزملاء الذين قرأوا ولم يجدوا القدرة أو لم يرغبوا في تسجيل مرورهم .
                            كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                            تعليق

                            • فارس الأصيل
                              عضو مميز
                              • Feb 2002
                              • 3319

                              #15
                              اخي الكريم .. بن مرضي

                              لا تصب البنزين على النار يا صاح .. اعرف كم من الاشياء تعبث بخلايا دماغك تجبرك ان ان تفعل كل ما فعلت أحيانا كنت أقول لنفسي لقد وجدت فيك خصلتين : الوفاء والصراحة ..
                              الوفاء للحقبة الماضية باسترجاع ما ما أمكن منه وصقله ومن ثم تقديمه بالصورة التي يجب أن يقدم بها في هذا الوقت بالذات لان الآذان قد سمعت وصمت من كثرة الترديد ( الله يرحم أيام زمان ) فلست أدري هل كان الماضي بشتى صوره القبيحة والحسنة أفضل من الآن بلا شك أن المقارنة لاتنجب الا فراغا كبيرا لا حدود له ولا ابعاد بل إني أجده فوق خيال كل مقارن ..
                              والصراحة في الطرح لان من يطرح مثل هذه الجوانب فهو لايقصد بها أن يسلي العشاق بأن انظروا كيف راح ذاك ضحية هناك ولا ليكيد بها قلوب من دارة رحا القصة في وديانهم او محيط قبيلتهم لا والف لا بل كان يهدف كشف المستور خلف الحجب وتمريره على ماسح الشرع والعقل فما وافق الاثنين أخذ به وما خالفه ترحم على ما مضى بمن فيه ولعل من يأتي يستفد من بعد ذلك إن كان له قلب ..
                              واحيانا حين يتكاثر النمل على قطعة السكر أقول لنفسي مالي ولوجع القلب ولكني اعود فانقض غزلي ولا ادري هل سيفهم الانسان معنى كونه انسانا ام سيظل يرمي بالمتغيرات على الزمان يا لله مسكين انت يازمان..

                              اعرف انني قد اخرج من اول باب ولكني احاول ترتيب الكلام حتى لاتمل مني ساتركك الان لتلتقط الاشارة وساعود لك باذن الله عن اشياء في نفس يعقوب ..
                              يجب ان تلاحظ اني لا انقد ما كتبت لكني اتماشى معك وفق معيار المستفاد لاني جاهل بالنقد بصورته الشمولية فلك ان تعذرني على ذلك وان كنت صغيرا ارنبا يحاول كسب ود الفيل ..

                              تحياتي
                              مالك
                              هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                              كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                              مدونتي
                              أحمد الهدية

                              تعليق

                              Working...