يافايق "التيسين" رعيانك عوازيب
مارعاك إلا شعيبي
فايق "التيس" الذي في حلق دوقه
جرّت " الأوكان " فوقه
الله يعلّك بالمطر يافوق يافوق
مارعاك إلا شعيبي
فايق "التيس" الذي في حلق دوقه
جرّت " الأوكان " فوقه
الله يعلّك بالمطر يافوق يافوق
أرجو أن ترفعوا أيديكم معي إلى السماء مستغيثين الله كما قد دعا من قبل عزيزنا شعيبي – رحمه الله رحمة واسعة - بأن يعلّ المطر " الفوق " الذي نبت في قمة بل ذروة جبل "التيسين" الذي يقع في حلق دوقة والذي تعذّر الوصول إليه على جميع الناس ماعدا شعيبي .
يافايق "التيسين" ، الفايق هو نوع من العشب النظيف الذي لا ينبت إلا في الذُرى ، بحيث لا تدنسه أقدام البشر ، ولا تراه أعين الناس الذين يتهيبون صعود الجبال .وصاحبنا هنا استعار صورة بكامل أبعادها ليعبر بها لنا عن معاناته على طريقته التي كانت طريقة أهل زمانه ، فبها من الرمزية الراقية البليغة ما يجعلنا نعيشها كما هي :
فالكنية التي استعارها هنا لينادي بها حبيبته هي"الفايق" أو " الفوق "، على عكس ماكان يفعل شعراء العرب الأقدمين حين كانوا يصرحون باسم الحبيبة؛ سعاد، خولة ،عزة ، وبثينة ... الخ . أما في المنطقة الجنوبية فإن الرمز يبقى البديل في كل أبعاد الصورة التي نحن أمام واحدة من أجمل مارسم منها .
تعالوا لنتخيل المنظر : " فايق" في رأس جبل"التيسين"، يبعد كما أعرف عن منطقة صاحبنا هذا مسافات بعيدة ، لم يرعاه أحد قط ، عدا صاحبنا " شعيبي" ، رغم أن من يتمنى رعايته كٌثر ، ولكن هيهات ، فكلمة "عوازيب" هنا التي تبعت "رعيانك " نَفَتْ نفيا قاطعا وجود من يستطيع أن يرعى ذلك "الفوق" ، وهي هنا ؛كلمة "عوازيب ، تعني الغياب ، حيث أنها في لغة أهل المنطقة تعني كذلك ، فإذا ضاعت الدابة سواء كانت ناقة أو شاة أو غيرها فهي عازب ، والعازب والأعزب في اللغة العربية هو الذي لا يوجد له قريب ، وهي ليست بعيدة عن هذا المعنى فالرعاة الذين يرعون هذا "الفوق" قد غابوا ولم يسجلوا حضورهم إطلاقا لذلك فإن هذا "الفوق" سيبقى معفيا إلا من رعاية "شعيبي" .
ولتكتمل أبعاد الصورة هنا فإن الشاعر يربطنا ربطا وثيقا بالمكان " التيس الذي في حلق دوقة " ، ويؤكد لنا أنه دائم الخضرة وأن الرياح تجر إليه السحاب وتعلّه بالأمطار بصفة متكررة .وهو يدعو الله أن يجعلها ديمة دائمة .
هذا هو ما نفهمه من ظاهر النص، أما القصة؛ التي ولد عنها هذا اللحن، فقد طرزها شعيبي وصديقته بحبهما العذري الأصيل، حيث كان" شعيبي" يتمتع بالسمعة التي جعلته أكثر الرجال جاذبية في عصره، ليس لوسامته التي أصبحت معيارا في عالم اليوم بل لما فيه من صفات الفروسية والرجولة والشهامة والشجاعة والعفة والكرم.على عكس والده الذي كان يمثل الشخص الغير مرغوب فيه لبخله ونذالته وسوء طبعه.
"شعيبي" هذا يسرح مع غنمه منذ أن أصبح مكلفا بما يكلف به أقرانه في عصرهم، تجمعه المهنة نفسها مع "حليمة" التي يكبر في قلبها حب "شعيبي" كما يكبر نهدها الذي تزاحم في المكان مع "شعيبي" للدرجة التي أصبح صدرها لا يحتمل وجود ثلاثة أشياء تتضخم أحجامها جميعا في مكان لم تتغير كثيرا مساحته مع مرور الوقت.
أبو شعيبي في المقابل كانت معاناته من فقد زوجته وقسوة الظروف المحيطة به تدفعه للبحث عمن تشاركه همه ويشركها في أمره، لكنه كان يصطدم بصدى سمعته التي تواجهه في كل مكان يذهب إليه؛ شايب عايب، بخيل جائر، تكاد تفرّ منه حتى الحجارة التي يطأ عليها !
************
لماذا لا تتقدم وتخطبني من أهلي، ماذا تنتظر ؟ سألت "حليمة "التي كانت تعرف العهد الذي قطعاه على نفسيهما: "أعاهدك بالله أنك حسابي من النساء، وأنا أعاهدك بالله أنك حسابي من الرجال..! "
ظروف أبي يا حليمة ليست مناسبة ، تعرفين أنه يبحث عن خطيبة منذ أن توفيت أمي ، لكنه لم يجد من يوافق على الاقتران به ، وأنا استحي أن أفاتحه في هذا الموضوع لكي لا يعتقد أنني لا أفكر إلا في نفسي ." لا يستحق أن يعيش من عاش لنفسه فقط يا حليمة ".
الوقت يمضي ياشعيبي، وأنا سأكون لك زوجة ولأبيك ابنة، سأهتم به للدرجة التي ينسى معها الحاجة إلى خطيبة خاصة وهو في هذه السن المتقدمة . وسيكون في زواجنا عوضا له عن الرفض الذي قوبل به من نساء القبيلة.
لا بأس، سأحاول إقناع والدي يا حليمة وسترينه قريبا عند أبيك، ربما تكون المقابلة الأولى مساء هذا اليوم إن شاء الله .
**************
العلم خير يا أبي..
خير يا شعيبي... من أين يأتي الخير في هذه الأيام..؟
أريد أن استر ديني يا أبي.
يا ليت ياشعيبي ولكن...
يا ليت ياشعيبي ولكن...
ولكن ماذا يا أبي، لا تخاف يا أبي لن ترفضني.. لقد اتفقنا بل وتعاهدنا على ذلك.
ماذا تقصد ياشعيبي بأنهم لن يرفضوك.. هل تعيّرني برفض بنات القبيلة ؟
لا لا ، معاذ الله يا أبي ، ولكنني أريد أن نجد من يرعانا ويتولى شؤون منزلنا فقد طال بنا الوقت يا أبي على هذه الحال .
***************
العلم خير وصلاة على النبي يا ابوحليمة.
خير.. خير.. حياك الله وحيا علمك.
تعرف ما جرني إلا الحاجة ، فقد طال بي الوقت وأنا على هذه الحالة والرجّال لا بد له من " كافلة " تستر بيته ، وأنت عندك "فقه "، بنتك حليمة حق الزواج ، وأنا طالبها منك على سنة الله ورسوله .
ههه.. ههه ، والله ماظنيت يا أبا شعيبي أنها تقبل بك .. يا لله حسن الخاتمة .
لا تستعجل يا رجال ، شاورها وخذ رأيها ، وإذا حصل نصيب لا ترده .. .
خير.. خير.. أبشر نشاورها ولو أنني متأكد من الرد .
***********
حليمة .. يا حليمة .. قلب حليمة يكاد يطير من الفرح ، فاللحظة التي كانت تنتظرها قد حصلت ، ولا يمكن أن تضيعها .
نعم يبه . خير .
ابو شعيبي جانا الليلة يطلبك على سنة الله ورسوله .
لم تسمع حليمة المقطع الأول من كلمة " أبو شعيبي " فكل ما تعرفه وتريد سماعه هو " شعيبي " .
تسكت ولا ترد .
مالك ياحليمه لا تردين . هل أفهم من هذا أنك راضية ؟ السكوت كما يقولون علامة الرضا .
على بركة الله يا بنتي ..!! والله هذا اللي ما كنت أتوقعه ، يتمتم أبوحليمه وهو عائدا من عندها .
*********
ابشر بالخير يا أبا شعيبي . والله البنت وافقت .
الله يبشرك بالخير . أروح أزهم على الفقيه يملك لنا فخير البر عاجله .
********
يعود أبو شعيبي إلى بيته ، وينتظر منه ابنه شعيبي الخبر ، لكن هيهات ، إنه خبر لا يسر .
ينتشر الخبر في القرية كما تنتشر النار في الهشيم ، يا للغرابة ! حليمة أملكوا بها البارح على أبو " شعيبي" .
افترقا" شعيبي" وحبيبته "حليمة "افتراقا ماكان يطري على بالهما، إلا من المهنة التي جمعتهما وهما أطفالا ؛ رعاية الغنم ، التي جمعت بينهما في صبيحة اليوم الثاني ،إلا أنه لم يستطع الاقتراب منها " شعيبي" هذه المرة ، بحكم أنها قد أصبحت زوجة لأبيه .
**********
الطرف الثاني من هذه القصيدة التي أرسلها " شعيبي" على طرق الجبل، هو آخر ما كان يريد أن يعاتب به حبيبته التي غدرت به:
نصيحتي لا تعشقين إلا عوازيب
فإنّ عشق الشيب عيبي
وابن آدمي ما يأخذ إلا من وفوقه
يا عطر والماء يسوقه
حب الخلايق راخيٌ وأمّا أنت جاء فوق .
فإنّ عشق الشيب عيبي
وابن آدمي ما يأخذ إلا من وفوقه
يا عطر والماء يسوقه
حب الخلايق راخيٌ وأمّا أنت جاء فوق .
لم يكن يعلم بالخديعة التي خطط لها أبوه ، حين ذهب ليخطب حليمة ليس لابنه كما كان يعتقد "شعيبي "وحبيبته حليمة ، بل له هو ، ولم يكن يعلم أيضا أن أباه قد تبعه في ذلك اليوم متخفيا ليرى ما إذا كان " شعيبي " سيحاول مقابلة "حليمة " بعدما أصبحت زوجة لأبيه ، إلا أن الذي لم يكن في حسبانه ولم يدر في خلده ولا في خياله هو أن أباه سيعاجله بضربة من رمحه حال انتهائه من آخر بيت من قصيدته تلك ليرديه قتيلا ويخسره ويخسر حليمة ويخسر نفسه وإلى الأبد .
-----------------
قصة حقيقية.
تعليق