بعيدا عن كثافة السكان وضجيج الازعاج وزحام المدن
وبين تلك الجبال التي تكسوها الخضرة
وفي تلك البيوت القديمة والمبنية من الحجر والمسقفة من خشب العرعر
والمطلية بأحدث انواع البويات في ذلك الوقت بويات الخلبة والشيده
وتلك الزفر التي طليت بالقار يسمونها في ذلك الوقت بويه ساده
وتلك البسط من سعف النخل وجلود الاغنام
و على تلك الطراحه القطن وبجوار المله اتلحف جبتي الصوف
وأصلق سيقاني قليلاً واشنقها على اطراف الكانون فقد كنت أرى في ذلك متعه
طلع الفجر وخرجت الشمس بأنوارها المشعة تخترق الأفق وأضواءها الساطعة
على قمم الجبال وبطون الأودية وأغصان الأشجار وخرجت الطيور من أوكارها
تنتظر بشغف شديد خروج النور كي تصول وتجول في أشجار الوادي
وإذا بي أسمع هذرمة الكهله وهي تخرج غنمها وتهيئها للمرعى
وتحوق دمن بقرتها وتعلفها وتقدم لها احلى مائدة
شربة عدس من بقايا الطعام ((المواص ))
ثم تأتي وتكرمني بقرص المخوض مع قدح الحقينه وتقدم لي الاغراءات
قليل من الزبيب واللباب تملأ بها جيوبي فتجهز عتادى من منسبة وغيرها
وتسوق لي غنمي وتخرجها من الساحه لا اخذها واتجول بها في أرجاء القرية
وفي بطون الاودية واتمتع بتلك المشاهد الخلابة واستنشق تلك الروائح الزكيه
من سداب وغيره فأينما أتجه أجد الماء
الابار الجلال الكظائم الكرار وأمعن النظر في تلك الأعشاب والأشجار
التي غطت بخضرتها الجبال
يا له من منظر خلاب وصورة مشرقة فالجبال اكتظت بالرعاة وبريق المياه يتلألأ كأنه لؤلؤ منثور
أخذت اصول وأجول أحملق في الوديان بحثاً عن الطيور وليس كل الطيور
فقدكنت أرى في العظاظ وابو حصى وأبوحمره غنيمة لاتقدر بثمن
لاجلس بعد اصطيادها تحت ظل العرعره واقوم بشويها واكلها مع
ما وفرته لي كهلتي من زبيب وغيره مسروراً بتلك الحياة الجميلة
التي لم أطمح فيها إلى بناء القصور
فأهل القرية كأنهم إخوة يكسرون الحصى ويتعاونون على بناء منازلهم بأنفسهم
ويزرعون أراضيهم ويبنون روبها وينظفون ملحقاتها من دبل وفلج وكظامه
و يأكلون من تعبهم وكدهم ويتقاسمون لقمة العيش بحلوها ومرها
ترى فيهم البساطة والقناعه وعلى نياتهم
كان يرزقهم الله الرحمه وتمطر السماء عليهم
فلم يطمحوا للوصول إلى المناصب التي تقاتل من أجلها كثير من الناس
وطبعاً لا أقصد القتل الحقيقي بل بالضغوط النفسية على الأفراد
الذين اعتقد كثيراً من أهل المناصب العليا بأن من دونهم مجرد عبيد لهم
لذلك كان بالي مرتاح وفؤادي نقي أمضي إلى مرعى غنمي
واكل ماتصيده منسبتي وأمسي على عيش حلة أو خبزه من شعير أوقمح
والحقها بقليل من الحقينه وأنام نوماً عميقاً لكثرة العناء الذي ليس فيه
ضغوط نفسيه ولكنه عناء هنيء وبال مرتاح لنبقى نذكر تلك الايام الجميلة
التي حفرت في صنادحنا
وهانحن الآن نعيش زمن العولمه وعصر السرعه فقد استبدلنا التطلي بالكريمه
ومرقة الدجاج العربي بمرقة ماجي واللقيمات بالسنبوسه والمعرق بالشربه
وحدث ولاحرج
اخيرا اقوووول :
كل عام وانتم بخير
تعليق