محمد نعيم..
شخصٌ من بين ملايين كانت تعج بهم شبه القارة الهندية في ذاك الزمن..
مر بمنزلهم مع المساء شخصان متخفيان..
أوصلا إليه خبر استشهاد ابنه الأكبر في ساحات القتال..
كانت الثورة ضد الإنجليز على أشدها..
"حسبنا الله ونعم الوكيل"
ما زال يرددها وهو يصبر زوجته الثكلى.. ويخبرها ما للشهيد عند الله من مكانة..
بعد ثلاثة أيام..
كانت قطعانٌ من ذئاب الإنجليز والهندوس تقتحم منزلهم..
بالعنف وتحت تهديد السلاح؛ أمروهم بالخروج منه..
هاهم يسرقون مدخراتهم القليلة ومتاعهم الزهيد..
وعند الخروج؛ أضرموا النار في مزرعته القريبة؛ والتي أوشك أن يبدأ بحصاد ما زرعه فيها؛ واعتنى به منذ شهور..
وأمام نظراته ونظرات زوجه الذاهلة البائسة
كان رزق الغد وما أعدوه لعامهم من محصول؛؛
تتناوله النيران فتتركه رمادا
ويفتح المستقبل المظلم فاه؛ ليبلع في جوفه هذين المنكودين..
في بطنها جنينٌ قادمٌ إلى الحياة
وهي في شهور الحمل الأخيرة هذه؛ أشد ما تكون حاجةً للغذاء
لإطعام نفسها؛؛ وتغذية صغيرها..
أما الزوج فقد نسي نفسه وما سيدركه من جوعٍ يعجزه عن العمل..
لم يكن تفكيره إلا بهذه البائسة
وذاك الصغير المقبل على الحياة، ليس يدري ما أمامه فيها من آلام..
بعد شهرين من الحدث..
كانت الأم تنام على فراشٍ صفيق، شاحبة الوجه، شاخصة العينين..
اجتمع عليها الألم مع الجوع؛ ليتركاها كخرقةٍ بالية..
وبجوارها ينام الصغير المولود
لم يكن يعلو بالصراخ كشأن أترابه، وإنما بكاءٌ أشبه ما يكون بالمواء..
أنهكه الجوع؛ وقد جف من أمه الضرع؛ وأنى لها بإرضاعه ولما تذق الطعام منذ ثلاثة أيام..
رغم كل شيءٍ قدم إلى الحياة..
شهران وأبواه يأكلان مما يلقطانه من المحصول المتبقي هنا وهناك..
والذي لم تدركه النار، أو مسته مساً خفيفا..
وأتت أيام الولادة بعد أن أقفرت الأرض من كل ما يمكن أن يؤكل.
فالزوج لم يدخل بطنه شيء منذ خمسة أيام
يراوح فيها بين أرضه الجرداء وزوجته المريضة..
أخيراً.. خفت الصوت الرقيق المنبعث من المنزل.
أسلم المولود روحه لبارئها، محلقةً إلى السماء، إلى جنات النعيم..
حمله أبوه ليودعه قبراً صغيراً حفره على عجل..
واراه التراب وهو يغسله بالدموع والزفرات..
ثم استدار عائداً إلى زوجته، آخر أحبابه على هذه الأرض..
لطف الله وقدره..
أسلمها الجوع والمرض لغيبوبةٍ عميقة..
ظلت تهذي فيها بذكر أيامٍ من ماضيها، ولا تعلم عن ممات الصغير شيئا..
فجأةً.. يتقلص جسدها، هاتفةً تطلب الطعام..
ثم استسلمت لنومٍ عميق، وأضلاعها البارزة تتحرك منبئةً عن بقاء رمق..
خرج الزوج من منزل الحزن المريع..
يجر عريه وحزنه وجوعه، حاملاً منجله وقد عزم ألا يعود لزوجه إلا وبيده ما يسد سغبها..
ويبعد عنها شبح الموت الكئيب..
أخذ يحفر الأرض حاسراً لاهثا.. وكأنما قد التاث عقله؛؛
يحفر هنا، ثم ينتقل لينقب هناك، ثم هو يعود مرةً أخرى..
الجوع (كافر)؛؛ كيف إذا تحالف معه الحزن والهم..
بلغ طرف المزرعة القصي.. ليجد منجله يسقط من يده..
فيجلس على الأرض، واضعاً رأسه بين ركبتيه، باسطاً يديه إلى الأمام..
هـدّه التعب والإعياء والجوع..
من بعيدٍ يدنو كلبٌ جائعٌ مسعور..
يقترب من الرجل البائس؛؛ الجالس بلا حراك.
وأمام البشرية؛؛ في صورة هزت العالم..
أخذ الكلب ينهش يد الرجل الممدودة!!..
وهو عاجزٌ عن طرده؛ عاجزٌ عن الحركة؛ عاجزٌ حتى عن الصراخ..
كلما هناك:
عينان مذهولتان تدوران؛
تنبئان أن صاحبهما يؤكل وهو على قيد الحياة..
شخصٌ من بين ملايين كانت تعج بهم شبه القارة الهندية في ذاك الزمن..
مر بمنزلهم مع المساء شخصان متخفيان..
أوصلا إليه خبر استشهاد ابنه الأكبر في ساحات القتال..
كانت الثورة ضد الإنجليز على أشدها..
"حسبنا الله ونعم الوكيل"
ما زال يرددها وهو يصبر زوجته الثكلى.. ويخبرها ما للشهيد عند الله من مكانة..
بعد ثلاثة أيام..
كانت قطعانٌ من ذئاب الإنجليز والهندوس تقتحم منزلهم..
بالعنف وتحت تهديد السلاح؛ أمروهم بالخروج منه..
هاهم يسرقون مدخراتهم القليلة ومتاعهم الزهيد..
وعند الخروج؛ أضرموا النار في مزرعته القريبة؛ والتي أوشك أن يبدأ بحصاد ما زرعه فيها؛ واعتنى به منذ شهور..
وأمام نظراته ونظرات زوجه الذاهلة البائسة
كان رزق الغد وما أعدوه لعامهم من محصول؛؛
تتناوله النيران فتتركه رمادا
ويفتح المستقبل المظلم فاه؛ ليبلع في جوفه هذين المنكودين..
في بطنها جنينٌ قادمٌ إلى الحياة
وهي في شهور الحمل الأخيرة هذه؛ أشد ما تكون حاجةً للغذاء
لإطعام نفسها؛؛ وتغذية صغيرها..
أما الزوج فقد نسي نفسه وما سيدركه من جوعٍ يعجزه عن العمل..
لم يكن تفكيره إلا بهذه البائسة
وذاك الصغير المقبل على الحياة، ليس يدري ما أمامه فيها من آلام..
بعد شهرين من الحدث..
كانت الأم تنام على فراشٍ صفيق، شاحبة الوجه، شاخصة العينين..
اجتمع عليها الألم مع الجوع؛ ليتركاها كخرقةٍ بالية..
وبجوارها ينام الصغير المولود
لم يكن يعلو بالصراخ كشأن أترابه، وإنما بكاءٌ أشبه ما يكون بالمواء..
أنهكه الجوع؛ وقد جف من أمه الضرع؛ وأنى لها بإرضاعه ولما تذق الطعام منذ ثلاثة أيام..
رغم كل شيءٍ قدم إلى الحياة..
شهران وأبواه يأكلان مما يلقطانه من المحصول المتبقي هنا وهناك..
والذي لم تدركه النار، أو مسته مساً خفيفا..
وأتت أيام الولادة بعد أن أقفرت الأرض من كل ما يمكن أن يؤكل.
فالزوج لم يدخل بطنه شيء منذ خمسة أيام
يراوح فيها بين أرضه الجرداء وزوجته المريضة..
أخيراً.. خفت الصوت الرقيق المنبعث من المنزل.
أسلم المولود روحه لبارئها، محلقةً إلى السماء، إلى جنات النعيم..
حمله أبوه ليودعه قبراً صغيراً حفره على عجل..
واراه التراب وهو يغسله بالدموع والزفرات..
ثم استدار عائداً إلى زوجته، آخر أحبابه على هذه الأرض..
لطف الله وقدره..
أسلمها الجوع والمرض لغيبوبةٍ عميقة..
ظلت تهذي فيها بذكر أيامٍ من ماضيها، ولا تعلم عن ممات الصغير شيئا..
فجأةً.. يتقلص جسدها، هاتفةً تطلب الطعام..
ثم استسلمت لنومٍ عميق، وأضلاعها البارزة تتحرك منبئةً عن بقاء رمق..
خرج الزوج من منزل الحزن المريع..
يجر عريه وحزنه وجوعه، حاملاً منجله وقد عزم ألا يعود لزوجه إلا وبيده ما يسد سغبها..
ويبعد عنها شبح الموت الكئيب..
أخذ يحفر الأرض حاسراً لاهثا.. وكأنما قد التاث عقله؛؛
يحفر هنا، ثم ينتقل لينقب هناك، ثم هو يعود مرةً أخرى..
الجوع (كافر)؛؛ كيف إذا تحالف معه الحزن والهم..
بلغ طرف المزرعة القصي.. ليجد منجله يسقط من يده..
فيجلس على الأرض، واضعاً رأسه بين ركبتيه، باسطاً يديه إلى الأمام..
هـدّه التعب والإعياء والجوع..
من بعيدٍ يدنو كلبٌ جائعٌ مسعور..
يقترب من الرجل البائس؛؛ الجالس بلا حراك.
وأمام البشرية؛؛ في صورة هزت العالم..
أخذ الكلب ينهش يد الرجل الممدودة!!..
وهو عاجزٌ عن طرده؛ عاجزٌ عن الحركة؛ عاجزٌ حتى عن الصراخ..
كلما هناك:
عينان مذهولتان تدوران؛
تنبئان أن صاحبهما يؤكل وهو على قيد الحياة..
تعليق