رسالة أب إلى أبنة هذه خلاصات وليست نصائح
قلت لابني العائد من لندن مع اشادة من جامعته: لم اكثر عليك الكلام وانت ولد فلن اكثره وانت رجل. لكنني كأي اب لدي بعض الخلاصات، وليس بعض النصائح. اولاً، الذي جرى حتى الآن، انك اكرمت أمك وأكرمتني. من الآن فصاعداً سوف تكرم نفسك. اتمنى لك زوجة مثل زوجتي، وابناء مثل ابنتي ومثلك. وهذا عطف كبير من الله وفضل وفير. لا تحاول ان تَكبَر نفسك بعام لكي لا تشقى. ولا تصغر نفسك بعام، لكي لا تلقى. اجتهد، والباقي حق لك. لا يغرنَّك شيء، فلم يتساقط من حولي سوى المغرورين. قارب الناجح لأنه يحفزك على دخول السباق. وتجنب الفاشل لأنه يمضي العمر وهو يحاول ان يشدك من رجليك. الناجحون في الحياة استمرار والفاشلون اعاقة. اذا عرفت ان تنتقي اصدقاءك تقشبت حياتك. اذا دققت في رفقتك صوَّنت سمعتك. اجتهد. الفرح حياة لكن هدر الوقت ندم. اقل ما نملك في الدنيا هو الوقت. انه عطية صغيرة يتقاسمها ملايين البشر. احرص على حصتك منه: لا تخاصم، لأن الخصومة للصغار، ولا تعادي لأن العداء للحاسدين، ولا تتوقف عند رواسب الامس لئلا تتحول الى وحول.
تمتَّع بنجاح سواك وحاول ان تجاريه، لا ان تقلده ولا ان تحسده. الحسد خنجر في خاصرة صاحبه. اجتهد، وكل شيء يأتيك. الثروة هي ما نكسب لا ما نطمع. والقدرة هي المقدرة على الخير. كل اغراء آخر هلاك للنفس وعذاب وذل. واكثر ما اتمنى لك، هو الا تذل من اجل مال او انسان او حتى وطن. وطن الانسان كرامته. وعز الانسان عزة نفسه. وكِبر الانسان في تواضعه. اجتهد.
لكي تحافظ على كرامتك يجب ان تسعى الى شيء واحد: الاستقلال المادي المقنع. هذه هي الراحة. راحة البال. الثروة الكبرى همَّ. او مجموعة من الهموم. والعمر اقصر من ان يتحملها كلها. الاستقلال المقنع يبعد عنك العين ويصرف الاشرار والثروة الكبرى تستعسلهم. حماك الله من الاشرار، انهم في هذا الزمن كثيرون. اننا في زمن شديد الانحطاط لأن الحروب الحالية تقتل الضمائر وليس الناس. وابق الى جانب المتواضعين والضعفاء والعائشين بخوف الله. هؤلاء هم علة الارض.
واحفظ قضيتك ووطنك وأمتك. فإنها امانتك. لكن لا تنس ابداً الذين استضافوك يوم كنا في حاجة الى ملجأ، والذين منحوك السلم يوم كان بلدك في الحرب والقتال والدمار. وانت قومي عربي راق وحرَّ، ولذا فأنت حكماً انسان عليك مسؤولية حيال كل انسان آخر. لقد وقفت انا ـ بأسطري المتواضعة القليلة ـ مع الناس في كوبا ومع الضحايا في فيتنام ومع الاطفال في بنغلادش، ووقفت وسوف اظل مع القضية الفلسطينية، بصرف النظر عما قاسيت احياناً من البعض، وعما لقيت دائماً من اصدقائي. واتمنى عليك ان تكون انت ايضاً مع كل قضية عادلة في الارض، وان تحب وتناصر الدول الصغيرة التي لا تؤذي ولا تعتدي. والا يعنيك شيء في الامبراطوريات سوى آدابها وعلمائها وحاملي شعلة الانسان فيها.
لا تتخذ موقفاً لا يرضى عنه قلبك. واحرص على توافق القلب والعقل معاً ولا تجعلهما في تنازع. وضع نفسك دائماً مكان الآخر. فاذا كان شريراً احتميت منه باكراً. واذا كان خيَّراً تقرَّبت منه دائماً. واحذر المتغطرسين فإنهم يتعثرون دوماً بأذيالهم ويعرقلون طريقك. اجتهد. اقرأ. واكتب. وربما قال لك اب آخر: تجنب مهنتي. اياك والكتابة. لكنني اتمنى لك واتمنى عليك ان تكتب. وان تقرأ. وان تجتهد. ليس هناك مهنة اجمل من هذه المهنة سوى الموسيقى. او التجوال في البراري. ولكن خذ خبرتي: انها اجمل المهن. برغم وعورة الطريق. درب جميل حتى النهاية برغم قباحات الصدف.
اعطني جبينك اقبّله. الله ولي التوفيق
مقال للكاتب سمير عطا الكاتب اليومي في صحيفة الشرق الاوسط ونقل عن الشرق الاوسط في جميع الصحف والمنتديات وهنا أنقلة لكم للفائدة
قلت لابني العائد من لندن مع اشادة من جامعته: لم اكثر عليك الكلام وانت ولد فلن اكثره وانت رجل. لكنني كأي اب لدي بعض الخلاصات، وليس بعض النصائح. اولاً، الذي جرى حتى الآن، انك اكرمت أمك وأكرمتني. من الآن فصاعداً سوف تكرم نفسك. اتمنى لك زوجة مثل زوجتي، وابناء مثل ابنتي ومثلك. وهذا عطف كبير من الله وفضل وفير. لا تحاول ان تَكبَر نفسك بعام لكي لا تشقى. ولا تصغر نفسك بعام، لكي لا تلقى. اجتهد، والباقي حق لك. لا يغرنَّك شيء، فلم يتساقط من حولي سوى المغرورين. قارب الناجح لأنه يحفزك على دخول السباق. وتجنب الفاشل لأنه يمضي العمر وهو يحاول ان يشدك من رجليك. الناجحون في الحياة استمرار والفاشلون اعاقة. اذا عرفت ان تنتقي اصدقاءك تقشبت حياتك. اذا دققت في رفقتك صوَّنت سمعتك. اجتهد. الفرح حياة لكن هدر الوقت ندم. اقل ما نملك في الدنيا هو الوقت. انه عطية صغيرة يتقاسمها ملايين البشر. احرص على حصتك منه: لا تخاصم، لأن الخصومة للصغار، ولا تعادي لأن العداء للحاسدين، ولا تتوقف عند رواسب الامس لئلا تتحول الى وحول.
تمتَّع بنجاح سواك وحاول ان تجاريه، لا ان تقلده ولا ان تحسده. الحسد خنجر في خاصرة صاحبه. اجتهد، وكل شيء يأتيك. الثروة هي ما نكسب لا ما نطمع. والقدرة هي المقدرة على الخير. كل اغراء آخر هلاك للنفس وعذاب وذل. واكثر ما اتمنى لك، هو الا تذل من اجل مال او انسان او حتى وطن. وطن الانسان كرامته. وعز الانسان عزة نفسه. وكِبر الانسان في تواضعه. اجتهد.
لكي تحافظ على كرامتك يجب ان تسعى الى شيء واحد: الاستقلال المادي المقنع. هذه هي الراحة. راحة البال. الثروة الكبرى همَّ. او مجموعة من الهموم. والعمر اقصر من ان يتحملها كلها. الاستقلال المقنع يبعد عنك العين ويصرف الاشرار والثروة الكبرى تستعسلهم. حماك الله من الاشرار، انهم في هذا الزمن كثيرون. اننا في زمن شديد الانحطاط لأن الحروب الحالية تقتل الضمائر وليس الناس. وابق الى جانب المتواضعين والضعفاء والعائشين بخوف الله. هؤلاء هم علة الارض.
واحفظ قضيتك ووطنك وأمتك. فإنها امانتك. لكن لا تنس ابداً الذين استضافوك يوم كنا في حاجة الى ملجأ، والذين منحوك السلم يوم كان بلدك في الحرب والقتال والدمار. وانت قومي عربي راق وحرَّ، ولذا فأنت حكماً انسان عليك مسؤولية حيال كل انسان آخر. لقد وقفت انا ـ بأسطري المتواضعة القليلة ـ مع الناس في كوبا ومع الضحايا في فيتنام ومع الاطفال في بنغلادش، ووقفت وسوف اظل مع القضية الفلسطينية، بصرف النظر عما قاسيت احياناً من البعض، وعما لقيت دائماً من اصدقائي. واتمنى عليك ان تكون انت ايضاً مع كل قضية عادلة في الارض، وان تحب وتناصر الدول الصغيرة التي لا تؤذي ولا تعتدي. والا يعنيك شيء في الامبراطوريات سوى آدابها وعلمائها وحاملي شعلة الانسان فيها.
لا تتخذ موقفاً لا يرضى عنه قلبك. واحرص على توافق القلب والعقل معاً ولا تجعلهما في تنازع. وضع نفسك دائماً مكان الآخر. فاذا كان شريراً احتميت منه باكراً. واذا كان خيَّراً تقرَّبت منه دائماً. واحذر المتغطرسين فإنهم يتعثرون دوماً بأذيالهم ويعرقلون طريقك. اجتهد. اقرأ. واكتب. وربما قال لك اب آخر: تجنب مهنتي. اياك والكتابة. لكنني اتمنى لك واتمنى عليك ان تكتب. وان تقرأ. وان تجتهد. ليس هناك مهنة اجمل من هذه المهنة سوى الموسيقى. او التجوال في البراري. ولكن خذ خبرتي: انها اجمل المهن. برغم وعورة الطريق. درب جميل حتى النهاية برغم قباحات الصدف.
اعطني جبينك اقبّله. الله ولي التوفيق
مقال للكاتب سمير عطا الكاتب اليومي في صحيفة الشرق الاوسط ونقل عن الشرق الاوسط في جميع الصحف والمنتديات وهنا أنقلة لكم للفائدة
تعليق