جاء في كتاب الخرافات الهندية أن فريقا من الغربان والحدأ (جمع حدأة) ضمتهم غابة فاختلفوا حول الغنائم ثم تقدم شيوخ وعقلاء الفريقين فوصلوا إلى اتفاق ينص على تقاسم الفرائس مناصفة أيا كانت.
وفي يوم وقع ثعلب في مصيدة نصبها الصيادون. ثم إنه ما زال يعالج نفسه للخلاص حتى خرج مثخن الجراح أقرب للموت منه إلى الحياة فكان يمشي خطوة ويسقط حتى أنهكت قواه فاستسلم إلى الأرض. فاجتمعت فوقه مجموعة من الغربان التي طارت بالخبر إلى جماعتها وما هي لحظات حتى كان يحلق فوق رأس الثعلب المسكين غيمة من طيور الغربان والحدأ.
نظر كل فريق في وجه الآخر وقالوا القسمة بيننا حسب الاتفاقية فأي نصف تريدون من هذه الفريسة؟ قالت الغربان نريد نصفه العلوي وقالت الحدأ حسنا سنأخذ النصف السفلي ففيه الأفخاذ والحشى واللحم الطري. ثم اقترب الفريقان من الثعلب المتماوت وهو يفتح عينا ويغمض أخرى ويقول سنرى من يأكل من؟ فلما أصبحت الحدأ قريبة منه رفع رأسه بتثاقل ثم قال:
يا معشر الحدأ كنت أظنكم أفقه من في الغابة فكيف تضحون بنصفي العلوي وتتركونه للغربان التي هي دونكم خلقة وأقبح منظرا وأبشع لونا وفي نصفي العلوي خلاصة مكري ودهائي، فيه رأسي ومخي أنا أبو حصين الثعلب المكار؟ أما نصفي السفلي ففيه قاذوراتي ومخلفات أقدامي ويبوسة كوارعي فأي نصف اخترتم أيها البلهاء؟
نظرت الحدأ في بعضها وقالت الرأي ما قال أبو حصين فكيف لم يخطر في بالنا رأسه المكار ودماغه الداهية ولقد قيل في الأمثال من قديم الزمان إن من يأكل دماغ الثعلب ازداد حنكة، فليس في الغابة أشد منه مكرا ودهاء وهل سمعتم ما فعل الثعلب يوما بالديك؟ قالت حدأة وماذا فعل؟ قالت أخرى:
زعموا أن ثعلباً جائعاً اقترب في يوم ريح وبرد من ديك وهو يتظاهر بالموت فنظر إليه الديك وقال ما بال أبي حصين يمشي اليوم متثاقلاُ على غير عادته قال يا صاحبي هي الآجال كما تعرف وأنا اقترب أجلي اليوم فأنا أكثر الصلاة والتوبة وأطلب الصفح منكم معشر الديكة فقد أسأت إليكم كثيرا واعتديت عليكم الدهر كله وبلغني من أخبرني أن ديكا في الناحية الفلانية هو سيد الحكماء فاذهب فاستفد من حكمته وأظنه أنت المقصود فانتفخ الديك وصفق بجناحيه زهوا.
وفي هذه الأثناء كان الثعلب قد اقترب أكثر ولكن ليس بالقدر الذي ينقض فيه على الديك ثم قال له: أيها الديك الحكيم نحن اليوم في مطر وبرد وريح فإذا اشتدت الريح ما أنت فاعل وهل يمكن أن أتعلم منك فقد آذاني البرد قبل موتي؟ قال الديك بانتفاخ أكبر الأمر بسيط أضع رأسي تحت جناحي المقابل فإن جاءت الريح من اليمين طويته تحت جناحي الشمال والعكس بالعكس فلا أحس بالقر.
قال له الثعلب حسنا. والله إنكم قوم أذكياء نجباء معشر الديكة. ولكن يا صاحبي هب أن الريح جاءت من اليمين والشمال فماذا تفعل؟ قال أضم جناحي الاثنين فأخفي رأسي كاملاً. قال الثعلب وقد اقترب مقدار ذراع أكثر. ولكن كما تعرف يا صاحبي فالكل يدعي ما تدعون ولكن لا يحسنون ما تحسنون. وقديما قيل إن التفكير بالشيء والحديث عنه غير مواجهته والتصرف حياله فهذا يفرق الخبير عن الجاهل.
قال الديك حسناً نحن اليوم في برد وريح فانظر ما أنا فاعل وتعلم. ثم إن الديك نفض جناحيه وأخفض رأسه ثم أخفى رأسه بين جناحيه وكان الثعلب قد اقترب ما فيه الكفاية فانقض عليه فأكله. قالت الحدأ حينما سمعت القصة والله إنه غدار مكار ذكي ويحسن الانتفاع برأسه ودماغه ففيه سره والأكل منه يرفع الذكاء عندنا. ثم إن الحدأ رجعوا إلى الغربان فقالوا نحن نريد النصف العلوي. قالت الغربان ولكنكم وافقتم للتو على أخذ نصفه السفلي.
قالت الحدأ: غير العلوي لا نريد. فتشاورت الغربان وقالت إنه أمر دبر بليل ولا شك أنهم رأوا من الثعلب ما أربأهم فغيروا رأيهم فقالوا للحدأ: ونحن لا نبدل ولا نغير ولا نريد سوى العلوي قالت الحدأ: بل أنتم تأخذون النصف السفلي.
ومازالوا في جدل حتى انفجرت العداوة ونسي القوم شيوخهم وعقلاءهم وبدأوا في الاقتتال في السماء فوق رأس الثعلب وهو يتأملهم بابتسامة راضية. وفي ساعة من نهار كان الكثير منهم قد سقط ميتا فوق الثعلب والقليل الذي بقي حيا تابع قتاله في مكان آخر. وبقي الثعلب الجريح يقتات من جثث الحدأ والغربان أياما حتى التأمت جراحه وقوي على المشي وغادر المكان بصحة وعافية ومرح وهو يقول: "يستفيد الضعفاء من مشاجرات الأقوياء".
تنويه :هذه القطعة من بين ما وجدته محفوظا في مستنداتي لا أدري من هو صاحبها والأكيد أنها ليست من بنات أفكاري .
تعليق