Unconfigured Ad Widget

Collapse

مجرد حلم..

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • فارس الأصيل
    عضو مميز
    • Feb 2002
    • 3319

    مجرد حلم..

    فجأة استيقظ من حلمه .. لم يستيقظ بل هذا ما توقعه ، قام بأعماله الروتينية التي أعتاد عليها حتى باتت جزء ً لا يتجزأ من شخصيته الغريبة ، حلق لحيته .. مّـسد شاربه و رشق بعض الماء على وجهه الشاحب ، أشعل الموقد الصغير و وضع عليه دلة القهوة التي أعاد تسخينها ربما للمرة العاشرة صب في قدحه تلك المياه السوداء ذات الرائحة المنعشة و الطعم اللاذع اللتان لا يستطيع مقاومتهما أبدا ً ، تناول علبة السجائر الملقاة بغير وضع محدد على الطاولة العتيقة التي تنضح بملاين من ذرات الغبار أشعل سيجارته و مضي يحتسى كوبه الوحيد ذاك الكوب الذي لم يعي وظيفة أخرى له في الوجود سوى احتواءه هذا المزيج الأسود ، مضى متثاقلا ً إلى مذياعه الصغير يبحث بين موجاته القليلة عن شيء يصلح للاستماع " كلها أخبار ملفقة معتقة ، على الإنسان أن يبتعد عن نشرات الأخبار أن أراد أن لا يصاب بالشيخوخة مبكرا ً " هذا ما قاله في نفسه ، أقفل مذياعه و مضى إلى التلفاز يبحث عن شيء مسلي لكن شيء لم يرق له ارتدى ملابسه ببروده المعتاد ، بحث في عقله عن مكان يستحق العناء للذهاب إليه قرر أخيرا ً أن يتسكع في الحديقة .. لم يتغير شيء في هذه الحديقة مذ وجدت أشجار السرو تمتد محاولة اقتحام عنان السماء تشيخ على مهلها ، تهرم وهي واقفة بنفس المكان لا تتحرك أو تبدي أدنى رغبة في التغيير بل تستمر في نموها متجاوزة حدود الزمان و المكان .. تلك الأزهار بائسة حقا ً تنمو في الصيف أو الربيع لكنها لا تمكث أكثر من ذلك لأن هذا لا يعنيها هي تبعث البهجة حقا ً لكنها بهجة مؤقتة لا تدوم ، مسّرُة مزيفة تنتهي بانتهاء الحدث المهم و أن كانت لا تعترض أن ترقد على سرير مريض أو ضريح قبر كذلك فهي لا تهتم كونها مجرد أكليل يتوج به العظماء أو قادة الحروب .

    لكنه الآن هنا لا يقلقه مصير الأشجار أو الأزهار فكل ما يحتاجه هو أن ينعم ببعض الوقت المسلي أو المفترض به أن يكون مسليا ً ، مضى إلى شجرة البلوط و رقد تحت ظلها .. السماء فوقه تنتشر إلى ما لا نهاية زرقاء رائعة تتخللها بعض السحب البيضاء يختلط هذا المزيج الرائع من الألوان بخضرة العشب من حوله ، لكن الأرض تبدو له ضيقة كرقعة الشطرنج لا تحمل سوى لونين أبيض وأسود أنه أسير نفسه التي باتت تضيق يوما ً بعد يوم ، أنه كهف الروتين المعتم أن حاول أن يخرج منه فقد روحه .. تلك الروح التي استسلمت لعواصف اليأس وضاعت نفسه في معمعة البحث عن بصيص نور وسط بحور لا متناهية من الضباب القاتم الذي يجعل الأمل في رؤية أي نور ضربا ً من المحال .. لا لاشيء إلا أنه يجلس هنالك تحت تلك الشجرة الكبيرة يحاول أن يجد معنى لحياته بين قليل من الأشياء التي تعلمها في حياته ، يقف مجددا ً يبحث عن شيء جديد يقتل به نهاره الطويل يتمشى في الشوارع تائها ً على وجهه يحاول أن يجد شيء يجذب انتباهه أو يعيد إليه قليلا ً من خياله ، أنه يفتقد الأفكار المجنونة هذه الأفكار التي تقلب موازيين حياته رأسا ً على عقب و تصنع لأيامه مذاقا ً آخر يرى خلاله الحياة كما يجب لها أن تكون أو كما تصورها أن تكون .. الناس من حوله لا تقف أو تنتظر أو تحتار بل هي عازمة على المضي في طريقها الذي سلكته سواء أكان يؤدي إلى غاية أم كان طريقا ً مسدود ، لكنه لا يحب أن يفضى به الدرب إلى طريق مسدود لا يحب أن يعود من حيث أتى .

    يجلس على صخرة أمام البحر أمواج البحر تبهره لا يعترض طريقها أي شيء تمضى حيث تشاء و قتما تشاء في أسوأ الظروف و أفضلها هي حرة لأنها اختارت أن تكون كذلك ، كم يتمنى أن ينتمي إلى هذا الطود العظيم يوما ً ما ، البحر هو أصدق تعبير عنه هادئ بعض الأحيان لكنه في هدوءه يخفي الكثير.. الكثير من المفاجآت .. خلف هدوءه يكمن الخطر الحقيقي وراء سكونه دوامات من الضياع ، ذلك لأنه لم يصل بعد إلى قاع نفسه لم يتلمس القاع بيديه و يتيقن أن هناك أرض صلبه يعٌـتمد عليها في أعماق نفسه ، وهو الآن أقرب من أي وقت مضى إلى الحقيقة.. حقيقة أن كل ما يدور حوله هو حلم بغيض كالذي يخوضه الآن .


    29/1/2003

    قلم / فراس خطاب
    هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
    كالبحر عمقاً والفضاء مدى
    مدونتي
    أحمد الهدية
Working...