- جهاد.. إنهم يهاجمون المنزل من الناحية الشرقية.. أسرع بالهروب..
استيقظت على هتاف صديقي حسان وهو يهزني بينما أغط أنا في نومٍ عميق بعد أيامٍ من الإجهاد في الغابات القريبة...
في لحظةٍ واحدة كنت قد استويت واقفاً بوسط الغرفة.. أسرعت احمل سلاحي وارتدي معطفي الثقيل تحسباً لما قد يكون في هذه الليالي الشاتية.. بينما قفز حسان إلى دولابٍ بناحية الغرفة الغربية ليزيحه من مكانه.. حيث تكشف عن ممر طويلٍ يؤدي إلى بابٍ يفتح على الناحية البعيدة من القرية.. تسللنا عبر الممر وما كدنا نعيد الدولاب لمكانه حتى أتانا صوت اقتحام الجنود للمنزل.. وباب المنزل الخشبي يكسره الجنود.. حيث تستقبلهم والدة صديقي بعد أن ودعت ابنها بدمعتين أسقطتهما على عجل.. ودرجنا نحن في الممر الطويل ونحن ندعو الله لها بالعون والسلامة..
ما إن فتحنا الباب الآخر البعيد.. حتى صوبت نحو صدورنا رشاشات الجنود مع أمر بإلقاء الأسلحة.. ألقيت أنا سلاحي ورفعت يدي للأعلى بينما تظاهر صديقي بإلقاء سلاحه .. وبحركةٍ رشيقة قفز إلى داخل المنزل وهو يطلق نيرانه على الجنود فأسرعت أنا بإلقاء جسمي على الأرض والرصاص المتبادل يمزق مسامعي ويئز فوق رأسي..
انتهى أمر صديقي.. فالكثرة تغلب الشجاعة.. وصعدت روحه إلى بارئها.. وبقيت أنا لحياة الهوان ولحكمةٍ يعلمها الله..
أسرع الجنود بتقييد يدي.. انهالت علي ركلاتهم ولكماتهم وشتائمهم.. خيطٌ من الدم انبجس من شفتي بعد أن جرحها أحد الأوغاد بيده الضخمة.. ألقيت نظرةً أخيرة على جسد صديقي المسجى.. رأيت على وجهه نوراً وهالةً من ضياء.. غبطته على هنائه ورثيت لنفسي في شقائي..
أجلت نظري في البيوت المقابلة وأنا أفكر.. ترى ما مصير نساء القرية وشيوخها؛ بل ومستقبل أجيالها.. بعد أن قضى الطغاة على شعلة الدين فيها..
رحمك الله يا حسان.. كم بنيت من رؤىً وآمال.. وكم طافت بنفسك من أماني وأحلام.. كنت تتطلع ليومٍ ترى فيه الإسلام واقعاً معاشاً وحكماً مطبقا.. كنت تنتظر ذلك اليوم الذي يسود فيه الحق بسيادة أهله.. فحوربت وحوربنا معك في آمالنا وتطلعاتنا.. شقينا بالكبت والسجون والمداهمات والاعتقالات.. وها أنت تموت في سبيل دينك وعقيدتك.. تموت وقد خلفت وراءك خطيبةً تنتظر يوم زفافك وزفافها ببالغ الشوق.. فلم تفقدك هي فقط؛ وإنما فقدك ديناً كم يحتاج إلى الغيورين عليه والمحبين له والمناضلين عن حماه من أمثالك.. رحلت صديقي إلى الحور أما أنا فدعني.. آه من ليلٍ طويلٍ سيطويني بجناحه..
لم يتركني الجنود لأسرح مع أحلامي.. فقد هوى علي أحدهم بعقب بندقيته وهو يأمرني بالسير أمامه.. فسرت والقيد يعيق رجلي عن المشي ولطمات الأوغاد تسوقني سوقاً إلى سيارتهم الواقفة غير بعيد..
ما إن وصلنا للسيارة حتى حملوني حملاً وقذفوني فيها.. وهناك استقبلني ضابطٌ ذو رتبةٍ عالية بركلةٍ ألقتني على الأرض.. ثم حمل قدمه القذرة ليضعها على وجهي ويكتم بها أنفاسي.. فاضطررت إلى الانقلاب بحيث يصبح وجهي للأرض.. ثم تحركت السيارة بينما رحت أنا وقد كفت عني ضرباتهم في شبه غيبوبة..
للقصة بقية>>>>..
تعليق