Unconfigured Ad Widget

Collapse

أنا وصديقي والفنار..

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • الفنار
    عضو مميز
    • Sep 2003
    • 653

    أنا وصديقي والفنار..

    أخذتني شمس الظهيرة بين ذراعيها ، قبلتني بأنفاسها الحارة ، أسرعت نحو سيارتي الفارهة ، كدت أضغط جهاز التكييف قبل أن أشغل السيارة . كان الحر لا يطاق ، تبخـّر من ذهني الحديث الذي كان بيني وبين صديقي محمد قبل قليل .
    آه.. نسيت إنكم لا تعرفون محمد ، اسمحوا لي أن أعرفكم به إذن...

    هو صديقي منذ الطفولة ، عشنا معا أكثر مراحل عمرنا السعيد ، لنا نفس الإهتمامات والرغبات . يشغلنا معاً هم الإسلام والمسلمين ، نتحدث في نفس الموضوعات ، نكاد نتفق في معظم الآراء . إلا أن بيننا فرقاً جوهرياً كبيراً ، إنه يعمل لما يتحمس لأجله ، ويفني عمره من أجل قضية يؤمن بها ، أما أنا فالتحسر والتذمر هو أقصى ما كنت أقدمه . كنت كما يقول عني دائما ؛ " ظاهرة صوتية "...، وبرغم ذلك لاتزال صداقتنا حتى بعد أن فرقت بيننا المشاغل والأيام .

    اليوم على غير المعتاد رن الهاتف بمكتبي ، رفعته لأجد محمد على الخط الآخر يدعوني لأمر مهم ، حاولت التأجيل والتسويف كالعادة ، إلا أن إصراره قطع علي كل طريق ، بعد ذلك بساعة كنت أصافحه وأنا أفكر أي مشروع في هذا الرأس يا ترى ؟! .
    لم يتمادى في السؤال عن الأحوال كثيرا بل دخل بي في صلب الموضوع مباشرة :

    - أنت تعرف يا فهد أنني أدير هذه المؤسسة الخيرية ، وإنني متى رجوت الله بعملي نلت أجريّ الدنيا والآخرة .
    لم أعلق على كلامه فلم أر َ فيه مايخصني ، بيد أنه استطرد :
    - وأنت تعرف أن هذه المؤسسة توزع كل شهر إعانات يجود بها المحسنون على بعض الأسر في الأحياء الفقيرة .

    ظننت أنه يريد مني التبرع ، فحمدت الله أن الأمر اقتصر على ذلك، هممت لأخرج حافظة نقودي إلا أنه أكمل دون أن يلحظ شيئا :
    - وقد تجمعت إعانات هذا الشهر وحان موعد توصيلها ، إلا أن السيارة المخصصة لذلك أصابها عطل ويستلزم إصلاحها عدة أيام .
    أخيراً ، وجدت لساني لأهتف : وما موقعي أنا من هذا كله؟!

    أجاب بابتسامة هادئة :
    - أنت ترى أن سيارتك الجديدة كبيرة بما فيه الكفاية ، لتحتسب أنت الأجر وتذهب فتوزع هذه الإعانات إلى الأسر المحتاجة .

    حدقت فيه غير مصدق :

    - محمد هل تمزح؟!

    تجهّـم وجهه وهو يجيب :
    - أنت تعرف أني لا أحب المزاح..

    - كيف تطلب مني أن أذهب إلى هذه الأحياء المشبوهة؟! وكيف أقود سيارتي الجديدة في تلك الطرق الترابية الضيقة؟! أنت تعلم أن هذا الأمر مستحيل تماما ، وغير قابل للمناقشة !..

    حاول محمد أن يثنيني ، بالترغيب بالأجر تارة والعطف على أولئك المساكين تارة ، إلا أن ذلك لم يؤثر في موقفي ، وأخيرا خرجت من المكتب وبيننا حاجز غير مرئي من التكلف وعدم الرضا .

    استرجعت كل ذلك وأنا أقود السيارة إلى منزلي، ولم يكن ليساورني أي ندم على موقفي السلبي، فالموضوع برأيي أوضح من أن أناقش فيه أو أجادل .

    وقفت عند الإشارة القريبة من المنزل، وهناك أبصرت به؛ براءته الطافحة من عينيه دفعتني إليه، رأيت الكثير مثله من قبل؛ لكن لم يلفت نظري أي منهم كهذا الواقف غير بعيد، أنزلت زجاج النافذة، أشرت له بيدي فاقبل نحوي يحمل بضاعته الزهيدة، رفع وجهه المشرق وابتدرني : السلام عليكم !.. شعرت أن خلف هذا الإشراق إشراقا أجل وأسمى ، أجبته بحنو لم أشعر به منذ زمن : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
    - كم علبة تريد؟

    - هات واحدة..

    إمتدت يده الصغيرة بعلبة المناديل ، وبالمقابل أخرجت ريالا دفعته إليه ، فأخذه ليخفيه بجيبه ، لم يبد حراكا ، فالتفت ناحيته لأرى يده تعبث بجيبه الممتلي ، أخرجها تحمل شريطاً قدمه لي مشفوعا بابتسامة بريئة خجولة، نظرت إلى الشريط فإذا به شريط إسلامي ؛ لم أرغب بشرائه فهو موجود بحوزتي .. مجاملة له سألته عن الثمن ، أجاب بابتسامته البريئة : إنه هديه....

    صكت العبارة مسامعي ، وتردد صداها في خاطري " إنه هدية "..

    لحظات خلتها دهوراً وأنا تنتابني مشاعر شتى ... يا لله طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره ، أخرجه ضيق ذات اليد ليبيع المناديل عند الإشارات ، وهو مع ذلك يعمل للإسلام ، ويحمل هم الدعوة في قلبه الغض ،
    وأنا.....آه من حالنا ..
    مددت يدي لآخذ الشريط منه، ثم التفت إليه لأرى هامته تعلو في الفضاء، وتجاوز الجوزاء .
    أصبحت كقبطان ٍ تائه ٍ ببحر ٍ هائج ٍ يقف أخيراً أمام فنار ، ُيلقي بسناه إلى المدى البعيد .
    سألته بصوت مخنوق : من أين تأتي بثمن الأشرطة ؟
    أجاب وقد ومضت عيناه بالمحبة : إنه أستاذنا ، يحثنا دائما على العمل للإسلام ، وعندما أخبرته أني أريد أن أوزع الأشرطة الإسلامية النافعة تعهد بأن يزودني بها كل يوم .

    سألته باهتمام : وهل تعطي الأشرطة لمن يشتري منك فقط ؟
    أجهز على ماتبقي من أعصابي بإجابته: أعطي من يشتري ومن لا يشتري .

    ستارٌ من الدمع ِ ُأسدل على عيني ، فلم أرَ الإشارة َ وهي تضيء للعبور . تعالى هديرُ السيارات من جانبي . وحينما التفتُ لمحدثي لم أجده !
    فانطلقت وقد تعالت أبواق السيارات من خلفي ، وبلا تردد امتدت يدي إلى جانبي لأحمل هاتفي الجوال واضغط أزراره . تعالى الرنين على الجانب الآخر ثم أتاني الرد:
    - السلام عليكم
    - وعليكم السلام ورحمة الله .. ماذا لديك يا فهد؟
    - محمد ، إنتظرني بمكتبك ، سأحضر إليك الآن لأقوم بالعمل الذي رفضته قبل قليل ..
    ( إنتهت )
    " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"
  • أبو صخر
    عضو نشيط
    • Feb 2004
    • 413

    #2
    الأخ/ الفنار

    فعلٌ تسامى ولم تفعله ..

    جود من الله فجد أنت بوصله ...

    خيرٌ طرق بابك ..وجانبته..

    خوف من الضيق أعتراك ولم تغلبه..

    طفلٌ وديعٌ .. يعيش الكفاف لم تودعه..

    ودمعٌ من العين لمسكين لم تكفكفه...
    .............................................
    يافنار هذه لم تكسبها لتؤجر عليها فاستعد لغيرها ..

    وفقك الله لعمل كل خير حتى تشتري منه منديلاً تكفكف به دموع المساكين فقد أعياهم الهم.. [/grade]
    علي أبونواس

    تعليق

    • حديث الزمان
      عضوة مميزة
      • Jan 2002
      • 2927

      #3

      الفنار


      لقد عشت تفاصيل الأحداث لحظة بلحظة من خلال السرد القصصي الرائع الذي أغبطك عليه ..


      استطاع ذلك الطفل اقناعك بما لم تقتنع به من صديقك الذي ربما يعرف مواطن ضعفك وسبل التأثير عليك ومع ذلك لم ينجح كنجاح ذلك الطفل ... لماذا ؟


      ببساطة لأن ذلك الطفل لا يزال متصل مباشرة بالله عز وجل وهو مقلب القلوب وذلك الاتصال يكمن في إخلاص النية لله تعالى التي يفتقدها كثير من الناس .



      أشكرك من الأعماق

      لكل بداية .. نهاية

      تعليق

      • الفنار
        عضو مميز
        • Sep 2003
        • 653

        #4
        أخي أبو صخر...

        بارك الله فيك..

        أقسم انك لازلت تبهرني بجميل انتقاء الفاظك..

        وعلى دروب الخير نراك..

        *****************

        الأخت حديث الزمان..

        أطفالـــــــنا رحمة..
        والطفولة بيئةٌ نقية يفسدها تلوث الكبار..

        تواجدك اسعدني..
        " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

        تعليق

        Working...