"الصحية النفسية" واجب من؟* حينما يتكلم الباحثون عن الصحة النفسية فإنهم يعرفونها تعريفات شاملة مؤداها انها حالة نفسية ليست فقط حسنة، بل حالة يستطيع منها الانسان القيام بكافة واجباته الشخصية العملية والاسرية والاجتماعية، هذا إلى انها حالة يكون خلالها الانسان في درجة فاعلية عالية، أي ليس فقط الشعور بالارتياح والرضا بل اطلاق قدرات الانجاز والإبداع والوصول إلى درجات عالية من الانتاجية.لو أخذنا هذا التعريف الشامل لاكتشفنا ان الحفاظ والرعاية للصحة النفسية له أثر مباشر وغير مباشر على واقع المجتمعات لا من حيث السلم والطمأنينة ولا من حيث الانتاجية والفاعلية، وعليه تكون الصحة النفسية عاملا مهما من عوامل نهضة أي مجتمع أو نهياره، وكذلك درجة قوته وفاعليته، ونذكر هنا ان أكثر مرض يؤثر على الدخل القومي السنوي للدول هو مرض الكآبة الخفيفة وذلك حسب تصنيفات منظمة الصحة العالمية.أيضا لو أخذنا الأسرة لوجدنا ان مستوى الصحة النفسية لأفرادها له علاقة مباشرة بوضعها واستقرارها، إذ يكثر العنف في الأسر التي تعاني فيها الأم من الكآبة أو يعاني فيها الأب من الإدمان أو اضطراب في الشخصية، وكذلك وجد الباحثون ان الحالة المزاجية الجيدة تجعل الانسان يحل مشكلاته الأسرية بشكل أكثر فاعلية وانه يستطيع ان يطور علاقاته الأسرية ويرفع جودتها.ثم ننتقل للعمل، فالأبحاث واضحة جدا، ان الصحة النفسية الجيدة تجعل انتاجية المنشأة عالية وتؤدي بالافراد الى الانتظام بالحضور للعمل وتقلل اصابات العمل، كما وتقلل الشد والمشكلات بين العاملين، والعلاقة القوية بين الصحة النفسية والعمل حدت بالبنك الدولي لأن يبدأ في الاهتمام بتمويل بعض برامج الصحة النفسية أو ابحاثها في الدول النامية سعيا منه لرفع انتاجيتها.إذا الدولة، الأسرة، وأرباب العمل كلهم معنيون عناية مباشرة وغير مباشرة بالصحة النفسية واستثمارهم فيها وحرصهم عليها له آثار إيجابية واضحة على هذه المنظومات الثلاث.تبقى المشكلة المحلية عندنا ان الصحة النفسية تأتي في ذيل أولويات هذه الثلاث منظومات، فالدولة ممثلة بكل القطاعات الصحية لا تعطي الصحة النفسية رعاية مناسبة لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، وكل القطاعات الأخرى تعاني من هذا الأمر، بل وصل الأمر بكثير من الزملاء في هذا التخصص انه لا يمكن التطوير ولا التحسين بسبب "الوصمة" و"الفكرة الخاطئة" التي يحملها بعض المسؤولين عن القطاعات الصحية مما يحدو بهم لاحتقار هذا التخصص "الطب النفسي" ويعاملونه كتخصص من الدرجة الثالثة بدلا من اعطائه حقه والنظر للجدوى حتى في تخفيف العبء الطبي في حال خدمته.اما الأسرة فيبدو ان الوعي المحدود جعل هذا الموضوع غير حاضر في اذهان ارباب الأسر، ولعل أحد الأسباب الرئيسة ان المناهج التعليمية لا تحتوي على ثقافة نفسية ولا اجتماعية كافية حتى ان الطبيب يتخرج وهو لم يدرس طوال حياته الأكاديمية أي شيء من هذين العلمين المهمين، وهذا يصح بالنسبة للمهندس، والزراعي والباحث والجيولوجي الذين هم أرباب الأسر ووعيهم لهذه القضايا مهم جدا.يبقى أرباب العمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص لا يدركون أهمية هذا الأمر بالنسبة لهم، بل يخضع لاجتهادات المسؤولين وثقافتهم التي هي كثقافة أرباب الأسر محدودة بالنسبة لهذا الأمر.إذاً الحاجة ملحة ولها دخل بكافة تفاصيل حياة الإنسان وكل مدارات ومجالات الحياة، لكن يبقى من سينطلق من الأهداف والأبحاث لتقضي أو تخفف من بعض المشكلات الاساسية بدلا من الاكتفاء بحلول للنتائج أو سياسة مواجهة الأزمات يظل النداء لكل الجهات الثلاث قائما والله الموفق.
Unconfigured Ad Widget
Collapse
دعواتكم لهم بالرحمة
قينان حد السيف أبو زهير رمضان بن عبداللهالصحة النفسيه
Collapse