أحبابي
في عام 1387هـ بينما كنت أتجول في أحد مكتبات جدة فوقع نظري على عنوان ((مذكرات جريح )) وبما أني عسكري فقد شدني العنوان واعتبرته جريح أحد المعارك فاقتنيته وبعد وصولي المنزل قلبت صفحاته بنهم فهالني ما وجدته كان أحد قضاة لبنان وبينما كان يحقق في قضية لفحه برد قارس عام 1936م وهو في الرابعة والثلاثين من العمر فسبب له ((23)) عمليه واحدة منها استعادة المشرط الذي نسيه الطبيب.
تجولت في هذا الكتاب فكان أشيه بحديقة تضم أنواع من الأزهار والفواكه وقد بذل جهدا في تنويع مادة هذا الكتاب المملئ بالأمثال والطرائف والأشعار حتى عقلية المريض صورها صورة بديعة.
يقول إنه أكرم إنسان حيث غطي جسده وترك الجرح للذباب ولكن حتى الذباب هرب منه ثم قدموا له هدية غالية عبارة عن ديدان ووضعوها في الجرح لعلة يلتئم ففارقت الحياة تلك الديدان ثم أخيرا عرض على طبيب أسمه بدر هداه الله واكتشف ذلك الداء العضال ولكن بعد العملية الثالثة عشرة فأكملت إلى الرقم اعلاه فشافاه الله بعد خمسة عشر عاما من المرض.
وقد كتب هذه المذكرات عام 1950م بينما عو يصارع المرض وللعلم فأنني احترت من أي عنوان أختار لكم فكل عنوان يشد القاري إلى محتوياته . وفي النهاية اخترت جزء مما كتبه عن الصداقة فقال..
((والصداقة أوثق العرى الاجتماعية التي تشد الإنسان إلى أخيه الإنسان فتدمج روحاً بروح, وتمهر الاثنين بالقبس الإلهي الأعلى مصدر كل روح وبارئ كنسمة.الصداقة هي التيار المتبادل بين قلبين. يوحد بين الخلجات والمشاعر فتنصهر في بوتقة واحدة, وتتألق في عمود من ضياء فيتبدد الظلام وتسقط الكلفة ويرتفع الستر.الصداقة إعجاب متبادل, وائتلاف مشارب, واطمئنان الأخ إلى أخيه يؤازره ويؤاسيه. يفضي إليه بسره ويشكو إليه ضيمه, ويستشيره في الصعاب ويحفظه في الغيبة, ويدفع عن عرضه, ويفتديه بماله فيستقوى أحد هما بالآخر, فكأن كلا منهما يفكر برأسين, ويشعر بقلبين, ويتكلم بلسانين ويبصر بأربعة أعين))
هذه سطور من عشر صفحات على هذا المنوال ولا أريد الاسترسال فهو شاعر وكاتب وله مؤلفات كثيرة ومنها ملحمة عيد الغدير أكثر من أربعة آلاف بيت وملحمة عيد الرياض ستة آلاف بيت وغيرها من الشهر والنثر.
والآن سوف أختار أبيات من قصيدته ((ألم)) التي هي تقريبا مائة وثلاثين بيتا أرجو أن أوفق في الاختيار,,,,
يا موت يا حلم الخـيـال الـنائي**يا صبح آمالي وحلو رجائي
شوقي إليك أشد من غصص الهوى** وأشد من ولع الهجير بماء
شـوق الصبـية نوّرت أكمامها ** فـتطيبت لصبابة ولـقاء
شوق الغريق إلى الضياء وقد هوى** مترديا في اللجة السوداء
ضـلّ الوشاة الجاهـلون وأرجفوا ** فدعوك رمز الرعب والإفناء
أنـت الرسول الحق غير مدافع** جلت رسالـته عن ألا لقاء
جريح
يا موت يا ملك الحنان ظلمتني ** وأدرت سمعك عن جريح ندائي
أترى يروقك أن أعيش معذباً** جسدي تمزقه نيـوب عـياء
داء تخلل في العظام فردها** فلذاً وأشلاء على أشلاء
***
صبحي أمر من المساء فعيشتي ** موصولة الظلماء بالظلماء
أواة لوكا ن الرقاد يزورني ** لرضيت من دنياي بالإغماء
***
ألمي يشق على الخيال لحاقة** فيتيه بين البحر والصحراء
هو كل آهات العصور تجمعت** مروية بمدامع الشهداء
الدكتور بدر(جراح ومختص أيضا بالجراحة التجميلية)
قد حال مابيني وبين منيتي ** بـدر أطـل بليلة دهماء
غمرت أشعته الظلام ومزقت ** حلك الدروب ووحشة ألا مساء
خلق أرق من المدام وطلعة**وضاة أندى من الانداء
حجبت وداعته الذكاء فعلمه ** والعبقرية في غلاف حياء
***يصل المريض بفلذة من قلبه**ويريه عطف الأم للأبناء
ويمر مبضعة مرور الوهم أو **مر النسيم على غدير الماء
أمجدد الحسن القديم وباعث** الزهو الرميم بمرآة شوهاء
ماض سحيق
واهاً لأيام الشباب وبهجه** والزهو حين جررت فضل ردائي
تختال في عزم الفؤاد فتوتي ** ويطل من وضح الجبين روائي
يهفو إلى الأمل الملحق خاطري** ويموج في صفحاته البيضاء
في العالم المجهول يرفل ظله ** ويفتق الأضواء للأضـواء
فاذا مشيت مشى الزمان بجانبي** وتسابقت متع الحياة ورائي
قلبا تنازعة الصفاء فيومه**كأسان كأس هوى وكأس طلاء
ياروضة للأمس في وادي الصبا** طابت على الأغصان والافياء
الشاعر والخطيئة
يأرب ما هذا الوجود تحيطه** الأسرار مغلقة على الحكماء
***
ظمئت فما بل الفرات لسانها** وتلهبت كتلهب الرمضاء
لم تطفي الاعناب نهمتها ولا** الرمّان في اغصانة الخضراء
نظرت إلى الفردوس نظرة تائه **في البيداء أو متحرق بلظاء
مازال يرديها الطوى ويهدها** حتى ارتمت من وطأة الإعياء
أصحابي وأعدائي
صحبي وهل في الصحب إلا قلة** حفظت على دهم الخطوب ولائي
أما أللذي حسبت ودهم منىً** للقلب في السراء والضراء
فتكشفوا عن غادرين رداؤهم ** مكر ولحمته نسيج رياء
لطخوا الصداقة في اجبين فويحهم** من وصم ذات العفة العذراء
لولا بقية ذاكرين لأصبحت**في الأرض أخت الغول والعنقاء
***
وأسد سمعي عن مقالة فاجر** قذفت به الأوحال نتن هوائي
من عصبة نكس الرقاب كأنها** مخلوقة للذل والاحناء
يتلبسون لكل يوما حلة** فجلودهم أخذت من الحرباء
أستغفر الحرباء قد أحقرتها** ما قدرهم مع قدرها بسواء
فليهنئ الأنذال أن أنوفهم ** مشدودة أبداً إلى الغبراء
يتسابقون إلى الصغار وهمهم ** بتسول الألقاب والأسماء
***
لأفخر للأنذال إلا أنني **أوليتهم شرفا بسطر هجاء
ماذا يضير الشمس إن مرت** على الدمن القباح ومرتع اللوماء
الخاتمة
يا موت أقدم إن حكمك عادلا ** ويطيب للقاضي حكيم قضاء
أقدم تجد ثبت الجنان على الردى**ليستكين لذلة وبكاء
عالي الجبين فإن تخاذل جسمه **فالنفس ويحك في أشد أباء
خلق تعلق بالسماء فلم يهن** يوما ولم يجبن مع الجبناء
عارٍ من الأثواب جئت وعاريا**أمضي المضي بجهة شماء
آلفي على ليل الشقاء طويتها ** ويريدني قلبي لأبلغ يائي
في عام 1387هـ بينما كنت أتجول في أحد مكتبات جدة فوقع نظري على عنوان ((مذكرات جريح )) وبما أني عسكري فقد شدني العنوان واعتبرته جريح أحد المعارك فاقتنيته وبعد وصولي المنزل قلبت صفحاته بنهم فهالني ما وجدته كان أحد قضاة لبنان وبينما كان يحقق في قضية لفحه برد قارس عام 1936م وهو في الرابعة والثلاثين من العمر فسبب له ((23)) عمليه واحدة منها استعادة المشرط الذي نسيه الطبيب.
تجولت في هذا الكتاب فكان أشيه بحديقة تضم أنواع من الأزهار والفواكه وقد بذل جهدا في تنويع مادة هذا الكتاب المملئ بالأمثال والطرائف والأشعار حتى عقلية المريض صورها صورة بديعة.
يقول إنه أكرم إنسان حيث غطي جسده وترك الجرح للذباب ولكن حتى الذباب هرب منه ثم قدموا له هدية غالية عبارة عن ديدان ووضعوها في الجرح لعلة يلتئم ففارقت الحياة تلك الديدان ثم أخيرا عرض على طبيب أسمه بدر هداه الله واكتشف ذلك الداء العضال ولكن بعد العملية الثالثة عشرة فأكملت إلى الرقم اعلاه فشافاه الله بعد خمسة عشر عاما من المرض.
وقد كتب هذه المذكرات عام 1950م بينما عو يصارع المرض وللعلم فأنني احترت من أي عنوان أختار لكم فكل عنوان يشد القاري إلى محتوياته . وفي النهاية اخترت جزء مما كتبه عن الصداقة فقال..
((والصداقة أوثق العرى الاجتماعية التي تشد الإنسان إلى أخيه الإنسان فتدمج روحاً بروح, وتمهر الاثنين بالقبس الإلهي الأعلى مصدر كل روح وبارئ كنسمة.الصداقة هي التيار المتبادل بين قلبين. يوحد بين الخلجات والمشاعر فتنصهر في بوتقة واحدة, وتتألق في عمود من ضياء فيتبدد الظلام وتسقط الكلفة ويرتفع الستر.الصداقة إعجاب متبادل, وائتلاف مشارب, واطمئنان الأخ إلى أخيه يؤازره ويؤاسيه. يفضي إليه بسره ويشكو إليه ضيمه, ويستشيره في الصعاب ويحفظه في الغيبة, ويدفع عن عرضه, ويفتديه بماله فيستقوى أحد هما بالآخر, فكأن كلا منهما يفكر برأسين, ويشعر بقلبين, ويتكلم بلسانين ويبصر بأربعة أعين))
هذه سطور من عشر صفحات على هذا المنوال ولا أريد الاسترسال فهو شاعر وكاتب وله مؤلفات كثيرة ومنها ملحمة عيد الغدير أكثر من أربعة آلاف بيت وملحمة عيد الرياض ستة آلاف بيت وغيرها من الشهر والنثر.
والآن سوف أختار أبيات من قصيدته ((ألم)) التي هي تقريبا مائة وثلاثين بيتا أرجو أن أوفق في الاختيار,,,,
يا موت يا حلم الخـيـال الـنائي**يا صبح آمالي وحلو رجائي
شوقي إليك أشد من غصص الهوى** وأشد من ولع الهجير بماء
شـوق الصبـية نوّرت أكمامها ** فـتطيبت لصبابة ولـقاء
شوق الغريق إلى الضياء وقد هوى** مترديا في اللجة السوداء
ضـلّ الوشاة الجاهـلون وأرجفوا ** فدعوك رمز الرعب والإفناء
أنـت الرسول الحق غير مدافع** جلت رسالـته عن ألا لقاء
جريح
يا موت يا ملك الحنان ظلمتني ** وأدرت سمعك عن جريح ندائي
أترى يروقك أن أعيش معذباً** جسدي تمزقه نيـوب عـياء
داء تخلل في العظام فردها** فلذاً وأشلاء على أشلاء
***
صبحي أمر من المساء فعيشتي ** موصولة الظلماء بالظلماء
أواة لوكا ن الرقاد يزورني ** لرضيت من دنياي بالإغماء
***
ألمي يشق على الخيال لحاقة** فيتيه بين البحر والصحراء
هو كل آهات العصور تجمعت** مروية بمدامع الشهداء
الدكتور بدر(جراح ومختص أيضا بالجراحة التجميلية)
قد حال مابيني وبين منيتي ** بـدر أطـل بليلة دهماء
غمرت أشعته الظلام ومزقت ** حلك الدروب ووحشة ألا مساء
خلق أرق من المدام وطلعة**وضاة أندى من الانداء
حجبت وداعته الذكاء فعلمه ** والعبقرية في غلاف حياء
***يصل المريض بفلذة من قلبه**ويريه عطف الأم للأبناء
ويمر مبضعة مرور الوهم أو **مر النسيم على غدير الماء
أمجدد الحسن القديم وباعث** الزهو الرميم بمرآة شوهاء
ماض سحيق
واهاً لأيام الشباب وبهجه** والزهو حين جررت فضل ردائي
تختال في عزم الفؤاد فتوتي ** ويطل من وضح الجبين روائي
يهفو إلى الأمل الملحق خاطري** ويموج في صفحاته البيضاء
في العالم المجهول يرفل ظله ** ويفتق الأضواء للأضـواء
فاذا مشيت مشى الزمان بجانبي** وتسابقت متع الحياة ورائي
قلبا تنازعة الصفاء فيومه**كأسان كأس هوى وكأس طلاء
ياروضة للأمس في وادي الصبا** طابت على الأغصان والافياء
الشاعر والخطيئة
يأرب ما هذا الوجود تحيطه** الأسرار مغلقة على الحكماء
***
ظمئت فما بل الفرات لسانها** وتلهبت كتلهب الرمضاء
لم تطفي الاعناب نهمتها ولا** الرمّان في اغصانة الخضراء
نظرت إلى الفردوس نظرة تائه **في البيداء أو متحرق بلظاء
مازال يرديها الطوى ويهدها** حتى ارتمت من وطأة الإعياء
أصحابي وأعدائي
صحبي وهل في الصحب إلا قلة** حفظت على دهم الخطوب ولائي
أما أللذي حسبت ودهم منىً** للقلب في السراء والضراء
فتكشفوا عن غادرين رداؤهم ** مكر ولحمته نسيج رياء
لطخوا الصداقة في اجبين فويحهم** من وصم ذات العفة العذراء
لولا بقية ذاكرين لأصبحت**في الأرض أخت الغول والعنقاء
***
وأسد سمعي عن مقالة فاجر** قذفت به الأوحال نتن هوائي
من عصبة نكس الرقاب كأنها** مخلوقة للذل والاحناء
يتلبسون لكل يوما حلة** فجلودهم أخذت من الحرباء
أستغفر الحرباء قد أحقرتها** ما قدرهم مع قدرها بسواء
فليهنئ الأنذال أن أنوفهم ** مشدودة أبداً إلى الغبراء
يتسابقون إلى الصغار وهمهم ** بتسول الألقاب والأسماء
***
لأفخر للأنذال إلا أنني **أوليتهم شرفا بسطر هجاء
ماذا يضير الشمس إن مرت** على الدمن القباح ومرتع اللوماء
الخاتمة
يا موت أقدم إن حكمك عادلا ** ويطيب للقاضي حكيم قضاء
أقدم تجد ثبت الجنان على الردى**ليستكين لذلة وبكاء
عالي الجبين فإن تخاذل جسمه **فالنفس ويحك في أشد أباء
خلق تعلق بالسماء فلم يهن** يوما ولم يجبن مع الجبناء
عارٍ من الأثواب جئت وعاريا**أمضي المضي بجهة شماء
آلفي على ليل الشقاء طويتها ** ويريدني قلبي لأبلغ يائي
تعليق