المكان: خان يونس- فلسطين
الزمان: الثاني عشر من سبتمبر 2001للميلاد
تصاعدت الاغبرة لتملأ انفه وعينيه، أخذته نوبة سعال انهمرت معها دموعه التي حبسها طويلاً، لم يعد يجدي التجلد فالمصيبة أعظم من الإباء، كابوس أصفر يملأ عينيه ويجثم على صدره؛ إنها هذه الآلة اللعينة وعلى جانبها النجمة السداسية..
آه كم حطمت من آمال، وكم دفنت من أحلام ، وكم داست بوطأتها الثقيلة من أمانٍ ورؤى....
لك الله يا قلبي الممزق؛ بالأمس فقط ابني وفلذة كبدي؛ أشيعه إلى القبر بعد أن اقتنصته يد الغدر الأثيم، لم يكن ذنبه إلا انه حمل حجراً في وجه من يقود الدبابة وتحميه من فوقها الطائرات...
واليوم يا قلبي لاحقتك يد الطغيان ولم تمهلك لتضمد جرحك؛ وإنما تقاطرت أسرابهم وآلياتهم نحو بيتك ليهدموه... بوجهه الممسوخ؛ تقدم نحوك قائدهم: أنت أبو محمد (الإرهابي) الذي قتلناه بالأمس؟!..
عجباً أي جرأة بل أي وقاحة ودم بارد؛ شعلة من غضب التهبت في عينيك أخمدتها بنادقهم المتحفزة، تصاعدت غصة إلى نحرك فلم تحر جوابا.. صبره النافد أهاب بك أن عجل بالإجابة، رغم الأسى رفعت رأسك في شموخ: نعم أنا أبو محمد الشهيد.. شددت على أحرف كلمتك الأخيرة؛ تطلع إليك بحقد؛ أخرج من جيبه ورقة مجعدة؛ وبنبرة تشفي خاطبك: هنا أمر بهدم منزلك؛ أمامكم ربع ساعة فقط للخروج منه!!...
رباه.. ما أقسى الصدمة وأشد وقعها، بيتي الذي تعلمت وعملت وكافحت وجمعت الأموال في أحلك الظروف وأشدها؛ لأبنيه ستراً لي ولأسرتي التي أمضتها حياة المخيم وعيشته؛ تهدمونه يا إخوان القردة مابين عشية وضحاها؟!. لم يشأ أن يبدي لهم جزعه ومقدار تألمه همس بحرقة وكمد "الهي طال ليل الظالمين فأذن بنصرٍ من عندك قريب"
توجه إلى منزله، أخبر أهله الخبر خرجوا من منزلهم تسبقهم الدموع والآهات؛ يحملون ما خف من متاعهم الزهيد، والآن والجرافة تزيل آخر جدار من منزله هاهي دموعه تتساقط رغماً عنه تحرك مبتعداً صوب بيت جاره الذي استضاف أسرته المنكوبة؛ فلا يريد لهؤلاء الكلاب أن يبصروا دموعه ولا يريد هو أن يشهد نهاية هذا الفصل الحزين...
استقبله أهله بالبكاء والنحيب، لم يحاول أن يسكتهم أ و يسري عنهم ففاقد الشيء لا يعطيه، تجاوزهم إلى جهاز الراديو الموضوع بركن الغرفة، أدار المؤشر عله يسمع آيات من كتاب الله تطفي اللهيب المشتعل بصدره؛ بغير قصد توقف المؤشر على إحدى المحطات العربية، تناهى لسمعه صوت احدهم وهو يصرخ ويحتج مندداً بالإرهاب والإرهابيين؛ واصفاً عمليات الهدم وقتل الأبرياء التي قاموا بها بابشع الصفات، داعياً دول العالم أجمع أن تتحد لقمع هؤلاء المفسدين.....
عندها أحس ببعض السلوى والمواساة؛ نعم كلام وشجب كالمعتاد لكن في هذه المرة يجد في ثناياه ثقة وعزما؛ أفاق من أفكاره المتفائلة على صوت المذيع: كنتم مستمعينا الكرام في برنامج خاص مع ضيفنا الكريم(.........) أدان فيها العمليات الإرهابية التي قام بها مجهولون على برجي مركز التجارة العالمي......
لم يستمع لباقي كلمات المذيع فقد أحس بوحدة موحشة، تعالى في أذنيه دوي عالٍ؛ فرفع طرفه للسماء قبل أن تظلم الدنيا في عينيه ويهوي جثة هامدة؛ وقد رفرفت روحه لتودع دنيا لم تلق فيها غير الأحزان.
الزمان: الثاني عشر من سبتمبر 2001للميلاد
تصاعدت الاغبرة لتملأ انفه وعينيه، أخذته نوبة سعال انهمرت معها دموعه التي حبسها طويلاً، لم يعد يجدي التجلد فالمصيبة أعظم من الإباء، كابوس أصفر يملأ عينيه ويجثم على صدره؛ إنها هذه الآلة اللعينة وعلى جانبها النجمة السداسية..
آه كم حطمت من آمال، وكم دفنت من أحلام ، وكم داست بوطأتها الثقيلة من أمانٍ ورؤى....
لك الله يا قلبي الممزق؛ بالأمس فقط ابني وفلذة كبدي؛ أشيعه إلى القبر بعد أن اقتنصته يد الغدر الأثيم، لم يكن ذنبه إلا انه حمل حجراً في وجه من يقود الدبابة وتحميه من فوقها الطائرات...
واليوم يا قلبي لاحقتك يد الطغيان ولم تمهلك لتضمد جرحك؛ وإنما تقاطرت أسرابهم وآلياتهم نحو بيتك ليهدموه... بوجهه الممسوخ؛ تقدم نحوك قائدهم: أنت أبو محمد (الإرهابي) الذي قتلناه بالأمس؟!..
عجباً أي جرأة بل أي وقاحة ودم بارد؛ شعلة من غضب التهبت في عينيك أخمدتها بنادقهم المتحفزة، تصاعدت غصة إلى نحرك فلم تحر جوابا.. صبره النافد أهاب بك أن عجل بالإجابة، رغم الأسى رفعت رأسك في شموخ: نعم أنا أبو محمد الشهيد.. شددت على أحرف كلمتك الأخيرة؛ تطلع إليك بحقد؛ أخرج من جيبه ورقة مجعدة؛ وبنبرة تشفي خاطبك: هنا أمر بهدم منزلك؛ أمامكم ربع ساعة فقط للخروج منه!!...
رباه.. ما أقسى الصدمة وأشد وقعها، بيتي الذي تعلمت وعملت وكافحت وجمعت الأموال في أحلك الظروف وأشدها؛ لأبنيه ستراً لي ولأسرتي التي أمضتها حياة المخيم وعيشته؛ تهدمونه يا إخوان القردة مابين عشية وضحاها؟!. لم يشأ أن يبدي لهم جزعه ومقدار تألمه همس بحرقة وكمد "الهي طال ليل الظالمين فأذن بنصرٍ من عندك قريب"
توجه إلى منزله، أخبر أهله الخبر خرجوا من منزلهم تسبقهم الدموع والآهات؛ يحملون ما خف من متاعهم الزهيد، والآن والجرافة تزيل آخر جدار من منزله هاهي دموعه تتساقط رغماً عنه تحرك مبتعداً صوب بيت جاره الذي استضاف أسرته المنكوبة؛ فلا يريد لهؤلاء الكلاب أن يبصروا دموعه ولا يريد هو أن يشهد نهاية هذا الفصل الحزين...
استقبله أهله بالبكاء والنحيب، لم يحاول أن يسكتهم أ و يسري عنهم ففاقد الشيء لا يعطيه، تجاوزهم إلى جهاز الراديو الموضوع بركن الغرفة، أدار المؤشر عله يسمع آيات من كتاب الله تطفي اللهيب المشتعل بصدره؛ بغير قصد توقف المؤشر على إحدى المحطات العربية، تناهى لسمعه صوت احدهم وهو يصرخ ويحتج مندداً بالإرهاب والإرهابيين؛ واصفاً عمليات الهدم وقتل الأبرياء التي قاموا بها بابشع الصفات، داعياً دول العالم أجمع أن تتحد لقمع هؤلاء المفسدين.....
عندها أحس ببعض السلوى والمواساة؛ نعم كلام وشجب كالمعتاد لكن في هذه المرة يجد في ثناياه ثقة وعزما؛ أفاق من أفكاره المتفائلة على صوت المذيع: كنتم مستمعينا الكرام في برنامج خاص مع ضيفنا الكريم(.........) أدان فيها العمليات الإرهابية التي قام بها مجهولون على برجي مركز التجارة العالمي......
لم يستمع لباقي كلمات المذيع فقد أحس بوحدة موحشة، تعالى في أذنيه دوي عالٍ؛ فرفع طرفه للسماء قبل أن تظلم الدنيا في عينيه ويهوي جثة هامدة؛ وقد رفرفت روحه لتودع دنيا لم تلق فيها غير الأحزان.
تعليق