أتاني ابني ذو الخمسةَ عشرَ ربيعاً و هوَ يعدّلُ من غطاءِ رأسهِ و يتحسّسُ شاربَهُ الذي بدأ في الظـّهورِ ، و قالَ بأدبٍ جمّ و لكن بألمٍ شديدٍ : أمّـاه لماذا تعرضينَ كتبَكِ في مكتباتِ الرّياض ؟
عجبتُ منَ السّؤالِ و قلتُ : و أينَ أعرِضُها إذاً يا بنيّ ؟
قال : لا أدري و لكن الأفضل عرضُها في مكانٍ آخر غير الرّياض .
فازدادَ عجَبي من هذا الإصرارِ و قلتُ لَه : هل قرأتَ في كتُبي ما يخدِشُ الحياءَ أو يتنافى معَ الدينِ أو الذّوقِ أو العُرف ؟
قال : كلاّ يا أمّي فهي كتُبٌ تتناولُ الشعراءَ و نقد شعرِهِم .
قلت : إذاً مـا الذي يزعِجُكَ في وجودِها في مكتباتِ الرّياض ؟
قال : الإسم ؟
قلت : ماذا تقصِدُ ؟
قال : لقد عرفَ زُملائي في المدرسَةِ اسمَكِ و أنا لا أريدُ ذلك .
قلت : و هل في ذلكَ عيبٌ ؟ ألا يعلمُ النّاسُ أنّكَ قد وُلِدتُ لامرأةٍ و أنّ لك أمـّـاً هي التي أخرجَتكَ بقـُدرةِ اللهِ إلى الوجود ؟
قال : أعرف ذلكَ و لكن زُملائي يعيّرونني بمعرَفتِهِم لاسم أمّي و أنا أجهلُ أسماءَ أمّهاتِهِم .
فعجِبتُ من هذا المنطقِ السّقيم ، و أخذتُ ابني إلى مكتبَتي الصغيرةِ و استخرجتُ له أسماءَ ملوكِ العربِ الذينَ كانوا لا يكتفونَ بالفخرِ بأمّهاتِهم ؛ بل تجاوزوا إلى الإنتِسابِ إليهنّ ؟
أطلعتُهُ على سيرةِ عمرو بن هند و المنذر بن ماء السّماء ، و وضعتُ يدَه على أسماءِ بعضِ القبائلِ التي تُنسبُ إلى أمّهاتِها مثل : باهِلة و خنذف و بجيلَة و وائلة و غيرها كثير .
و قرَأنا معاً قصيدةَ طرفَةَ بن العبدِ التي يمدحُ فيها الملكَ عمرو بن هند و يحثـّـه على طلبِ الثّارِ لأخيهِ الذي قتلَتهُ إحدى القبائلَ فهو يقول :
أعمرو بن هند ما ترى رأيَ معشَرٍ = أماتوا أبا حسّان جاراً مُجاوِرا
و قرأنا معاً قصيدةَ الحصينَ بن الحمام المرّي و هوَ يفخرُ بنفسِهِ مُـنـتسباً إلى أمّهِ سلمى :
أبى لابن سلمى أنّه غيرُ خالد = ملاقي المنايا أيّ صرفٍ تيّـمـما
و قصيدة أعشى بني عوفٍ التي يمتدِحُ فيها جيرانَهُ مؤكّداً نسبَتَهم إلى أمّهاتِهِم يقول :
فلَم أرَ جيراناً إذا الحربُ شمّرَت = كمثلِ بني هند أعفّ و أكرَمـا
قال ابني و كأنّه يختبرني : هل يعني ذلكَ أنّكَ تُنادينَ بالإنتِسابِ إلى الأمّهات ؟
قلت : معاذَ اللهِ أن أخالفَ اللهَ و رسولَهُ فقد قال تعالى عن المُتبّنين " ادعوهُم لآبائِهم هوَ أقسطُ عندَ الله فإن لم تعلَموا آباءَهُم فإخوانُكم في الدّين و مواليكُم و ليسَ عليكُم جُناحٌ فيما أخطأتُم بِهِ و لكِن ما تعمّدَت قلوبُكُم " الأحزاب 5 .
فحتّى مجهول الأبِ لا يُنسبُ إلى أمّهِ في الإسلامِ ، و لكنّني أردتُ من إيرادِ هذهِ الأمثلةِ أن أقنعَكَ أنّ اسمَ الأمّ ليسَ عورةً يجبُ أن تخفى و ليسَ عاراً يستحقّ الوأد .
و قد أكثرَ الشّعَراءُ القُدماءُ من ذكرِ نسائهِم في ساعاتِ الشّدّةِ و مواقفِ القتال ، فهذا الشاعر الأمير أبو فراسِ الحمداني يقول بعدَ أن عادَ من معركةٍ أبلى فيها بلاءً حسناً و حازَ النّصرَ "
و عدتُ أجرَ رمحي عن مقامٍ = تحدّثُ عنهُ ربّاتُ الحِجال
فقائلةٌ تقول : أبا فراسٍ = أعيذُ عُـلاكَ من عينِ الكمالِ
و قائلةٌ تقول : جُزيتَ خيراً = لقد حاميتَ عن حرمِ المعالي
و مهري لا يمسّ الأرضَ زهواً = كأنّ ترابَها قطبُ النبال
كأنّ الخيلَ تعرفَ من عليْها= ففي بعضِ على بعضٍ تعالي
-------------------------------
بقلم الدكتورة / نورة بنت صالح الشملان
عجبتُ منَ السّؤالِ و قلتُ : و أينَ أعرِضُها إذاً يا بنيّ ؟
قال : لا أدري و لكن الأفضل عرضُها في مكانٍ آخر غير الرّياض .
فازدادَ عجَبي من هذا الإصرارِ و قلتُ لَه : هل قرأتَ في كتُبي ما يخدِشُ الحياءَ أو يتنافى معَ الدينِ أو الذّوقِ أو العُرف ؟
قال : كلاّ يا أمّي فهي كتُبٌ تتناولُ الشعراءَ و نقد شعرِهِم .
قلت : إذاً مـا الذي يزعِجُكَ في وجودِها في مكتباتِ الرّياض ؟
قال : الإسم ؟
قلت : ماذا تقصِدُ ؟
قال : لقد عرفَ زُملائي في المدرسَةِ اسمَكِ و أنا لا أريدُ ذلك .
قلت : و هل في ذلكَ عيبٌ ؟ ألا يعلمُ النّاسُ أنّكَ قد وُلِدتُ لامرأةٍ و أنّ لك أمـّـاً هي التي أخرجَتكَ بقـُدرةِ اللهِ إلى الوجود ؟
قال : أعرف ذلكَ و لكن زُملائي يعيّرونني بمعرَفتِهِم لاسم أمّي و أنا أجهلُ أسماءَ أمّهاتِهِم .
فعجِبتُ من هذا المنطقِ السّقيم ، و أخذتُ ابني إلى مكتبَتي الصغيرةِ و استخرجتُ له أسماءَ ملوكِ العربِ الذينَ كانوا لا يكتفونَ بالفخرِ بأمّهاتِهم ؛ بل تجاوزوا إلى الإنتِسابِ إليهنّ ؟
أطلعتُهُ على سيرةِ عمرو بن هند و المنذر بن ماء السّماء ، و وضعتُ يدَه على أسماءِ بعضِ القبائلِ التي تُنسبُ إلى أمّهاتِها مثل : باهِلة و خنذف و بجيلَة و وائلة و غيرها كثير .
و قرَأنا معاً قصيدةَ طرفَةَ بن العبدِ التي يمدحُ فيها الملكَ عمرو بن هند و يحثـّـه على طلبِ الثّارِ لأخيهِ الذي قتلَتهُ إحدى القبائلَ فهو يقول :
أعمرو بن هند ما ترى رأيَ معشَرٍ = أماتوا أبا حسّان جاراً مُجاوِرا
و قرأنا معاً قصيدةَ الحصينَ بن الحمام المرّي و هوَ يفخرُ بنفسِهِ مُـنـتسباً إلى أمّهِ سلمى :
أبى لابن سلمى أنّه غيرُ خالد = ملاقي المنايا أيّ صرفٍ تيّـمـما
و قصيدة أعشى بني عوفٍ التي يمتدِحُ فيها جيرانَهُ مؤكّداً نسبَتَهم إلى أمّهاتِهِم يقول :
فلَم أرَ جيراناً إذا الحربُ شمّرَت = كمثلِ بني هند أعفّ و أكرَمـا
قال ابني و كأنّه يختبرني : هل يعني ذلكَ أنّكَ تُنادينَ بالإنتِسابِ إلى الأمّهات ؟
قلت : معاذَ اللهِ أن أخالفَ اللهَ و رسولَهُ فقد قال تعالى عن المُتبّنين " ادعوهُم لآبائِهم هوَ أقسطُ عندَ الله فإن لم تعلَموا آباءَهُم فإخوانُكم في الدّين و مواليكُم و ليسَ عليكُم جُناحٌ فيما أخطأتُم بِهِ و لكِن ما تعمّدَت قلوبُكُم " الأحزاب 5 .
فحتّى مجهول الأبِ لا يُنسبُ إلى أمّهِ في الإسلامِ ، و لكنّني أردتُ من إيرادِ هذهِ الأمثلةِ أن أقنعَكَ أنّ اسمَ الأمّ ليسَ عورةً يجبُ أن تخفى و ليسَ عاراً يستحقّ الوأد .
و قد أكثرَ الشّعَراءُ القُدماءُ من ذكرِ نسائهِم في ساعاتِ الشّدّةِ و مواقفِ القتال ، فهذا الشاعر الأمير أبو فراسِ الحمداني يقول بعدَ أن عادَ من معركةٍ أبلى فيها بلاءً حسناً و حازَ النّصرَ "
و عدتُ أجرَ رمحي عن مقامٍ = تحدّثُ عنهُ ربّاتُ الحِجال
فقائلةٌ تقول : أبا فراسٍ = أعيذُ عُـلاكَ من عينِ الكمالِ
و قائلةٌ تقول : جُزيتَ خيراً = لقد حاميتَ عن حرمِ المعالي
و مهري لا يمسّ الأرضَ زهواً = كأنّ ترابَها قطبُ النبال
كأنّ الخيلَ تعرفَ من عليْها= ففي بعضِ على بعضٍ تعالي
-------------------------------
بقلم الدكتورة / نورة بنت صالح الشملان
تعليق