خلف الشتاء عقب رحيله
، سيرة طويلة في عظام أم أبو سالم وأضافت إلى دعائها الملح – بأن يأذن الله بهزيمة البرد – وقتاً سيطول تقتطعه إلى جانب موقد النار، وقالت، كعادتها.. إن شمس مؤخرة الشتاء وطلائع الربيع تكون باردة .
أما المساحات المحدودة بضيق ، والتي غالباً ما كانت تحيط بالدور فقد نهضت من غبرتها وحولها نباتات خضراء ، وزهور صغيرة ، وأشواك لينة كثيرة، وكانت تغذي الناظر إليها ببهجة ربيعية منشرحة تحت هطول الشمس بعد غياب طويل .
وكانت الأرض تهيئ أديمها الرطب لتلقي البذور تحت سنة المحراث، وقالت أم أبو سالم :
(يا ولد الخير.. دلف فينا موسم البذور ، وامتلأت الآبار من مطر الشتاء، واخضر كل عود يابس، وتوفر علف المواشي،.. فإننا نحتاج إلى ثور بسنام سمين، وجهد فحول، نجعله جروراً للمحراث، نزوعاً لماء الغرب من البئر ، فاهبط سوق القرى، واستعن بالله ثم بخبرتك في الشراء .. وفقك الله ودلك على بغيتك).
أخرجت من شيلتها عقدة مضمومة، فاهملت رباطها، وفضتها عن آخر تجاعيدها .. ريالات معجونة تنفح الدفء والرطوبة وروائح العجوز التي لا تخفى ، وأكدت انها كانت تؤلفها من سابق الزمن، و تنش عنهاالذباب .
فاض وجه أبو سالم بالرضا، وقبض على دلدول لحيته.. و معطها من الانفعال، حتى اندلق معها نصف شفته السفلى، وتلك لزمة الوعد بالتنفيذ .
جال في سوق المواشي، حك جلدة رأسه السليمة وفكر ثم قرت عيناه على ثور أحمر تهامي المولد والنشأة ساوم وقاوم في الثمن، غير أن البائع زاد من القيمة القائمة ثمناً للرباط ولـ خزام الأذن، ولم يمانع أبو سالم واستوثق من صاحبه طبع ثوره الذي لا ينطح، ولا يرتح ولا يعصي لآمره أمر المريد .
فرحت أم أبو سالم بالوافد الجديد، وغزلت على سنامه وأذنه المثقوب كلام المديح، وقامت برغم برد عظامها ، ومسحت بيدها ذات الخاتمين الفضيين المنكسري اللمعة ، على ظهر الثور وكان أبو سالم يهيب بفراسته ، ويفتل شاربيه ، وكأنه هو الذي صاغ سنامه المائل .
أصبح صبح صبوح ، واقتاد أبو سالم من الرباط رقبة ثوره إلى الأرض، فركب عدة الحرث من أمام السنام، إلى جانب حمارته الرمادية، ورفع عرقة سوط الجلد داعياً الثور نحو العمل، فهز الثور ذؤابة ذيله وتقدم خطوتين ثم .. تسمر كشجرة ضخمة ، نهره أبو سالم لم يزد خطوة، مال على ظهره بوجع السوط فما تحرك سوى أن يؤرجح رأسه كما لو أنه يطرد ذباباً .
أهمل مقبض المحراث، وتقدم إلى رأس الثور ، وهو يشد بيده على عصا الفأس قائلاً في عصبية جبلية:
(خيرتك ، فاختر ..تعمل مثلما أريد ، أو ترد لي دراهمي ، وإلا .. )
، سيرة طويلة في عظام أم أبو سالم وأضافت إلى دعائها الملح – بأن يأذن الله بهزيمة البرد – وقتاً سيطول تقتطعه إلى جانب موقد النار، وقالت، كعادتها.. إن شمس مؤخرة الشتاء وطلائع الربيع تكون باردة .
أما المساحات المحدودة بضيق ، والتي غالباً ما كانت تحيط بالدور فقد نهضت من غبرتها وحولها نباتات خضراء ، وزهور صغيرة ، وأشواك لينة كثيرة، وكانت تغذي الناظر إليها ببهجة ربيعية منشرحة تحت هطول الشمس بعد غياب طويل .
وكانت الأرض تهيئ أديمها الرطب لتلقي البذور تحت سنة المحراث، وقالت أم أبو سالم :
(يا ولد الخير.. دلف فينا موسم البذور ، وامتلأت الآبار من مطر الشتاء، واخضر كل عود يابس، وتوفر علف المواشي،.. فإننا نحتاج إلى ثور بسنام سمين، وجهد فحول، نجعله جروراً للمحراث، نزوعاً لماء الغرب من البئر ، فاهبط سوق القرى، واستعن بالله ثم بخبرتك في الشراء .. وفقك الله ودلك على بغيتك).
أخرجت من شيلتها عقدة مضمومة، فاهملت رباطها، وفضتها عن آخر تجاعيدها .. ريالات معجونة تنفح الدفء والرطوبة وروائح العجوز التي لا تخفى ، وأكدت انها كانت تؤلفها من سابق الزمن، و تنش عنهاالذباب .
فاض وجه أبو سالم بالرضا، وقبض على دلدول لحيته.. و معطها من الانفعال، حتى اندلق معها نصف شفته السفلى، وتلك لزمة الوعد بالتنفيذ .
جال في سوق المواشي، حك جلدة رأسه السليمة وفكر ثم قرت عيناه على ثور أحمر تهامي المولد والنشأة ساوم وقاوم في الثمن، غير أن البائع زاد من القيمة القائمة ثمناً للرباط ولـ خزام الأذن، ولم يمانع أبو سالم واستوثق من صاحبه طبع ثوره الذي لا ينطح، ولا يرتح ولا يعصي لآمره أمر المريد .
فرحت أم أبو سالم بالوافد الجديد، وغزلت على سنامه وأذنه المثقوب كلام المديح، وقامت برغم برد عظامها ، ومسحت بيدها ذات الخاتمين الفضيين المنكسري اللمعة ، على ظهر الثور وكان أبو سالم يهيب بفراسته ، ويفتل شاربيه ، وكأنه هو الذي صاغ سنامه المائل .
أصبح صبح صبوح ، واقتاد أبو سالم من الرباط رقبة ثوره إلى الأرض، فركب عدة الحرث من أمام السنام، إلى جانب حمارته الرمادية، ورفع عرقة سوط الجلد داعياً الثور نحو العمل، فهز الثور ذؤابة ذيله وتقدم خطوتين ثم .. تسمر كشجرة ضخمة ، نهره أبو سالم لم يزد خطوة، مال على ظهره بوجع السوط فما تحرك سوى أن يؤرجح رأسه كما لو أنه يطرد ذباباً .
أهمل مقبض المحراث، وتقدم إلى رأس الثور ، وهو يشد بيده على عصا الفأس قائلاً في عصبية جبلية:
(خيرتك ، فاختر ..تعمل مثلما أريد ، أو ترد لي دراهمي ، وإلا .. )
تعليق