عصر الإمام أحمد رحمه الله يشبه عصرنا في أمور كثيرة:
كانت المعتزلة تمجد العقل، وتقدمه على النقل، ولهذا انتشرت الزندقة، وانتشرت أفكار كثيرة، كان من أوضحها وأعظمها فتنة خلق القرآن الكريم، التي نادى بها المعتزلة، وأيدتها الدولة ممثلة في المأمون ثم أيدها المعتصم بضراوة شديدة إلى درجة أنه ضرب الأئمة وفي مقدمتهم الإمام أحمد رحمه الله الذي أصر أن لا يقول إلا كلمة الحق.
التشابه كبير بين العصرين:
فالعلمانيون في هذا الزمن يمجدون العقل، ويسمون أنفسهم عقلانيين كما كانت المعتزلة تسمي نفسها بذلك.
والتشابه أيضا في العلاقة بين العلمانيين وبين بعض الدول في عالمنا الإسلامي تشبه تلك العلاقة التي نشأت بين المعتزلة وبين المعتصم والمأمون.
المعتصم كان يكنى بأبي إسحاق فخاطبته بذلك.
أشرت إلى قاضي قضاة المعتصم ألا وهو أحمد ابن أبي دوءاد الذي ولاه هذا المنصب الكبير وهو رجل معتزلي، حتى يروى أنه كان يشرف على ضرب الإمام أحمد بنفسه.
التشابه أيضا قائم في عملية دور العلماء في كل عصر.
أحمد أبن حنبل كان يحس بفظاعة الكلمة التي طلبوا أن يقولها لأنها مخالفة للحق، ولهذا رفض أن يقولها، كان قويا شديد مجاهدا صابرا، وكثير من علما المسلمين اليوم كما ترون وتسمعون وتشاهدون يصلون إلى درجة أن يفتوا كما يريد من يفتى لهم.
فأردت أن أجعل من هذه الرسالة برقية عاجلة من عصرنا إلى عصر الإمام أحمد.
وأنت أبعدُ مما تطلبُ الجملُ
مبهورةُ وبدا في وجهها الوجلُ
أركانه وبناءُ المجد مكتملُ
كلُ يقول له هذا هو الرجلُ
واليومَ يمشي وفي أهدابهِ خجلُ
كلِ المواقف للإحساس تمتـثلُ
تقف فمثلك لا يزري به الكسلُ
تزهو وصارت إليها تضربُ الإبل
طينُ الرياء ولا تشقى بها المثلُ
غصونها وتدلت بينها الخصلُ
يقف ببابٍ ولم يستهويه الغزل
ينمو الإباء وينمو الخير والأملُ
أجعله معرض أهواءٍ كما جعلوا
كبا وما ناله في سعيه مللُ
دولابَ فنك حتى يخرس الزجلُ
حياة شهمٍ به الأمجادُ تحتفلُ
عينيه عزمُ به الأوصافُ تكتملُ
ضوضائه واستقر الناسُ واعتدلوا
عناية اللهِ لا جندُ ولا خولُ
بالخلِ وهو بجلد الضانِ ينتعل
من لا يطيعُ ولا في ثوبهِ بللُ
عزا له في حياةِ المصطفى مثلُ
شدا إليه جبالُ التهمِ ترتحلوا
كرسي صمتك بالأحلام تنشغلُ
والأفقُ من دنس الظلماء يغتسلُ
به وقصّاده من علمه نهلُ
من تحتها جثثُ الأيام تنتشلُ
غدت به فرص التضليل تهتبلُ
ترنوا إليه فما تدنو وما تصلُ
أطماعها واتباعُ الغي والزللُ
وبتَ تدعو لك الساداتُ والهملُ
أمام حزمك والغاوون قد فشلوا
حقُ وتسعى إلى تطبيقه الدولُ
ومن يحكّمُ في دعواك معتزلُ
في دينه من دعاوى فكره خللُ
في الحكم متصفُ بالظلم مرتجلُ
تشقى قلوبُ وتأتي منهم العللُ
في ما مضى والأفاعيل التي فعلوا
ولا رأيناه في النسلِ الذي نسلوا
عمادها سفسطات القول والجدلُ
وأن نملتَهم في دربها جمالُ
وكنت أحسبه للحقِ يمتثلُ
مستبشرا فلماذا استسلمَ الرجلُ ؟
فأين إيمانه بالله والمثلُ ؟
والقلبُ ينبتُ فيه الشوكُ والأسلُ
فأين يذهبُ ما جاءت به الرسلُ
في عقلك الحُر هذا الوهمُ والدجلُ
بها اعدَ لأهلِ البدعةِ النزلُ
ونوقشت باسمها الأقدارُ والأزلُ
ولستَ تعقلُ في التضليلِ ما عقلوا
وتستعينُ به إن ضاقت الحيلً
من تسلطِ الرومِ حتى غردَ الأمل
سريعةً ومزاجُ الروم معتدلُ
حتى تحرك فيها السهلُ والجبلُ
إلا وجيشك بالتحرير يحتفلُ
من الحميةِ ما يحلو به الأجلُ
تجب، وما اقترفوا ذنبا وما جهلوا
مرأىً من الناسِ هذا حادثُ جللُ
على بصائرها من غيّها ظللُ
لما راءاك على الأوباشٍ تتكلُ
يا ليت شعري أيزكو عندك الخطلُ
بطانةُ السوء ما قالت به فعلوا
فحكمهُ في عيونِ الناس مبتذلُ
ما بينَ ذي ثورة يسطو وينفعلُ
أعدائه قابلاً في الحكمِ ما قبلوا
للظالمين فكم أفتى وكم نفلوا
وأعماكم عن ديننا الزللُ
تحروا الصدق في كلِ الذي نقلوا
عقلُ سليم من الآفات معتدلُ
من يكتمُ العلمَ مختارا وينعزلُ
إلا وحركتي جرحا كان يندملُ
على الولاة ولم يُخدع بما بذلوا
بل كان كالطود والتعذيب متصلُ
لنفسه شأن من في قلبه دخلُ
لما تأخر عن تأييده رجلُ
لله واتضحت في ذهنه السبل
ذات الإله هموم الأرض تحتملُ
والسوطُ في جرحه الرعّاف يغتسلُ
أغالطُ النفسً هذا شأن من سفلوا
أنوفكم ليس مثلُ الوردةِ البصلُ
مرُ وذكرك عندي طعمه العسلُ
تثيرُ في الناسِ أوهاما وتفتعلُ
ممدودةُ ولها في عصرنا كتلُ
على التنكرِ للإسلام واتصلوا
وزورقُ الصبرِ مشدود القوى جذلُ
بثوبه وشريطُ العمرِ مختزلُ
تآكلت وعليها فرخُ المللُ
نحو المعالي ولا حرسها امتثلوا
من فيضِ عزمك ما يمحى به الفشلُ
مع التحية منا للأولى غفلوا
يفاخرون بما نالوا وما أكلوا
وينزلون وراء القوم إن نزلوا
الخضوع لأغضى طرفه الخجلُ
وبعضها فوقه الأستارُ تنسدلُ
من جرحه ولغى الآلام يشتعلُ
جراحه أثر السوط الذي فتلوا
بالخير للناس لم تعبا بما فعلوا
وهم على سورة الأحقادِ قد حبلوا
أن تستدل إلى أمثاله المثلُ
أكاد أخرج من عصري وأنتقلُ
نفاثةً وإلى بغداد أرتحلُ
ولم ينكس لمن جاروا ومن قتلوا
ينبوعه قبل أن يمضي بي الأجلُ
وأبصرت مقلتي آثار من رحلوا
لما راءاهم كأن القوم ما افلوا
متاعهم ومضوا عنا بما حملوا
صوتُ تدفقَ منه لمنطقُ المثلُ
على حروفه عسلا أو أنها العسلُ
ودع عنك من خانوا ومن ختلوا
حقدٍ ويدعو إلى الإيمان من شُغلوا
من أين أبدأ شعري أيها البطلُ
كلُ القوافي التي استنفرتها وقفت
ماذا تقولُ وصرحُ العلم سامقةُ
ماذا تقولُ قوافي الشعرِ عن رجلٍ
عهدي بشعري خفيف الروحٍ منطلقاً
ماذا أصابك يا شعري عرفتك في
أنت القويُ بمبناك الأصيل فلا
يا سائلي عن رياض الشعر كيف غدت
عفوا فتربةُ شعري لا يخالطُها
أجريتُ في أرضها لمحراثُ فابتهجت
ما تاه شعري على دربِ الضلال ولم
شعري مدائنُ لحنٍ في حدائقها
حمّلته بأحاسيس الفؤاد ولم
أجريته في ميادين اليقينِ فما
يا شعري الحرَ يا نبض الفؤادِ أدر
أنت الجديرُ بتصوير البطولةِ في
شهمُ ! نعم أيها الشعرُ الأصيلُ وفي
إذا رمى بصرا في مجلسٍ هدأت
يسيرُ في هيبة الإيمانِ تحرسه
ما كان يأكلُ إلا الخبز مأتدما
وليس في كفه سيفُ يذلُ به
لكنها طاعةُ الرحمنِ عز بها
كأن ما هو والهاماتُ خاضعةُ
ماذا أصابك يا شعري أراك على
انظر بقلبك ضوء الفجرِ منبثقُ
هذا أبنُ حنبلَ نفسُ المجد راضيةُ
ناديته ورمالُ الدهرِ واقفة
يا قامعَ البدعة النكراء في زمنٍ
يا زاهدا وعيونُ المالِ شاخصةُ
يا شامخا ورؤوس القوم تخفضها
باتُ واللسنةُ الركبانُ تلعنهم
إني أراك ووجه الظلمِ ممتقعُ
أراك تهفو إلى عدلٍ يصانُ به
من أين تطلبُ عدلا في مخاصمةٍ
ومن يحكمُ في دعواكَ مبتدعُ
ومن يحكّمُ في دعواك منهجهُ
قومُ تسيرهم أحقادهم وبهم
لقد قرأنا السجلاتَ التي كتبوا
فما رأينا صلاحا في أئمتهم
جاءوا إلينا بعقلانية سقطت
فظن أصحابُها أن الضلال هدى
إني لأعجبُ من إصرارِ معتمصمٍ
ماذا أصاب أبا إسحاقَ كنتُ به
أغره من دعاة الشرِ منطقهم
إني لأسأله والنفسُ عاتبةُ
إذا أخذنا بدعوى كلُ مبتدعٍ
ماذا جرى يا أبا إسحاق كيف سرى
ءإن شدا قبل المأمونُ فلسفةً
وباسمها انتشرتَ في الفكر زندقةُ
غدوت تهذي بما قالوا وما نشروا
أللست معتصما بالله تعبده
ألم تجب أمسِ صوتَ المستجيرةِ
كتائبُ نحو عموريةَ انطلقت
فما تنفسَ صبحُ في مرابعهم
ولا أتم جبينُ الشمسِ طلعته
أجبتها يا أبا إسحاق متخذا
فكيف تسمعُ أصوات التـقاة ولم
أمثلُ أحمدَ تدميه السياطُ على
أمثلُ أحمدَ يلقى بين طائفةٍ
قاضي قضاتك مزهوا بسلطته
غدا يزينُ في عينيك مذهبه
يا ضيعة الحقِ من قومٍ تسيرهم
إذا ارتمى حاكمُ في حضنِ رغبته
ما بال أمتنا صارت معلقةً
وبين حاكمِ قوم يستديرُ إلى
وبين صاحبِ علمٍ صار ممسحةً
يا حائدين عن الإسلام أسكركم لهو
سلُ رجال الحديثِ المخلصين ومن
هل جاء في ديننا معنىً يعارضه
وهل يعدُ لدينا عالما فطنا
يا مقلةَ الشعرِ ما امعنتي في نظرٍ
هذا أبنُ حنبلَ لم يعلن تمرده
ولم ينافق ولم يستجدي رحمتهم
ولم يثر ثورة نكراء منتقما
لو شاءها ثورةً تجري الدماء لها
لكنه مؤمنُ صفى سريرته
بلائهُ كان في ذات الإله وفي
قد قالها وعيونُ القومِ شاخصةُ
لا لن أقولَ لكم ما ترغبون ولن
قر أننا ليس مخلوقا وإن ورمت
يا قامعَ البدعةِ النكراء طعم فمي
إن كنتَ واجهتَ عقلانيةً مكثت
فنحنُ نشقى بعلمانيةٍ يدها
تشابه القومُ في التضليل واجتمعوا
يا مبحرا ورياحُ البحرِ هائجةُ
إني أناديكَ والتاريخُ متزرُ
أبحر إلينا ففي شطأننا سفنُ
ما قادها في خضم البحر سائسها
أبحر إلينا لعل الله يمنحنا
وأبعث إلينا خطابا منك نرفعه
مشايخُ العصر باتوا في مجالسهم
هم يصعدون وراء القوم إن صعدوا
لو حدثتنا بما تلقى عمائمهم من
حقيقة بعضها يبدو لذي بصرٍ
يا صامدا وسياطُ القوم ناهلة
أسلمت ظهرك للحجام يقطع من
وكنت تدعو إذا آذتك شفرته
جُبلت أنت على عطفٍ ومرحمة
لله جوهرك الحرُ الذي عجزت
خذني إليك إذا لم تأتني فأنا
أكاد أصنع من ذكراي طائرةً
آتي أقبلُ رأسا ظل مرتفعا
آتي أشمُ أريج المجدِ أشرب من
هنا رأيت ستار الدهر منكشفا
وكاد يقفزُ قلبي من قواعده لم
كأنهم قبل يومٍ واحدٍ حملوا
وكدت أغرقُ في وهمي فأنقذني
أصغيتُ والصوتُ يدعوني كأن
بنيَ وجه إلى الرحمن قلبك في صدقٍ
عش في الحياةِ بقلبِ الحر يسلم من
كانت المعتزلة تمجد العقل، وتقدمه على النقل، ولهذا انتشرت الزندقة، وانتشرت أفكار كثيرة، كان من أوضحها وأعظمها فتنة خلق القرآن الكريم، التي نادى بها المعتزلة، وأيدتها الدولة ممثلة في المأمون ثم أيدها المعتصم بضراوة شديدة إلى درجة أنه ضرب الأئمة وفي مقدمتهم الإمام أحمد رحمه الله الذي أصر أن لا يقول إلا كلمة الحق.
التشابه كبير بين العصرين:
فالعلمانيون في هذا الزمن يمجدون العقل، ويسمون أنفسهم عقلانيين كما كانت المعتزلة تسمي نفسها بذلك.
والتشابه أيضا في العلاقة بين العلمانيين وبين بعض الدول في عالمنا الإسلامي تشبه تلك العلاقة التي نشأت بين المعتزلة وبين المعتصم والمأمون.
المعتصم كان يكنى بأبي إسحاق فخاطبته بذلك.
أشرت إلى قاضي قضاة المعتصم ألا وهو أحمد ابن أبي دوءاد الذي ولاه هذا المنصب الكبير وهو رجل معتزلي، حتى يروى أنه كان يشرف على ضرب الإمام أحمد بنفسه.
التشابه أيضا قائم في عملية دور العلماء في كل عصر.
أحمد أبن حنبل كان يحس بفظاعة الكلمة التي طلبوا أن يقولها لأنها مخالفة للحق، ولهذا رفض أن يقولها، كان قويا شديد مجاهدا صابرا، وكثير من علما المسلمين اليوم كما ترون وتسمعون وتشاهدون يصلون إلى درجة أن يفتوا كما يريد من يفتى لهم.
فأردت أن أجعل من هذه الرسالة برقية عاجلة من عصرنا إلى عصر الإمام أحمد.
وأنت أبعدُ مما تطلبُ الجملُ
مبهورةُ وبدا في وجهها الوجلُ
أركانه وبناءُ المجد مكتملُ
كلُ يقول له هذا هو الرجلُ
واليومَ يمشي وفي أهدابهِ خجلُ
كلِ المواقف للإحساس تمتـثلُ
تقف فمثلك لا يزري به الكسلُ
تزهو وصارت إليها تضربُ الإبل
طينُ الرياء ولا تشقى بها المثلُ
غصونها وتدلت بينها الخصلُ
يقف ببابٍ ولم يستهويه الغزل
ينمو الإباء وينمو الخير والأملُ
أجعله معرض أهواءٍ كما جعلوا
كبا وما ناله في سعيه مللُ
دولابَ فنك حتى يخرس الزجلُ
حياة شهمٍ به الأمجادُ تحتفلُ
عينيه عزمُ به الأوصافُ تكتملُ
ضوضائه واستقر الناسُ واعتدلوا
عناية اللهِ لا جندُ ولا خولُ
بالخلِ وهو بجلد الضانِ ينتعل
من لا يطيعُ ولا في ثوبهِ بللُ
عزا له في حياةِ المصطفى مثلُ
شدا إليه جبالُ التهمِ ترتحلوا
كرسي صمتك بالأحلام تنشغلُ
والأفقُ من دنس الظلماء يغتسلُ
به وقصّاده من علمه نهلُ
من تحتها جثثُ الأيام تنتشلُ
غدت به فرص التضليل تهتبلُ
ترنوا إليه فما تدنو وما تصلُ
أطماعها واتباعُ الغي والزللُ
وبتَ تدعو لك الساداتُ والهملُ
أمام حزمك والغاوون قد فشلوا
حقُ وتسعى إلى تطبيقه الدولُ
ومن يحكّمُ في دعواك معتزلُ
في دينه من دعاوى فكره خللُ
في الحكم متصفُ بالظلم مرتجلُ
تشقى قلوبُ وتأتي منهم العللُ
في ما مضى والأفاعيل التي فعلوا
ولا رأيناه في النسلِ الذي نسلوا
عمادها سفسطات القول والجدلُ
وأن نملتَهم في دربها جمالُ
وكنت أحسبه للحقِ يمتثلُ
مستبشرا فلماذا استسلمَ الرجلُ ؟
فأين إيمانه بالله والمثلُ ؟
والقلبُ ينبتُ فيه الشوكُ والأسلُ
فأين يذهبُ ما جاءت به الرسلُ
في عقلك الحُر هذا الوهمُ والدجلُ
بها اعدَ لأهلِ البدعةِ النزلُ
ونوقشت باسمها الأقدارُ والأزلُ
ولستَ تعقلُ في التضليلِ ما عقلوا
وتستعينُ به إن ضاقت الحيلً
من تسلطِ الرومِ حتى غردَ الأمل
سريعةً ومزاجُ الروم معتدلُ
حتى تحرك فيها السهلُ والجبلُ
إلا وجيشك بالتحرير يحتفلُ
من الحميةِ ما يحلو به الأجلُ
تجب، وما اقترفوا ذنبا وما جهلوا
مرأىً من الناسِ هذا حادثُ جللُ
على بصائرها من غيّها ظللُ
لما راءاك على الأوباشٍ تتكلُ
يا ليت شعري أيزكو عندك الخطلُ
بطانةُ السوء ما قالت به فعلوا
فحكمهُ في عيونِ الناس مبتذلُ
ما بينَ ذي ثورة يسطو وينفعلُ
أعدائه قابلاً في الحكمِ ما قبلوا
للظالمين فكم أفتى وكم نفلوا
وأعماكم عن ديننا الزللُ
تحروا الصدق في كلِ الذي نقلوا
عقلُ سليم من الآفات معتدلُ
من يكتمُ العلمَ مختارا وينعزلُ
إلا وحركتي جرحا كان يندملُ
على الولاة ولم يُخدع بما بذلوا
بل كان كالطود والتعذيب متصلُ
لنفسه شأن من في قلبه دخلُ
لما تأخر عن تأييده رجلُ
لله واتضحت في ذهنه السبل
ذات الإله هموم الأرض تحتملُ
والسوطُ في جرحه الرعّاف يغتسلُ
أغالطُ النفسً هذا شأن من سفلوا
أنوفكم ليس مثلُ الوردةِ البصلُ
مرُ وذكرك عندي طعمه العسلُ
تثيرُ في الناسِ أوهاما وتفتعلُ
ممدودةُ ولها في عصرنا كتلُ
على التنكرِ للإسلام واتصلوا
وزورقُ الصبرِ مشدود القوى جذلُ
بثوبه وشريطُ العمرِ مختزلُ
تآكلت وعليها فرخُ المللُ
نحو المعالي ولا حرسها امتثلوا
من فيضِ عزمك ما يمحى به الفشلُ
مع التحية منا للأولى غفلوا
يفاخرون بما نالوا وما أكلوا
وينزلون وراء القوم إن نزلوا
الخضوع لأغضى طرفه الخجلُ
وبعضها فوقه الأستارُ تنسدلُ
من جرحه ولغى الآلام يشتعلُ
جراحه أثر السوط الذي فتلوا
بالخير للناس لم تعبا بما فعلوا
وهم على سورة الأحقادِ قد حبلوا
أن تستدل إلى أمثاله المثلُ
أكاد أخرج من عصري وأنتقلُ
نفاثةً وإلى بغداد أرتحلُ
ولم ينكس لمن جاروا ومن قتلوا
ينبوعه قبل أن يمضي بي الأجلُ
وأبصرت مقلتي آثار من رحلوا
لما راءاهم كأن القوم ما افلوا
متاعهم ومضوا عنا بما حملوا
صوتُ تدفقَ منه لمنطقُ المثلُ
على حروفه عسلا أو أنها العسلُ
ودع عنك من خانوا ومن ختلوا
حقدٍ ويدعو إلى الإيمان من شُغلوا
من أين أبدأ شعري أيها البطلُ
كلُ القوافي التي استنفرتها وقفت
ماذا تقولُ وصرحُ العلم سامقةُ
ماذا تقولُ قوافي الشعرِ عن رجلٍ
عهدي بشعري خفيف الروحٍ منطلقاً
ماذا أصابك يا شعري عرفتك في
أنت القويُ بمبناك الأصيل فلا
يا سائلي عن رياض الشعر كيف غدت
عفوا فتربةُ شعري لا يخالطُها
أجريتُ في أرضها لمحراثُ فابتهجت
ما تاه شعري على دربِ الضلال ولم
شعري مدائنُ لحنٍ في حدائقها
حمّلته بأحاسيس الفؤاد ولم
أجريته في ميادين اليقينِ فما
يا شعري الحرَ يا نبض الفؤادِ أدر
أنت الجديرُ بتصوير البطولةِ في
شهمُ ! نعم أيها الشعرُ الأصيلُ وفي
إذا رمى بصرا في مجلسٍ هدأت
يسيرُ في هيبة الإيمانِ تحرسه
ما كان يأكلُ إلا الخبز مأتدما
وليس في كفه سيفُ يذلُ به
لكنها طاعةُ الرحمنِ عز بها
كأن ما هو والهاماتُ خاضعةُ
ماذا أصابك يا شعري أراك على
انظر بقلبك ضوء الفجرِ منبثقُ
هذا أبنُ حنبلَ نفسُ المجد راضيةُ
ناديته ورمالُ الدهرِ واقفة
يا قامعَ البدعة النكراء في زمنٍ
يا زاهدا وعيونُ المالِ شاخصةُ
يا شامخا ورؤوس القوم تخفضها
باتُ واللسنةُ الركبانُ تلعنهم
إني أراك ووجه الظلمِ ممتقعُ
أراك تهفو إلى عدلٍ يصانُ به
من أين تطلبُ عدلا في مخاصمةٍ
ومن يحكمُ في دعواكَ مبتدعُ
ومن يحكّمُ في دعواك منهجهُ
قومُ تسيرهم أحقادهم وبهم
لقد قرأنا السجلاتَ التي كتبوا
فما رأينا صلاحا في أئمتهم
جاءوا إلينا بعقلانية سقطت
فظن أصحابُها أن الضلال هدى
إني لأعجبُ من إصرارِ معتمصمٍ
ماذا أصاب أبا إسحاقَ كنتُ به
أغره من دعاة الشرِ منطقهم
إني لأسأله والنفسُ عاتبةُ
إذا أخذنا بدعوى كلُ مبتدعٍ
ماذا جرى يا أبا إسحاق كيف سرى
ءإن شدا قبل المأمونُ فلسفةً
وباسمها انتشرتَ في الفكر زندقةُ
غدوت تهذي بما قالوا وما نشروا
أللست معتصما بالله تعبده
ألم تجب أمسِ صوتَ المستجيرةِ
كتائبُ نحو عموريةَ انطلقت
فما تنفسَ صبحُ في مرابعهم
ولا أتم جبينُ الشمسِ طلعته
أجبتها يا أبا إسحاق متخذا
فكيف تسمعُ أصوات التـقاة ولم
أمثلُ أحمدَ تدميه السياطُ على
أمثلُ أحمدَ يلقى بين طائفةٍ
قاضي قضاتك مزهوا بسلطته
غدا يزينُ في عينيك مذهبه
يا ضيعة الحقِ من قومٍ تسيرهم
إذا ارتمى حاكمُ في حضنِ رغبته
ما بال أمتنا صارت معلقةً
وبين حاكمِ قوم يستديرُ إلى
وبين صاحبِ علمٍ صار ممسحةً
يا حائدين عن الإسلام أسكركم لهو
سلُ رجال الحديثِ المخلصين ومن
هل جاء في ديننا معنىً يعارضه
وهل يعدُ لدينا عالما فطنا
يا مقلةَ الشعرِ ما امعنتي في نظرٍ
هذا أبنُ حنبلَ لم يعلن تمرده
ولم ينافق ولم يستجدي رحمتهم
ولم يثر ثورة نكراء منتقما
لو شاءها ثورةً تجري الدماء لها
لكنه مؤمنُ صفى سريرته
بلائهُ كان في ذات الإله وفي
قد قالها وعيونُ القومِ شاخصةُ
لا لن أقولَ لكم ما ترغبون ولن
قر أننا ليس مخلوقا وإن ورمت
يا قامعَ البدعةِ النكراء طعم فمي
إن كنتَ واجهتَ عقلانيةً مكثت
فنحنُ نشقى بعلمانيةٍ يدها
تشابه القومُ في التضليل واجتمعوا
يا مبحرا ورياحُ البحرِ هائجةُ
إني أناديكَ والتاريخُ متزرُ
أبحر إلينا ففي شطأننا سفنُ
ما قادها في خضم البحر سائسها
أبحر إلينا لعل الله يمنحنا
وأبعث إلينا خطابا منك نرفعه
مشايخُ العصر باتوا في مجالسهم
هم يصعدون وراء القوم إن صعدوا
لو حدثتنا بما تلقى عمائمهم من
حقيقة بعضها يبدو لذي بصرٍ
يا صامدا وسياطُ القوم ناهلة
أسلمت ظهرك للحجام يقطع من
وكنت تدعو إذا آذتك شفرته
جُبلت أنت على عطفٍ ومرحمة
لله جوهرك الحرُ الذي عجزت
خذني إليك إذا لم تأتني فأنا
أكاد أصنع من ذكراي طائرةً
آتي أقبلُ رأسا ظل مرتفعا
آتي أشمُ أريج المجدِ أشرب من
هنا رأيت ستار الدهر منكشفا
وكاد يقفزُ قلبي من قواعده لم
كأنهم قبل يومٍ واحدٍ حملوا
وكدت أغرقُ في وهمي فأنقذني
أصغيتُ والصوتُ يدعوني كأن
بنيَ وجه إلى الرحمن قلبك في صدقٍ
عش في الحياةِ بقلبِ الحر يسلم من