في مجلس خبت فيها جذوة الإيمان ، وعلت فيه الضحكات المتوالية ، والتعليقات المتتالية ، كانت تجلس فتاة حديثة العهد بمجالس النساء وفي تلك الجلسة كانت تسمع ما يقلن ، وتستلطف ما يتندرن به ، وعندما تعالت الأصوات واختلطت الهمسات ، تسمع إحداهن وهي تسترجع الواقعة ، فتنبري في تباهي بما توصلت إليه وتقول : قالت لي قارئة الحظ : حظك من السماء .. ستتزوجين رجلاً غنيا تطوفين العالم معه ، وترين عجائب الدنيا ، وسوف تكونين محظوظة مع زوجك فهو صاحب كرم وسخاء ! .
وقالت الأخرى بمباهاة عجيبة أكثر من الأولى ، واستعلاء واضح : من ذهبت إليه ذو معرفة دقيقة واطلاع واسع ، فقد فاجأني بمعرفة أسرار حياتي وأهمها تاريخ ميلادي ، ومن حسن الحظ لم يكن أحد يسمع هذا التاريخ .
ثم تنهدت وهي تروي تفاصيل تلك اللحظات الحاسمة والدقائق الفاصلة ثم قالت : لقد كنت مضطربة المشاعر ، متلاحقة الأنفاس … خوفاً من المستقبل وماذا يخبئ ، إلا أنه قرأ كفي على مهل وهو يقلب رأسه ويحرك يديه ، وأجهد نفسه حين ملأت جيبه بالنقود !.
وكانت البشرى أن قال لي : ستتزوجين من رجل يحبك ، وستكونين سعيدة سعادة لم تسبقك إليها فتاة أخرى ، وقال لي أسراراً أخرى مفاجئة لكن !
ثم تململت وهي تقلب طرفها في الحاضرات ، ثم قالت : أخشى من الحسد والحساد خصوصاً من غير المتزوجات .. وأتبعت الكلمة الأخيرة ضحكات متتابعة .
فُتح الباب على مصراعيه في هذا المجال ، واستبدلت الهمسات بأصوات مرتفعة ، فكلهن أصبحن شريكات في التساؤل ، وتلك الفتاة حديثة العهد بهذا النوع من المجالس أغرقها الطوفان ، وأغراها الفضول لاستطلاع كل ماله علاقة بمستقبلها ، لاسيما وأنها تسمع الكل يتحدثون عن مستقبل مظلم ، والفتيات يملأن البيوت وقد فاتهن قطار الزواج ، فسارت مع الركب ، وقررت أن ترى حظها مثلهن وتسمع طالعها وتتحرى مستقبلها ، تريد أن تسمع كلمة عن زوج المستقبل وبيت الزوجية ، ومن يحبها ومن يكرهها وأشياء أخرى كثيرة .
وكان لها ذلك ، فهي لم تغادر حتى أسرت لها إحداهن ( محبة للخير ) بعنوان من ستجد البشرى عنده… فذهبت وسألت وقلبها يتلهف لمعرفة الجواب ، ونفسها تتطلع لاستشراف المستقبل .
سارت كغيرها وخطواتها عجلى إلى حيث يُطفأ نور الإيمان ، وبدأ قلبها يخفق ويتناثر على جنباته الإيمان … وغرقت مثل كثيرات في الوحل ، فلم يصدق معها من رسم لها حظ الدنيا ، ولم تأخذ من حظ الآخرة ، وهناك بدأت بطرح الأسئلة ما هو حظي في هذه الدنيا ؟ ومتى سأتزوج ؟ وما هي مواصفات الزوج ؟ وهل أمه حية أم لا … الخ .
والأدهى والأمر من إستجلاء ملامح المستقبل ، هو حينما تذهب إحداهن إلى ذلك الكاهن أو الكاهنة ، وتدفع أموالاً طائلة ، ولن أجافي الحقيقة عندما أقول : أنها قد باعت كل صيغتها ، وقد تلجأ إلى أهلها لتأخذ منهم مايحقق لها ماترمي إليه ، بعدها تقدم كل ماجمعت بين يدي من سيجلب أو تجلب لها السعادة ، فتطلب نظير مادمت مايجعل زوجها رهن إشارتها ، وأن يخلو قلبه من كل شيء إلا من حبها والتودد إليها ، وكسب رضاها وسعادتها …يعني باللغة الخنفشارية ( كالخاتم في إصبعها ).
تأخذ الوصفة بعد أن أخذت وعداً قاطعاً من مؤلف القلوب في نظرها ، والذي يراهن بأنه سيصل الأمر بذلك الزوج الغافل المسكين إلى درجة تقديسها ، ثم تذهب إلى المنزل فتضع ماجلبت (ريموت كنترول السعادة ) في موقع لايوجد على وجه الأرض أمان أكثر مما يتوفر فيه ، وتبدأ بعدها تترقب ثمار ذلك في لهفة وشوق ( ثمار الأشعة الموجهة للزوج ) ، وكلما تحصل على إذعان من الزوج تتطلع للمزيد .
تبدأ بعد ذلك صحة الزوج المسكين تنهار تدريجياً بأسباب تلك الشعوذات ، ولكنها لاتكترث لذلك … إذ تظن أنه شفه الوجد ، وأن ذلك مما يحمله لها من حب وشوق ولهفة ، وحتى في حال عودته من خارج المنزل لإحساسه بإرهاق أو آلام ؛ فإنها لا تعتقد حتى بقليل من الشك في سبب عودته ، فهي تؤمن بأن عودته كانت شوقاً لها ، وعدم قدرة على فراقها … مايلبث ذلك المسكين حتى يتخذ له فراشاً في مكان يسمح لأصدقائه فيه بزيارته ، إلى أن يأتي اليوم الموعود … فيكون ذلك الفراش هو آخر مايضع جنبه عليه في منزله ، وينتقل إلى مثواه الأخير متأثراً بالوصفة السائدة ( ومن الحب ماقتل ).
مجتمع نسوي فارغ وأنفس مريضة ، قد نجدهن يتحاورن ويتجادلن طويلاً ؛ في لون حذاء أقمن الدنيا عليه ولم يقعدنها ، وقد يتفقن وكثيراً ما يختلفن ، والهم كله في هذه الساعات الطوال لا يتجاوز حذاءً أو فستاناً أو مايقارب ذلك .
هذا هو مستوى التفكير لديهن ، وهذه أقصى اهتماماتهن ، بل التي تعد نفسها للدراسات العليا تساقطت دموعها عندما تأخر فستانها لدى مشغل الخياطة وبكت بحرقة عجيبة ، نسأل الله أن يصلح أحوالهن ، وأن يكفينا شر إبليس ووساوسه وأعماله وأعوانه ، وأن يميتنا مستورين لامسحورين والله الموفق .. [/TABLE]
تعليق