أكد البيان الختامي للقاء الوطني للحوار الفكري الذي عقد على مدى أربعة أيام في العاصمة السعودية الرياض واختتم الأربعاء, على أهمية الحوار باعتباره وسيلة للتعبير عن الرأي، وكأسلوب للحياة يحقق التعايش بين مختلف التيارات الفكرية في داخل الكيان الواحد.
واعتبر المجتمعون في توصياتهم النهائية أن الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن والتوازن في توزيع برامج التنمية بين مناطق السعودية المختلفة من أقوى دعائم الوحدة الوطنية.
وطالب البيان بالاستمرار في تطوير العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة والوطنية, لافتا في الوقت نفسه إلى أهمية مراعاة قضايا الشباب في خطط التنمية وبرامجها، وبذل المزيد من الاهتمام بهم والمعالجة الشاملة لكافة المشكلات التي يواجهونها, كما أكد البيان الختامي على ضرورة معالجة القضايا والمشكلات والمظالم والممارسات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تواجه المرأة في العصر الحاضر وإبراز الصورة الحقيقة لها في الإسلام والعمل على وجودها في الوطن نموذجا للمرأة العصرية وتوسيع دائرة مشاركتها فيما يخدم قضايا المرأة المسلمة.
وقد أكدت التوصيات الختامية للملتقى على أن الشريعة الإسلامية جاءت مبينة لأحكام وأسس الجهاد ووضعت ضوابطه ومبادئه، وقال البيان : إن الحاجة ماسة الآن لربط تلك الأحكام بالواقع وتوضيح أحكام الجهاد حتى لا يساء فهمه, مؤكدا على وجوب التفريق بين الجهاد الحق والإفساد في الأرض.
كما طالب البيان بتطوير فكرة اللقاء الوطني وتوسيع دائرة المشاركة فيه ليشمل جميع المستويات ويعالج مختلف الموضوعات، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني ليعنى بتنظيم اللقاءات وإعداد البحوث في هذا المجال.
وكانت محاور الملتقى الوطني للحوار الفكري قد تضمنت في أيامه الأربعة محورين أساسيين, تمثل المحور الأول في : الوحدة الوطنية واثر العلماء فيها، وأهم موضوعاته التي سيتمُ مناقشتها هي الوحدة الوطنية وأهميتها والأصول الشرعية التي تُبنى عليها والدور الريادي للعلم والعلماء في المملكة العربية السعودية لضمان الوحدة الوطنية، الغلو والتشدد والتوسع في سد الذرائع في مقابلة التحلل من الثوابت الشرعية وأثر ذلك على المجتمع، التنوع الفكري بين شرائح المجتمع، حقوق وواجبات المرأة ودورها في المجتمع، حرية التعبير، الفتوى المعاصرة وربطها بالواقع الاجتماعي وأثر ذلك على الوحدة الوطنية وتماسك الداخل، فتوى الأفراد مقابل فتوى المجامع والهيئات العلمية دراسة وتقييم.
أما المحور الثاني فقد تناول العلاقات والمواثيق الدولية وأثر فهمها على الوحدة الوطنية، ومن خلاله سيتمُ مناقشة الموضوعات التالية : العلاقات الدولية في الإسلام، الدعوة في الداخل, الدعوة في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، أهمية المصالح المشتركة في علاقات المملكة العربية السعودية بالدول الأخرى، التعامل مع غير المسلمين في ضوء الكتاب والسنة، الجهاد وأحكامه .
وقد هدف الملتقى الوطني السعودي للحوار الفكري إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية روابط الحوار مما يخدم المصلحة الوطنية ويؤسس ثوابت وقواعد يعتمد عليها الحوار والتسامح بين الأفراد في إطار الوطن الواحد.
ومن الذين شاركوا في الملتقى الشيخ سلمان العودة، والشيخ ربيع مدخلي، والدكتور صالح بن سعود العلي، والدكتور عبد الرحمن الزنيدي والدكتور عبدالحميد أبو سليمان رئيس مجلس أمناء المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفرجينيا، والشيخ الدكتورعائض القرني،والشيخ الدكتور ناصر العقل، والشيخ الدكتور عبد الوهاب الطريري، ومن حسن الصفار والدكتور إحسان أبو حليقة، طاهر الهاجوجي، وفهد أبو العصاري، الدكتور مهدي بن راشد ال ملجم، وصالح بن مانع الـهائل.
نص البيان
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فاهتداء بقول الحق جل وعلا:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وقوله جل وعلا:"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" وقوله سبحانه:"وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" وقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-:"الدين النصيحة..." الحديث.
وعملاً بالمقتضى الشرعي في الاهتمام بشؤون الأمة وكيانها، فقد تأمل بعض المهتمين بهموم الوطن ومصلحته في التحديات والمخاطر التي تواجهها المملكة، وما يمكن أن يسهم به رجال العلم والثقافة في خدمة وطنهم ومجتمعهم في ما يتعرض له من مشكلات وضغوط، واقترحوا ترتيب لقاء وطني لحوار فكري تناقش فيه بعض قضايا الوطن من أجل تأصيل تمسكها بدينها وثوابتها الشرعية وتوثيق عرى الوحدة الوطنية، وتمتين أواصر العلاقات بين أفرادها وتوثيق صلتها بالعالم الإسلامي في إطار الوسيلة والاعتدال، وقد عرض الاقتراح على صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، فوافق -حفظه الله- عليه ووجه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه.
وقد اشترك في هذا اللقاء ثلة من أهل العلم الشرعي، والفكر الإسلامي من أطياف فكرية متعددة، وعقد اللقاء في رحاب مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض في المدة من 15-18/4/1424هـ الموافق 15-18/6/2003م، وافتتح اللقاء بكلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، التي ألقاها نيابة عنه معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد.
وتناول المجتمعون في تسع جلسات عمل وجلسة خاتمة حفلت بالمناقشات العلمية الهادفة والمصارحة والوضوح في مناقشة محاور اللقاء الأساسية وهي:
المحور الأول: الوحدة الوطنية وأثر العلماء فيها.
ويشتمل على الموضوعات التالية:
1) تعريف الوحدة الوطنية، وأهمية الوحدة، والأصول الشرعية التي تبنى عليها والدور الريادي للعلم والعلماء في المملكة العربية السعودية في ضمان الوحدة الوطنية.
2) الغلو والتشدد، والتوسع في سد الذرائع في مقابلة التحلل من الثوابت الشرعية وأثر ذلك على المجتمع.
3) التنوع الفكري بين شرائح المجتمع.
4) حقوق المرأة وواجباتها، ودورها في المجتمع.
5) حرية التعبير.
6) الفتوى المعاصرة وربطها بالواقع الاجتماعي، وأثر ذلك على الوحدة الوطنية وتماسك الداخل (فتوى الأفراد مقابل فتوى المجامع والهيئات العلمية: دراسة وتقويم).
المحور الثاني: العلاقات والمواثيق الدولية، وأثر فهمها على الوحدة الوطنية.
ويشتمل على الموضوعات التالية: العلاقات الدولية في الإسلام، الدعوة في الداخل، الدعوة في الدول الإسلامية وغير الإسلامية:
1) أهمية المصالح المشتركة في علاقات المملكة العربية السعودية بالدول الأخرى.
2) التعامل مع غير المسلمين في ضوء الكتاب والسنة.
3) الجهاد وأحكامه.
وبعد مناقشات ومحاورات سادتها روح الأخوة والصراحة، والرغبة الصادقة في تأصيل مناهج العمل في المملكة فيما طرح من موضوعات على الأسس الشرعية والثوابت الإسلامية الراسخة، خلص الملتقون إلى التوصية بما يلي:
1) اعتبار خطاب صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني -حفظه الله-، وثيقة رئيسة للقاء يسترشد أطراف الحوار بما أكدته من معان وأفكار وما تضمنته من مضامين مهمة منها:
· الوعي بما يحدق بالوطن من أخطار وهجمات شرسة تمس عقيدته ووحدته الوطنية، والتنبه إلى ما تحدثه عوامل التنافر والشقاق بأشكاله القبلية أو الإقليمية أو الفكرية من هدم لعرى التماسك والترابط وأواصر بناء العلاقات الأخوية في ظل الوطن الواحد.
· إدراك أن الاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب واقع مشاهد في حياتنا وطبيعة من طبائع البشر يستثمر في التأسيس نحو استراتيجية التعامل في الدعوة والنصح والحوار، وتوجيهه الوجهة السليمة التي تخدم أهداف المملكة وثوابتها وقيمها الشرعية.
· الأخذ في الاعتبار للواقع المعاصر والتقدم التقني في الاتصالات وتداول المعلومات بسرعة دون موانع أو عوائق مما يحتم ضرورة وضع أساليب جديدة لحماية الدين والوطن والمواطن.
· تركيز العناية والتفكير في قضية الخطاب الإسلامي الداخلي والخارجي بما يؤكد تمسك المملكة بعقيدتها الإسلامية وصلاتها بعالمها الإسلامي ووحدتها الوطنية في إطار من الوسطية والاعتدال.
· السير في كل ما سبق داخل مضمار الحوار العلمي الموضوعي الهادئ البعيد عن التنافر ووحشة القلوب وإساءة الظن.
2) التوصية بتقوى الله -سبحانه وتعالى- في السر والعلن، والعودة الصادقة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والانكسار بين يديه، لأن ما يصيب الأمة من نوازل إنما هو بسبب بعدها عن الله -سبحانه وتعالى- وبعدها عن كتابه ومنهاج رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- في القول والعمل، ويوصون أنفسهم وطلبة العلم من أساتذة الجامعات، وأئمة المساجد وخطبائها بإعطاء هذا الجانب ما يستحق من العناية والنصح والإرشاد والتوجيه مستخدمين في ذلك جميع وسائل التبليغ المتاحة من وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وتطور الخطاب الدعوي بما يستجيب لحاجات النفس البشرية والمجتمع.
3)التطوير العملي لفكرة هذا اللقاء، وتوسيع دائرة المشاركة فيه؛ ليشمل جميع المستويات ويعالج مختلف الموضوعات، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني يُعنى بتنظيم للقاءات، وإعداد البحوث والدراسات في هذا المجال، ويرغب المشاركون إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز تبني هذا المركز.
4) المحافظة على الوحدة الوطنية لهذه البلاد المبنية على العقيدة الإسلامية الصحيحة وعلى الثوابت الشرعية، التي تستمد منها الدولة نظامها ويستمد منها المجتمع هويته، وتعميق معاني البيعة والسمع والطاعة بالمعروف، تحقيقاً للجماعة، ومنعاً من الافتراق والتشتت، واستتباباً للأمن بكل معانيه المادية والمعنوية.
5) التوكيد على مكانة العلماء ودورهم في ضمان الوحدة الوطنية، وتعميق مفهومها وأسسها الشرعية، وتوكيد دورهم في رد الشبه، وتقويم الانحراف في فهم نصوص الكتاب والسنة، وبخاصة في مجال الوحدة الوطنية، واجتماع الكلمة، وفي التعامل بين المسلمين، وبين المسلمين وغيرهم، والأخذ بالنصوص الشرعية مجتمعة غير مجزأة، وتوضيح مقاصد الشريعة الواردة في تلك النصوص.
6) إن من أقوى دعائم الوحدة الوطنية الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن، والتوازن في توزيع برامج التنمية بين مناطق المملكة، والاهتمام بالمناطق الريفية بهدف استكمالها للخدمات الأساسية، ومعالجة ضعف الأداء في الأجهزة الحكومية خاصة ذات العلاقة بالشأن العام.
7) الاستمرار في تطوير عناصر العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة الوطنية، وبما ينمي في نفوس الطلاب صفة التقوى، والاستعداد للبذل والتضحية، وتقديم المصلحة العامة، وبما يضمن حماية الهوية الإسلامية للمواطن، ووعيه بها، وحمايتها من أي مؤثر سلبي.
8) مراعاة قضايا الشباب في خطط التنمية وبرامجها، وبذل المزيد من الاهتمام بهم والمعالجة الشاملة لكافة المشكلات التي يواجهونها.
9) على وسائل الإعلام مراعاة الإسهام في تعضيد الوحدة الوطنية وعدم المساس بالثوابت التي قامت عليها، واحترام العلماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحسنى.
10) الاستمرار في عملية الإصلاح بكافة جوانبه، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية يعزز الوحدة الوطنية، ويعمق مشاعر الانتماء.
11) الإسلام دين وسط في العقيدة والأحكام الشرعية، لا يقبل الغلو والتشدد كما لا يقبل التحلل من الثوابت الشرعية، ويفرق بين التشدد والغلو والتمسك بالسنة والالتزام بها.
12) قاعدة سد الذرائع من القواعد التي شهد لها الشرع بالاعتبار، وهذه القاعدة ينبغي إعمالها بتوسط واعتدال فلا يهمل إعمالها، ولا يتوسع في استخدامها بما يؤدي إلى التضييق، والتشدد فيما يكون في دائرة المباحات.
13) أهمية الحوار وسيلة للتعبير عن الرأي وأسلوباً للحياة وتأطيره، لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة تلتزم بالأصول والضوابط الشرعية.
14) الاختلاف والتنوع الفكري سنة كونية وحقيقة تاريخية، لذا لا يمكن إلغاؤه وتجاوزه، وإنّ ما يخفف من آثاره الضارة اعتماد منهج القرآن الكريم في الحكم على الآراء والأشياء والأشخاص بتحري الحقيقة والموضوعية، والعدل، والتعايش مع هذا الاختلاف وضبطه، والتفريق بين الثوابت والاجتهادات في مجال التنوع والاختلاف، وتحديد مرجعيته بالكتاب والسنة.
15) العمل على معالجة القضايا والمشكلات والمظالم والممارسات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تواجه المرأة في العصر الحاضر، وإبراز الصورة الحقيقية لها في الإسلام، والعمل على وجودها في الوطن نموذجاً للمرأة المسلمة، وتوسيع دائرة مشاركتها فيما يخدم قضايا المرأة المسلمة.
16) ضمان حرية التعبير عما يراه المسلم حقاً وفق الضوابط الشرعية المعتبرة بما لا يتعارض مع محاسبة من يمس الثوابت الشرعية، أو المصالح المتفق عليها، أو حريات الآخرين.
17) للفتوى مكانة سامية، ومهمة عظيمة في المجتمع المسلم، ولذا تتأكد حاجتها إلى مواكبة العصر، والتواصل مع مختلف المجامع الفقهية، وتفعيل الاجتهاد والاستفادة من المختصين في العلوم الأخرى، وتأسيس مراكز للدراسات والبحوث العلمية المساندة للفتوى، وتكوين لجان للفتوى في مختلف مناطق المملكة.
18) ضرورة الوعي بالظروف الإقليمية والدولية، ومراعاتها، واتباع المصالح القائمة على العدل في تأسيس العلاقات الدولية، والاستفادة من الطاقات العلمية والفكرية في تأصيل العلاقات الدولية على منهج الإسلام، وطرح المبادرات التي تبين حلول الإسلام للمشكلات العالمية.
19) الجهاد ذروة سنام الإسلام، وقد بينت الشريعة أحكامه وأسسه ومبادئه، والحاجة قائمة إلى ربط تلك الأحكام بالواقع، وإعلان الجهاد منوط بولي الأمر، ويجب العمل على توضيح أحكام الجهاد حتى لا يُساء فهمه ولا بد أن يفرق بين الجهاد الحق والإفساد في الأرض.
20) يؤكد المجتمعون على أن مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين حق مشروع، ويؤيدون بهذا الخصوص جهود المملكة العربية السعودية في نصرة الشعب الفلسطيني نحو استرداد حقوقه المسلوبة، ودفع العدوان، ورفع الظلم عنه.
21) إن مما يتألم له المشاركون في هذا اللقاء الاعتداءات الآثمة على المسلمين من المواطنين والمقيمين وغيرهم من المستأمنين، ويقررون أن ذلك محاربة لله ورسوله وإفساداً في الأرض، وأن الإسلام بريء من تلك الأفعال الإجرامية.
22) يتقدم المشاركون بالشكر والتقدير وعظيم الامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز على دعوته إلى هذا اللقاء ورعايته له، ويرغبون إلى رئيس اللقاء رفع برقية شكر وتقدير إلى مقام خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
واعتبر المجتمعون في توصياتهم النهائية أن الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن والتوازن في توزيع برامج التنمية بين مناطق السعودية المختلفة من أقوى دعائم الوحدة الوطنية.
وطالب البيان بالاستمرار في تطوير العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة والوطنية, لافتا في الوقت نفسه إلى أهمية مراعاة قضايا الشباب في خطط التنمية وبرامجها، وبذل المزيد من الاهتمام بهم والمعالجة الشاملة لكافة المشكلات التي يواجهونها, كما أكد البيان الختامي على ضرورة معالجة القضايا والمشكلات والمظالم والممارسات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تواجه المرأة في العصر الحاضر وإبراز الصورة الحقيقة لها في الإسلام والعمل على وجودها في الوطن نموذجا للمرأة العصرية وتوسيع دائرة مشاركتها فيما يخدم قضايا المرأة المسلمة.
وقد أكدت التوصيات الختامية للملتقى على أن الشريعة الإسلامية جاءت مبينة لأحكام وأسس الجهاد ووضعت ضوابطه ومبادئه، وقال البيان : إن الحاجة ماسة الآن لربط تلك الأحكام بالواقع وتوضيح أحكام الجهاد حتى لا يساء فهمه, مؤكدا على وجوب التفريق بين الجهاد الحق والإفساد في الأرض.
كما طالب البيان بتطوير فكرة اللقاء الوطني وتوسيع دائرة المشاركة فيه ليشمل جميع المستويات ويعالج مختلف الموضوعات، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني ليعنى بتنظيم اللقاءات وإعداد البحوث في هذا المجال.
وكانت محاور الملتقى الوطني للحوار الفكري قد تضمنت في أيامه الأربعة محورين أساسيين, تمثل المحور الأول في : الوحدة الوطنية واثر العلماء فيها، وأهم موضوعاته التي سيتمُ مناقشتها هي الوحدة الوطنية وأهميتها والأصول الشرعية التي تُبنى عليها والدور الريادي للعلم والعلماء في المملكة العربية السعودية لضمان الوحدة الوطنية، الغلو والتشدد والتوسع في سد الذرائع في مقابلة التحلل من الثوابت الشرعية وأثر ذلك على المجتمع، التنوع الفكري بين شرائح المجتمع، حقوق وواجبات المرأة ودورها في المجتمع، حرية التعبير، الفتوى المعاصرة وربطها بالواقع الاجتماعي وأثر ذلك على الوحدة الوطنية وتماسك الداخل، فتوى الأفراد مقابل فتوى المجامع والهيئات العلمية دراسة وتقييم.
أما المحور الثاني فقد تناول العلاقات والمواثيق الدولية وأثر فهمها على الوحدة الوطنية، ومن خلاله سيتمُ مناقشة الموضوعات التالية : العلاقات الدولية في الإسلام، الدعوة في الداخل, الدعوة في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، أهمية المصالح المشتركة في علاقات المملكة العربية السعودية بالدول الأخرى، التعامل مع غير المسلمين في ضوء الكتاب والسنة، الجهاد وأحكامه .
وقد هدف الملتقى الوطني السعودي للحوار الفكري إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية روابط الحوار مما يخدم المصلحة الوطنية ويؤسس ثوابت وقواعد يعتمد عليها الحوار والتسامح بين الأفراد في إطار الوطن الواحد.
ومن الذين شاركوا في الملتقى الشيخ سلمان العودة، والشيخ ربيع مدخلي، والدكتور صالح بن سعود العلي، والدكتور عبد الرحمن الزنيدي والدكتور عبدالحميد أبو سليمان رئيس مجلس أمناء المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفرجينيا، والشيخ الدكتورعائض القرني،والشيخ الدكتور ناصر العقل، والشيخ الدكتور عبد الوهاب الطريري، ومن حسن الصفار والدكتور إحسان أبو حليقة، طاهر الهاجوجي، وفهد أبو العصاري، الدكتور مهدي بن راشد ال ملجم، وصالح بن مانع الـهائل.
نص البيان
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فاهتداء بقول الحق جل وعلا:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وقوله جل وعلا:"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" وقوله سبحانه:"وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" وقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-:"الدين النصيحة..." الحديث.
وعملاً بالمقتضى الشرعي في الاهتمام بشؤون الأمة وكيانها، فقد تأمل بعض المهتمين بهموم الوطن ومصلحته في التحديات والمخاطر التي تواجهها المملكة، وما يمكن أن يسهم به رجال العلم والثقافة في خدمة وطنهم ومجتمعهم في ما يتعرض له من مشكلات وضغوط، واقترحوا ترتيب لقاء وطني لحوار فكري تناقش فيه بعض قضايا الوطن من أجل تأصيل تمسكها بدينها وثوابتها الشرعية وتوثيق عرى الوحدة الوطنية، وتمتين أواصر العلاقات بين أفرادها وتوثيق صلتها بالعالم الإسلامي في إطار الوسيلة والاعتدال، وقد عرض الاقتراح على صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، فوافق -حفظه الله- عليه ووجه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه.
وقد اشترك في هذا اللقاء ثلة من أهل العلم الشرعي، والفكر الإسلامي من أطياف فكرية متعددة، وعقد اللقاء في رحاب مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض في المدة من 15-18/4/1424هـ الموافق 15-18/6/2003م، وافتتح اللقاء بكلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، التي ألقاها نيابة عنه معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد.
وتناول المجتمعون في تسع جلسات عمل وجلسة خاتمة حفلت بالمناقشات العلمية الهادفة والمصارحة والوضوح في مناقشة محاور اللقاء الأساسية وهي:
المحور الأول: الوحدة الوطنية وأثر العلماء فيها.
ويشتمل على الموضوعات التالية:
1) تعريف الوحدة الوطنية، وأهمية الوحدة، والأصول الشرعية التي تبنى عليها والدور الريادي للعلم والعلماء في المملكة العربية السعودية في ضمان الوحدة الوطنية.
2) الغلو والتشدد، والتوسع في سد الذرائع في مقابلة التحلل من الثوابت الشرعية وأثر ذلك على المجتمع.
3) التنوع الفكري بين شرائح المجتمع.
4) حقوق المرأة وواجباتها، ودورها في المجتمع.
5) حرية التعبير.
6) الفتوى المعاصرة وربطها بالواقع الاجتماعي، وأثر ذلك على الوحدة الوطنية وتماسك الداخل (فتوى الأفراد مقابل فتوى المجامع والهيئات العلمية: دراسة وتقويم).
المحور الثاني: العلاقات والمواثيق الدولية، وأثر فهمها على الوحدة الوطنية.
ويشتمل على الموضوعات التالية: العلاقات الدولية في الإسلام، الدعوة في الداخل، الدعوة في الدول الإسلامية وغير الإسلامية:
1) أهمية المصالح المشتركة في علاقات المملكة العربية السعودية بالدول الأخرى.
2) التعامل مع غير المسلمين في ضوء الكتاب والسنة.
3) الجهاد وأحكامه.
وبعد مناقشات ومحاورات سادتها روح الأخوة والصراحة، والرغبة الصادقة في تأصيل مناهج العمل في المملكة فيما طرح من موضوعات على الأسس الشرعية والثوابت الإسلامية الراسخة، خلص الملتقون إلى التوصية بما يلي:
1) اعتبار خطاب صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني -حفظه الله-، وثيقة رئيسة للقاء يسترشد أطراف الحوار بما أكدته من معان وأفكار وما تضمنته من مضامين مهمة منها:
· الوعي بما يحدق بالوطن من أخطار وهجمات شرسة تمس عقيدته ووحدته الوطنية، والتنبه إلى ما تحدثه عوامل التنافر والشقاق بأشكاله القبلية أو الإقليمية أو الفكرية من هدم لعرى التماسك والترابط وأواصر بناء العلاقات الأخوية في ظل الوطن الواحد.
· إدراك أن الاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب واقع مشاهد في حياتنا وطبيعة من طبائع البشر يستثمر في التأسيس نحو استراتيجية التعامل في الدعوة والنصح والحوار، وتوجيهه الوجهة السليمة التي تخدم أهداف المملكة وثوابتها وقيمها الشرعية.
· الأخذ في الاعتبار للواقع المعاصر والتقدم التقني في الاتصالات وتداول المعلومات بسرعة دون موانع أو عوائق مما يحتم ضرورة وضع أساليب جديدة لحماية الدين والوطن والمواطن.
· تركيز العناية والتفكير في قضية الخطاب الإسلامي الداخلي والخارجي بما يؤكد تمسك المملكة بعقيدتها الإسلامية وصلاتها بعالمها الإسلامي ووحدتها الوطنية في إطار من الوسطية والاعتدال.
· السير في كل ما سبق داخل مضمار الحوار العلمي الموضوعي الهادئ البعيد عن التنافر ووحشة القلوب وإساءة الظن.
2) التوصية بتقوى الله -سبحانه وتعالى- في السر والعلن، والعودة الصادقة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والانكسار بين يديه، لأن ما يصيب الأمة من نوازل إنما هو بسبب بعدها عن الله -سبحانه وتعالى- وبعدها عن كتابه ومنهاج رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- في القول والعمل، ويوصون أنفسهم وطلبة العلم من أساتذة الجامعات، وأئمة المساجد وخطبائها بإعطاء هذا الجانب ما يستحق من العناية والنصح والإرشاد والتوجيه مستخدمين في ذلك جميع وسائل التبليغ المتاحة من وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وتطور الخطاب الدعوي بما يستجيب لحاجات النفس البشرية والمجتمع.
3)التطوير العملي لفكرة هذا اللقاء، وتوسيع دائرة المشاركة فيه؛ ليشمل جميع المستويات ويعالج مختلف الموضوعات، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني يُعنى بتنظيم للقاءات، وإعداد البحوث والدراسات في هذا المجال، ويرغب المشاركون إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز تبني هذا المركز.
4) المحافظة على الوحدة الوطنية لهذه البلاد المبنية على العقيدة الإسلامية الصحيحة وعلى الثوابت الشرعية، التي تستمد منها الدولة نظامها ويستمد منها المجتمع هويته، وتعميق معاني البيعة والسمع والطاعة بالمعروف، تحقيقاً للجماعة، ومنعاً من الافتراق والتشتت، واستتباباً للأمن بكل معانيه المادية والمعنوية.
5) التوكيد على مكانة العلماء ودورهم في ضمان الوحدة الوطنية، وتعميق مفهومها وأسسها الشرعية، وتوكيد دورهم في رد الشبه، وتقويم الانحراف في فهم نصوص الكتاب والسنة، وبخاصة في مجال الوحدة الوطنية، واجتماع الكلمة، وفي التعامل بين المسلمين، وبين المسلمين وغيرهم، والأخذ بالنصوص الشرعية مجتمعة غير مجزأة، وتوضيح مقاصد الشريعة الواردة في تلك النصوص.
6) إن من أقوى دعائم الوحدة الوطنية الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن، والتوازن في توزيع برامج التنمية بين مناطق المملكة، والاهتمام بالمناطق الريفية بهدف استكمالها للخدمات الأساسية، ومعالجة ضعف الأداء في الأجهزة الحكومية خاصة ذات العلاقة بالشأن العام.
7) الاستمرار في تطوير عناصر العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة الوطنية، وبما ينمي في نفوس الطلاب صفة التقوى، والاستعداد للبذل والتضحية، وتقديم المصلحة العامة، وبما يضمن حماية الهوية الإسلامية للمواطن، ووعيه بها، وحمايتها من أي مؤثر سلبي.
8) مراعاة قضايا الشباب في خطط التنمية وبرامجها، وبذل المزيد من الاهتمام بهم والمعالجة الشاملة لكافة المشكلات التي يواجهونها.
9) على وسائل الإعلام مراعاة الإسهام في تعضيد الوحدة الوطنية وعدم المساس بالثوابت التي قامت عليها، واحترام العلماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحسنى.
10) الاستمرار في عملية الإصلاح بكافة جوانبه، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية يعزز الوحدة الوطنية، ويعمق مشاعر الانتماء.
11) الإسلام دين وسط في العقيدة والأحكام الشرعية، لا يقبل الغلو والتشدد كما لا يقبل التحلل من الثوابت الشرعية، ويفرق بين التشدد والغلو والتمسك بالسنة والالتزام بها.
12) قاعدة سد الذرائع من القواعد التي شهد لها الشرع بالاعتبار، وهذه القاعدة ينبغي إعمالها بتوسط واعتدال فلا يهمل إعمالها، ولا يتوسع في استخدامها بما يؤدي إلى التضييق، والتشدد فيما يكون في دائرة المباحات.
13) أهمية الحوار وسيلة للتعبير عن الرأي وأسلوباً للحياة وتأطيره، لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة تلتزم بالأصول والضوابط الشرعية.
14) الاختلاف والتنوع الفكري سنة كونية وحقيقة تاريخية، لذا لا يمكن إلغاؤه وتجاوزه، وإنّ ما يخفف من آثاره الضارة اعتماد منهج القرآن الكريم في الحكم على الآراء والأشياء والأشخاص بتحري الحقيقة والموضوعية، والعدل، والتعايش مع هذا الاختلاف وضبطه، والتفريق بين الثوابت والاجتهادات في مجال التنوع والاختلاف، وتحديد مرجعيته بالكتاب والسنة.
15) العمل على معالجة القضايا والمشكلات والمظالم والممارسات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تواجه المرأة في العصر الحاضر، وإبراز الصورة الحقيقية لها في الإسلام، والعمل على وجودها في الوطن نموذجاً للمرأة المسلمة، وتوسيع دائرة مشاركتها فيما يخدم قضايا المرأة المسلمة.
16) ضمان حرية التعبير عما يراه المسلم حقاً وفق الضوابط الشرعية المعتبرة بما لا يتعارض مع محاسبة من يمس الثوابت الشرعية، أو المصالح المتفق عليها، أو حريات الآخرين.
17) للفتوى مكانة سامية، ومهمة عظيمة في المجتمع المسلم، ولذا تتأكد حاجتها إلى مواكبة العصر، والتواصل مع مختلف المجامع الفقهية، وتفعيل الاجتهاد والاستفادة من المختصين في العلوم الأخرى، وتأسيس مراكز للدراسات والبحوث العلمية المساندة للفتوى، وتكوين لجان للفتوى في مختلف مناطق المملكة.
18) ضرورة الوعي بالظروف الإقليمية والدولية، ومراعاتها، واتباع المصالح القائمة على العدل في تأسيس العلاقات الدولية، والاستفادة من الطاقات العلمية والفكرية في تأصيل العلاقات الدولية على منهج الإسلام، وطرح المبادرات التي تبين حلول الإسلام للمشكلات العالمية.
19) الجهاد ذروة سنام الإسلام، وقد بينت الشريعة أحكامه وأسسه ومبادئه، والحاجة قائمة إلى ربط تلك الأحكام بالواقع، وإعلان الجهاد منوط بولي الأمر، ويجب العمل على توضيح أحكام الجهاد حتى لا يُساء فهمه ولا بد أن يفرق بين الجهاد الحق والإفساد في الأرض.
20) يؤكد المجتمعون على أن مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين حق مشروع، ويؤيدون بهذا الخصوص جهود المملكة العربية السعودية في نصرة الشعب الفلسطيني نحو استرداد حقوقه المسلوبة، ودفع العدوان، ورفع الظلم عنه.
21) إن مما يتألم له المشاركون في هذا اللقاء الاعتداءات الآثمة على المسلمين من المواطنين والمقيمين وغيرهم من المستأمنين، ويقررون أن ذلك محاربة لله ورسوله وإفساداً في الأرض، وأن الإسلام بريء من تلك الأفعال الإجرامية.
22) يتقدم المشاركون بالشكر والتقدير وعظيم الامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز على دعوته إلى هذا اللقاء ورعايته له، ويرغبون إلى رئيس اللقاء رفع برقية شكر وتقدير إلى مقام خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
تعليق