- حالات "الجمرة الخبيثة" التي اكتشفها الأمريكان في بلادهم تذكروا معها الملايين من الهنود الحمر الذين أبيدوا بجراثيم الجدري.
- وفي أواخر ما يسمى بالحرب الهندية الفرنسية ظهرت أول وثيقة تثبت أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كانت سياسة رسمية.
- هذا التراث الأمريكي وهذا السجل من المآسي التي ارتكبها الأمريكان ضد شعوب الأرض يفسر لنا خوف الأمريكان من تسرب أسلحة الدمار الشامل إلى هذه الدول.
الحساسية المفرطة التي تبديها الولايات المتحدة ضد امتلاك غيرها من الدول -خاصة دول العالم الثالث والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص- لأسلحة الدمار الشامل؛ يثير كثيراً من التساؤلات وعلامات الاستفهام.
نستطيع فهم حساسية واشنطن من امتلاك الدول العربية والإسلامية لهذه الأسلحة، على اعتبار أن ذلك تهديداً لأمن الصهاينة ، وأمريكا كدولة – خاصة في عهد بوش الابن – أصبحت مثل السفينة التي اختطفها الصهاينة ليمضوا بها في أي مكان يحققون فيه أهدافهم.
لكن النقطة التي ربما تغيب عن البعض، هي أن الولايات المتحدة تخاف على نفسها من ثأر كثير من الشعوب في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدها، سواء كانت أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيماوية. والأمريكان يعلمون أنهم من أجل تحقيق مصالحهم الضيقة ظلموا كثيراً من دول العالم – حتى وإن لم يستخدموا ضدها أسلحة التدمير الشامل – وهم يخشون انتقام هذه الدول وثأرها.
ولعل كثيراً من الناس قد اندهشوا من حالة الهلع العصبي الذي أصاب أميركا إثر اكتشاف أول حالة جمرة خبيثة بعد أحداث 11 سبتمبر ، لكن الذاكرة الأمريكية تعرف حقيقة الأمر وخطورته، وقد استدعت هذه الذاكرة ما مارسته بحق الهنود الحمر من إبادة بالأمراض والأوبئة. فالتاريخ يحفظ للولايات المتحدة حكاية أنها أبادت نحو 112 مليون هندي كانوا ينضوون في إطار 400 شعب وقبيلة في العالم الجديد، وأن محاولات طمس هذا التاريخ سببها الرغبة في الإبقاء على أسطورة الأرض العذراء، أي الأرض البكر التي لم يلوثها أحد، والتي كانت تنتظر العرق (الأنجلوسكسوني) ليقيم عليها حضارته التي تسود العالم .
لقد كان الهم الأساسي للأمريكان في القرن التاسع عشر يتمحور حول التوسع باتجاه الغرب وبسط السيطرة على الجيران فيما وراء نهر الميسيسيبي. والشعوب الهندية وراء النهر كانت تضم بين جنباتها مهاجرين أو لاجئين جدد، وكان معظمها متحالفاً مع البريطانيين .
ولم يبدأ التوسع باتجاه الغرب إلا بعد أن اشترى الرئيس جفرسون أراضي لويزيانا من نابليون عام 1803. فهذا التملك ضاعف مساحة الأراضي التي يستعمرها الإنجليز. وكان دخول أمريكا الحربين العالميتين أوسع معبر إلى ما وراء البحار لدمغ ظهور البشرية بدمغة (الانغلوسكسون) الحضارية التي يدعونها. وكالعادة في كل حرب؛ فإن الرئيس الأمريكي -وكان يومها (وودرو ولسون)- خرج على مواطنيه؛ ليقول: إنه لم يورط أبناء الولايات المتحدة في الحرب إلا للدفاع عن الحضارة ضد الهمجية، وللدفاع عن طريقة الحياة الأمريكية.
وفي الحرب العالمية الثانية أيضا أعلن الرئيس روزفلت لمواطنيه أن أمريكا تدخل الحرب من أجل إنقاذ العالم، ودفاعاً عن الحضارة، وعن طريقة حياتها.
الأمريكان أبادوا 112 مليون من الهنود الحمر بميكروب الجدري!
لقد تذكر الأمريكان بعد أحداث 11سبتمبر 2001م أنهم أبادوا(112 مليون إنسان) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، كانوا يملؤون أرجاء القارة الأمريكية، وللأسف لم يبق منهم في إحصاء مطلع القرن العشرين الماضي سوى ربع مليون، واسترجع الأمريكان أيضاً مشاهد 93 حرباً جرثومية شاملة، أتت على حياة الملايين من هذه الشعوب. هذه الإبادة الجماعية الأعظم والأطول في تاريخ الإنسانية، والتي حاول الأمريكان محو ذكراها من وجه الأرض، أيقظتها حالات "الجمرة الخبيثة" التي اكتشفها الأمريكان في بلادهم، وتذكروا معها الملايين من الهنود الحمر الذين أبيدوا بجراثيم الجدري في العالم الجديد، أو بمبيد الأعشاب البرتقالي وغاز الخردل، واليورانيوم المستنفد في الفلبين وكوريا والعراق وفلسطين.
إن الولايات المتحدة لم تعترف أبداً بعدد (الهنود) الذين أبيدوا في الشمال الأمريكي، فالكتب المدرسية تؤكد أن تاريخ الإنسان في مجاهل الشمال الأمريكي لم يبدأ إلا مع وصول الإنسان الأبيض في أواخر القرن السادس عشر. أما تلك القلة الضئيلة المشاغبة من المتوحشين الهنود الذين لم يتجاوز عددهم آنذاك المليون فقد حفروا قبورهم بأيديهم في حروب متكافئة شفافة، كانوا هم مسؤولين عن إضرام نارها وحصد أضرارها، أو أنهم (ماتوا) قضاء وقدراً بالأمراض التي حملها الأوروبيون معهم دون قصد.
وكما يقول د. منير العكش: إن هناك مئات الكتب التي وضعها التاريخ الأمريكي المنتصر لما اسماه بـ"العامل الطبيعي"، أو بـ"عامل الأمراض"، وهناك مئات الأبحاث والدراسات التي تسخر من فكرة إبادة سكان أميركا بالأسلحة الجرثومية، فالجدري والتيفود والحصبة وغيرها من أوبئة العالم القديم هي التي قفزت خفية إلى سفن المستوطنين، ووصلت سراً إلى شواطئ العالم الجديد، ثم تسللت إلى أرواح الهنود في قراهم ومدنهم قضاء وقدراً.
بهذا المنطق يؤكد الأمريكان أن حرب الإبادة الجماعية التي أفرغت العالم الجديد من سكانه، وقضت على أكثر من أربعمائة شعب وأمة وقبيلة، كانت تنتشر في الشمال الأمريكي فوق مساحة أكبر من القارة الأوروبية بنصف مليون ميل مربع، وكل ما واكب هذه الإبادة من فظائع كان مجرد "مأساة غير مقصودة".
وبهذه العنصرية أقام الأمريكان متحف (الهولوكست) في واشنطن على أنقاض السوق التجارية لمدينة (نكن شئنكة) الهندية القديمة، وفوق جثث شعب الكونوي، الذي أباده الأمريكان الغزاة في العام 1623م على ضفاف نهر البوتوماك، دشن الأمريكان في تلك السنة أولى حروبهم عند مفاوضاتهم مع القبائل التي كان يعيش بعضها حيث يقام متحف (الهولوكست) اليوم، كان الزعيم الهندي (تشيسكياك) يتولى المفاوضات، وقد افتتحها الغزاة بدعوته هو وحاشيته لشرب الأنخاب تعبيراً عن "الصداقة الخالدة بين الأمتين".
وكانت أنخاب الإنجليز، كالعادة (مسمومة)؛ فقتلت الزعيم (تشيسكياك) ومعه أسرته ومستشاريه ومائتين من حاشيته.
ويوجد الآن أكثر من دليل على أن حصاد ملايين الأرواح بعامل الأمراض أو بالعامل الطبيعي لم يكن طبيعياً، وأن الأمريكان أرادوا متعمدين -عن سابق نية ومعرفة وإصرار- شن الحرب الجرثومية التي استمرت في زمن السلم وزمن الحرب وبشكل جماعي منظم تتولاه الجيوش، أو بشكل فردي يتولاه المستوطنون.
ومنذ أيام الطاعون الأسود، كان الأوروبيون يعرفون هذا السلاح الجرثومي، وكانوا في حروبهم يستخدمون "المنجنيق" في قذف جثث الموتى بالطاعون أو جيف الحيوانات الموبوءة إلى داخل المدن التي يحاصرونها، ومنذ السنوات الأولى لتوجه الأمريكان إلى بليموث، اعترف الحاكم (وليم برادفورد) في يومياته أن هداياهم من الأغطية الملوثة بجراثيم الجدري هي السبب في انتشار هذا الوباء بين الهنود.
وفي أواخر ما يسمى بالحرب الهندية الفرنسية ظهرت أول وثيقة دامغة تثبت استخدام الأمريكان للسلاح الجرثومي عمداً، وتؤكد أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كانت سياسة رسمية، ففي سيناريو كلاسيكي منقح لقصة تسمم الزعيم (تشيسكياك) ومن معه بأنخاب "الصداقة الخالدة" على ضفاف نهر البوتوماك، كتب القائد الإنجليزي العام اللورد جفري امهرست "عام 1736" أمراً إلى مرؤوسه الكولونيل هنري بوكيه يطلب منه أن يجري مفاوضات سلام مع الهنود، ويهديهم بطانيات مسمومة بجراثيم الجدري: "لاستئصال هذا الجنس اللعين".
لم ينج أحد من ظلم الأمريكان!
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبزوغ نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى؛ بدأت السياسة الأمريكية تتسم بالغطرسة ومحاولة الهيمنة على العالم بأسره، حتى لو أدى ذلك إلى إسقاط كل الأخلاقيات المتعارف عليها، أو أدى إلى خرق كل القوانين والمواثيق الدولية؛ فالمهم في النهاية هو تحقيق المصالح والاستراتيجية الأمريكية، التي يجب أن تتحقق بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان الثمن هو العبور على أشلاء جثث شعوب بأكملها.
وسجل الولايات المتحدة الأمريكية – كما يقول د. عبد الله النفيسي - حافل بمشاهد إهدار حقوق الإنسان، وكذلك السيادة الوطنية للعديد من دول العالم . ومع بدء نشوب الحرب الأوروبية عام 1939، تبنت القوة الجوية الملكية والقوة الجوية للجيش الأمريكي أسلوب القصف الاستراتيجي والتدمير الواسع للمدن باستعمال القنابل الحارقة، فأمر الجنرال جورج مارشال - رئيس الأركان الأمريكي آنذاك - مساعديه بتخطيط هجمات حارقة على المدن اليابانية الكثيفة السكان، ومن ثم انطلقت 334 طائرة أمريكية لتدمر ما مساحته 16 ميلا مربعا من طوكيو بواسطة إلقاء القنابل الحارقة، مما أدى إلى مقتل 100 ألف شخص وتشريد مليون نسمة، بينما وصلت درجة حرارة الماء في القنوات إلى درجة الغليان وذابت الهياكل المعدنية، وتلاشت الأجساد في ألسنة من اللهب. ولم تكن طوكيو وحدها هي التي تعرضت لتلك الهجمات الأمريكية الوحشية، فقد تكرر هذا السيناريو في 64 مدينة يابانية أخرى، فضلا عن دك هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين ذريتين حصدتا عشرات الآلاف من الأرواح، وأهلكتا الزرع والضرع، رغم أن الحرب كانت قد انتهت بالفعل لصالح الأمريكان!
وتمثل المحطة الكورية فصلا آخر من فصول وحشية القوة الأمريكية في العالم، ويكفي فى هذا السياق أن نشير إلى وصف المفكر الأمريكي (ناعوم تشومسكى) للمجازر التي تمت على أيدي القوات الأمريكية في كوريا والعديد من دول أمريكا الجنوبية، حيث يقول: " … عندما دخلت قواتنا كوريا عام 1945 عزلت حكومة ذات شعبية معادية للفاشية، وقاومت الاحتلال الياباني، وأشعلنا حربا ضروسا سقط خلالها مئة ألف قتيل، وفى إقليم واحد صغير سقط 30000-40000 قتيل في أثناء ثورة الفلاحين".
ممارسات تفضح دعاوى الديمقراطية الأمريكية.
ولم يخل السجل الأمريكي الحافل من التدخل في شؤون الدول قاطبة، حيث عمدت السياسة الأمريكية - كما يقول تشومسكي- إلى "إعاقة الحكومات البرلمانية؛ بل وأسقطتها في إيران عام 1953 ، وفي جواتيمالا عام 1954، وفي شيلى عام 1972، ولم تكن الأساليب طبيعية جداً، فلم يكن عمل القوات التي حركناها في نيكاراجوا أو عمل وكلائنا الإرهابيين في السلفادور أو جواتيمالا هو القتل العادي، ولكن كان بصفة رئيسية القسوة والتعذيب السادي: تعليق النساء من أقدامهن بعد قطع أثدائهن وفض بكارتهن، وقطع رؤوس الناس وتعليقها على خوازيق، ورطم الأطفال بالحوائط…"!
وبين عامي 1952 و 1973 ذبحت الولايات المتحدة زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاووسي وكمبودي، ففي فيتنام مثلا يؤكد الراهب البوذي الفيتنامي (ثيتش ثين هاو) أن " حرب فيتنام تسببت بحلول منتصف عام 1963 في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، كما نزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة".
كما أدى القصف الأمريكي لـ(هانوي وهايفونغ) عام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم..، وبينما عانى الأمريكيون بعد الحرب من فقد 2497 جندياً (بحسب أحد التقديرات)، كانت العائلات الفيتنامية تكافح للتكيف مع فقد 300 ألف فيتنامي، فضلا عن أن عدد القتلى في فيتنام بلغ 4 ملايين شخص، إلى جانب عدة ملايين آخرين من المعوقين والمصابين بالعمى والصدمات والتشوه، مما حول فيتنام إلى ساحة كبرى للقبور ومبتوري الأعضاء والأرض المسممة واليتامى والأطفال المشوهين.
ويمتد السجل الأسود ليشمل التواطؤ الأمريكي الواضح في المجازر الإندونيسية والحروب ضد الفقراء في أمريكا الوسطي (نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس)، والذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف بواسطة الأسلحة الأمريكية، وتسهيل وتوفير التدريب وتقديم المشورة الأمريكية في الاضطرابات المدنية، وهو نفس السيناريو الذي كررته السياسة الأمريكية الرعناء في أفريقيا حين سعت إلى تأجيج واستمرار الصراع الدامي في أنجولا وموزمبيق وناميبيا وغيرها من دول القارة السمراء.
كما امتدت التدخلات غير المشروعة للقوات الأمريكية إلى مساندة ودعم أعمال القمع التي ارتكبها الطغاة الذين دعمتهم أمريكا عبر العقود المختلفة (سوموزا وبينوشيت وماركوس وموبوتو وباتيستا ودييم وكي وري ودوفاليه وسوهارتو وسافيمبي وغيرهم)، ويكفى في هذا السياق أن نشير إلى مثال واحد - من بين أمثلة عديدة - حيث قام الجنود الذين دربتهم الولايات المتحدة عام 1981 بذبح نحو 1000 فلاح أعزل و139 طفلا في جواتيمالا، كما قتل الجيش الأمريكي المدرب في جواتيمالا أكثر من 150 ألف فلاح خلال الفترة من عام 1966 إلى 1986.
وفي عام 1990 ارتكبت القوات الخاصة الأمريكية مجزرة بشعة في بنما راح ضحيتها ما بين 500 و 1000 قتيل لكي تتمكن من القبض على شخص واحد بتهمة "الاتجار في المخدرات"، وهو الرئيس (نورييجا) نفسه، بينما فقدت 23 من مقاتليها!.
وفي عام 1983 منيت الغطرسة الأمريكية بفضيحة أخرى حين غزا الجيش الأمريكي بمساعدة القوات الخاصة جزيرة (جرينادا) لمعاقبة نظامها على اقترابه من نظام كوبا الشيوعي، إذ لقيت فرقة الكوماندوز الأولى التي تم إنزالها في البحر حتفها غرقا، في حين حاصر الجيش النظامي القوات الخاصة داخل مقر إقامة الحاكم، في الوقت الذي شنت فيه فرقة من المظليين الأمريكيين غارة جوية شعواء، لكنها أخطأت هدفها؛ فقتلت 18 مريضاً كانوا داخل مستشفى للطب النفسي...
التدخلات الأمريكية في العالم العربي.
وفي لبنان تتكرر المواجهات؛ فقد قامت أمريكا بغزو لبنان عام 82 بهدف سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية المتصاعدة آنذاك، وتم نشر قوات المارينز حول مطار بيروت؛ إلا أن قوات المقاومة لم تلبث أن وجهت رداً موجعاً إلى قوات المشاة الأمريكية، مما أدى إلى سقوط مئات الأمريكيين ما بين قتيل وجريح.
وفي عام 1986م اعتدت أمريكا بطائراتها على ليبيا محاولة اغتيال الرئيس القذافي الذي نجا من القصف، وماتت ابنته من جرائه وقتل العشرات من الليبيين الأبرياء، وهدمت العشرات من المنازل والمنشآت.
وفي عام 1993 تدخلت القوات الأمريكية في الصومال، حين حاولت قوات (رانجرز) و( دلتا فورس) القبض على محمد فارح عيديد زعيم أكبر الفصائل الصومالية. ورغم تحديد مكان تواجد عيديد إلا أن قوات الكوماندوز فشلت في القبض عليه أو قتله، مما أشعل جذوة الغضب في نفوس الصوماليين، فخاضوا حرباً ضارية ضد الأمريكان نجحوا خلالها في تكبيدهم 18 قتيلا و 80 جريحاً خلال معارك استمرت 13 ساعة، ليخرج الأمريكيون من الصومال بعدها يجرون أذيال الخيبة.
ولم يسلم السودان من التحرشات الأمريكية، حيث أغارت الطائرات الأمريكية على مصنع للأدوية بالسودان عام 1998، بدعوى أن (بن لادن) يمتلكه، وأنه يستخدم في تصنيع أسلحة كيماوية، وهي الضربة التي حولت المصنع إلى كومة من التراب.
أما العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله، وإزاحة نظام حكم بالقوة؛ فهو قمة الغطرسة الأمريكية التي نتج عنها تدمير البنية التحتية لهذا البلد، وقتل الآلاف من الأبرياء.
والآن نفهم؛ لماذا الخوف؟!
هذا التراث الأمريكي الكبير، والسجل الذي تضخمت أوراقه من المآسي التي ارتكبها الأمريكان ضد معظم شعوب الأرض؛ يفسر لنا شدة خوف الأمريكان من تسرب أسلحة الدمار الشامل إلى هذه الدول، حتى لا تمتلك هذه الدول إرادتها، وتفلت من القبضة الأمريكية ، على غرار ما هو حادث اليوم مع كوريا حيث توجه 300 رأس نووي إلى المدن الأمريكية تحملها صواريخ عابرة للقارات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى حتى لا يفكر من يطلبون ثأرهم من أمريكا للأخذ بالثأر، وتكبيد الأمريكان خسائر ضخمة جراء تدخلهم في بلادهم، وقتلهم لآبائهم وأبنائهم.
إن اليابان وكوريا وكوبا وبنما وجرينادا والفلبين والصومال والعراق وليبيا والسودان وفلسطين ولبنان وأمريكا الوسطى وفيتنام ولاوس وكمبوديا والصين وغيرها العشرات كلها تطلب الثأر من اليد الأمريكية، وهذا ما يخيف الأمريكان ويزعجهم، فهم يعملون بكل جهدهم حتى لا يأتي يوم الحساب، ولكي يتأخر ذلك اليوم قدر
- وفي أواخر ما يسمى بالحرب الهندية الفرنسية ظهرت أول وثيقة تثبت أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كانت سياسة رسمية.
- هذا التراث الأمريكي وهذا السجل من المآسي التي ارتكبها الأمريكان ضد شعوب الأرض يفسر لنا خوف الأمريكان من تسرب أسلحة الدمار الشامل إلى هذه الدول.
الحساسية المفرطة التي تبديها الولايات المتحدة ضد امتلاك غيرها من الدول -خاصة دول العالم الثالث والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص- لأسلحة الدمار الشامل؛ يثير كثيراً من التساؤلات وعلامات الاستفهام.
نستطيع فهم حساسية واشنطن من امتلاك الدول العربية والإسلامية لهذه الأسلحة، على اعتبار أن ذلك تهديداً لأمن الصهاينة ، وأمريكا كدولة – خاصة في عهد بوش الابن – أصبحت مثل السفينة التي اختطفها الصهاينة ليمضوا بها في أي مكان يحققون فيه أهدافهم.
لكن النقطة التي ربما تغيب عن البعض، هي أن الولايات المتحدة تخاف على نفسها من ثأر كثير من الشعوب في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدها، سواء كانت أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيماوية. والأمريكان يعلمون أنهم من أجل تحقيق مصالحهم الضيقة ظلموا كثيراً من دول العالم – حتى وإن لم يستخدموا ضدها أسلحة التدمير الشامل – وهم يخشون انتقام هذه الدول وثأرها.
ولعل كثيراً من الناس قد اندهشوا من حالة الهلع العصبي الذي أصاب أميركا إثر اكتشاف أول حالة جمرة خبيثة بعد أحداث 11 سبتمبر ، لكن الذاكرة الأمريكية تعرف حقيقة الأمر وخطورته، وقد استدعت هذه الذاكرة ما مارسته بحق الهنود الحمر من إبادة بالأمراض والأوبئة. فالتاريخ يحفظ للولايات المتحدة حكاية أنها أبادت نحو 112 مليون هندي كانوا ينضوون في إطار 400 شعب وقبيلة في العالم الجديد، وأن محاولات طمس هذا التاريخ سببها الرغبة في الإبقاء على أسطورة الأرض العذراء، أي الأرض البكر التي لم يلوثها أحد، والتي كانت تنتظر العرق (الأنجلوسكسوني) ليقيم عليها حضارته التي تسود العالم .
لقد كان الهم الأساسي للأمريكان في القرن التاسع عشر يتمحور حول التوسع باتجاه الغرب وبسط السيطرة على الجيران فيما وراء نهر الميسيسيبي. والشعوب الهندية وراء النهر كانت تضم بين جنباتها مهاجرين أو لاجئين جدد، وكان معظمها متحالفاً مع البريطانيين .
ولم يبدأ التوسع باتجاه الغرب إلا بعد أن اشترى الرئيس جفرسون أراضي لويزيانا من نابليون عام 1803. فهذا التملك ضاعف مساحة الأراضي التي يستعمرها الإنجليز. وكان دخول أمريكا الحربين العالميتين أوسع معبر إلى ما وراء البحار لدمغ ظهور البشرية بدمغة (الانغلوسكسون) الحضارية التي يدعونها. وكالعادة في كل حرب؛ فإن الرئيس الأمريكي -وكان يومها (وودرو ولسون)- خرج على مواطنيه؛ ليقول: إنه لم يورط أبناء الولايات المتحدة في الحرب إلا للدفاع عن الحضارة ضد الهمجية، وللدفاع عن طريقة الحياة الأمريكية.
وفي الحرب العالمية الثانية أيضا أعلن الرئيس روزفلت لمواطنيه أن أمريكا تدخل الحرب من أجل إنقاذ العالم، ودفاعاً عن الحضارة، وعن طريقة حياتها.
الأمريكان أبادوا 112 مليون من الهنود الحمر بميكروب الجدري!
لقد تذكر الأمريكان بعد أحداث 11سبتمبر 2001م أنهم أبادوا(112 مليون إنسان) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، كانوا يملؤون أرجاء القارة الأمريكية، وللأسف لم يبق منهم في إحصاء مطلع القرن العشرين الماضي سوى ربع مليون، واسترجع الأمريكان أيضاً مشاهد 93 حرباً جرثومية شاملة، أتت على حياة الملايين من هذه الشعوب. هذه الإبادة الجماعية الأعظم والأطول في تاريخ الإنسانية، والتي حاول الأمريكان محو ذكراها من وجه الأرض، أيقظتها حالات "الجمرة الخبيثة" التي اكتشفها الأمريكان في بلادهم، وتذكروا معها الملايين من الهنود الحمر الذين أبيدوا بجراثيم الجدري في العالم الجديد، أو بمبيد الأعشاب البرتقالي وغاز الخردل، واليورانيوم المستنفد في الفلبين وكوريا والعراق وفلسطين.
إن الولايات المتحدة لم تعترف أبداً بعدد (الهنود) الذين أبيدوا في الشمال الأمريكي، فالكتب المدرسية تؤكد أن تاريخ الإنسان في مجاهل الشمال الأمريكي لم يبدأ إلا مع وصول الإنسان الأبيض في أواخر القرن السادس عشر. أما تلك القلة الضئيلة المشاغبة من المتوحشين الهنود الذين لم يتجاوز عددهم آنذاك المليون فقد حفروا قبورهم بأيديهم في حروب متكافئة شفافة، كانوا هم مسؤولين عن إضرام نارها وحصد أضرارها، أو أنهم (ماتوا) قضاء وقدراً بالأمراض التي حملها الأوروبيون معهم دون قصد.
وكما يقول د. منير العكش: إن هناك مئات الكتب التي وضعها التاريخ الأمريكي المنتصر لما اسماه بـ"العامل الطبيعي"، أو بـ"عامل الأمراض"، وهناك مئات الأبحاث والدراسات التي تسخر من فكرة إبادة سكان أميركا بالأسلحة الجرثومية، فالجدري والتيفود والحصبة وغيرها من أوبئة العالم القديم هي التي قفزت خفية إلى سفن المستوطنين، ووصلت سراً إلى شواطئ العالم الجديد، ثم تسللت إلى أرواح الهنود في قراهم ومدنهم قضاء وقدراً.
بهذا المنطق يؤكد الأمريكان أن حرب الإبادة الجماعية التي أفرغت العالم الجديد من سكانه، وقضت على أكثر من أربعمائة شعب وأمة وقبيلة، كانت تنتشر في الشمال الأمريكي فوق مساحة أكبر من القارة الأوروبية بنصف مليون ميل مربع، وكل ما واكب هذه الإبادة من فظائع كان مجرد "مأساة غير مقصودة".
وبهذه العنصرية أقام الأمريكان متحف (الهولوكست) في واشنطن على أنقاض السوق التجارية لمدينة (نكن شئنكة) الهندية القديمة، وفوق جثث شعب الكونوي، الذي أباده الأمريكان الغزاة في العام 1623م على ضفاف نهر البوتوماك، دشن الأمريكان في تلك السنة أولى حروبهم عند مفاوضاتهم مع القبائل التي كان يعيش بعضها حيث يقام متحف (الهولوكست) اليوم، كان الزعيم الهندي (تشيسكياك) يتولى المفاوضات، وقد افتتحها الغزاة بدعوته هو وحاشيته لشرب الأنخاب تعبيراً عن "الصداقة الخالدة بين الأمتين".
وكانت أنخاب الإنجليز، كالعادة (مسمومة)؛ فقتلت الزعيم (تشيسكياك) ومعه أسرته ومستشاريه ومائتين من حاشيته.
ويوجد الآن أكثر من دليل على أن حصاد ملايين الأرواح بعامل الأمراض أو بالعامل الطبيعي لم يكن طبيعياً، وأن الأمريكان أرادوا متعمدين -عن سابق نية ومعرفة وإصرار- شن الحرب الجرثومية التي استمرت في زمن السلم وزمن الحرب وبشكل جماعي منظم تتولاه الجيوش، أو بشكل فردي يتولاه المستوطنون.
ومنذ أيام الطاعون الأسود، كان الأوروبيون يعرفون هذا السلاح الجرثومي، وكانوا في حروبهم يستخدمون "المنجنيق" في قذف جثث الموتى بالطاعون أو جيف الحيوانات الموبوءة إلى داخل المدن التي يحاصرونها، ومنذ السنوات الأولى لتوجه الأمريكان إلى بليموث، اعترف الحاكم (وليم برادفورد) في يومياته أن هداياهم من الأغطية الملوثة بجراثيم الجدري هي السبب في انتشار هذا الوباء بين الهنود.
وفي أواخر ما يسمى بالحرب الهندية الفرنسية ظهرت أول وثيقة دامغة تثبت استخدام الأمريكان للسلاح الجرثومي عمداً، وتؤكد أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كانت سياسة رسمية، ففي سيناريو كلاسيكي منقح لقصة تسمم الزعيم (تشيسكياك) ومن معه بأنخاب "الصداقة الخالدة" على ضفاف نهر البوتوماك، كتب القائد الإنجليزي العام اللورد جفري امهرست "عام 1736" أمراً إلى مرؤوسه الكولونيل هنري بوكيه يطلب منه أن يجري مفاوضات سلام مع الهنود، ويهديهم بطانيات مسمومة بجراثيم الجدري: "لاستئصال هذا الجنس اللعين".
لم ينج أحد من ظلم الأمريكان!
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبزوغ نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى؛ بدأت السياسة الأمريكية تتسم بالغطرسة ومحاولة الهيمنة على العالم بأسره، حتى لو أدى ذلك إلى إسقاط كل الأخلاقيات المتعارف عليها، أو أدى إلى خرق كل القوانين والمواثيق الدولية؛ فالمهم في النهاية هو تحقيق المصالح والاستراتيجية الأمريكية، التي يجب أن تتحقق بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان الثمن هو العبور على أشلاء جثث شعوب بأكملها.
وسجل الولايات المتحدة الأمريكية – كما يقول د. عبد الله النفيسي - حافل بمشاهد إهدار حقوق الإنسان، وكذلك السيادة الوطنية للعديد من دول العالم . ومع بدء نشوب الحرب الأوروبية عام 1939، تبنت القوة الجوية الملكية والقوة الجوية للجيش الأمريكي أسلوب القصف الاستراتيجي والتدمير الواسع للمدن باستعمال القنابل الحارقة، فأمر الجنرال جورج مارشال - رئيس الأركان الأمريكي آنذاك - مساعديه بتخطيط هجمات حارقة على المدن اليابانية الكثيفة السكان، ومن ثم انطلقت 334 طائرة أمريكية لتدمر ما مساحته 16 ميلا مربعا من طوكيو بواسطة إلقاء القنابل الحارقة، مما أدى إلى مقتل 100 ألف شخص وتشريد مليون نسمة، بينما وصلت درجة حرارة الماء في القنوات إلى درجة الغليان وذابت الهياكل المعدنية، وتلاشت الأجساد في ألسنة من اللهب. ولم تكن طوكيو وحدها هي التي تعرضت لتلك الهجمات الأمريكية الوحشية، فقد تكرر هذا السيناريو في 64 مدينة يابانية أخرى، فضلا عن دك هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين ذريتين حصدتا عشرات الآلاف من الأرواح، وأهلكتا الزرع والضرع، رغم أن الحرب كانت قد انتهت بالفعل لصالح الأمريكان!
وتمثل المحطة الكورية فصلا آخر من فصول وحشية القوة الأمريكية في العالم، ويكفي فى هذا السياق أن نشير إلى وصف المفكر الأمريكي (ناعوم تشومسكى) للمجازر التي تمت على أيدي القوات الأمريكية في كوريا والعديد من دول أمريكا الجنوبية، حيث يقول: " … عندما دخلت قواتنا كوريا عام 1945 عزلت حكومة ذات شعبية معادية للفاشية، وقاومت الاحتلال الياباني، وأشعلنا حربا ضروسا سقط خلالها مئة ألف قتيل، وفى إقليم واحد صغير سقط 30000-40000 قتيل في أثناء ثورة الفلاحين".
ممارسات تفضح دعاوى الديمقراطية الأمريكية.
ولم يخل السجل الأمريكي الحافل من التدخل في شؤون الدول قاطبة، حيث عمدت السياسة الأمريكية - كما يقول تشومسكي- إلى "إعاقة الحكومات البرلمانية؛ بل وأسقطتها في إيران عام 1953 ، وفي جواتيمالا عام 1954، وفي شيلى عام 1972، ولم تكن الأساليب طبيعية جداً، فلم يكن عمل القوات التي حركناها في نيكاراجوا أو عمل وكلائنا الإرهابيين في السلفادور أو جواتيمالا هو القتل العادي، ولكن كان بصفة رئيسية القسوة والتعذيب السادي: تعليق النساء من أقدامهن بعد قطع أثدائهن وفض بكارتهن، وقطع رؤوس الناس وتعليقها على خوازيق، ورطم الأطفال بالحوائط…"!
وبين عامي 1952 و 1973 ذبحت الولايات المتحدة زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاووسي وكمبودي، ففي فيتنام مثلا يؤكد الراهب البوذي الفيتنامي (ثيتش ثين هاو) أن " حرب فيتنام تسببت بحلول منتصف عام 1963 في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، كما نزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة".
كما أدى القصف الأمريكي لـ(هانوي وهايفونغ) عام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم..، وبينما عانى الأمريكيون بعد الحرب من فقد 2497 جندياً (بحسب أحد التقديرات)، كانت العائلات الفيتنامية تكافح للتكيف مع فقد 300 ألف فيتنامي، فضلا عن أن عدد القتلى في فيتنام بلغ 4 ملايين شخص، إلى جانب عدة ملايين آخرين من المعوقين والمصابين بالعمى والصدمات والتشوه، مما حول فيتنام إلى ساحة كبرى للقبور ومبتوري الأعضاء والأرض المسممة واليتامى والأطفال المشوهين.
ويمتد السجل الأسود ليشمل التواطؤ الأمريكي الواضح في المجازر الإندونيسية والحروب ضد الفقراء في أمريكا الوسطي (نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس)، والذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف بواسطة الأسلحة الأمريكية، وتسهيل وتوفير التدريب وتقديم المشورة الأمريكية في الاضطرابات المدنية، وهو نفس السيناريو الذي كررته السياسة الأمريكية الرعناء في أفريقيا حين سعت إلى تأجيج واستمرار الصراع الدامي في أنجولا وموزمبيق وناميبيا وغيرها من دول القارة السمراء.
كما امتدت التدخلات غير المشروعة للقوات الأمريكية إلى مساندة ودعم أعمال القمع التي ارتكبها الطغاة الذين دعمتهم أمريكا عبر العقود المختلفة (سوموزا وبينوشيت وماركوس وموبوتو وباتيستا ودييم وكي وري ودوفاليه وسوهارتو وسافيمبي وغيرهم)، ويكفى في هذا السياق أن نشير إلى مثال واحد - من بين أمثلة عديدة - حيث قام الجنود الذين دربتهم الولايات المتحدة عام 1981 بذبح نحو 1000 فلاح أعزل و139 طفلا في جواتيمالا، كما قتل الجيش الأمريكي المدرب في جواتيمالا أكثر من 150 ألف فلاح خلال الفترة من عام 1966 إلى 1986.
وفي عام 1990 ارتكبت القوات الخاصة الأمريكية مجزرة بشعة في بنما راح ضحيتها ما بين 500 و 1000 قتيل لكي تتمكن من القبض على شخص واحد بتهمة "الاتجار في المخدرات"، وهو الرئيس (نورييجا) نفسه، بينما فقدت 23 من مقاتليها!.
وفي عام 1983 منيت الغطرسة الأمريكية بفضيحة أخرى حين غزا الجيش الأمريكي بمساعدة القوات الخاصة جزيرة (جرينادا) لمعاقبة نظامها على اقترابه من نظام كوبا الشيوعي، إذ لقيت فرقة الكوماندوز الأولى التي تم إنزالها في البحر حتفها غرقا، في حين حاصر الجيش النظامي القوات الخاصة داخل مقر إقامة الحاكم، في الوقت الذي شنت فيه فرقة من المظليين الأمريكيين غارة جوية شعواء، لكنها أخطأت هدفها؛ فقتلت 18 مريضاً كانوا داخل مستشفى للطب النفسي...
التدخلات الأمريكية في العالم العربي.
وفي لبنان تتكرر المواجهات؛ فقد قامت أمريكا بغزو لبنان عام 82 بهدف سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية المتصاعدة آنذاك، وتم نشر قوات المارينز حول مطار بيروت؛ إلا أن قوات المقاومة لم تلبث أن وجهت رداً موجعاً إلى قوات المشاة الأمريكية، مما أدى إلى سقوط مئات الأمريكيين ما بين قتيل وجريح.
وفي عام 1986م اعتدت أمريكا بطائراتها على ليبيا محاولة اغتيال الرئيس القذافي الذي نجا من القصف، وماتت ابنته من جرائه وقتل العشرات من الليبيين الأبرياء، وهدمت العشرات من المنازل والمنشآت.
وفي عام 1993 تدخلت القوات الأمريكية في الصومال، حين حاولت قوات (رانجرز) و( دلتا فورس) القبض على محمد فارح عيديد زعيم أكبر الفصائل الصومالية. ورغم تحديد مكان تواجد عيديد إلا أن قوات الكوماندوز فشلت في القبض عليه أو قتله، مما أشعل جذوة الغضب في نفوس الصوماليين، فخاضوا حرباً ضارية ضد الأمريكان نجحوا خلالها في تكبيدهم 18 قتيلا و 80 جريحاً خلال معارك استمرت 13 ساعة، ليخرج الأمريكيون من الصومال بعدها يجرون أذيال الخيبة.
ولم يسلم السودان من التحرشات الأمريكية، حيث أغارت الطائرات الأمريكية على مصنع للأدوية بالسودان عام 1998، بدعوى أن (بن لادن) يمتلكه، وأنه يستخدم في تصنيع أسلحة كيماوية، وهي الضربة التي حولت المصنع إلى كومة من التراب.
أما العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله، وإزاحة نظام حكم بالقوة؛ فهو قمة الغطرسة الأمريكية التي نتج عنها تدمير البنية التحتية لهذا البلد، وقتل الآلاف من الأبرياء.
والآن نفهم؛ لماذا الخوف؟!
هذا التراث الأمريكي الكبير، والسجل الذي تضخمت أوراقه من المآسي التي ارتكبها الأمريكان ضد معظم شعوب الأرض؛ يفسر لنا شدة خوف الأمريكان من تسرب أسلحة الدمار الشامل إلى هذه الدول، حتى لا تمتلك هذه الدول إرادتها، وتفلت من القبضة الأمريكية ، على غرار ما هو حادث اليوم مع كوريا حيث توجه 300 رأس نووي إلى المدن الأمريكية تحملها صواريخ عابرة للقارات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى حتى لا يفكر من يطلبون ثأرهم من أمريكا للأخذ بالثأر، وتكبيد الأمريكان خسائر ضخمة جراء تدخلهم في بلادهم، وقتلهم لآبائهم وأبنائهم.
إن اليابان وكوريا وكوبا وبنما وجرينادا والفلبين والصومال والعراق وليبيا والسودان وفلسطين ولبنان وأمريكا الوسطى وفيتنام ولاوس وكمبوديا والصين وغيرها العشرات كلها تطلب الثأر من اليد الأمريكية، وهذا ما يخيف الأمريكان ويزعجهم، فهم يعملون بكل جهدهم حتى لا يأتي يوم الحساب، ولكي يتأخر ذلك اليوم قدر