Unconfigured Ad Widget

Collapse

أمريكا والإسلام .. صدام الأيدلوجيات والمصالح

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • علي الدوسي
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1078

    أمريكا والإسلام .. صدام الأيدلوجيات والمصالح

    - أول مواجهة سياسية مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية مع الإسلام السياسي كانت مع الثورة الإيرانية
    -أحداث 11 سبتمبر عبرت عن ذروة الأزمة بين الإسلام الجهادي وبين الولايات المتحدة.

    تسعى هذه الورقة إلى محاولة استشراف سيناريوهات العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركات الإسلام السياسي في ضوء الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق، والتي ترافقت مع الإعلان عن استراتيجيات أمريكية في العلاقة مع الشرق الأوسط، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) والتي نقلت المواجهة بين الحركات الإسلامية-خاصّة الجهادية- وبين الولايات المتحدة إلى مرحلة متقدمة جداً..

    السياق التاريخي:
    يعتبر عدد من المحللين أن أول مواجهة سياسية مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية مع الإسلام السياسي كانت مع الثورة الإيرانية (1)، إذ لم تشهد العلاقة قبل ذلك مواجهات سياسية حقيقية، وإنما حالة من التوافق بين الطرفين في مواجهة الخطر الشيوعي- الذي كان يشكل الاعتبار الأول في سياق مصادر التهديد وفق الرؤية الأمريكية- وفي مواجهة الأنظمة العربية القومية المتحالفة إلى درجة كبيرة مع الاتحاد السوفيتي، حيث تحالفت الولايات المتحدة مع الأنظمة العربية المحافظة، والتي كانت على علاقة إيجابية عموما بالحركات الإسلامية.
    وعلى الرغم من الصدمة التي أصابت السياسة الخارجية الأمريكية من حدثين رئيسين في المنطقة مع بدايات عقد الثمانينات؛
    الأول: الثورة الإيرانية 1979، وما صاحبها من أزمة الرهائن، والتي أربكت الساسة والمحللين الأمريكيين في بناء مقاربة عميقة للتعامل مع الحالة الإسلامية السياسية المتنامية بشكل كبير.
    أمّا الثاني: فهو مقتل السادات 1981، على يد مجموعة من جماعة الجهاد المصرية على خلفية اتفاقية السلام مع إسرائيل والتي رعتها أمريكا، إلاّ أنّ التوجه الأمريكي بقي على موقفه بعدم خلق مواجهة مع الإسلام السياسي، والتأكيد على اعتبار الخطر الشيوعي والأنظمة المتحالفة معه هو التهديد الرئيس للمصالح الأمريكية؛ بل ساهمت الولايات المتحدة في تقوية وتعزيز الحركات الإسلامية الجهادية، ودعمها لمواجهة الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عام 1981، وساعدت هي وحلفاؤها من الدول العربية الجهاد الأفغاني وزودته بالمال والسلاح والتسهيلات والدعم الإعلامي والسياسي(2) ، لدرجة أن الإعلام الأمريكي كان يطلق على المجاهدين الأفغان ومن معهم من العرب مصطلح "Freedom Fighters" وربما ارتبطت صورة الإسلام السياسي بشكل كبير لدى الحس العام الأمريكي في فترة الثمانينات بالخميني والقذّافي، لما كان الإعلام الغربي يغرسه من صور وأفكار حولهما، و للحرب السياسية والإعلامية التي كانت تشنها الإدارة الأمريكية عليهما (3).
    إلاّ أنّه ومع انتصار المجاهدين الأفغان، ونهاية الحرب الباردة، وما تلاها من تفرد أمريكي في الهيمنة على العالم، وما ارتبط بذلك من إعادة واشنطن لتعريف مصالحها في العالم وفي المنطقة، وإعادة ترتيب مصادر التهديد، وحرب الخليج الثانية التي رافقها وجود القوات الأمريكية في الخليج على بحر من النفط، وما تلا ذلك من مشروع التسوية للصراع العربي الإسرائيلي، هذه البيئة الدولية والإقليمية الجديدة، خلقت بدورها تغيراً جذرياً في طبيعة العلاقة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة العربية، وقد بدا أن هناك تعارضاً كبيراً بين مشروع كلا الطرفين في المنطقة، ولم يفترق كلا التوجهين الإسلاميين؛ (السلمي والجهادي) في رفض السياسة الأمريكية في المنطقة، وإن اختلف منهج كل منهما في مواجهتها.
    لقد شكلت حرب الخليج الثانية تحولاً حقيقياً في العلاقة بين الطرفين، حيث وقفت غالبية الحركات الإسلامية الشعبية ضد الولايات المتحدة، ونظرت إلى الوجود الأمريكي على أنه احتلال، ورفضت فيما بعد مؤتمر التسوية، وما تمخّض عنه من معاهدات (أوسلو ووادي عربة)، بل إنّ المواجهة انتقلت إلى الطابع العسكري، حيث اشتبكت مجموعات من الجماعات الجهادية مع القوات الأمريكية في الصومال عام 1993، وقامت بتفجير الرياض عام 1995، وتفجير الخبر عام 1996، وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في كل من نيروبي ودار السلام عام 1998، وتفجير المدمرة الأمريكية (كول) عام 2001 في اليمن. وكان أسامة بن لادن قد أعلن في النصف الثاني من التسعينات (1998) تأسيس الجبهة الإسلامية لمقاتلة الصليبين واليهود. في المقابل قامت الولايات المتحدة بالرد على عملية تفجير السفارتين من خلال قصف معسكرات القاعدة في أفغانستان، ومصنع الشفاء في السودان، والمضي في التنسيق الأمني مع الدول العربية، ومحاصرتها مالياً واقتصادياً من خلال ما يعرف بسياسة تجفيف منابع الأصولية (4).
    تمخّض عن هذه المواجهات والتناقضات السابقة أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، والتي عبرت عن ذروة الأزمة بين الإسلام الجهادي وبين الولايات المتحدة، أدّت هذه الأحداث إلى الحرب الأفغانية، والتي جاءت في سياق حرب طويلة الأمد أعلنتها الولايات المتحدة -يطلق عليها البعض الحرب الباردة الثانية- ضد الإرهاب.

    الحرب الأفغانية:
    تعتبر الحرب الأفغانية أول حرب معلنة وصريحة بين الولايات المتحدة ومستودع القوة العسكرية لتنظيم القاعدة المتحالف مع طالبان، وقد انتهت المعركة بإزالة حكم طالبان، وبتشتيت قيادة القاعدة وتدمير قدراتها العسكرية، بالإضافة إلى أسر واعتقال عدد من قيادييها في جزيرة جوانتانامو، ثم ملاحقة أعضاء القاعدة والجماعات الجهادية في كل أنحاء العالم (أكثر من ثمانين دولة)(5) ، واعتقال أعداد كبيرة منهم في عدد من الدول. بينما قامت مجموعات تظهر المؤشرات والدلائل على أنها إسلامية، وقد تكون ذات صلة بتنظيم القاعدة، بعدة عمليات مثل تفجير ملهى بالي في إندونيسيا، وعملية جزيرة (فيلكا) في الكويت، واغتيال الدبلوماسي الأمريكي في الأردن، وتفجيرات الرياض والدار البيضاء وغيرها(6) ، ومازالت المواجهة بين الولايات المتحدة ومعها تحالف دولي كبير تقوده ضد الإرهاب، من خلال استراتيجية الإدماج (7) (توحيد جهود المجتمع الدولي ضد الإرهاب)، وبين شبكة القاعدة الهلامية الممتدة في أكثر من ثمانين دولة في العالم، فيما يطلق عليه بعض المسؤولين الأمريكيين (حروب الشبكات)(8) .
    مقاربة فكرية
    يرى الدكتور (فوّاز جرجس) أن هناك عاملين أساسيين يقفان وراء تحديد العلاقة بين حركات الإسلام السياسي وبين الولايات المتحدة وهما: عامل ثقافي وعامل سياسي/أمني(10)(11) ، بالنسبة للجانب الثقافي فهناك صورة لدى فئة كبيرة من الرأي العام الأمريكي والنخب المثقفة والسياسية ترى أنّ الإسلام عبارة عن ثقافة عدائية، وأنّه يتناقض بشكل كبير مع الديمقراطية، وتربط هذه الفئة بين شكل الحكومة وسلوكها. أمّا على الجانب السياسي/ الأمني؛ فهناك رأي سائد لدى هذه الفئة الكبيرة الممتدة في مراكز صنع القرار الأمريكي والمؤسسات الثقافية والإعلامية – ويطلق عليهم جرجس دعاة التصدي- بأن الخطر الإسلامي حلّ مكان الخطر الشيوعي، وأن الحركات الإسلامية قد ورثت العداء من الأنظمة القومية السابقة ضد الأمريكان، ورأوا أنّ الحركات الإسلامية هي التي تملأ الفراغ التهديدي بعد الحرب الباردة، ويرى هؤلاء أن الإسلاميين يتعاملون مع الديمقراطية كأداة للوصول إلى السلطة، وأنهم بعد ذلك لن يسمحوا باستمرار الديمقراطية والعملية الانتخابية (التصويت لمرة واحدة)، كما أنّ وصول هذه الحركات إلى السلطة يهدد المصالح الأمريكية الرئيسة في الشرق الأوسط: النفط وإسرائيل، حيث تعارض هذه الحركات مشروع التسوية الذي ترعاه الولايات المتحدة(12) .
    ومن أبرز دعاة هذا الرأي (مارتن أنديك) الذي كتب في مقال له في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية 1993: بأنّ (13)أمام العرب طريقين: إما مستقبل تنتشر فيه الأصولية الإسلامية وتجتاح المنطقة أو مستقبل تسود فيه الليبرالية (14)، ويشاركه في هذا الرأي مجموعة كبيرة من الساسة والمنظرين الأمريكان، لكن التنظير الفكري الأخطر في رسم مستقبل الصراع بين الحركات الإسلامية والولايات المتحدة جاء من (صموئيل هانتنغتون) في كتابه صدام الحضارات، والذي تنبأ فيه بحرب كونية دينية قادمة، قطبيها الرئيسين هما الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية المسيحية (15).
    هذا الاتجاه السائد لدى النخبة المسيطرة والمهيمنة في المؤسسات السياسية والثقافية الأمريكية، تعارضه نخبة أخرى ترى ضرورة التمييز بين الإسلام المعتدل وبين الإسلام المتطرف، ولا تجد تناقضاً بين الإسلام وبين العملية الديمقراطية، بل وحمّلت هذه النخبة الإدارة الأمريكية وسياستها المتحالفة مع إسرائيل، والداعمة للأنظمة الفاسدة في العالم العربي مسؤولية المضمون الذي صنع 11 سبتمبر (16).
    في الطرف المقابل فإن الحركات الإسلامية، والتي باتت القوة الشعبية الهائلة في العالم العربي والإسلامي نظرت إلى السياسة الخارجية الأمريكية نظرة عداء، ورأت أنّ هذه السياسة التي تقوم على دعم إسرائيل، وتوفير كل وسائل المساعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية لها، وتدعم الأنظمة العربية القمعية الفاسدة في مواجهة الحركات الشعبية، وأنها تتدخل في خصوصيات الشعوب وخياراتها السياسية والحضارية، وترفض الديمقراطية عندما تأتي بالحركات الإسلامية خوفاً على مصالحها الخاصة وحماية لإسرائيل، ولا تميّز بين مقاومة الاحتلال الشرعية وبين الإرهاب، وتتجنَّب الحديث عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل وتمارسه هي ضد العديد من الشعوب، حيث ضمت اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية كل الحركات الإسلامية التي تقاتل لتحرير أرضها (ومنها حزب الله وحماس والجهاد الفلسطينية). في المحصلة أنّ هذه السياسات المشكلة للسلوك السياسي الأمريكي في العالم العربي هي سبب العداء بين الحركات الإسلامية وبين الولايات المتحدة.
    وإذا كان انتقاد السياسة الخارجية الأمريكية قضية مشتركة بين أطياف الإسلام السياسي، فإنّ مواقفها تختلف في الكثير من المسائل، فقد عارضت أغلب الحركات الإسلامية أحداث 11 سبتمبر، كما رفض كثير منها عمليات قتل المدنيين الغربيين، ورفضت التعامل مع الغرب على اعتبار أنه وحدة واحدة ضد العرب والمسلمين، كما أن كثيراً من هذه الحركات لا تعتمد العمل العسكري، وإنما تنتهج الطريق السياسي السلمي المدني في التعبير عن مواقفها.
    أمام هذه الحالة من المواجهة المحتدمة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة، فإنّ الحرب الأمريكية على العراق قد أدت إلى زيادة حالة الغليان الشعبي والاحتقان الداخلي في العالم العربي على السياسة الأمريكية والحكومات العربية المتحالفة معها، والمطبّعة مع إسرائيل. وهنا فإنّ الحركات الإسلامية الإحرابية (عمليات مسلحة ضد القوات والمصالح الأمريكية)، والسلمية (مسيرات، مظاهرات، احتجاجات)، هي المؤهلة بأن تقوم بالتعبير عن حالة القهر العام في العالم العربي، وبالتالي فإنّ المرحلة القادمة القريبة تطرح سؤالاً مباشراً عن سيناريوهات العلاقة بين أمريكا وحركات الإسلام السياسي؟..
    آفاق المستقبل
    إذا كانت أحداث 11 سبتمبر قد أدت إلى تقوية وتدعيم تيار التصدي والعداء للإسلام السياسي في أوساط السياسيين والمثقفين الأمريكان (17)، وأدى الأمر إلى قيام ستين مثقفاً أمريكياً بإرسال رسالة إلى العالم الإسلامي بعنوان (من أجل ماذا نحارب)؟(18) يبررون فيها ويعطون الشرعية من خلالها للحرب الأمريكية على الحركات الإسلامية الراديكالية العنيفة المتطرفة كما وصفتها الرسالة، فإنّ الأحداث ذاتها فرضت سؤالاً رئيساً عن السبب في انتماء المجموعة التي خططت وقامت في العمل إلى الدول العربية والصديقة للولايات المتحدة في العالم العربي –خاصة السعودية ومصر ودول الخليج الأخرى-، هذا السؤال أثار جدلاً واسعاً في المؤسسات البحثية والسياسية، و تمخّض عنه رأي توافق عليه عدد كبير من المنظرين والساسة الأمريكيين، وهو ما عبر عنه (مارتن إنديك) بالقول: "إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها، إنّ هذه النظم فضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا" ، فهذا الرأي بات ينظر إلى أنّ دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية القمعية في المرحلة السابقة كان خطأ كبيراً، حيث إن الاضطهاد السياسي والتهميش الاقتصادي هي الظروف التي ساهمت في خلق مضمون11 سبتمبر (19)، ولقد تبنت الإدارة الأمريكية هذا الرأي بشكل كبير في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية، إذ ربطت هذه الوثيقة بشكل كبير بين الإرهاب وبين الأنظمة الفاشلة، التي تنتج الظروف المواتية للإرهاب، لذلك أكدت الوثيقة بأن استراتيجية الولايات المتحدة في المرحلة القادمة هي دعم التحول الديمقراطي والانفتاح السياسي، وحقوق الإنسان والحريات العامة، كما اعتبرت الوثيقة الإرهاب -خاصة الإسلامي- مصدر التهديد الرئيس للولايات المتحدة وحلفائها، ووضعت عدة آليات لمكافحة الإرهاب (20).
    هذه المضامين السياسية في استراتيجية الأمن القومي تطرح بدورها أسئلة رئيسة على الولايات المتحدة، إذ إنّ التخوف الأمريكي من الإرهاب الإسلامي الإحرابي، يوازيه تخوف مقابل من الإسلام السياسي الديمقراطي ، والذي يعتبر الانتخابات بمثابة الفرصة الكبيرة له للسيطرة على الساحة السياسية، وربما الوصول إلى السلطة، وأي ضغط أمريكي على حلفائها العرب لزيادة مساحة الديمقراطية والحرية، سيكون متنفساً للحركات الإسلامية التي باتت البديل الشعبي عن الأنظمة العربية الهشة في رؤية واشنطن، كما أن دعم مؤسسات المجتمع المدني سيؤدي في كثير من الأحيان إلى سيطرة الإسلاميين الذين يعارضون السياسة الأمريكية عليها، وفوق ذلك فإنّ الحرب العراقية ستؤدي نتائجها المتتالية إلى تعميق أزمة الشرعية المزدوجة(21) التي تعيشها الأنظمة العربية، وتقوي من نفوذ الحركات الإسلامية (22).
    أمام هذه الحالة السياسية، فإنّ هناك سياسات متوقعة للولايات المتحدة اتجاه الحركات الإسلامية في المستقبل القريب:
    أولاً: أن تبقى الولايات المتحدّة على دعمها للأنظمة العربية الراهنة، بسبب التخوُّف من البديل الإسلامي، رغم اعتبار عدد من المنظرين الأمريكان تلك السياسة من أخطاء الماضي.
    ثانياً: أن تستمر الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، وملاحقة شبكة القاعدة، وتطوير القدرات الاستخبارية والأمنية؛ للقضاء على خلايا الجماعات الجهادية الإحرابية.
    ثالثا: أن تضغط الولايات المتحدة على الأنظمة العربية من أجل إصلاحات داخلية، وتوسيع مساحة الحرية للنخب الليبرالية، مع ضبط الإسلاميين بالعسكر في السلطة (حالتي باكستان وتركيا)، لضمان المصالح الأمريكية.
    رابعا: أن تسعى الولايات المتحدة إلى إجراء حوارات مع الحركات الإسلامية المعتدلة، والوصول إلى لغة مشتركة متفهمة.
    أمّا بالنسبة للحركات الإسلامية، فمن المتوقع أن تستمر الجماعات الجهادية في مواجهتها الأمنية مع الولايات المتحدة وحلفائها، وقد يزداد تأثير هذه الحركات على قطاعات من الناس بفعل الإحباط والحراك الاجتماعي الناشئ عن الحرب العراقية، وستزداد شروط فعاليتها في حالة بقاء الانتفاضة إلى فترة طويلة، أمّا إذا دخلت الأنظمة العربية والفلسطينيون في التسوية النهائية، وإذا تم التوصل بعد انهيار النظام العراقي إلى مشاريع تسوية طويلة، فإنّ من المتوقع أن يقل تأثيرها على الشعوب، وأن تسيطر الأنظمة على الحالة الأمنية، خاصة إذا ترافق ذلك مع انفتاح ديمقراطي معين.
    أما الأحزاب الإسلامية السلمية، فإنّ أمامها عدة احتمالات، خاصة مع ظهور أكثر لتداعيات الحملة الأمريكية على العراق:
    الأول: أن تدخل في صراع سياسي، وتهييج شعبي ضد الأنظمة الحالية، خاصة في حالة ضرب العراق، ومشاركة أنظمة عربية في الضربة، لكن يستبعد أن يؤدي هذا التصعيد لتغييرات سياسية فوقية، بناءً على الملاحظات الحالية للواقع السياسي العربي.
    ثانياً: أن تنقلب على منهجها، وتأخذ منحى العمل العسكري والجهادي لمواجهة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، خاصة إذا بقيت القوات الأمريكية فترة طويلة في العراق، وإذا فشلت الولايات المتحدة في جرّ الدول العربية والفلسطينيين إلى معاهدات سلام نهائية.
    ثالثاً: أن تمارس نوعاً من الاحتجاج السياسي والتصعيدي غير الخطير، وأن تحاول أن تكيّف نفسها سياسياً مع طبيعة المرحلة الجديدة مستقبلاً، والتعامل مع مخرجاتها بشكل أكثر عقلانية وواقعية.
    بناء على الاحتمالات السابقة، هناك عدة سيناريوهات للعلاقة بين أمريكا والإسلام السياسي، نعتقد أن أبرزها السيناريوهات التالية:
    الأول: المواجهة الشاملة بين الطرفين، والدخول في صراع مسلّح، تدعم فيه الجماهير العربية الحركات الإسلامية، والتي ستستهدف الوجود العسكري والمصالح الأمريكية في المنطقة، ويترجح هذا السيناريو في حالة فشل الولايات المتحدة من حسم الشأن العراقي سريعا، وعدم الوصول إلى تسوية نهائية للقضية الفلسطينية.
    الثاني: الوصول إلى معادلة توفيقية بين الولايات المتحدة وبين حركات إسلامية سلمية معتدلة، ويقوم هذا السيناريو على أساس أن هناك نقاط التقاء كثيرة بين ما طرحته وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة، مثل الدعوة إلى الانفتاح الديمقراطي، والحرية السياسية، ونقد فساد الأنظمة العربية الحالية، والدعوة إلى تحسين الظروف السياسية والاقتصادية للإنسان العربي، ورفض التطرف والعنف، ويترجّح هذا السيناريو بالنسبة للأمريكان بعد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في عدد من الدول (المغرب، البحرين، تركيا، باكستان)، والتي أظهرت أن القوى الإسلامية والقوى الشعبية المؤيدة لها أمر لا يمكن تجاهله، وأيضا لعجز القوى السياسية الأخرى في منافسة الشعبية الإسلامية. وبالنسبة للحركات الإسلامية، فإن الطرح الأمريكي نحو التشجيع والعمل على بناء مستقبل ديمقراطي وتنمية سياسية واقتصادية أفضل لها من القبول بالواقع السياسي العرفي العربي الحالي، كما أنّ الظروف الدولية والإقليمية والهيمنة الأمريكية أمر لا يمكن تجاهله وتجاوزه، بالإضافة إلى انعدام قدرتها على المواجهة العسكرية الداخلية، وعدم مساعدة الظروف الخارجية على ذلك.
    المعادلة التي قد تنتج عن التوافق بين أمريكا وبين هذه الحركات؛ تقوم على السماح لهذه الحركات بالوصول إلى السلطة، وفتح الحريات السياسية لها، مقابل قبول هذه الحركات بالنظام الديمقراطي، والتعددية السياسية، وتداول السلطة، وإصلاحات اقتصادية و سياسية ليبرالية، ودعم حقوق المرأة وحقوق الأقليات. بالإضافة إلى قبول مبدأ التسوية والحل السلمي في الشرق الأوسط.
    وإذا كان عدد كبير من المحللين الغربيين والعرب يستبعد هذا السيناريو (23)، فإنّ تجربة حزب العدالة والتنمية الأخيرة في تركيا، تقدم مؤشراً على احتمالية هذا السيناريو، حيث قدّم هذا الحزب في برنامجه الانتخابي فكراً سياسياً إسلامياً ذا صبغة ليبرالية براغماتية، تتكيف مع المعادلة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، حيث أكد الحزب حرصه على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأكد التزامه الكامل بالديمقراطية، ودعا إلى الحرية الدينية، وقبل بالسلام مع إسرائيل، وبإقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة، والقبول بقرارات الأمم المتحدة في القضايا الإقليمية، والإصرار على التحالف مع الناتو، والمضي قدماً في برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي وبرنامج الخصخصة(24)،.. ، هذا البرنامج الذي استند عليه حزب العدالة، ووصل بموجبه إلى السلطة يشكل معالم تجربة إسلامية جديدة ترصدها الدوائر الغربية وبالتحديد الأمريكية بدقة، ويمكن رصد حالات من التطور في الخطاب الإسلامي في عدد من الدول العربية نحو الخطاب الواقعي العقلاني، كالرسالة التي أرسلها المثقفون السعوديون رداً على وثيقة المثقفين الأمريكان، بعنوان (على أي أساس نتعايش(25)) ، والتي تحمل في طيّاتها معالم تطور و تشكل فكر سياسي إسلامي جديد عند أكثر الفئات التي كانت محسوبة على الانغلاق – في الدوائر الغربية- وهم السلفيون (26)، حيث بدا واضحا بروز نوع من السلفية الإصلاحية، التي تتبنى خطاباً سياسياً أكثر انفتاحاً وتعايشاً مع الواقع (27).
    الثالث: أن يستمر الوضع الحالي في المستقبل القريب دون تغيير كبير يذكر، من خلال مدافعات سلمية ومد وجزر في العلاقة بين الأنظمة العربية والحركات الإسلامية، مع استمرار الحملة الأمنية على التيار الجهادي، مع بقاء الولايات المتحدة طرفاً ضابطاً غير مباشر في هذه العلاقة. ويترجح هذا السيناريو في حالة عدم حدوث تطورات إقليمية جذرية في المنطقة، وهذا ما لا يتناسب مع التصورات الأمريكية التي تسعى إلى إعادة تشكيل الحالة السياسية والثقافية وربما الجغرافية.
    [glint][grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/grade][/glint]
Working...