نُصِبت " المداريه" وشرع أهل القرية يتمرّنون عليها لتتمدّد "عصمانها" وتصبح ليّنة ، فتصل إلى أقصى مدى لها بين شجرة الرقاعة والحصن المجاور ، عندما يُدفع "المدرّه" الذي ينتشي عند إحساسه بالطيران فوق " الضمد" فيشدو :
درّهي حمر العوادي .... من شدا لي والزّبارة
وأخرجي شرعة فؤادي .... يالله ردّه وسط داره .
جاء (المُبشّر ) بإقتراب الحجيج ، مخبرا أنهم وصلوا آخر محطة توصلهم السيّارة إليها ، وفي الغدسيُشرّقون ( من شروق الشمس) ليصلون إلى القرية فيجدون الجميع في إنتظارهم .
"ياعم سعيد تعال معي لك هرجة بيني وبينك" . همس صالح الذي جاء بالبشارة عن الحجاج في أذن والد موسى الذي كان قد غاب منذ عشرين عام .
خير ياولدي .
خير خير ياعم سعيد . الحجاج معهم شخص غريب يدعونه الشيخ موسى يقال إنه إبنك الغائب ، وجدوه في الحج .
بشّرك الله ، كيف ، ويش تقول ، ولدي موسى ، بشرك.. بشرك ..بشرك الله .. الله بالخير .
فرحه مختلطة بشعور غريب خلقته الصدمة الغير متوقعه جعلت العم سعيد يتلعثم في الكلام فتأتي جمله متقطعة غير مفهومة .
أنهمرت الدموع التي كانت متحجرة منذ عشرين عام ، ذهب مسرعا إلى أم الشيخ موسى وبقية الأسرة ليخبرهم بما سمع ودموعه تختلط مع إبتسامته العريضة تماما كالبرق أثناء المطر .
يقول صالح أنه رأى ولدنا موسى مع الحجاج وأنه سيكون هنا غدا إن شاء الله .
الحمد لله ، الحمد لله ياما أنت كريم يارب. ياليتنا كنا قد علمنا لنستعد كبقية أهل الحجاج " فنخلب" البيت ونشيّده بالنّورة . رددت الأم في سعادة وفرحة غامرة .
عودة موسى هي "النورة " وهي البيت "المشيّد " يا أمي . ردد الأخ الأصغر للشيخ موسى .
لم ينم أحدا من أسرة موسى ذلك الليل ، مرّ عليهم الليل وكأنه ساعة ، أعادوا ترتيب كل شيء في البيت حتى ظهر في حالة تفوق تلك البيوت التي كان قد استعد أهلها بترتيبها منذ فترة طويلة .
في الصباح ومع شروق الشمس كان جمع غفير من أهل القرية قد برزوا خارجها لإستقبال الحجاج لاسيما بعدما علموا بقدوم الشيخ موسى الذي لم يعد يعرفه أكثر أبناء القرية .
العم سعيد لم يكن مع المنتظرين من أهل القرية ، فلم تقف به خطاه ولم يساعده صبره على الأنتظار .
بعيدا عن الجمع الغفير المنتظر كان اللقاء المثير بين سعيد وإبنه الذي أصبح ينادى بالشيخ موسى . ملابس بيضاء وعمامة ذات ذؤابة تمتد للتتناسب مع طوله الفارع . لحية طويلة يتخللها شعر أبيض زادها جمالا ، علامة السجود أصبحت من العلامات الفارقة التي تميز الشيخ موسى .
ترك الحجاج الفرصة للشيخ موسى بمقابلة أبيه والأختلاء ببعضهما فهناك الكثير مما يريدان التحدث فيه .
أستأذن الشيخ سعيد من إبنه لحظة ليتبرر [ يريق الماء أو يتبول] فقد حبس نفسه طويلا ، نسي نفسه من لهفة الإنتظار وفرحة اللقاء .
ما أن ثنى والد الشيخ موسى نفسه ليزيح ثوبه الذي لايلبس تحته شيئا عن الأذى ، حتى صاح فيه إبنه الشيخ موسى:
لا لا ياأبي ليس هكذا ، لقد أستقبلت القبلة وهذا لايجوز .
لم يتعود الشيخ سعيد بأن ينهره أحد أو يعلمه وهو في هذه السن لاسيما أنه من كبار أهل قريته وعرّافهم . إلا أنه قبل الأمر من إبنه الذي قد عرف للتو أن غيابه عشرون عاما كان لدراسة علم الفرائض في بلاد اليمن السعيد .
أستدار في مكانه من غير أن يرفع نفسه عن الأرض فقد أظناه التعب وأنهكه منذ الليلة الماضية حينما كان منهمكا في نصب "المداريه " .
غيّر الأتجاه تماما فأتجه إلى عكس ماكان سابقا ، فجاءه النهي والزجر مرة أخرى .
لا لا يا أبي لقد أستدبرت القبلة وهذا ايضا لايجوز .
دار إلى ناحية الشرق فسمع نفس التحذير والنهي ايضا .
لايجوز أن تستقبل أية من أيات الله الكبرى . ولايجوز أيضا أن تستدبرها .
ماذا اصنع يا أبني ، إلى أين أتجه ؟!
إذا ولا بد يا أبي (( ذرْذرْ به )) أي أصنع به دائرة !!
إحتار أبوه من فتاوى إبنه الشيخ موسى ولازمته تلك الحيرة مدى الحياة .
_________________________________________________
المداريه : شبيه بالمراجيح كانت تنصب للإحتفاء بالحجاج وكان يحلو معها السمر البريء.
الععصمان : الأرشية التي كانت تصنع من جلود الأبقار والجمال ، فتكون قوية جدا تتحمل كثيرا .
النورة : هي مايشبه الدهان (البوية البيضاء ) وكانت تؤخذ من الجبال وتخلط مع الماء ثم توضع حول النوافذ وفي أواسط الجدران للتزيين والتعبير عن الفرح .
خلب البيت : طلاء البيت بالأتربة المختلفة كنوع من التجديد .
درّهي حمر العوادي .... من شدا لي والزّبارة
وأخرجي شرعة فؤادي .... يالله ردّه وسط داره .
جاء (المُبشّر ) بإقتراب الحجيج ، مخبرا أنهم وصلوا آخر محطة توصلهم السيّارة إليها ، وفي الغدسيُشرّقون ( من شروق الشمس) ليصلون إلى القرية فيجدون الجميع في إنتظارهم .
"ياعم سعيد تعال معي لك هرجة بيني وبينك" . همس صالح الذي جاء بالبشارة عن الحجاج في أذن والد موسى الذي كان قد غاب منذ عشرين عام .
خير ياولدي .
خير خير ياعم سعيد . الحجاج معهم شخص غريب يدعونه الشيخ موسى يقال إنه إبنك الغائب ، وجدوه في الحج .
بشّرك الله ، كيف ، ويش تقول ، ولدي موسى ، بشرك.. بشرك ..بشرك الله .. الله بالخير .
فرحه مختلطة بشعور غريب خلقته الصدمة الغير متوقعه جعلت العم سعيد يتلعثم في الكلام فتأتي جمله متقطعة غير مفهومة .
أنهمرت الدموع التي كانت متحجرة منذ عشرين عام ، ذهب مسرعا إلى أم الشيخ موسى وبقية الأسرة ليخبرهم بما سمع ودموعه تختلط مع إبتسامته العريضة تماما كالبرق أثناء المطر .
يقول صالح أنه رأى ولدنا موسى مع الحجاج وأنه سيكون هنا غدا إن شاء الله .
الحمد لله ، الحمد لله ياما أنت كريم يارب. ياليتنا كنا قد علمنا لنستعد كبقية أهل الحجاج " فنخلب" البيت ونشيّده بالنّورة . رددت الأم في سعادة وفرحة غامرة .
عودة موسى هي "النورة " وهي البيت "المشيّد " يا أمي . ردد الأخ الأصغر للشيخ موسى .
لم ينم أحدا من أسرة موسى ذلك الليل ، مرّ عليهم الليل وكأنه ساعة ، أعادوا ترتيب كل شيء في البيت حتى ظهر في حالة تفوق تلك البيوت التي كان قد استعد أهلها بترتيبها منذ فترة طويلة .
في الصباح ومع شروق الشمس كان جمع غفير من أهل القرية قد برزوا خارجها لإستقبال الحجاج لاسيما بعدما علموا بقدوم الشيخ موسى الذي لم يعد يعرفه أكثر أبناء القرية .
العم سعيد لم يكن مع المنتظرين من أهل القرية ، فلم تقف به خطاه ولم يساعده صبره على الأنتظار .
بعيدا عن الجمع الغفير المنتظر كان اللقاء المثير بين سعيد وإبنه الذي أصبح ينادى بالشيخ موسى . ملابس بيضاء وعمامة ذات ذؤابة تمتد للتتناسب مع طوله الفارع . لحية طويلة يتخللها شعر أبيض زادها جمالا ، علامة السجود أصبحت من العلامات الفارقة التي تميز الشيخ موسى .
ترك الحجاج الفرصة للشيخ موسى بمقابلة أبيه والأختلاء ببعضهما فهناك الكثير مما يريدان التحدث فيه .
أستأذن الشيخ سعيد من إبنه لحظة ليتبرر [ يريق الماء أو يتبول] فقد حبس نفسه طويلا ، نسي نفسه من لهفة الإنتظار وفرحة اللقاء .
ما أن ثنى والد الشيخ موسى نفسه ليزيح ثوبه الذي لايلبس تحته شيئا عن الأذى ، حتى صاح فيه إبنه الشيخ موسى:
لا لا ياأبي ليس هكذا ، لقد أستقبلت القبلة وهذا لايجوز .
لم يتعود الشيخ سعيد بأن ينهره أحد أو يعلمه وهو في هذه السن لاسيما أنه من كبار أهل قريته وعرّافهم . إلا أنه قبل الأمر من إبنه الذي قد عرف للتو أن غيابه عشرون عاما كان لدراسة علم الفرائض في بلاد اليمن السعيد .
أستدار في مكانه من غير أن يرفع نفسه عن الأرض فقد أظناه التعب وأنهكه منذ الليلة الماضية حينما كان منهمكا في نصب "المداريه " .
غيّر الأتجاه تماما فأتجه إلى عكس ماكان سابقا ، فجاءه النهي والزجر مرة أخرى .
لا لا يا أبي لقد أستدبرت القبلة وهذا ايضا لايجوز .
دار إلى ناحية الشرق فسمع نفس التحذير والنهي ايضا .
لايجوز أن تستقبل أية من أيات الله الكبرى . ولايجوز أيضا أن تستدبرها .
ماذا اصنع يا أبني ، إلى أين أتجه ؟!
إذا ولا بد يا أبي (( ذرْذرْ به )) أي أصنع به دائرة !!
إحتار أبوه من فتاوى إبنه الشيخ موسى ولازمته تلك الحيرة مدى الحياة .
_________________________________________________
المداريه : شبيه بالمراجيح كانت تنصب للإحتفاء بالحجاج وكان يحلو معها السمر البريء.
الععصمان : الأرشية التي كانت تصنع من جلود الأبقار والجمال ، فتكون قوية جدا تتحمل كثيرا .
النورة : هي مايشبه الدهان (البوية البيضاء ) وكانت تؤخذ من الجبال وتخلط مع الماء ثم توضع حول النوافذ وفي أواسط الجدران للتزيين والتعبير عن الفرح .
خلب البيت : طلاء البيت بالأتربة المختلفة كنوع من التجديد .
تعليق