شن رئيس الوزراء الفرنسي )جان بيير رافاران( يوم الخميس 3/4/2003 -خلال لقاء مباشر على القناة الفرنسية الفرنكوفونية الخامسة- حملة قوية على الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية، وذلك في أول تصريح رسمي لمسؤول فرنسي حول قضية الحجاب، التي اختفت من النقاش الداخلي منذ نهاية التسعينات ؛ حينما شنت السلطات الفرنسية حملة عنيفة على المحجبات المسلمات .
وقال (رافاران) في معرض حديثه عن مشروع وزير الداخلية الفرنسي (نيكولاس سار كوزي) المتعلق بتشكيل مجلس موحد لمسلمي فرنسا وصلاحياته:" في أي جمهورية لدينا الحق في ممارسة شعائرنا الدينية، ولكن لدى ممارسة مواطنتنا لا يمكننا إظهار علامات تديننا أو انتمائنا الديني بشكل تفاخري"، وردا على سؤال إن كان سيتخذ قرارا بمنع ارتداء الحجاب كرر رئيس الوزراء الفرنسي:"بالتأكيد، بالتأكيد".
تلميحات (رافاران) في هذه الظرفية الداخلية والدولية تؤشر إلى حدوث تحول قريب في الموقف الفرنسي اتجاه مسألة الحجاب والجاليات الإسلامية في فرنسا، التي تقدرها المصادر الفرنسية ما بين أربعة وخمسة ملايين، جلهم متحدرون من منطقة المغرب العربي، وعلى الأخص من المغرب والجزائر. فهذه التلميحات تتزامن وسياقين هامين في الداخل والخارج: على المستوى الداخلي هناك المشروع الذي طرحه وزير الداخلية وشؤون الأديان الفرنسي (نيكولاس ساركوزي) قبل أشهر، حول تجميع مسلمي فرنسا في مجلس موحد يكون المخاطب الوحيد أمام السلطات الفرنسية، وعلى المستوى الخارجي فإن أحداث 11 سبتمبر 2001 قد ألقت بكثير من ظلالها على طبيعة التعاطي الرسمي للحكومة الفرنسية مع قضايا المسلمين بها، وأحدثت فرزا بين أنصار التدخل في قضايا الإسلام بفرنسا وأنصار الحرية الدينية.
تعديل قانون 1905!
في هذا السياق المزدوج طرحت في العام الماضي في فرنسا اقتراحات متعددة بتعديل قانون 1905، الذي يقضي بفصل الدين عن الدولة ، ورفع هذه الأخيرة يدها عن الشؤون الدينية ، سواء منها الرموز أو المراكز الدينية أو رجال الدين، وقد جاء هذا القانون بعد أربع سنوات من قانون آخر صدر عام 1901 يتعلق بحرية تأسيس الجمعيات الثقافية. ويشير الفصل الأول من قانون عام 1905 أو "قانون العلمانية" إلى أن"الجمهورية(الفرنسية) تضمن حرية الاعتقاد، وحرية ممارسة الطقوس الدينية"، بناء على الدستور الفرنسي ، الذي يشير إلى أن فرنسا"جمهورية علمانية تحترم جميع المعتقدات"، كما يقول الفصل الثاني من القانون المشار إليه إن"الجمهورية لا تعترف ولا تمول ولا تدعم أي معتقد". ويعتبر قانونا 1901 و 1905 مكسبا مهما للحريات الدينية والثقافية والفكرية في فرنسا بعد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي، من دون أن يعني ذلك أن الحكومات الفرنسية كانت تلتزم بهما، خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع المسلمين والجمعيات الثقافية الإسلامية بفرنسا.
وقد انقسمت الآراء في فرنسا بين مؤيد ومعارض لتعديل قانون فصل الدين عن الدولة. إذ يرى الفريق المؤيد أن التعديل سيجعل الدولة الفرنسية قادرة على مراقبة شؤون الجاليات المسلمة التي يتزايد عددها، بحيث يعد الإسلام الديانة الثانية في فرنسا، وبالتالي التحكم في توجيه الحساسيات الإسلامية ؛ خوفا من "الإرهاب الإسلامي"، كما يرى أن تنامي الوجود الإسلامي في فرنسا عما كان عليه في الماضي يبرر مثل هذه المراجعة. ويقول عمدة"إيفلينس" وهو من أشد المدافعين عن اتجاه المراجعة" في عام 1905 كانت الحكومة ترى في الكاثوليك ألد أعداء الجمهورية، ويشكلون تهديدا حقيقيا، أما اليوم فإن الإسلام هو الذي أصبح يطرح هذه المشكلة".
أما منتقدو التعديل، وهم يعتبرون أقلية، فيرون أن ذلك يعد تراجعا خطيرا عن مكسب العلمانية ومبادئ الثورة الفرنسية، وبالتالي بداية تحيز الدولة إلى ديانة معينة لحساب ديانة أخرى، وتوجها نحو ضرب الحريات الدينية ، والتضييق على بناء المراكز الدينية والمساجد في المدن الفرنسية. ويربط هؤلاء بين سياسة وزير الداخلية الجديد (ساركوزي) المتعلقة بمسائل الأمن وحوادث العنف في المدارس والأحياء الشعبية الفرنسية ؛ وبين مشروعي التعديل وتأسيس المجلس الموحد لمسلمي فرنسا، باعتبار أن ذلك كله موجه إلى الجاليات المسلمة ؛ وخاصة منها المتمركزة في الأحياء الشعبية ، التي ركز عليها الإعلام الفرنسي كثيرا في الأشهر الأخيرة ؛ بحسبانها المراتع الأساسية لأعمال العنف والشغب، وترهيب الفرنسيين من الخطر الإسلامي.
من"الإسلام في فرنسا" إلى"إسلام فرنسا"!
ومنذ طرح مشروع (ساركوزي) في السنة الماضية بعد توليه منصب وزير الداخلية تحول الحديث عن الإسلام من"الإسلام في فرنسا" إلى"إسلام فرنسا"، ما يعني أن هناك سياسة جديدة للدولة الفرنسية ناحية الأقليات الإسلامية تهدف إلى وضع الإسلام تحت عين المراقبة والمتابعة ، وتسييج الوجود والأنشطة الإسلامية للجاليات المسلمة، ومحاربة ما أسماه (ساركوزي) "إسلام المغارات والمرائب" أو"الإسلام السري".
أما فكرة تجميع المسلمين الفرنسيين في مجلس أو هيئة موحدة فقد انطلق التفكير فيها في العام 1984 في عهد الاشتراكي (فرانسوا ميتران) ، حيث كان قد أعلنها وزير الداخلية آنذاك (بيير جوكس)، لكنها لم تفعّل في ذلك الوقت، ربما تجنبا من الاشتراكيين الفرنسيين للمساس بـ"السياسة العربية" لفرنسا وموقعها في منطقة المغرب العربي، اعتبارا لأن أغلب المسلمين في فرنسا هم من المغاربيين. وفي بداية التسعينات عاد الحديث عن ضرورة تنظيم المسلمين في فرنسا على خلفية أحداث الجزائر والحرب الأهلية ، بعد انقلاب العسكر على الديمقراطية ، ونتائج الانتخابات التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى البلديات ثم مجلس الشعب(البرلمان) ، وأطلقها وزير الداخلية الأسبق (جان بيير شوفنمان)، لكنها توقفت لتعود من جديد عام 1995 مع وزير الداخلية في تلك الفترة (شارل باسكوا) المعروف بسياسته المعادية للمسلمين وللمهاجرين من العرب، والذي قال أثناء افتتاح مسجد (ليون) متوجها إلى المسلمين الفرنسيين:" إن تسرب تأثيرات مناقضة لتقاليدنا وقيمنا ومفهومنا لحقوق الإنسان والمرأة، وتنامي هذه التأثيرات في صفوف جاليتكم ستؤدي إلى مخاطر رئيسية بالنسبة للجالية أولا، وأيضا بالنسبة للتلاحم الوطني، وهذا ما لن نقبل أو نسمح به".
وقد عاد هذا الخطاب العدائي السابق إلى الظهور بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وما فجرته من أجواء محتقنة في العلاقة بين الجاليات المسلمة في أوروبا وحكومات البلدان الأوروبية التي أصبحت أكثر فأكثر توجسا وخيفة من الوجود الإسلامي بها. ولعب الإعلام الفرنسي ؛ خاصة منه اليميني المتطرف دورا رئيسيا في التحريض على المسلمين بفرنسا، حيث نشرت العديد من المقالات والتعاليق والتحليلات التي نصحت بـ"ضبط" الوجود الإسلامي في فرنسا ، ووضعه داخل مربع بشكل يسمح بمراقبته من الانفلات والتطرف ، وإدماجه في النسيج الثقافي الفرنسي، كما لم يكن غائبا التلويح بإمكانية تعرض فرنسا لأعمال شبيهة بتلك التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية.
ضمن هذا السياق طرح وزير الداخلية (ساركوزي) مشروعه، متحدثا عن "إسلام فرنسا" متوافق مع"القيم الجمهورية" للجمهورية الفرنسية، وخال من "التوجهات المتطرفة" وموجود"تحت دائرة الضوء". وقد قاد (ساركوزي) مفاوضات شاقة طيلة أشهر مع أبرز ممثلي الجاليات المسلمة في مدن فرنسية عدة ؛ من أجل إقناعهم بفكرة إنشاء مجلس موحد للمسلمين ، على غرار المجلس الموحد لليهود الفرنسيين الذي أنشأه نابليون عام 1806. وفي 20 من شهر ديسمبر 2002 نجح (ساركوزي) في عقد لقاء بين ثلاث أكبر فيدراليات تمثل الجاليات المسلمة في فرنسا ، وتعكس الأطياف المتعددة(المغرب العربي، مصر، تركيا، الهند وباكستان)، حيث تم الاتفاق على إنشاء مجلس موحد للمسلمين ، سيجري انتخاب أعضائه في النصف الثاني من شهر أبريل الجاري في 1500 مركزٍ ومسجدٍ في جميع أنحاء فرنسا.
ووفق ما صرح به وزير الداخلية الفرنسي ؛ فإن صلاحيات المجلس الجديد تتحدد في أن يصبح المخاطب الوحيد للحكومة الفرنسية ، والناطق باسم الجاليات المسلمة بكافة انتماءاتها القومية واللغوية، كما يختص المجلس بتكوين أئمة المساجد ، وقضية الذبائح الشرعية ، والحجاب والتعليم الديني وبناء المساجد والمراكز التعليمية الإسلامية ، وجمع وتوزيع الزكاة.
وحسب (ساركوزي) فإن قضية بناء المساجد وتعيين الأئمة - الذين صار يشترط فيهم الإلمام باللغة الفرنسية - ستكون أبرز قضية توكل إلى المجلس الجديد، إذ تسعى الحكومة الفرنسية إلى الحد من تدخل البلدان الإسلامية في شؤون الجاليات المسلمة عبر تمويل بناء المساجد وتعيين الأئمة.
تجدد الحملة على الحجاب
لكن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي (رافاران) الأسبوع الماضي جاءت لترفع النقاب عن النهج الجديد الذي تريد الدولة الفرنسية السير فيه اتجاه الإسلام والمسلمين في فرنسا، وتعيد إلى الأذهان الحملات السابقة التي استهدفت الحجاب في السابق، عندما أصدر وزير التعليم والتربية الفرنسي (فرانسوا بايرو) في بداية التسعينات من القرن الماضي مذكرة بمنع ارتداء الحجاب في صفوف التلميذات المسلمات في المدارس والثانويات الفرنسية، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل بين الفرنسيين والمسلمين على حد سواء.
وتقول بعض المصادر الإعلامية الفرنسية إن تصريحات (رافاران) ربما تشير من الآن إلى إلغاء القرار الصادر في 27 نوفمبر 1989 ، والذي يشير إلى أن ارتداء الحجاب"ليس معاكسا في ذاته للعلمانية"، وهو القرار الذي استند إليه مجلس الدولة الفرنسي في إلغاء القرارات الصادرة عن وزراء التعليم والتربية في الماضي بحظر الحجاب في المدارس والمؤسسات التعليمية. كما يمكن أن تطرح الحكومة الفرنسية خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة أمام البرلمان مشروع قانون جديد يحظر جميع العلامات والرموز الدينية، وعلى رأسها الحجاب الإسلامي، ولكن ليس كرمز ديني فقط، بل باعتباره مسا بحرية المرأة وبمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهذا ينبئ بتجدد معركة الحجاب مستقبلا.
موقع الاسلام اليوم
وقال (رافاران) في معرض حديثه عن مشروع وزير الداخلية الفرنسي (نيكولاس سار كوزي) المتعلق بتشكيل مجلس موحد لمسلمي فرنسا وصلاحياته:" في أي جمهورية لدينا الحق في ممارسة شعائرنا الدينية، ولكن لدى ممارسة مواطنتنا لا يمكننا إظهار علامات تديننا أو انتمائنا الديني بشكل تفاخري"، وردا على سؤال إن كان سيتخذ قرارا بمنع ارتداء الحجاب كرر رئيس الوزراء الفرنسي:"بالتأكيد، بالتأكيد".
تلميحات (رافاران) في هذه الظرفية الداخلية والدولية تؤشر إلى حدوث تحول قريب في الموقف الفرنسي اتجاه مسألة الحجاب والجاليات الإسلامية في فرنسا، التي تقدرها المصادر الفرنسية ما بين أربعة وخمسة ملايين، جلهم متحدرون من منطقة المغرب العربي، وعلى الأخص من المغرب والجزائر. فهذه التلميحات تتزامن وسياقين هامين في الداخل والخارج: على المستوى الداخلي هناك المشروع الذي طرحه وزير الداخلية وشؤون الأديان الفرنسي (نيكولاس ساركوزي) قبل أشهر، حول تجميع مسلمي فرنسا في مجلس موحد يكون المخاطب الوحيد أمام السلطات الفرنسية، وعلى المستوى الخارجي فإن أحداث 11 سبتمبر 2001 قد ألقت بكثير من ظلالها على طبيعة التعاطي الرسمي للحكومة الفرنسية مع قضايا المسلمين بها، وأحدثت فرزا بين أنصار التدخل في قضايا الإسلام بفرنسا وأنصار الحرية الدينية.
تعديل قانون 1905!
في هذا السياق المزدوج طرحت في العام الماضي في فرنسا اقتراحات متعددة بتعديل قانون 1905، الذي يقضي بفصل الدين عن الدولة ، ورفع هذه الأخيرة يدها عن الشؤون الدينية ، سواء منها الرموز أو المراكز الدينية أو رجال الدين، وقد جاء هذا القانون بعد أربع سنوات من قانون آخر صدر عام 1901 يتعلق بحرية تأسيس الجمعيات الثقافية. ويشير الفصل الأول من قانون عام 1905 أو "قانون العلمانية" إلى أن"الجمهورية(الفرنسية) تضمن حرية الاعتقاد، وحرية ممارسة الطقوس الدينية"، بناء على الدستور الفرنسي ، الذي يشير إلى أن فرنسا"جمهورية علمانية تحترم جميع المعتقدات"، كما يقول الفصل الثاني من القانون المشار إليه إن"الجمهورية لا تعترف ولا تمول ولا تدعم أي معتقد". ويعتبر قانونا 1901 و 1905 مكسبا مهما للحريات الدينية والثقافية والفكرية في فرنسا بعد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي، من دون أن يعني ذلك أن الحكومات الفرنسية كانت تلتزم بهما، خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع المسلمين والجمعيات الثقافية الإسلامية بفرنسا.
وقد انقسمت الآراء في فرنسا بين مؤيد ومعارض لتعديل قانون فصل الدين عن الدولة. إذ يرى الفريق المؤيد أن التعديل سيجعل الدولة الفرنسية قادرة على مراقبة شؤون الجاليات المسلمة التي يتزايد عددها، بحيث يعد الإسلام الديانة الثانية في فرنسا، وبالتالي التحكم في توجيه الحساسيات الإسلامية ؛ خوفا من "الإرهاب الإسلامي"، كما يرى أن تنامي الوجود الإسلامي في فرنسا عما كان عليه في الماضي يبرر مثل هذه المراجعة. ويقول عمدة"إيفلينس" وهو من أشد المدافعين عن اتجاه المراجعة" في عام 1905 كانت الحكومة ترى في الكاثوليك ألد أعداء الجمهورية، ويشكلون تهديدا حقيقيا، أما اليوم فإن الإسلام هو الذي أصبح يطرح هذه المشكلة".
أما منتقدو التعديل، وهم يعتبرون أقلية، فيرون أن ذلك يعد تراجعا خطيرا عن مكسب العلمانية ومبادئ الثورة الفرنسية، وبالتالي بداية تحيز الدولة إلى ديانة معينة لحساب ديانة أخرى، وتوجها نحو ضرب الحريات الدينية ، والتضييق على بناء المراكز الدينية والمساجد في المدن الفرنسية. ويربط هؤلاء بين سياسة وزير الداخلية الجديد (ساركوزي) المتعلقة بمسائل الأمن وحوادث العنف في المدارس والأحياء الشعبية الفرنسية ؛ وبين مشروعي التعديل وتأسيس المجلس الموحد لمسلمي فرنسا، باعتبار أن ذلك كله موجه إلى الجاليات المسلمة ؛ وخاصة منها المتمركزة في الأحياء الشعبية ، التي ركز عليها الإعلام الفرنسي كثيرا في الأشهر الأخيرة ؛ بحسبانها المراتع الأساسية لأعمال العنف والشغب، وترهيب الفرنسيين من الخطر الإسلامي.
من"الإسلام في فرنسا" إلى"إسلام فرنسا"!
ومنذ طرح مشروع (ساركوزي) في السنة الماضية بعد توليه منصب وزير الداخلية تحول الحديث عن الإسلام من"الإسلام في فرنسا" إلى"إسلام فرنسا"، ما يعني أن هناك سياسة جديدة للدولة الفرنسية ناحية الأقليات الإسلامية تهدف إلى وضع الإسلام تحت عين المراقبة والمتابعة ، وتسييج الوجود والأنشطة الإسلامية للجاليات المسلمة، ومحاربة ما أسماه (ساركوزي) "إسلام المغارات والمرائب" أو"الإسلام السري".
أما فكرة تجميع المسلمين الفرنسيين في مجلس أو هيئة موحدة فقد انطلق التفكير فيها في العام 1984 في عهد الاشتراكي (فرانسوا ميتران) ، حيث كان قد أعلنها وزير الداخلية آنذاك (بيير جوكس)، لكنها لم تفعّل في ذلك الوقت، ربما تجنبا من الاشتراكيين الفرنسيين للمساس بـ"السياسة العربية" لفرنسا وموقعها في منطقة المغرب العربي، اعتبارا لأن أغلب المسلمين في فرنسا هم من المغاربيين. وفي بداية التسعينات عاد الحديث عن ضرورة تنظيم المسلمين في فرنسا على خلفية أحداث الجزائر والحرب الأهلية ، بعد انقلاب العسكر على الديمقراطية ، ونتائج الانتخابات التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى البلديات ثم مجلس الشعب(البرلمان) ، وأطلقها وزير الداخلية الأسبق (جان بيير شوفنمان)، لكنها توقفت لتعود من جديد عام 1995 مع وزير الداخلية في تلك الفترة (شارل باسكوا) المعروف بسياسته المعادية للمسلمين وللمهاجرين من العرب، والذي قال أثناء افتتاح مسجد (ليون) متوجها إلى المسلمين الفرنسيين:" إن تسرب تأثيرات مناقضة لتقاليدنا وقيمنا ومفهومنا لحقوق الإنسان والمرأة، وتنامي هذه التأثيرات في صفوف جاليتكم ستؤدي إلى مخاطر رئيسية بالنسبة للجالية أولا، وأيضا بالنسبة للتلاحم الوطني، وهذا ما لن نقبل أو نسمح به".
وقد عاد هذا الخطاب العدائي السابق إلى الظهور بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وما فجرته من أجواء محتقنة في العلاقة بين الجاليات المسلمة في أوروبا وحكومات البلدان الأوروبية التي أصبحت أكثر فأكثر توجسا وخيفة من الوجود الإسلامي بها. ولعب الإعلام الفرنسي ؛ خاصة منه اليميني المتطرف دورا رئيسيا في التحريض على المسلمين بفرنسا، حيث نشرت العديد من المقالات والتعاليق والتحليلات التي نصحت بـ"ضبط" الوجود الإسلامي في فرنسا ، ووضعه داخل مربع بشكل يسمح بمراقبته من الانفلات والتطرف ، وإدماجه في النسيج الثقافي الفرنسي، كما لم يكن غائبا التلويح بإمكانية تعرض فرنسا لأعمال شبيهة بتلك التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية.
ضمن هذا السياق طرح وزير الداخلية (ساركوزي) مشروعه، متحدثا عن "إسلام فرنسا" متوافق مع"القيم الجمهورية" للجمهورية الفرنسية، وخال من "التوجهات المتطرفة" وموجود"تحت دائرة الضوء". وقد قاد (ساركوزي) مفاوضات شاقة طيلة أشهر مع أبرز ممثلي الجاليات المسلمة في مدن فرنسية عدة ؛ من أجل إقناعهم بفكرة إنشاء مجلس موحد للمسلمين ، على غرار المجلس الموحد لليهود الفرنسيين الذي أنشأه نابليون عام 1806. وفي 20 من شهر ديسمبر 2002 نجح (ساركوزي) في عقد لقاء بين ثلاث أكبر فيدراليات تمثل الجاليات المسلمة في فرنسا ، وتعكس الأطياف المتعددة(المغرب العربي، مصر، تركيا، الهند وباكستان)، حيث تم الاتفاق على إنشاء مجلس موحد للمسلمين ، سيجري انتخاب أعضائه في النصف الثاني من شهر أبريل الجاري في 1500 مركزٍ ومسجدٍ في جميع أنحاء فرنسا.
ووفق ما صرح به وزير الداخلية الفرنسي ؛ فإن صلاحيات المجلس الجديد تتحدد في أن يصبح المخاطب الوحيد للحكومة الفرنسية ، والناطق باسم الجاليات المسلمة بكافة انتماءاتها القومية واللغوية، كما يختص المجلس بتكوين أئمة المساجد ، وقضية الذبائح الشرعية ، والحجاب والتعليم الديني وبناء المساجد والمراكز التعليمية الإسلامية ، وجمع وتوزيع الزكاة.
وحسب (ساركوزي) فإن قضية بناء المساجد وتعيين الأئمة - الذين صار يشترط فيهم الإلمام باللغة الفرنسية - ستكون أبرز قضية توكل إلى المجلس الجديد، إذ تسعى الحكومة الفرنسية إلى الحد من تدخل البلدان الإسلامية في شؤون الجاليات المسلمة عبر تمويل بناء المساجد وتعيين الأئمة.
تجدد الحملة على الحجاب
لكن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي (رافاران) الأسبوع الماضي جاءت لترفع النقاب عن النهج الجديد الذي تريد الدولة الفرنسية السير فيه اتجاه الإسلام والمسلمين في فرنسا، وتعيد إلى الأذهان الحملات السابقة التي استهدفت الحجاب في السابق، عندما أصدر وزير التعليم والتربية الفرنسي (فرانسوا بايرو) في بداية التسعينات من القرن الماضي مذكرة بمنع ارتداء الحجاب في صفوف التلميذات المسلمات في المدارس والثانويات الفرنسية، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل بين الفرنسيين والمسلمين على حد سواء.
وتقول بعض المصادر الإعلامية الفرنسية إن تصريحات (رافاران) ربما تشير من الآن إلى إلغاء القرار الصادر في 27 نوفمبر 1989 ، والذي يشير إلى أن ارتداء الحجاب"ليس معاكسا في ذاته للعلمانية"، وهو القرار الذي استند إليه مجلس الدولة الفرنسي في إلغاء القرارات الصادرة عن وزراء التعليم والتربية في الماضي بحظر الحجاب في المدارس والمؤسسات التعليمية. كما يمكن أن تطرح الحكومة الفرنسية خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة أمام البرلمان مشروع قانون جديد يحظر جميع العلامات والرموز الدينية، وعلى رأسها الحجاب الإسلامي، ولكن ليس كرمز ديني فقط، بل باعتباره مسا بحرية المرأة وبمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهذا ينبئ بتجدد معركة الحجاب مستقبلا.
موقع الاسلام اليوم