الفرس
كان الفرس يعبدون الله ويسجدون له، ثم أضحوا يمجدون الشمس والقمر وأجرام السماء، ثم جاءهم "زرادشت" فدعاهم إلى التوحيد بزعمه، وأمرهم بالاتجاه إلى الشمس والنار فى الصلاة، وظل من بعده يشرعون لهم حتى انقرضت كل عقيدة وديانة غير عبادة النار، واقتصرت عبادتهم تلك على طقوس يؤدونها فىالمعابد، ثم إذا خرجوا منها تقاذفتهم أمواج الباطل ورياح الضلال فى كل سبيل، وأمام فساد الفرس ظهرت دعوة "مانى" فى القرن الثالث الميلادى -بمنافسة النور والظلمة- فحرم الشهوات بالكلية لأنها من الظلام، ودعا باستعجال الفناء انتصارًا للنور، وهو ما أجابه إليه ملكهم حين قتله!! وظل أتباعه بفارس إلى حين الفتح الإسلامى، وظهرت من بعده دعوة "مزدك" بأن المال والنساء مشاع مباح كالكلأ والنار والماء! وما زالت دعوته تلك تظهر حتى صار الرجل لا يعرف ولده، والولد لا يعرف أباه، والمرء يغلب على بيته بمن يشاركه ماله ونساءه فى كل وقت وفى كل حين، أما بالنسبة للنظام الاجتماعى فقد عرف الفرس نظام التميز الطبقى فى أقسى صوره، وكان مركز المرء يحدد بنسبه، فلا يستطيع أن يتجاوزه، أو يغير حرفته التى خلق لها بزعمهم الباطل. وفيما يخص النظام المالى، فقد كان نظامًا جائرًا مضطربًا، يعتمد على الجباية والضرائب الباهظة، التى أثقلت كاهل الناس، حتى أدركوا أشغالهم ففشت فيهم البطالة وكثرت بينهم الجناية، وكان الفرس يقدسون أكاسرتهم، ويعتقدون فى ملوكهم الألوهية، وأن لهم حقـًا لا ينازع فيه فى التاج والإمارة، وكثرت كنوز ملوكهم فى الوقت الذى عانت فيه شعوبهم من شظف العيش. وروى عن "خسرو الثانى" أنه كان فى خزانته ثمانمائة مليون مثقال ذهب فى العام الثالث لجلوسه على العرش، أما "كسرى أبرويز" فكانت له اثنتا عشرة ألف امرأة، وخمسون ألف جواد وما لا يحصى من أدوات الترف والقصور. والعجيب أن الفرس مع ذلك كانوا يمجدون قوميتهم، ويعتقدون أنها اختصت دون سواها بالشرف فى الوقت الذى كانوا ينظرون فيه إلى الأمم من حولهم نظرة ازدراء وامتهان. الروم
كان المجتمع الرومى يخضع لنظام طبقى جائر لا يتطلع فيه المرء لمن فوقه ولا يحق له أن يغير مهنته وحرفته التى يرثها من أبيه، وقد تعاظمت الضرائب والإتاوات على أهل البلاد، حتى مقت الناس حكوماتهم، وحدثت لذلك ثورات عظيمة واضطرابات، حتى إن ثلاثين ألفًا من البشر قد هلكوا فى اضطراب عام اثنين وثلاثين وخمسمائة من الميلاد وحده، وقد انحطت الدولة وتردت للهاوية من كثرة ما انتشر فيها من الرشوة والخيانة، وما ضاع فيها من العدل والحق، فضاعت التجارة، وأهملت الزراعة، وتناقص العمران فى البلدان. أما أهل الرياسة والشرف فقد استحوذت عليهم حياة الترف والبذخ، وطغى عليهم بحر المدنية المصطنعة والحياة المزورة، وارتفع مستوى الحياة وتعقدت الحياة تعقدًا عظيمًا. وكان الواحد منهم ينفق على جزء من لباسه ما يطعم قرية بأكملها. أما عن علاقة المملكة بما يخضع لها من بلدان، فكان المبدأ تقديس الوطن والشعب الرومى، وغيرهما له الاستعباد، أو الفقر والاضطهاد، وكان من أنكر ما فعلته هذه الدولة تحريفها للمسيحية، وتحويلها إلى سفسطة عقيمة، وحروب أليمة.
تحريف المسيحية
أغارت وثنية روما على المسيحية فجعلتها مسخًا مشوهًا، فلا هى وثنية وقحة، ولا هى توحيد سليم، جمعت أشتاتًا من هنا وهناك طمس "بولس" نورها، وقضى "قسطنطين" على بقاياها، فعادت تجمع أخلاطًا من عقائد اليونان، والروم، والمصريين القدماء، ومع ذلك تفرق أتباعها شيعًا وأحزابًا، يحارب بعضهم بعضًا، حاملين بين جوانحهم كل عداوة وكل بغضاء، ولعل أشد مظاهر هذا الخلاف ما كان بين "المنوفيسيين" فى مصر، و"الملكانيين" فى الشام وروما، فبينما اعتقد الفريق الأول بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح، إذ أصر الفريق الثانى على ازدواجها!! وقد حدثت فى الحروب بينهما أهوال عجيبة، حتى جاء هرقل والذى حكم من سنة عشر وستمائة إلى سنة إحدى وأربعين وستمائة من الميلاد (641/610م) وأراد أن يجمعهم على وحدانية إرادة الله وقضائه، فى مذهبه "المنوتيلى"، فاجتمعوا على الأولى واختلفوا فى الثانية، فتجددت بينهم الحروب وذكت نارها المشئومة.
أمم آسيا الوسطى
لم يعرف عن هذه الأمم حضارة تذكر، أو نظام يشار إليه، وإنما كانت بوذية فاسدة، ووثنية همجية، لا تملك ثروة علمية، أو نظامـًا سياسيًا راقيًا، ومن أمثلة هذه الأمم الترك والمغول.
الهند
يقول الرحالة الصينى "هوئن سوئنج" واصفًا الاحتفال العظيم الذى أقامه الملك "هرش" حاكم الهند من سنة ست وستمائة إلى سنة سبع وأربعين وستمائة من الميلاد(606م/647م): أقام الملك احتفالاً عظيمًا فى قنوج اشترك فيه عدد كبير جدًا من علماء الديانات السائدة فى الهند، وقد نصب الملك تمثالاً ذهبيًا لبوذا على منارة تعلو خمسين ذراعًا، وقد خرج بتمثال آخر أصغر لبوذا فى موكب حافل قام بجنبه الملك "هرش" بمظلة، وقام الملك الحليف "كامروب" يذب عنه الذباب. ويكفيك هذا الوصف لهذين الملكين وهما يظلان إلههما من الشمس ويدفعان عنه شر الذباب؛ لتعلم ما آلت إليه عقول هؤلاء القوم فى دينهم. لقد بلغت الوثنية أوجها فى القرن السادس الميلادى حيث تعددت الآلهة من أشخاص تاريخية، وجبال، ومعادن، وأنهار وآلات للحرب، وآلات للكتابة، وآلات التناسل، وحيوانات أعظمها البقرة، والأجرام الفلكية، وغير ذلك إلى أن بلغت ثلاثين وثلاثمائة مليون. واستعرت فى أركان الهند وجنباتها الشهوة الجنسية الجامحة حتى عبد الهنود آلة التناسل لإلههم الأكبر "مهاديو" فصوروها صورة بشعة، واجتمعوا للاحتفال بها رجالاً ونساءً، شيوخًا وشبابًا وأطفالاً !!، وعادت دور العبادة مكانًا يمارس فيه الكهنة والفساق فجورهم وخلاعتهم، فضلاً عن سائر الأماكن فى البلاد. ولم يعرف فى تاريخ الأمم نظام طبقى أعتى وأقسى منه فى الهند، وسن لذلك قانون يدعى "منوشاستر" قسم الناس بمقتضاه إلى طبقات أربع، يتمتع أعلاها بكل المزايا، ولا يبقى لأدناها إلا الذل والاستعباد، وتردت أوضاع المرأة فى هذا المجتمع حتى إن الرجل كان يخسر زوجته فى القمار، ولا يبقى للمرأة بعد وفاة زوجها إلا أن تصبح أمة فى بيت زوجها المتوفى تخدمهم دون حق فى متاع أو زواج أو تحرق نفسها خلفه هربـًا من عبوسة الدنيا وذلِّ الحياة.
الصين
عجيب أمر ذلك الإنسان حين يفقد عقله، وتتقاذفه أمواج الأيام، حتى يجد نفسه على شاطئ فكرة يعتقدها، ويؤمن بها، ويخلص لها، دون أن يدرى كيف وصل إليها، أو كيف وصلت إليه!! هكذا كان حال أهل الصين، حين تخبطوا بين ديانة "لاوتسو" المغرقة فى النظريات، وديانة "كونفوشيوس" التى عنيت بالعمليات، فكانت تعاليمَ تدار بها شئون الدنيا والأمور السياسية والمادية والإدارية، دون اعتقاد فى وجود إله، ثم الديانة "البوذية"، والتى بدأت كحكم بسيطة وبليغة، ثم ما لبثت أن شابتها الخرافة، وخالطتها الوثنية الحمقاء بتماثيلها، وضاعت بين أركانها فكرة الإله!! حتى إن مؤرخى هذه الديانة لا يزالون فى شكِّ من وجوده بها، وحيرة من قيام دين على أساس رقيق من الآداب، التى ليس فيها الإيمان بالله.
أوربا
السائر فى دروب تاريخ أوربا الشمالية الغربية، لا يعرف لقدميه موطئًا أو سبيلاً، ذلك لأنه يتجول فى ديار خيمت عليها سحائب الظلام، واكتنفتها حروب ومعارك لا توصف إلا بالوحشية والضراوة. وبالاختصار، كانت أوربا فى هذه الحقبة بمعزل عن الحضارة، لا تعرف عن العالم، ولا يعرف العالم المتمدن عنها إلا قليلاً.
اليهود
بين آسيا وإفريقيا وأوربا انتشراليهود، وعلى ما كان فى أيديهم من مادة فى الدين، وقرب لفهم مصطلحاته ومعانيه، إلا أن ذلك لم يثمر حضارة تذكر، أو نظامًا يشار إليه. قضى عليهم أن يتحكم فيهم غيرهم، وأن يكونوا عرضة للاضطهاد والنفى والبلاء، وفشت بين أممهم أخلاق الخنوع عند الضعف، والبطش عند الغلبة، والقسوة والأثرة، وأكل المال بغير الحق، والجشع وتعاطى الربا، والنفاق، والصد عن سبيل الله. وبهذا الانحطاط النفسى، والفساد الاجتماعى، عزلوا عن إمامة الأمم، وقيادة العالم. ورغم أن أقرب ديانة لهم فى الأرض كانت المسيحية
العداء بين اليهود والنصارى
الناظر فى تاريخ العداء بين اليهود والنصارى، يجزم بلا ريبة، ويقسم بلا شك، أن مثل هذه القسوة وتلك الضراوة فى العداء والاعتداء لم تعرف أو تحدث على الأرض فى مملكة من ممالك الحيوانات، لقد كانوا يوقعون ببعضهم البعض، ويتحينون الفرص، ويهدمون فى ساعة ما وقع تحت أيديهم من معابد، ويقتلون ما وصلت إليه سيوفهم من أرواح، فكيف يكون لإحداهما إذن حق فى قيادة البشرية؛ لتحقيق رسالة الحق والعدل والسلام؟!.
الحبشة
كانت الحبشة على المذهب "المنوفيسى" المصرى للنصرانية، والعجيب أنها على تنصرها كانت تعبد أوثانًا كثيرة، استعارت بعضها من الهمجية، فخلطت هذا بذاك. ولم تكن أمة ذات روح فى الدين، أو طموح فى الدنيا، حتى إنه لم يكن لها استقلال بأمورها الدينية إنما هى تابعة لكرسى الإسكندرية.
مصر
على عراقة حضارتها، وكثرة خيراتها، إلا أن مصر قد طحنت فى عهد الرومان بين استبداد سياسى، واستغلال اقتصادى، واضطهاد دينى. ففى مجال السياسة لم يكن لها من أمرها شىء، ومجال الاقتصاد لم تعرف عنها روما سوى أنها شاة حلوب تستنزف مواردها، وتمتص دمها -كانت ضرائبهم الباهظة على كل شىء، حتى على النفوس، وكان فلاحو مصر يكدحون لرفاهية وترف الحفـنة الباغية فى روما، والعجيب أن الحرب الشرسة التى قامت بين المصريين والرومان، لم يكن القصد منها التحرر السياسى، أو البحث عن العدل الاقتصادى، إنما كانت نارًا تذكيها الخلافات الدينية، والمجادلات العقيمة. كان الناس لا يأبهون إلا بخلاف العقيدة، يخاطرون فى سبيلها بحياتهم، ويتعرضون من أجلها فى عشر سنين لما ذاقته أوروبا فى عهد التفتيش لعقود عديدة، وقع خلال هذه الحرب ما تقشعر منه الجلود من تعذيب وإغراق، وإحراق بالمشاعل، وتفنن فى الإبادة والتعذيب، حتى إنهم كانوا يصفون المصريين فى أكياس الرمل ثم يلقون بهم فى اليم. وبالجملة، لم تعرف مصر النصرانية فى عهد روما المسيحية إلا أشد الشقاء، وأقسى العذاب.
كان الفرس يعبدون الله ويسجدون له، ثم أضحوا يمجدون الشمس والقمر وأجرام السماء، ثم جاءهم "زرادشت" فدعاهم إلى التوحيد بزعمه، وأمرهم بالاتجاه إلى الشمس والنار فى الصلاة، وظل من بعده يشرعون لهم حتى انقرضت كل عقيدة وديانة غير عبادة النار، واقتصرت عبادتهم تلك على طقوس يؤدونها فىالمعابد، ثم إذا خرجوا منها تقاذفتهم أمواج الباطل ورياح الضلال فى كل سبيل، وأمام فساد الفرس ظهرت دعوة "مانى" فى القرن الثالث الميلادى -بمنافسة النور والظلمة- فحرم الشهوات بالكلية لأنها من الظلام، ودعا باستعجال الفناء انتصارًا للنور، وهو ما أجابه إليه ملكهم حين قتله!! وظل أتباعه بفارس إلى حين الفتح الإسلامى، وظهرت من بعده دعوة "مزدك" بأن المال والنساء مشاع مباح كالكلأ والنار والماء! وما زالت دعوته تلك تظهر حتى صار الرجل لا يعرف ولده، والولد لا يعرف أباه، والمرء يغلب على بيته بمن يشاركه ماله ونساءه فى كل وقت وفى كل حين، أما بالنسبة للنظام الاجتماعى فقد عرف الفرس نظام التميز الطبقى فى أقسى صوره، وكان مركز المرء يحدد بنسبه، فلا يستطيع أن يتجاوزه، أو يغير حرفته التى خلق لها بزعمهم الباطل. وفيما يخص النظام المالى، فقد كان نظامًا جائرًا مضطربًا، يعتمد على الجباية والضرائب الباهظة، التى أثقلت كاهل الناس، حتى أدركوا أشغالهم ففشت فيهم البطالة وكثرت بينهم الجناية، وكان الفرس يقدسون أكاسرتهم، ويعتقدون فى ملوكهم الألوهية، وأن لهم حقـًا لا ينازع فيه فى التاج والإمارة، وكثرت كنوز ملوكهم فى الوقت الذى عانت فيه شعوبهم من شظف العيش. وروى عن "خسرو الثانى" أنه كان فى خزانته ثمانمائة مليون مثقال ذهب فى العام الثالث لجلوسه على العرش، أما "كسرى أبرويز" فكانت له اثنتا عشرة ألف امرأة، وخمسون ألف جواد وما لا يحصى من أدوات الترف والقصور. والعجيب أن الفرس مع ذلك كانوا يمجدون قوميتهم، ويعتقدون أنها اختصت دون سواها بالشرف فى الوقت الذى كانوا ينظرون فيه إلى الأمم من حولهم نظرة ازدراء وامتهان. الروم
كان المجتمع الرومى يخضع لنظام طبقى جائر لا يتطلع فيه المرء لمن فوقه ولا يحق له أن يغير مهنته وحرفته التى يرثها من أبيه، وقد تعاظمت الضرائب والإتاوات على أهل البلاد، حتى مقت الناس حكوماتهم، وحدثت لذلك ثورات عظيمة واضطرابات، حتى إن ثلاثين ألفًا من البشر قد هلكوا فى اضطراب عام اثنين وثلاثين وخمسمائة من الميلاد وحده، وقد انحطت الدولة وتردت للهاوية من كثرة ما انتشر فيها من الرشوة والخيانة، وما ضاع فيها من العدل والحق، فضاعت التجارة، وأهملت الزراعة، وتناقص العمران فى البلدان. أما أهل الرياسة والشرف فقد استحوذت عليهم حياة الترف والبذخ، وطغى عليهم بحر المدنية المصطنعة والحياة المزورة، وارتفع مستوى الحياة وتعقدت الحياة تعقدًا عظيمًا. وكان الواحد منهم ينفق على جزء من لباسه ما يطعم قرية بأكملها. أما عن علاقة المملكة بما يخضع لها من بلدان، فكان المبدأ تقديس الوطن والشعب الرومى، وغيرهما له الاستعباد، أو الفقر والاضطهاد، وكان من أنكر ما فعلته هذه الدولة تحريفها للمسيحية، وتحويلها إلى سفسطة عقيمة، وحروب أليمة.
تحريف المسيحية
أغارت وثنية روما على المسيحية فجعلتها مسخًا مشوهًا، فلا هى وثنية وقحة، ولا هى توحيد سليم، جمعت أشتاتًا من هنا وهناك طمس "بولس" نورها، وقضى "قسطنطين" على بقاياها، فعادت تجمع أخلاطًا من عقائد اليونان، والروم، والمصريين القدماء، ومع ذلك تفرق أتباعها شيعًا وأحزابًا، يحارب بعضهم بعضًا، حاملين بين جوانحهم كل عداوة وكل بغضاء، ولعل أشد مظاهر هذا الخلاف ما كان بين "المنوفيسيين" فى مصر، و"الملكانيين" فى الشام وروما، فبينما اعتقد الفريق الأول بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح، إذ أصر الفريق الثانى على ازدواجها!! وقد حدثت فى الحروب بينهما أهوال عجيبة، حتى جاء هرقل والذى حكم من سنة عشر وستمائة إلى سنة إحدى وأربعين وستمائة من الميلاد (641/610م) وأراد أن يجمعهم على وحدانية إرادة الله وقضائه، فى مذهبه "المنوتيلى"، فاجتمعوا على الأولى واختلفوا فى الثانية، فتجددت بينهم الحروب وذكت نارها المشئومة.
أمم آسيا الوسطى
لم يعرف عن هذه الأمم حضارة تذكر، أو نظام يشار إليه، وإنما كانت بوذية فاسدة، ووثنية همجية، لا تملك ثروة علمية، أو نظامـًا سياسيًا راقيًا، ومن أمثلة هذه الأمم الترك والمغول.
الهند
يقول الرحالة الصينى "هوئن سوئنج" واصفًا الاحتفال العظيم الذى أقامه الملك "هرش" حاكم الهند من سنة ست وستمائة إلى سنة سبع وأربعين وستمائة من الميلاد(606م/647م): أقام الملك احتفالاً عظيمًا فى قنوج اشترك فيه عدد كبير جدًا من علماء الديانات السائدة فى الهند، وقد نصب الملك تمثالاً ذهبيًا لبوذا على منارة تعلو خمسين ذراعًا، وقد خرج بتمثال آخر أصغر لبوذا فى موكب حافل قام بجنبه الملك "هرش" بمظلة، وقام الملك الحليف "كامروب" يذب عنه الذباب. ويكفيك هذا الوصف لهذين الملكين وهما يظلان إلههما من الشمس ويدفعان عنه شر الذباب؛ لتعلم ما آلت إليه عقول هؤلاء القوم فى دينهم. لقد بلغت الوثنية أوجها فى القرن السادس الميلادى حيث تعددت الآلهة من أشخاص تاريخية، وجبال، ومعادن، وأنهار وآلات للحرب، وآلات للكتابة، وآلات التناسل، وحيوانات أعظمها البقرة، والأجرام الفلكية، وغير ذلك إلى أن بلغت ثلاثين وثلاثمائة مليون. واستعرت فى أركان الهند وجنباتها الشهوة الجنسية الجامحة حتى عبد الهنود آلة التناسل لإلههم الأكبر "مهاديو" فصوروها صورة بشعة، واجتمعوا للاحتفال بها رجالاً ونساءً، شيوخًا وشبابًا وأطفالاً !!، وعادت دور العبادة مكانًا يمارس فيه الكهنة والفساق فجورهم وخلاعتهم، فضلاً عن سائر الأماكن فى البلاد. ولم يعرف فى تاريخ الأمم نظام طبقى أعتى وأقسى منه فى الهند، وسن لذلك قانون يدعى "منوشاستر" قسم الناس بمقتضاه إلى طبقات أربع، يتمتع أعلاها بكل المزايا، ولا يبقى لأدناها إلا الذل والاستعباد، وتردت أوضاع المرأة فى هذا المجتمع حتى إن الرجل كان يخسر زوجته فى القمار، ولا يبقى للمرأة بعد وفاة زوجها إلا أن تصبح أمة فى بيت زوجها المتوفى تخدمهم دون حق فى متاع أو زواج أو تحرق نفسها خلفه هربـًا من عبوسة الدنيا وذلِّ الحياة.
الصين
عجيب أمر ذلك الإنسان حين يفقد عقله، وتتقاذفه أمواج الأيام، حتى يجد نفسه على شاطئ فكرة يعتقدها، ويؤمن بها، ويخلص لها، دون أن يدرى كيف وصل إليها، أو كيف وصلت إليه!! هكذا كان حال أهل الصين، حين تخبطوا بين ديانة "لاوتسو" المغرقة فى النظريات، وديانة "كونفوشيوس" التى عنيت بالعمليات، فكانت تعاليمَ تدار بها شئون الدنيا والأمور السياسية والمادية والإدارية، دون اعتقاد فى وجود إله، ثم الديانة "البوذية"، والتى بدأت كحكم بسيطة وبليغة، ثم ما لبثت أن شابتها الخرافة، وخالطتها الوثنية الحمقاء بتماثيلها، وضاعت بين أركانها فكرة الإله!! حتى إن مؤرخى هذه الديانة لا يزالون فى شكِّ من وجوده بها، وحيرة من قيام دين على أساس رقيق من الآداب، التى ليس فيها الإيمان بالله.
أوربا
السائر فى دروب تاريخ أوربا الشمالية الغربية، لا يعرف لقدميه موطئًا أو سبيلاً، ذلك لأنه يتجول فى ديار خيمت عليها سحائب الظلام، واكتنفتها حروب ومعارك لا توصف إلا بالوحشية والضراوة. وبالاختصار، كانت أوربا فى هذه الحقبة بمعزل عن الحضارة، لا تعرف عن العالم، ولا يعرف العالم المتمدن عنها إلا قليلاً.
اليهود
بين آسيا وإفريقيا وأوربا انتشراليهود، وعلى ما كان فى أيديهم من مادة فى الدين، وقرب لفهم مصطلحاته ومعانيه، إلا أن ذلك لم يثمر حضارة تذكر، أو نظامًا يشار إليه. قضى عليهم أن يتحكم فيهم غيرهم، وأن يكونوا عرضة للاضطهاد والنفى والبلاء، وفشت بين أممهم أخلاق الخنوع عند الضعف، والبطش عند الغلبة، والقسوة والأثرة، وأكل المال بغير الحق، والجشع وتعاطى الربا، والنفاق، والصد عن سبيل الله. وبهذا الانحطاط النفسى، والفساد الاجتماعى، عزلوا عن إمامة الأمم، وقيادة العالم. ورغم أن أقرب ديانة لهم فى الأرض كانت المسيحية
العداء بين اليهود والنصارى
الناظر فى تاريخ العداء بين اليهود والنصارى، يجزم بلا ريبة، ويقسم بلا شك، أن مثل هذه القسوة وتلك الضراوة فى العداء والاعتداء لم تعرف أو تحدث على الأرض فى مملكة من ممالك الحيوانات، لقد كانوا يوقعون ببعضهم البعض، ويتحينون الفرص، ويهدمون فى ساعة ما وقع تحت أيديهم من معابد، ويقتلون ما وصلت إليه سيوفهم من أرواح، فكيف يكون لإحداهما إذن حق فى قيادة البشرية؛ لتحقيق رسالة الحق والعدل والسلام؟!.
الحبشة
كانت الحبشة على المذهب "المنوفيسى" المصرى للنصرانية، والعجيب أنها على تنصرها كانت تعبد أوثانًا كثيرة، استعارت بعضها من الهمجية، فخلطت هذا بذاك. ولم تكن أمة ذات روح فى الدين، أو طموح فى الدنيا، حتى إنه لم يكن لها استقلال بأمورها الدينية إنما هى تابعة لكرسى الإسكندرية.
مصر
على عراقة حضارتها، وكثرة خيراتها، إلا أن مصر قد طحنت فى عهد الرومان بين استبداد سياسى، واستغلال اقتصادى، واضطهاد دينى. ففى مجال السياسة لم يكن لها من أمرها شىء، ومجال الاقتصاد لم تعرف عنها روما سوى أنها شاة حلوب تستنزف مواردها، وتمتص دمها -كانت ضرائبهم الباهظة على كل شىء، حتى على النفوس، وكان فلاحو مصر يكدحون لرفاهية وترف الحفـنة الباغية فى روما، والعجيب أن الحرب الشرسة التى قامت بين المصريين والرومان، لم يكن القصد منها التحرر السياسى، أو البحث عن العدل الاقتصادى، إنما كانت نارًا تذكيها الخلافات الدينية، والمجادلات العقيمة. كان الناس لا يأبهون إلا بخلاف العقيدة، يخاطرون فى سبيلها بحياتهم، ويتعرضون من أجلها فى عشر سنين لما ذاقته أوروبا فى عهد التفتيش لعقود عديدة، وقع خلال هذه الحرب ما تقشعر منه الجلود من تعذيب وإغراق، وإحراق بالمشاعل، وتفنن فى الإبادة والتعذيب، حتى إنهم كانوا يصفون المصريين فى أكياس الرمل ثم يلقون بهم فى اليم. وبالجملة، لم تعرف مصر النصرانية فى عهد روما المسيحية إلا أشد الشقاء، وأقسى العذاب.