في العصر الجاهلي ( قبل الإسلام ) لم تكن المرأة إلا عاراً متى ابتلي بها أحدهم فإنه يسارع إلى دفنها حية ( وأد ) متوارياً عن القوم من سوء ما بشر به كما ذكر لنا القرآن الكريم ذلك بالتفصيل قال الله تعالى :
" يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " [ النحل 59 ]
و قال الله تعالى " وإذا الموءودة سئلت ، بأي ذنب قتلت "
وهنا أذكر قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرويها عن نفسه عن حاله في الجاهلية يصف لنا حادثتان تضحكه إحداهما وتبكيه الأخرى كلما ذكرهما :
الأولى : كان له صنم من تمر يعبده فكان إذا جاع أكل منه وترك العبودية جانباً .. وهذ تضحكه رضي الله عنه .
الثانية : ولدت له بنت فلما بشر بها غضب وسارع بدفنها ومن براءتها كانت تنفض عن وجهه التراب وهو يحفر قبرها ... فكلما ذكر هذه الحادثة الجائرة بكى رضي الله عنه ندماً وأسفا وحسرة .
ظهر الإسلام واشرق بالرسالة المحمدية ودين الله الخالد الذي أنصف المرأة كما لم ينصفها أي دين قبله فأعاد لها مكانتها التي انتهكت بغير وجه حق وشرع لها ما يضمن لها حقوقها كاملة بمنهج رباني قويم وتشريع سليم إلا أن قدرات المرأة لها حدود مقارنة بقدرات الرجل فكان لا بد أن يضمن لها الإسلام الحماية الكافية فشرع لها الولي الذي يجب أن ترجع له قرارات المرأة دون المساس بصلاحياتها في اتخاذ القرار الذي يناسبها ومن ذلك على سبيل المثال حق الموافقة التي لا يتم الزواج بدونها واختيار الزوج المناسب متى أرادت ذلك ...
للمرأة تاريخ خالد ومواقف مشرقة نقشت على أبواب التاريخ وسجلت أسماءً نسائية لتبقى شاهداً على مر العصور والأزمان ومنهن مريم بنت عمران التي كرمها الله على نساء العالمين وآسيا امرأة فرعون التي ذكر الله قصتها في كتابه الكريم وخديجة بنت خويلد التي أقرأها الله السلام من فوق سبع سماوات وعائشة الصديقة التي برأها الله وطهرها من حادثة الإفك وفاطمة ابنة سيد الخلق أجمعين والخنساء وأم عمارة وغيرهن كثير ...
في عصرنا الحاضر نساء ضربن أروع الأمثلة للمرأة المسلمة في بناء الأمة فمنهن العالمات والمفكرات والمثقفات والداعيات إلى الله والطبيبات اللاتي تفوقن في مجالات عدة لا مجال لذكرها هنا ..
شواهد العصر تؤكد التغيير الكبير في نمط الحياة ومجراها في جميع المجالات علمياً ودينياً وثقافياً إلا أن الفكر الجاهلي عن المرأة لا يزال يعصف بفئة كبيرة من الناس فكثير منهم لا يراها إلا وصمة عار ابتلي بها ولا دور لها في الحياة إلا أن تكون أسيرة لتلك الأفكار التي تقترب من استعباد المرأة في أدق وصف .
إن حال المرأة اليوم أشد وأسوأ من حالها في العصر الجاهلي فقد وقعت بين تيارين منحرفين بعيدين كل البعد عن الحق والصواب :
الأول : تيار التحرير الأخلاقي الذي يناضل لتحرير المرأة كلياً أـو جزئياً ( دينياً وخلقياً )
الثاني : تيار جاهلي يناضل لدفن المرأة في غياهب الجهل والظلام ليعزلها عن واقع الحياة الصحيحة التي كفلها لها الإسلام .
الانفجار المعلوماتي لعب دوراً جوهرياً في تحرير المرأة ( الديني والخلقي ) وذلك عن طريق اختلاط الثقافات ( العولمة ) التي انتشرت إعلامياً وتبادلتها الشعوب بكافة دياناتها وذابت معها القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية .
عندما همش دور المرأة وسلبت حقوقها كان ذلك مدخلاً قوياً وحجة بينة ووسيلة هامة يتحرك من خلالها من ينادون بتحرير المرأة لأن المفهوم السائد الذي عكسه جهل الجهلاء هنا أن المرأة لا قيمة لها تذكر وهذا بالتأكيد نهج منحرف لا صحة له في الإسلام .
بالرغم من ذلك إلا أن المرأة المسلمة لا تزال تلعب دوراً جوهرياً هاماً في التصدي لذلك وتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة ..
لنأخذ على سبيل المثال ما يخصنا هنا ( الشبكة العنكبوتية ) التي دخلت كل منزل بدون استئذان و أصبحت في متناول الجميع ( نساء ، رجال ، أطفال ) ..
فمن خلال الشبكة كان للمرأة دور فاعل لدفع العجلة الدينية والفكرية الثقافية الصحيحة التي عجز عنها كثير من الرجال الذين وصمت عقولهم بالفكر الجاهلي أو الفكر الماجن المتحرر ولم يتمكنوا من الخلاص منه ولن يفعلوا ..
استطاعت المرأة في هذا المجال الظهور بقوة وتمكنت من إبداء رأيها كاملاً بحرية كاملة كما فعلت تلك المرأة التي أشاد بها عمر بن الخطاب فقال عنها :
" أصابت امرأة وأخطأ عمر "
وهو أمير المؤمنين و كأنه يريد أن يبعث رسالة خالدة للسذج الذين يهملون دور المرأة ليبين لهم أن المرأة أعز وأكرم علينا ( المسلمين ) من أن نتجاهلها ونتجاهل رأيها تحت مسمى كرامة الرجل وكبرياءه .
استطاعت المرأة أن تقدم الكثير وستظل كذلك شاء من شاء وأبى من أبى بالرغم من الجاهلية الأولي التي لا تزال تسرح وتمرح على الشبكة وفي المجتمع بعامة ولا علاج لها من منظوري الخاص ...
رؤية خاصة .
حديث الزمان
تعليق