Unconfigured Ad Widget

Collapse

حرب العراق..هموم مستقبلية (1/2)

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • علي الدوسي
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1078

    حرب العراق..هموم مستقبلية (1/2)

    النهاية المدهشة التي انتهت بها حرب الولايات المتحدة في العراق، بهزيمة سريعة منكرة لصدام حسين ونظامه السياسي وتاريخه الدموي الاستبدادي، أفرزت الكثير من الدلائل، وجلت العديد من الحقائق التي طمرت في خضم العواطف الإسلامية التي تعصف بالوجدان المسلم كلما واجه آلة التجبر والاستكبار الأمريكية في أي بقعة من ديار المسلمين، والذي يهمنا الآن بعد انقشاع غبار المعارك والخيانات، أن نشير إلى أنه بقدر ما يكون تأمل الأحداث والأسى تجاهها، وتحليل جوانبها المختلفة مطلبا ضروريا ورشيدا، بقدر ما يكون تجاهل المستقبل واستشرافه ـ على وجه العجلة وبصفة الأولوية للتفكير الإسلامي ـ خطيئة سوف تورثنا المزيد من المهالك ما لم نتداركها، ومن أجل هذا التوازن بين تأمل ما حدث واستشراف ما وراء الأكمة، كان هذا الجهد ـ غير المكتمل ـ الذي تحمله تلكم الورقة .

    حقائق

    في تقديري أن أولى الحقائق التي ذكرتنا بها الموقعة الأخيرة هي أن صدام حسين صناعة أمريكية في الأساس، هم الذين أتوا به وحموه، وهم الذين أفشلوا كافة الخطط التي قام بها الشعب العراقي وهدفت إلى الخلاص منه، وتآمروا معه ، وللدرجة التي اعترف فيها القادة الأمريكيون -وهم يعانون في جنوب العراق في بداية الحرب- من أن المشكلة في أن الناس غير مقتنعين بمصداقيتنا في خلع صدام، ويرون أننا سنغدر بهم ونتركهم فريسة له كما فعلنا في السابق، والأمريكيون هم الذين وقفوا وراءه بكل ثقلهم عندما دفعوه إلى إعلان الحرب على إيران، وهم الذين زودوه بالسلاح الكيماوي الذي حسم به الحرب وأرغم الإيرانيين على الصلح، وهم الذين أغروه بفعلته الحمقاء عندما غزا الكويت في تصرف عنتري بائس يفتقر إلى أبسط معاني الإحساس بالمسؤولية، ثم وقفت القوات الأمريكية على حدود الكويت رافضة أن تنزل به العقاب رغم أن العالم كله كان معها آنذاك، كما أن التاريخ الحي سجل لنا أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا، هم من تستروا على إجرام صدام ودمويته وقمعه الرهيب لشعبه بما في ذلك استعماله أسلحة دمار شامل ضد شعبه، والقصص في هذا الشأن سارت بها الركبان، فلم يعرف العرب في تاريخهم الحديث حاكما في دموية وإجرام صدام حسين وعصابة البعث، كما تشهد على كبره وغطرسته وتجبره " أوثانه " التي زرعها في كل مدينة عراقية تألها على شعبه وبثا للرعب والخوف في قلوبهم من أي معارضة له ولو كانت همسا، والمقلق أن البعض منا نسي أو تناسى كل ذلك، وافترض أن الرجل تاب وأناب وحمل راية الإسلام من جديد، لمجرد بعض الشعارات التي أتت في لحظة الإحاطة بفرعون " آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " .
    قد يحاول بعضنا الآن أن يقول: إنه لم يكن يدافع عن صدام وإنما عن العراق وأرض الإسلام، وربما كان فينا ذلك الرجل، ولكن ما عايشناه وخبرناه -حتى من نخبة من أهل العلم- كان غير ذلك، لقد خدعنا، ثم باعنا الطاغية وباع بلاده وحضارتها لقوات الاحتلال مقابل أن ينجو بأولاده وعصابته والمليارات التي نهبها، في تواطؤ فاضح مع قوات الاحتلال التي ما زالت تزعم ـ للتعمية ـ أنها تبحث عن صدام ومن معه !!، ولو كنا جادين ومبادرين في وقوفنا مع العراق الشعب والحضارة، لكنا وقفنا ـ مبكرا ـ ضد هذا الطغيان، وأعلنا راية الجهاد ـ ولو باللسان ـ ضد القمع والاستبداد، ولكنا ـ نحن الإسلاميين ـ كنا في شغل آخر، نبحث في زلات سيد قطب، وغرائب الألباني، وهفوات بن باز، وعجائب القرضاوي، وأصبح الواحد منا أستاذ عصره في الجرح والتعديل، وملأنا الدنيا ضجيجا فارغا على هذا النحو، ونسينا رسالتنا الحقيقية، والأمانة التي لا تغادر عنق أي واحد منا، لم ننصر مستضعفا، ولم نضرب على يد طاغية ، ولم نرفع راية الحرية، ولم نتقدم طليعة أمة نحو الكرامة الإنسانية التي قررها الحق -تبارك وتعالى- في كتابه " ولقد كرمنا بني آدم "، وأنا هنا أتحدث عن مجمل الحالة وليس عن استثناءات مشرفة هنا أو هناك، لقد تركنا مساحات كبيرة من الفراغ فيما هو خطير وحال، بينما أضعنا أوقاتا وجهودا فيما لم نكلف به، بل تكلفناه .

    دروس الموقعة

    يأتي في طليعة الدروس المستخلصة من هذه الواقعة، إدراك أن الشعوب هي التي تحمي وجودها وأوطانها طالما التحمت مع قضاياها، وكانت الملاحظة مذهلة أن بعض الشباب العراقي ومعهم شباب إسلامي من بلدان أخرى هم الذين خاضوا المعارك الكبرى في أم قصر والبصرة والناصرية والكوت وغيرها، وكبدوا العدو خسائر فادحة وأذهلوه ببسالتهم وأوقفوا تقدمه طوال ثلاثة أسابيع، بينما جحافل صدام وحرسه الجمهوري سلموا العاصمة إلى الأمريكيين في يومين اثنين دون قتال، فالذين ينشأون على العبودية لا يصلحون لمعارك التاريخ الكبرى، والذين يدافعون عن " شخص " غير الذين يقاتلون عن دين ووطن، وهذا درس للشعوب، وللنظم الحاكمة أيضا، فإن الشعب يكون داعما لنظامه السياسي عندما يستشعر أنه يعبر ـ حقيقة ـ عن اختياره، وهويته، ويحترم حرياته وكرامته، وعندما يشعر " المواطن العادي " أنه شريك حقيقي في صناعة مستقبل بلاده، وأما خرافة أن نظاما مستبدا مجرما يصنع قوة عسكرية مهابة، ويؤسس دولة تحمي الوطن وتؤمن مستقبله، فهذه خرافة سقطت مع سقوط أول أصنام صدام حسين في بغداد، ومن توابع هذه الحقيقة ندرك أن العراق والشعب العراقي لم يهزما، وإنما المهزوم هو نظام صدام حسين الذي سبق له أن أهان العراق وشعبها وهزمهما وأطاح بكرامة الإنسان العراقي، قبل أن يأتي الأمريكان أو غيرهم، إن معركة أمريكا لم تكن أبدا مع الشعب العراقي ، وإنما كانت مع نظام صدام ، وعندما تأتي ساعة المواجهة والمعركة الحقيقية بين الشعب العراقي وأمريكا ، سيرى العالم صورة مختلفة تماما ، ولن تقوى لا أمريكا ولا غيرها على هزيمة إرادة شعب مقاوم، هكذا علمنا التاريخ، وهكذا كان درس أمريكا ذاتها في أكثر من مواجهة على مستوى العالم .
    الدرس الثاني : هو ثبوت حاجة الإسلاميين إلى وعي سياسي كبير ومتواصل مع الحدث المحلي والإقليمي والدولي، والوعي السياسي يأتي من أحد طريقين : الممارسة السياسية الفعلية من خلال المنابر السياسية المتاحة كأحزاب أو منتديات سياسية أو جماعات ضغط أو صحف وما شابه ذلك، أو من طريق البحث والدراسة في العلوم السياسية والتاريخ السياسي وما يتصل بها، والحقيقة أن قطاعا كبيرا من الإسلاميين يهلكون وقتا كبيرا في دراسات شرعية متخصصة لا تتمخض عن قيمة عملية لهم، سواء كدعاة أو فقهاء أو علماء أو حتى مفكرين، في حين يتم تجاهل التربية السياسية المناسبة، رغم أنها هي التحدي اليومي الذي يواجه الإسلاميين كقوة سياسية أو شعبية أو حتى تربوية وأهلية، والفراغ الكبير في وعي الإسلاميين السياسي يحرمهم من ترجمة وجودهم القوي جماهيريا إلى مكاسب دعوية وإصلاحية وسياسية محليا ودوليا ، لأن الجهود تصب في عماية أو تهدر في خواء، ولا توجد رؤى وآفاق متكاملة ومتوازنة تدرك قيمة كل خطوة، فضلا عن موازنات السياسة المحلية والإقليمية والدولية وهذا خطأ كبير .
    الدرس الثالث : وهو موصول بما سبق، وهو حاجة العاملين للإسلام إلى جهد مؤسسي واسع ونشط في مختلف أصعدة ما يسمى " بالمجتمع الأهلي "، بدءاً من الجهود الكبيرة والفعالة على صعيد الإعلام بمختلف صوره وأشكاله، مرورا بالمؤسسات الحقوقية التي تنهض بنصرة المستضعفين خاصة من أهل الإسلام بأساليب أكثر عصرية ونفاذا في الواقع الدولي الحالي، فضلا عن مراكز البحث والدراسات الرصينة وذات الإمكانيات العلمية والإنسانية والمادية العالية، والتي تمثل مرجعية للعقل المسلم والجهد المسلم في فهم الواقع واستشراف المستقبل، وبشكل عام فإن معظم قطاعات " الأنشطة المدنية " تمثل نقاط فراغ هائلة في الحالة الإسلامية، مما يجعل العقل الإسلامي إما مغيبا عن حقائق الواقع وتحدياته، أو أسيرا لرؤى ومفاهيم وتوجهات أخرى تنسرب في عقله ووجدانه بخفاء ويسر .
    الدرس الرابع : هو ضرورة تحجيم النزعات العاطفية لدى التيار الإسلامي في مواقفه تجاه النوازل الجديدة الحالة بالأمة، ولا أقول تجاوز العاطفة؛ لأنها قيمة إنسانية وشرعية مهمة ودافعة لحيوية أي عمل ونشاط، ولكن المشكلة تأتي من انفراد العاطفة بتشكيل الموقف، وإنما تأملات العقل والخبرة السياسية والدعوية والحسابات الدقيقة للمواقف من شأنها أن توفر الكثير من الطاقات الإسلامية المهدرة، وأن تجعل الجهد الإسلامي أكثر فاعلية وتأثيرا وإثمارا، وفي الموقف الأخير من أحداث العراق، ومع الإعزاز الأمين للموقف الأخلاقي الرائع لبعض الشباب الإسلامي الذي ذهب للقتال في العراق ضد الغزو الأمريكي، والقيمة الرمزية الكبيرة لهذا العمل، إلا أن " القيمة العملية " لم تكن مناسبة ، ولا أقول خاسرة، وربما كانت الحسابات الأصح تجعل توقيت هذا الدعم بعد ذلك وليس قبل الحرب، حيث تنجلي المواقف خاصة وأن النظام الذي يحكم هناك ليس إسلاميا بكل المقاييس، وليس أمينا ولا شريفا بشهادة التاريخ، وربما كان الأمر بحاجة إلى "ضمانات" سياسية تحول دون تحول الشباب الإسلامي إلى " ضحية " لغدر هذا أو ذاك، وربما كانت هناك صيغ أخرى لدعم الشعب العراقي أكثر قيمة مما كان، ولا شك في أن الدور المستقبلي للدعم الإسلامي للعراق سيكون أهم مما قدم أثناء الحرب، بل ولعله يكون حاسما في تشكيل مستقبل هذا البلد العريق .

    إيجابيات الحدث

    الذي لا شك فيه أن هذه الأحداث لم تخل من إيجابيات لا ينبغي أن نغفل عنها في خضم تأملنا لمأساة الشعب العراقي ومأساتنا معه، وأهم هذه الإيجابيات على الإطلاق هي خلاص الشعب العراقي والأمة بكاملها من أحد أعتى النظم الديكتاتورية التي عرفتها في تاريخها الحديث، لم يكن صدام حسين والبعث مجرد حكومة مستبدة وظالمة، بل كانت كارثة على العراق والعرب والمسلمين، ولنكن صرحاء، فإن صدام حسين وزمرته كان من المستحيل نزعهم من العراق والمنطقة إلا بهذه الطريقة، رغم كراهيتنا البدهية له، فقد تمكن هذا الطاغية مع ولديه وزمرته من نشب أظافر الجبروت في الجسد العراقي بصورة مخيفة ومروعة، وكان العجز الشعبي عن التغيير واضحا على مدار السنين والمحاولات، وبعض هذا العجز كان بتواطؤ قوى غربية مع نظام صدام ، بمن فيهم الولايات المتحدة، التي طالما تواطأت معه ضد شعبه وجيرانه، إن خلع صدام من أرض العراق هو حدث إيجابي كبير، يمكن للأمة وللشعب العراقي ـ لو عزمنا وأحسنا التصرف ـ أن نجعله بداية نهار جديد في العراق يعيده مركز إشعاع علمي وديني وثقافي وحضاري للأمة جميعا، وحتى إذا عجزنا على المستوى السياسي لسنوات مقبلة بفعل الاحتلال الأجنبي والهيمنة الأمريكية، إلا أن مساحات كبيرة من العمل الأهلي والتربوي والدعوي والثقافي والخيري، يمكن أن تغير وجه العراق، وتعيد بناءه إنسانيا من جديد، فهل نحن فاعلون؟ .
    أيضا من إيجابيات هذا الحدث هو تحول الولايات المتحدة إلى " منبوذ " العالم الأكبر، على مستوى الشعوب وعلى مستوى الحكومات، ولقد أصبحت الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها تواجه عزلة عالمية مذهلة، صحيح أن الإدارة اليمينية المتعصبة الآن تحاول تجاهلها، إلا أن هذا لا يغير ما يراه العالم كله، وهناك قناعة الآن بأن أمريكا تشكل خطرا على السلام العالمي، وتمثل إدارتها اليمينية المتطرفة الحالية كارثة على مستقبل الإنسانية كلها، وهذا مكسب مهم تتعدد أبعاده، وتتعدد السبل والوسائل والاتجاهات التي يمكن الإفادة منها لصالح قضايانا المصيرية .
    [glint][grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/grade][/glint]
Working...