Unconfigured Ad Widget

Collapse

درس من بغداد (د. وليد بن عثمان الرشودي )

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • علي الدوسي
    عضو مميز
    • Jun 2002
    • 1078

    درس من بغداد (د. وليد بن عثمان الرشودي )

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
    فلقد كان يوم الأربعاء السابع من صفر لعام أربعة وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة يوم مفاجآت لكل العالم، حيث هوت بغداد تحت أقدام جيش التحالف (الأنجلو أمريكي) الذي اجتاج أرض العراق كاملة، فما أبقى فيها ذرة إلا ودنستها أقدام ذلك العدوان الأثيم الذي استنكرته سائر البشرية.
    وبعد أن تهاوت بغداد التي صنع لها صدام قوة -هي أشبه بنمر الورق- تدعو العاقل إلى التأمل في هذه الملمة، وتدبر دروسها وأخذ العبر منها؛ كي يحافظ على هويته وينطلق نحو عالميته .
    لقد كان لسقوط بغداد ألمه في النفوس، ولكن يجب أن يكون لهذا الألم أثر ينتج أملاً فمن ذلك:
    01 لقد ظهر في هذه الحرب أن السنن الكونية نافذة، والأقوى هو الأغلب، فأمريكا طاغية وصدام ظالم باغٍ، وكانت آليات أمريكا أقوى من عتاد وجند صدام، فحسمت المعركة لصالحها، ولو قال قائل: أين الشعب العراقي -والمسلم منهم- من هذه السنة الكونية؟ لقلنا إن صدام لم يعلن توبة صادقة، ورجوعاً صريحاً لدين الإسلام، وإعلان الجهاد في سبيل الله لتحقق له سنة شرعية، وقد تدفع السنة الشرعية السنة الكونية .
    02 إن الجيوش إذا ربِّيت على نصرة الأفراد وحمايتهم سقطت وتهاوت سريعاً، وذلك مصداق حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم- ( من تعلق شيئاً وكل إليه) فجيش صدام صمم ليحافظ على فرد فزال الفرد، ومن يحافظ عليه بخلاف قوة التحالف التي صممت أصلاً لهدف فجعلته نصب عينها، حتى حققت هدفها وهذه حقيقة لا تقبل الجدل.
    03 إن الله تعالى حكيم عليم فلا يقع شيء إلا بعلمه، ولا يظهر شيء إلا بحكمته فمع سقوط بغداد وحرقة النفس عليها إلا أن في ذلك حكمة قد نعلم بعضها وقد لا نعلم أكثرها، فلعل من أعظم الحكم تهيئة المناخ لجيل جديد يعيد لبغداد هيبتها وهويتها الشرعية، ويرفع الراية التي يصح تحتها جهاد القوات المحتلة، ولعل من الحكم أن تثأثر الناس لدينها، وأن تنهض بمهمتها في إعلاء كلمة الدين ومجاهدة المعتدين، فتنتقل المعركة من معركة جيش البعث إلى معركة جيش الإسلام، وهنا يكون الوعد الرباني متحقق الوقوع ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين).
    04 لقد انقطع البعض عن القنوت بعد سقوط بغداد، وهذا في نظري يكمن في تصور الأزمة وأنها متعلقة ببقاء النظام العراقي أو زواله، وأنا عندي أن القنوت اليوم أولى منه بالأمس، فاليوم الأمة تمر بمرحلة استعمارية جديدة، وهذه نازلة كبرى تقتضي التضرع والابتهال والانكسار والدعاء بإلحاح، لعل الله أن يحمي بلاد المسلمين.
    05 إن الألم الذي نعانيه اليوم يعاني الكافر مثله (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) فنحن نرجو الأجر والظفر، وهم ألمهم لا رجاء من ورائه في الآخرة، وإنما هو الخسران المبين، فلابد من السعي في زيادة ألمهم، وذلك بعدة صور من أعظمها المحافظة على ثوابتنا وتعلقنا بديننا، ومن ذلك بغض ثقافتهم المنحرفة ورفضنا لها، ومن ذلك تواصينا مع أهل العراق فنفتح باب الدعوة والتواصل، وأن نضع لنا موقع قدم هناك قبل غيرنا، ومن ذلك أن نحافظ على المكتسبات المتبقية في بلاد العراق بلاد العلم والحضارة.
    06 إن على الأمة أن تعيد حساباتها وألا تتعامل مع قضاياها عاطفياً أو آنياً، بل لا بد أن يكون عملها منهجاً استقرائياً على وفق خطط مدروسة متأنية تقتضي دراسته اجتماع لأهل العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، والخروج برؤية تامة متماسكة، إن مشكلة الأمة في تعاملها مع قضاياها هي أنها تتعامل مع أحداثها بعين العاطفة، فيكون علاجها للأزمات هو جمع التبرعات ومعالجة المرضى ومداواة الجرحى وحفر الآبار، وهذا خير عظيم ولكن خير منه هو أن نحسن قراءة المستقبل وأن نعرف كيف نتعامل معه وأن نضع لنا في المستقبل موطن قدم، وألا يكون حالها هو دفع هذه الملمة لنستقبل بعدها أختها أكبر منها، فلو كان هناك قراءة للمستقبل لما وصلت أفغانستان إلى ما وصلت إليه اليوم، ولما كانت البوسنة تتأرجح تحت العلمانية بعد جهاد شرعي طويل، ولما ضاعت العراق، ولكن هي العاطفة التي تسيِّرنا، ولقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة حينما نظر إلى المستقبل فقال: (اليوم نغزوهم ولا يغزونا)، وحينما ولوا عليهم امرأة قال: ( لا يفلح قوم ولوا عليهم امرأة) فلا بد من إنتاج في قراءة المستقبل على جميع صوره العلمية والعملية.
    07 لقد أثبتت هذه الأحداث كره الناس لأمريكا، فلا بد من تغذية هذه الكراهية، حيث إن أسبابها موجودة وسبل دفعها مفقودة، فالظلم والطغيان والكبرياء والجبروت وفرض مفاهيم الحريات الخاصة على الناس واختبار نمط حياتهم والتصرف بثرواتهم وإعادة سياسة الرجل الأبيض، كل هذه أسباب تورث الحقد والبغض لهذه الأمة الأمريكية، ولئن ظن الأمريكان أن انصراف كثير من أبناء الأمم عن بلدانهم هو بسبب الظروف الأمنية، فقد أخطأوا وأبعدوا النجعة، وإنما هو بسبب البغض الحقيق للثقافة الأمريكية، ثقافة القهر والاستعلاء على الناس، ذلك الذي جعل الناس يختارون دولاً هي بالنسبة لأمريكا في ذيل القائمة تفضيلاً لثقافتها على الثقافة الأمريكية، وكلنا ذلك الرجل الذي يحمد الرب- جل جلاله- على النعماء والبأساء وبحمده على كشف وهتك الستر الأمريكي، ولا أستبعد أن تحاول أمريكا أن تعيد حساباتها في الاصطلاح مع الشعوب الأخرى.
    فأمريكا هي الإرهاب يا ولدي
    هي الإسفين في عضدي
    هي الطاعون يفتك في عرى كبدي
    هي الأستاذ في تشويه معتقدي
    هي التدمير والتشريد والتجويع في بلدي
    فلن أبكي على أرواح موتاها
    ولن أمشي أعزي في ضحاياها
    ولن أعطي ولو فلساً لجرحاها
    ولن أدعو لعل الله يرعاها
    فهذا بعض ما صنعته يمناها
    ففي الأقصى جراحات وتقتيل
    وفي بغداد تجويع وتدمير
    ألا تبَّت بحول الله يمناها ويسراها
    08 لقد أظهر الإعلام قوته في الحرب، وأنه أقوى من الآلة العسكرية، وإن كان ظهور ذلك في حرب 67 و 73، إلا أنه في الحرب العراقية ظهر بقوة وجلاء، فمن كان يستمع للحديث العراقي يظن أن العراق لن تكفي أرضه لدفن جثث الجنود الغازين، ومن سمع الإعلام الغازي ظن أن الأمة العربية والإسلامية قد غيبت هويتها واستنسخت لها هوية أمريكية أخرى، ولقد حازت أمريكا قصب السبق في الآلة العسكرية والإعلامية، وخدرت الشعوب كافة في وقت كانت فيه القنوات الإعلامية العربية تحاسب المتكلم عن حدة كلامه وقوة عبارته في نقده لعدوه وعدو الأمة .
    إن الغرابة كل الغرابة أن تجد أمريكا من يدافع عن كرامتها المزعومة في البلاد الإسلامية أكثر ممن يدافع عنها في بلاد أمريكا، وحرام في القنوات الإعلامية العربية أن تنتقد أمريكا، وهذا ظاهر بيّن وما تخفي الكواليس أعظم. ولكن ما أملك قوله هو رحمة الله على رفات إنسان ضحى من أجل الحقيقة في تلك الوسائل الإعلامية، وأنت ما زلت تتذكر فصل ذلك الإعلامي الغربي الذي انتقد أمريكا في حربها بعد دقائق من إتمام الحوار مع القناة العراقية، فما أعظم حرية أمريكا ومصداقية إعلامها!.
    09 لقد ظهر من دروس بغداد أن الطابور الخامس هو أخطر الفرق المقاتلة، وأن أمريكا استطاعت -عبر قوتها الاستخباراتية- أن تجعل لها عيناً وأذناً في كل مكان قيادي، ومازال كثير من القياديين لا ينتبهون لخطورة الطابور الخامس، وأنه هو الثغر الشاغر بيد المعتدي، وهم يلاحظون أن قراراتهم تبلغ أمريكا قبل أن تستكمل أناملهم التوقيع، فهل نعيد الحسابات كرة بعد كرة؛ لنقي الصف ونوحد الكلمة على هدف واحد حقيقي إن شئنا أن تكون لنا كلمة ويبقى لنا كيان .
    010 في صحيح مسلم من حديث المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول : ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول ما سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك).
    خمس قواعد ذهبية حقيق بالأمة أن تعمل بها وهي خير أمة أخرجت، للناس فهل يكون فينا الحلم مع هذه الفتنة فلا يهلكنا الاستغراق في لحظتنا ومصيبتنا هذه فنجر الأمة إلى هوة سحيقة بتصرف غير مدروس وعمل غير مسؤول؟ وهل نفيق بعد هذه المصيبة بعجالة؛ لنلملم الجراح ونواسي الثكالى، ونبدأ حياة الجد والاجتهاد في نصر جديد مجيد للأمة؟ وهل نبذل فراً كراً ونخطط برؤى مستقبلية ناضحة، بحيث نعرف ماذا سوف نعمل بعد عشر بل عشرين بل خمسين سنة، وهل ينتهي الفقر والمسكنة والضعف في أمة هي أغنى الأمم حتى طمع العدو في خيراتها، وقرر أنها لا تستحق هذه الخيرات لعدم استفادتها منها؟ وخامسة هي ما نرجوها بعد الصور التي رأيناها من الشعب العراقي تجاه نظامهم الساقط، فما أعظم لعنة الشعوب وأبلغ دعائهم على كل ظالم ولو بعد حين؟
    وبعد فهذه أسطر كتبتها بحسرة وألم أرجو أن تكون عاقبتها أملاً، وأن يعمل ولو بشيء منها، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت.
    [glint][grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/grade][/glint]
Working...