تجاوبا مع طلبات بعض الأعضاء الأعزاء سأحاول نقل بعض ذكرياتي في بلاد الأندلس ، لعلهم يجدون فيها فائدة أو متعه ولو بتصيّد أخطائي ومحاولة كشف أوراقي ! فذلك لهم ، فقد أصبحوا أغلى عندي من ذكرياتي .
في شتاء عام 1987 وصلت إلى مدينة أشبيلة التي تعتبر حاضرة أقليم الأندلس وعاصمته .
كنت قد سكنت في فندق ضخم يتوسط هذه المدينة الفريدة ، وما أن حل الليل حتى سمعت الموسيقى التي صاحبها غناءً لم يكن غريبا على أذني ، فذهبت مسرعا ناحية القاعة مصدر الصوت ، ولم أجد أثرا لأي عربي ، فشككت في نفسي ، وما أن عدت إلى مكاني الا وانا أسمع نفس المفردات التي سمعتها سابقا ،تأكد لي فيما بعد انها رقصة خاصة بهذه المدينة تدعى " الرقصة الأشبيلية" [ سفليانوا] نسبة الى أسم المدينة باللغة الأسبانية ( سفييل) الا أن الكلمات التي تغنى في هذه الرقصة الصعبة التي لايستطيع أداءها غير أهلها ( حاولت وحاول أهلها تعليمي لها بصفتي عربي، ولكنني لم أستطع إجادتها ) كلمات عربية حرفت جزئيا إلى اللغة الأندلسية ، لايكاد المرء العربي أن يسمعها حتى يندفع إليها مسرعا لظنه أنها عربية خالصة .وهذه الرقصة كانت معروفة عند العرب في أيام (الوصل بالأندلس ) في مواسم الحصاد ولا تزال من أهم أثارهم . وأذكر منها بعضها مثل : معتمد يامعتمد يامعتمد .والمقصود هو المعتمد بن عباد الفارس الذي سأعود اليه ان شاء الله .
مرّت علي الأيام سريعا وانا أزداد سعادة بما أعرفه مع الأيام عن هذه المدينة التي لم أكن أعرف عنها الكثير قبل وصولي إليها ، الا أنني سرعان ما غادرتها إلى المدينة التي كنت أعرف عنها نسبيا الشيء اليسير ، فركبت السيارة وتوجهت إلى الشرق عبر الطريق التي تشق حقول القمح والزيتون في مناظر لا أجمل ولا أحلى :
ياأهل أندلس لله دركم .. ماءٌ وظل ٌ وأشجار وأنهار .
وصلت إلى مدينة غرناطة التي طالما سمعت عنها حيث كانت آخر عاصمة سقطت من المسلمين ومعها خرج العرب من الأندلس كما تعلمون .
كان إبن الأحمر قد أتخذها عاصمة لمملكته التي شكلها بعد وفاة منافسه إبن هود والتي كانت تضم غرناطة ومالقه وبعض أجزاء الأندلس الجنوبية ، وقد بنى فيها قصر الحمراء العظيم الذي يعتبر أهم أثر تركه العرب في أسبانيا ، والذي لازال باقيا إلى اليوم كتحفة تمجد دور العرب المسلمين وإبداعهم المعماري الباهر .
لم أصدق ماكانت تراه عيني من الأبداع الهندسي الفريد ،فقد بني القصر على ربوة مرتفعة عن المدينة وتشرف عليها ، تتكيءالربوة على جبل" سيارا نيفادا " الذي يكسوه الثلج معظم أيام الشتاء ، فإذا مادخل المرء غرناطة من الجنوب الغربي فإن منظر القصر مع خلفية الجبل الأبيض والمدينة الخضراء التي تحته تجعله يفتتن بالمنظر الذي يرتسم في مخيلته الى الأبد .
قصر الحمراء وجنات العريف التي تقابله في الربوة الأخرى لايوجد لهما مثيل في العالم ، ولن أطيل عنها الكلام لأعود بكم اليها لاحقا ، بعد أن ننتهي من محطة وصولي الأولى " أشبيلية " .
عدت إلى أشبيلة التي أتخذها " الموحدون " عاصمة لهم ، وجهدوا لجعلها في مصاف العواصم الكبرى، فشيدوا فيها عدداً من المعالـم الحضارية، التي كان من أهمها الخيرالدا أو (المئذنة) التي بدأ ببنائها أبو يعقوب يوسف سنة 1172م، وتابع ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور بناءها من بعده.
لم أصدق ماكان يقوله لي صاحب العربة التي أستاجرتها للتعرف على المدينة عندما كان يشرح لي عن المئذنة "الخيرالدا" وظننته أما يكذب عليّ أو أنني لم أفهم مايقول ، حيث كان يحاول أفهامي بأن المؤذن كان يظهر إليها على ظهر حصانه عندما يأتي وقت الأذان .
دخلت إليها ووجدتها شيئا عجيبا ، فهي تتدرج على شكل ميول بسيط إلى الأعلى ، لايوجد فيها درج ، عرض طريقها حوالي متر ، في كل لفة تجد برجا قد صمم بشكل هندسي يساعد على توفير الضوء ، ويعمل على توفير الهواء وكأن به مروحة ضخمة . صدّقت عندئذ كلامه بل كِدْت أرى أثر حوافر خيل المؤذن ورائتحه ، عندما وصلت إلى أعلى المئذنه لم أتمالك نفسي ، فرددت "الله أكبر "بصوت عالي الا أنه يختلف في درجة قوته كثيرا عن صوت مؤذن "الموحدون ".
أصبح المسجد الذي به المئذنه وللآسف الشديد ثاني أكبر كنيسة في أوربا بعدما هزم القشتاليون العرب المسلمين وأخرجوهم من أشبيلية .
لاتخرج من المسجد ومئذنته الا وترى " برج الذهب " الذي شيده "الموحدون" على ضفة نهر الوادي الكبير ، الذي شيد لمراقبة حركة الملاحة والدفاع عن المدينة كمعلم حضاري فريد ، وقد سمي بهذا الأسم لأنه كان مطليا بالذهب ليتمكن الملاحون من رؤيته عندما يأتون من الغرب فيرونه عندما تلمع فيه الشمس من مسافات بعيدة .
ما إن أكملت جولتي في المدينة حتى شعرت بإنني واحد من أهلها !
أهلها أناس طيبون ، يحبون الحياة ، يسهرون الليل حتى الصباح ، يمشون كثيرا ولايأكلون الخبز الا قليلا ، يحبون الرقص والغناء ، لافرق بينهم حيث ترى عجوز في السبعين من عمره تراقصة فتاة في الثامنة عشر وقد يكون جدها أو أحد اقربائها .
دخلت إلى بيوتهم فوجدتها قد تزينت جدرانها بآيات من القرأن الكريم ، تفاجأت عندما سألتهم عن معانيها فوجدتهم لايعرفون الا أنها زخرفة هندسية من آثار العرب .
أكلاتهم لاتبتعد كثيرا عن أكلات العرب ، وهناك أكلة مشهورة بإسم " البقية " وهي عبارة عن خليط من الأرز والسمك والدجاج ، وهي ماكان يبقى خلف العرب على سفرهم العامرة ، فيقال أعطو البقية إلى المحتاجين ! فوجدوها لذيذة وأحتفظوا بمكوناتها فبقيت أكلة من أشهر مأكولاتهم .
ذهبت إلى جامعة أشبيلية ، التي تعتبر ثاني أقدم جامعة في أوروبا ، لكي أتعلم اللغة الأسبانية ، ووجدت فيها قسم يختص بتدريس اللغة العربية يرأسه دكتور عراقي إسمه كاظم ، ساعدني وأحتفى بي ايما إحتفاء.
[ سنبقى في إشبيلية ، فابقوا معنا غذا رغبتم ,اعطانا الله عمرا .... ]
في شتاء عام 1987 وصلت إلى مدينة أشبيلة التي تعتبر حاضرة أقليم الأندلس وعاصمته .
كنت قد سكنت في فندق ضخم يتوسط هذه المدينة الفريدة ، وما أن حل الليل حتى سمعت الموسيقى التي صاحبها غناءً لم يكن غريبا على أذني ، فذهبت مسرعا ناحية القاعة مصدر الصوت ، ولم أجد أثرا لأي عربي ، فشككت في نفسي ، وما أن عدت إلى مكاني الا وانا أسمع نفس المفردات التي سمعتها سابقا ،تأكد لي فيما بعد انها رقصة خاصة بهذه المدينة تدعى " الرقصة الأشبيلية" [ سفليانوا] نسبة الى أسم المدينة باللغة الأسبانية ( سفييل) الا أن الكلمات التي تغنى في هذه الرقصة الصعبة التي لايستطيع أداءها غير أهلها ( حاولت وحاول أهلها تعليمي لها بصفتي عربي، ولكنني لم أستطع إجادتها ) كلمات عربية حرفت جزئيا إلى اللغة الأندلسية ، لايكاد المرء العربي أن يسمعها حتى يندفع إليها مسرعا لظنه أنها عربية خالصة .وهذه الرقصة كانت معروفة عند العرب في أيام (الوصل بالأندلس ) في مواسم الحصاد ولا تزال من أهم أثارهم . وأذكر منها بعضها مثل : معتمد يامعتمد يامعتمد .والمقصود هو المعتمد بن عباد الفارس الذي سأعود اليه ان شاء الله .
مرّت علي الأيام سريعا وانا أزداد سعادة بما أعرفه مع الأيام عن هذه المدينة التي لم أكن أعرف عنها الكثير قبل وصولي إليها ، الا أنني سرعان ما غادرتها إلى المدينة التي كنت أعرف عنها نسبيا الشيء اليسير ، فركبت السيارة وتوجهت إلى الشرق عبر الطريق التي تشق حقول القمح والزيتون في مناظر لا أجمل ولا أحلى :
ياأهل أندلس لله دركم .. ماءٌ وظل ٌ وأشجار وأنهار .
وصلت إلى مدينة غرناطة التي طالما سمعت عنها حيث كانت آخر عاصمة سقطت من المسلمين ومعها خرج العرب من الأندلس كما تعلمون .
كان إبن الأحمر قد أتخذها عاصمة لمملكته التي شكلها بعد وفاة منافسه إبن هود والتي كانت تضم غرناطة ومالقه وبعض أجزاء الأندلس الجنوبية ، وقد بنى فيها قصر الحمراء العظيم الذي يعتبر أهم أثر تركه العرب في أسبانيا ، والذي لازال باقيا إلى اليوم كتحفة تمجد دور العرب المسلمين وإبداعهم المعماري الباهر .
لم أصدق ماكانت تراه عيني من الأبداع الهندسي الفريد ،فقد بني القصر على ربوة مرتفعة عن المدينة وتشرف عليها ، تتكيءالربوة على جبل" سيارا نيفادا " الذي يكسوه الثلج معظم أيام الشتاء ، فإذا مادخل المرء غرناطة من الجنوب الغربي فإن منظر القصر مع خلفية الجبل الأبيض والمدينة الخضراء التي تحته تجعله يفتتن بالمنظر الذي يرتسم في مخيلته الى الأبد .
قصر الحمراء وجنات العريف التي تقابله في الربوة الأخرى لايوجد لهما مثيل في العالم ، ولن أطيل عنها الكلام لأعود بكم اليها لاحقا ، بعد أن ننتهي من محطة وصولي الأولى " أشبيلية " .
عدت إلى أشبيلة التي أتخذها " الموحدون " عاصمة لهم ، وجهدوا لجعلها في مصاف العواصم الكبرى، فشيدوا فيها عدداً من المعالـم الحضارية، التي كان من أهمها الخيرالدا أو (المئذنة) التي بدأ ببنائها أبو يعقوب يوسف سنة 1172م، وتابع ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور بناءها من بعده.
لم أصدق ماكان يقوله لي صاحب العربة التي أستاجرتها للتعرف على المدينة عندما كان يشرح لي عن المئذنة "الخيرالدا" وظننته أما يكذب عليّ أو أنني لم أفهم مايقول ، حيث كان يحاول أفهامي بأن المؤذن كان يظهر إليها على ظهر حصانه عندما يأتي وقت الأذان .
دخلت إليها ووجدتها شيئا عجيبا ، فهي تتدرج على شكل ميول بسيط إلى الأعلى ، لايوجد فيها درج ، عرض طريقها حوالي متر ، في كل لفة تجد برجا قد صمم بشكل هندسي يساعد على توفير الضوء ، ويعمل على توفير الهواء وكأن به مروحة ضخمة . صدّقت عندئذ كلامه بل كِدْت أرى أثر حوافر خيل المؤذن ورائتحه ، عندما وصلت إلى أعلى المئذنه لم أتمالك نفسي ، فرددت "الله أكبر "بصوت عالي الا أنه يختلف في درجة قوته كثيرا عن صوت مؤذن "الموحدون ".
أصبح المسجد الذي به المئذنه وللآسف الشديد ثاني أكبر كنيسة في أوربا بعدما هزم القشتاليون العرب المسلمين وأخرجوهم من أشبيلية .
لاتخرج من المسجد ومئذنته الا وترى " برج الذهب " الذي شيده "الموحدون" على ضفة نهر الوادي الكبير ، الذي شيد لمراقبة حركة الملاحة والدفاع عن المدينة كمعلم حضاري فريد ، وقد سمي بهذا الأسم لأنه كان مطليا بالذهب ليتمكن الملاحون من رؤيته عندما يأتون من الغرب فيرونه عندما تلمع فيه الشمس من مسافات بعيدة .
ما إن أكملت جولتي في المدينة حتى شعرت بإنني واحد من أهلها !
أهلها أناس طيبون ، يحبون الحياة ، يسهرون الليل حتى الصباح ، يمشون كثيرا ولايأكلون الخبز الا قليلا ، يحبون الرقص والغناء ، لافرق بينهم حيث ترى عجوز في السبعين من عمره تراقصة فتاة في الثامنة عشر وقد يكون جدها أو أحد اقربائها .
دخلت إلى بيوتهم فوجدتها قد تزينت جدرانها بآيات من القرأن الكريم ، تفاجأت عندما سألتهم عن معانيها فوجدتهم لايعرفون الا أنها زخرفة هندسية من آثار العرب .
أكلاتهم لاتبتعد كثيرا عن أكلات العرب ، وهناك أكلة مشهورة بإسم " البقية " وهي عبارة عن خليط من الأرز والسمك والدجاج ، وهي ماكان يبقى خلف العرب على سفرهم العامرة ، فيقال أعطو البقية إلى المحتاجين ! فوجدوها لذيذة وأحتفظوا بمكوناتها فبقيت أكلة من أشهر مأكولاتهم .
ذهبت إلى جامعة أشبيلية ، التي تعتبر ثاني أقدم جامعة في أوروبا ، لكي أتعلم اللغة الأسبانية ، ووجدت فيها قسم يختص بتدريس اللغة العربية يرأسه دكتور عراقي إسمه كاظم ، ساعدني وأحتفى بي ايما إحتفاء.
[ سنبقى في إشبيلية ، فابقوا معنا غذا رغبتم ,اعطانا الله عمرا .... ]
تعليق