قبيل النوم ... تعود معظم الناس على قراءة كتاب أو قصة ما ...
ولكنني تعودت على الإمساك بقلمي لأسطر ما يدور في بالي ، لأنني في هذا الوقت بالذات أجد رغبة جامحة للكتابة التي اعتبرها متنفس جيد لي لتفريغ التفاعلات والانفعالات النفيسة التي حبستها داخلي طيلة اليوم ... وليس بالضرورة أن يكون ما اكتبه جيداً للطرح ، ولكنني اكتب أي شيء ... حتى وان كانت رؤوس أقلام لموضوع ما استكمله لاحقاً .
أمسكت بقلمي بعد أن أطلقت العنان لخيالي لعلي اسطر بضعة اسطر لأقدمها للمنتدى تناقش قضية ما أو فكرة ما أو هدفاً ما ...
وبعد صمت طال قليلاً ... عاد إلى الفكر يجر وراءه خيبة الأمل وحسرة الإفلاس ليسألني كيف يحلق ؟ وأين يهيم في هذا الليل البهيم ؟
ضحكت والله من قلبي .. وقلت في نفسي ( لقد جف الفكر ونضب ... ولا حول ولا قوة إلا بالله ، بعد أن تساءلت هل فعلاً لا يوجد مع هذا الزخم من الأحداث الاجتماعية والدينية والعلمية أي موضوع يمكن مناقشته ؟ ) ربما ..!!
قررت مطالعة إحدى الكتيبات التي ربما استوحي منها موضوعاً يرضي تطلعاتي ، ولكنني عدت إلى نفس النقطة المفلسة .. !
قلت في نفسي .. يبدو أن الوقت غير مناسب ، لعلي اكتب في وقت لاحق رغم ذلك الشعور الجامح للكتابة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فجأة ... !!
وبدون مقدمات بدأت ذاكرتي تستعرض صوراً سريعة ومتنوعة أمام عيني ملطخة بالدماء .. وبدأت الأصوات ترتفع أطفال ، نساء ، شيوخ ، نيران مشتعلة ومنازل مهدمه طائرات وقنابل وصواريخ ومضادات .... يا الله ... يا الله ..!!
إنها صور مرعبة كئيبة حزينة مخيفة ..
إنها صور من بغداد ، البصرة ، أم قصر ، ..........
أنها صور من دولة بني العباس ..!!!!
ماذا حدث لك يا ارض الأدب والأصالة ، يا ارض الشعر والشعراء ، يا بلاد الرافدين ؟؟؟
على أحد روافدها - دجلة - وبين شعبتيه تقع تلك المدينة الحالمة التي حباها الله بطبيعة خلابة تأسر النفوس ... تغنى فيها الشعراء وسطر المؤرخون فيها أجمل الوصف ... إنها مدينة الجمال و الحدائق الآسرة .
ومن يتذكر بغداد لا بد وأن يتذكر الحجاج الذي اشتهر بجبروته حتى انه كان يقتل الرجل كما تقتل الدجاجة لا يفرق بينهما ...
ومن لا يعرف الحجاج .... وخطبته العصماء التي بدأها بالوعيد الشديد وهدد بقطف الرؤوس اليانعة ... ؟
ومن الحجاج مباشرة نعود للقيادة الحالية لأنها لا تختلف كثيراً عن تلك إلا في مسمى الديانة والمعتقد ...
هذه القيادة التي طغت وبغت و أفسدت في الأرض فساداً عظيماً حتى استعبدت الناس بالقوة وقتلت الأبرياء بدون سبب ...
ومن لا يتذكر حلبجة وضحاياها الأبرياء ؟؟
لم تكن تعلم هذه القيادة آنذاك أن الله سوف يسلط عليها من لا يخافه ولا يرحمها ، وأنها سوف تكون سبباً رئيسياً في توريط العالم الإسلامي تحديداً في كارثة حربية لا طاقة لهم بها إلا بنصر من الله ، تلك الحرب التي ربما تصبح يوماً حرباً عالمية شرسة ( لأنها مصيرية ) ، وبالتالي تكون جنت على نفسها وشعبها وعلينا ويلات كنا في أغنى الغنى عنها .
مع طغيان هذه القيادة البعثية وتغطرسها وصلت إلى مرحلة من التحدي للقوة العظمى في العالم وفتحت لها مدخلاً حقيقياً طال انتظاره لمنطقة الخليج لتفعل الأفاعيل التي لا تخطر على بال لتحقق أهدافاً أكبر من تصوراتنا بكثير ...
من لطش البترول إلى العولمة والتحرير الفكري والثقافي والسيطرة الكاملة على العراق تحت غطاء الديمقراطية المرتقبة التي سوف تضمن للشعب العراقي الحياة الكريمة والحرية المطلقة بعد القضاء على القيادة الحالية حسب زعم الصليبيين .
ولكن هذا ليس للعراق فقط بل لكل دولة عربية دورها في جدول التحرير الصليبي أعني الديمقراطي .
إن من يعيش مأساة الشعب العراقي لا يملك إلا أن يبكي دماً وحسرة وألماً ، فهم بحق بين خيارين أحلاهما مر : صدام وحزبه البعثي من جهة ، وأم الشر ( أمريكا ) من جهة أخرى .
والضحية لا تسأل عن حاله ... !!
في الوقت الذي يقف فيه العالم العربي والإسلامي وبالتحديد مليار ومائتي مليون مسلم معلناً إفلاسه الديني الذي حرك قلب المعتصم وغيرته ليقود بنفسه حرباً شرسة عندما صرخت واستغاثت في زمانه امرأة ، والإفلاس الاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي والأخلاقي لتخرج علينا امرأة عراقية في قناة الجزيرة وعلى مرأى ومسمع من العالم لتصرخ بصوتها الحزين وتنادي مستغيثة ( و ااااااا إسلاماه ) ليرتد عليها صوتها يجر وراءه حسرة الإفلاس ... لأنه لم يجد من يحتضنه ... كما ارتد لي ذلك الفكر المفلس ... !
لأنها ليست في زمان هارون الرشيد الذي أرسل يوماً كتاباً ومن نفس تلك المدينة الحالمة - بغداد - مفاده ( من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه دونما تسمعه ) وماذا رأى كلب الروم حينها ... ؟؟
بينما يقرأ ويسمع صدام والعالم العربي والإسلامي بأكمله رسالة بوش إلى صدام العراق ومفادها ( على صدام التخلي عن السلطة في العراق ومغادرة البلاد خلال 48 ساعة ) دون أن يجد هاروناً آخر ليرد عليه ... ..!!
لا عجب فالزمان غير الزمان ... فوا أسفي عليك يا بغداد ...
لقد عرفت الآن أن الإفلاس أكبر بكثير من جفاف قلمي ...!!
مع وافر التحية
تعليق