بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الموضوع أوردته جريدة الحياة :


(العنوان: يتسللون خلال الليل إلي المقابر الموحشة ويشعلون شموعاً سوداء . عبدة الشيطان في أوروبا يتواصلون بالانترنت ويقدسون الوردة الزرقاء ويروجون للانتحار )
(الكاتب: )
(ت.م: 29-08-2001 )
(ت.هـ: 10-06-1422 )
(جهة المصدر: )
(العدد: 14045 )
(الصفحة: 1 )

عدد حالات الانتحار يرتفع مثيراً تساؤلات مزعجة. الشبح الأسود يأتي من أعماق التراث الأوروبي المشبّع بحكايات الأبالسة والسحرة يقض مضاجع الحكام. أوروبا اعتادت ظهور طوائف وجماعات دينية تزحف اليها من كل حدب وصوب، مستغلة الفراغ الروحي، وأيضاً الحرية التي يتيحها انعدام علاقة الدين بشكل المجتمع وقوانينه. الأمر تغير اليوم. أوروبا تستفيق علي ظل أسود مزعج يهددها: إنه الشيطان الذي يروج لعبادته في هذه الأرض المسكونة بتراث روحي ضحل.
رقابة الأهل، ورقابة السلطات ورقابة المجتمع تبدو عاجزة أمام فضول صغار السن الذين يتسللون عبر الانترنت والهاتف النقال الي مواقع الشيطان ويتعلمون فنون السحر والشعوذة . التفاصيل المتاحة عليها تعلّم ضرورة شرب الدماء وكيف يمكن للمرء أن يوثّق عهده مع الشيطان بدمه المسفوك. التفاصيل المتاحة كثيرة، ومتوافرة بسعة مع نصائح وتوجيهات لطقوس ترسيخ العلاقة مع إبليس اللعين. غرف التواصل والمحادثة عبر مواقع الانترنت الشيطانية تتيح أيضاً التحدث عن المشاكل الشخصية والمآسي التي يعيشها كل محاور. النتيجة تكون تهيئة الشخص، والصغار والعاطلين عن العمل خصوصاً، للاقتناع بأن هناك معني آخر للحياة. معني جديد يمكن تلمسه من خلال اعتناق آراء أخري مغايرة لما اعتادت الحياة أن تسير عليه، لأن العيش عبثي فارغ من كل مدلول .
الظاهرة لها ضحايا كثيرون في أوروبا، كما في الولايات المتحدة. وتتجه الأنظار في صورة خاصة إلي ألمانيا التي شهدت في السنوات الأخيرة حوادث انتحار وقتل غامضة أمضت الشرطة وقتاً طويلاً في اكتشاف ملابساتها.
عبادة الشيطان تروج لفكرة الانتحار واليأس من الحياة. في العامين الماضيين بلغ عدد عبدة الشيطان الذين فضلوا التخلص من حياتهم 51 شخصاً في ألمانيا الشرقية وحدها. كثيرون غيرهم من المواطنين الألمان، والأحداث خصوصاً، ينتظرون عبور خط الموت، ليتخلصوا من حياة لا تستحق مجرد عيشها .
الوردة الزرقاء اسم المجموعة الشيطانية التي ينتمي اليها آخر ثلاثة مراهقين قضوا انتحاراً يوم السبت الماضي. مجموعتهم كانت تمارس طقوساً دموية في الغابات وتقطع رؤوس الماعز وتضحي بها في طقوس شيطانية لتمجيد الشيطان وعبادته. الطقوس تتم في المقابر وخلال الليل. العبدة الشيطانيون يقدمون أيضاً علي قطع عروقهم وشرايينهم ليمتصوا دماء بعضهم البعض ويشربوها. الطقوس جزء من أشكال العبادة الإبليسية. السائل الأحمر القاني دليل الحياة، والاستهانة بقدسيته استهانة بالحياة نفسها. الممارسة خطرة ومعدية، سيما وأنها قد تقترن بعلاقات شاذة وفاضحة يقيمها من لا يقيمون حرمة للمقدسات ولا للقيم الأخلاقية، ويرغبون في ممارسة كل الممنوعات، لأنها تأكيد لقدرتهم علي الولادة من جديد خارج قيم مجتمعهم.
مايكل، 41 عاماً. مايك، 71 عاماً. رينيه، 81 عاماً. ثلاثتهم ضحايا اصطادتهم شباك الشيطان. رسموا وشماً شيطانياً علي أجسادهم ورموا بأنفسهم في الليل البهيم من أعلي جسر غولتسشتال، بالقرب من مدينة رايخنباخ الساكسونية. الجسر يعلو 87 متراً. الموت كان محتماً. أحدهم ترك ورقة تقول: نحن غير مسرورين بهذه الحياة، ونبحث عن أخري أفضل .
المسؤولون تحركوا. الحادث سلط الأضواء عل انتشار الظاهرة التي تقض مضاجع كل رب أسرة. مراهقون آخرون غيرهم أقدموا في الشهور الأخيرة علي الانتحار بطرق لا تترك سيبلاً للنجاة. مسؤولو الرعاية الاجتماعية والشرطة يقرّون اليوم بوجود ظاهرة شيطانية تمجد الانتحار وتعتبره ذروة تحقيق الذات، لا سيما في المدن الصغيرة حيث المراهقون يعانون من الوضع الاجتماعي البائس لأهاليهم الذين يعانون من المعدلات العالية للبطالة.
الآباء والأمهات الذين تملكهم الخوف تحركوا لحماية فلذات أكبادهم. فرضوا رقابة علي استخدام الهاتف النقال لمنع استخدامه في ايصال رسائل الانتحار الشيطانية. صادروا أيضاً أجهزة الكومبيوتر. لكن الظاهرة لها تشعبات وامتدادات. الأساتذة والرهبان يتحدثون عن ظاهرة واسعة الانتشار، وعن قداديس ظلامية تحفها شموع سود وشعوذات في المقابر والأطلال المهجورة وفي العراء، وعن يمين يقسمه الأعضاء الجدد الذين ينتسبون إلي هذه الديانة الشيطانية.
هوليوود لا تشجع علي محاربة هذه الظاهرة، وهي التي ركزت في السنوات الأخيرة علي زيادة مسلسلاتها عن السحر ومصاصي الدماء والشياطين، ومجدت المنخرطين في العالم السفلي. عالم الموسيقي المليء بالمخدرات والسطحية يغذي، بدوره، جنون الباحثين عن معاني أخري تخرجهم من دوامة الملل والرتابة والضجر. العام الماضي تجمع 03 ألفاً في مهرجان أحيته فرق موسيقية مشهورة، قرب مدينة ليبزيغ، وأنشدت أغاني تروج جميعها للانتحار وعبثية الحياة والعناء من أجلها.
الخطر يثير القلق في أنحاء أوروبا، بما في ذلك بريطانيا، حيث تنشط فيها أكثر من ألف مجموعة من عبدة الشيطان. هذه المجموعات تقوم بعمل نشط لا يقتصر علي استخدام الانترنت في الترويج لأفكارها، ولكنها أيضاً تقوم بطباعة مجلات تقوم بتوزيعها مجاناًَ علي الطلاب وتعرض عليهم خدمات تجتذبهم اليها ببعدها الاجتماعي، من دون أن يدروا أنهم باتوا ضحية إحدي الجماعات التي تدعو إلي عبادة الشيطان.